|
لقد أضعت بإرادتك اسمها من الذاكرة
فاطمة المزروعي
الحوار المتمدن-العدد: 1934 - 2007 / 6 / 2 - 10:17
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة وأمور أخرى ليس لها قيمة ... تجد نفسك وحيدا في المطار، تحمل حقيبتك الصغيرة، في ذاكرتك فقط الوجه الأسمر والشعر الناعم، ورائحة جسدها، تحاول بكل ما لديك من مساحيق الغسيل أن تزيلها، ولكنك تشعر منذ الوهلة الأولى بأنها تتغلغل داخل خلايا أنفك ، ومسامات جلدك..
هناك تفاصيل في هذه الذاكرة المهشمة قد تضيع مع الزمن، مع أية تفاعلات وأحداث يومية، ولكن هذا الشيء الذي يربطك بها لا يمكنه أن يمتحي من ذاكرتك، ليس لأنك راغبا في أن تحتفظ به، ولكنها الظروف التي شاءت أن تكون هي ..
أحيانا يبقى إحساسنا بالأمكنة والشوارع والحارات، والمقاعد والصحون والملاعق وحتى القطط والكلاب، يبقى كبيراً، ربما أكثر من إحساسنا من البشر.. تحدث نفسك بهذا الخاطر..
تبتسم في وهن وعينيك تتجولان في أمكنة غريبة، تفرضها على نفسك فور دخولك المطار، تشعر بآلاف الحواجز تسقط فجأة عليك.. للوهلة الأولى، تتأمل في وجوه المحيطين حوله، وبإمعان، تتفرس في ملامحهم، في تقاطيع وجوههم، تثير عروقهم البارزة، وعيونهم الملتهبة بالوحشة أشياء كانت مبهمة فيك، تخفي ملامحك بوجهك، تريد أن تتجاهل الأمور من حولك حتى لا تتعب أثناء تحليقك في الطائرة في التفكير... تتذكر خوفك وأنت طفل صغير من الناس، ورهبتك من الوجوه، كنت تدس وجهك في ثوب أمك، تتوارى بخوفك خلفها، وكنت تتساءل في سذاجة، لم وجوههم مختلفة، وتظل في حيرة من سؤالك الذي كنت تطرحه منذ الطفولة، وعندما تكبر يظل السؤال يلح عليك، لم الوجوه كلها من حولك مختلفة ونفوسهم مختلفة وعقولهم مختلفة ومشاعرهم مختلفة، ولم الأمور كلها مختلفة، إذا هل تريدها كلها متشابهة؟ هل حقاً تعشق الأشياء المتشابهة ؟ أم مجرد سؤال يظل في أعماقك طيلة أعوامك الثلاثين،لم تقاطيع وجهها قد بدأ في الاختلاف في الآونة الأخيرة، حتى رائحة نهديها إنهما تثيران في نفسك الاشمئزاز والألم كرائحة الموت والدم والرصاص .. في اليوم الأخير قبل أن تودعها بكت في حضنك، تعلقت بك، تستعطفك أن تحملها معك، تعدها في البداية ، ثم تعود لتتجاهلها، تقنع نفسك بأنك سوف تنساها، وهي لحظة أوجدتها الحاجة والرغبة، ربما سوف تجد طريقاً لها في هذا العالم، ورجلاً يجد فيها شيئا آخرا غير رائحة نهديها.. تلتفت تنظر إليها للمرة الأخيرة، لم تسألها عن اسمها، لم تفعل ذلك، ولم تأتي الفرصة المناسبة لتفعل ذلك، كلما جئت لتراها، كنت تتعمد أن تجعل الأضواء خفيفة في الغرفة، كلما اجتمعت معها على السرير، لم تكن تريد أن تجعل ذلك الوجه يرتسم في ذاكرتك، أردت أن تمح منها كل الأسماء والطرق والشوارع والدكاكين، رحت تتأمل وجهك في المرآة الصغيرة التي أعطتك إياها قبل السفر، كهدية وداع، ترى وجهاً زائفاً مغلفاً بمشاعر لامعنى لها، بقايا آدمية، الشارب الضخم، والعينان، ترى بهما مشاهد عديدة كانت تجمع بينكما وتظل أغلبية الوقت صامتاً، وكأن الأمر لا يعنيك، وتردد في آلية باردة لن أدخل أنفي في شيء لا يخصني، وكأن وطنك شيء لا يعنيك، وحياتها أمرا لا يعني أحداً سواك، قد تكون ولدت في تلك الشوارع المعفنة، وعاشت حياة الفقر والجوع ومارست الرذيلة مع رجال كثيرين غيرك، ولكنها أقسمت بأنك ستكون حياتها إن ساعدتها في الهرب من هذا الجحيم، ولكنك في ظل هذه الظروف القاسية، تبتعد، وتتذكر الشرف ووالدك وشقيقتك التي هربت في ليلة ظلماء مع حبيبها، وامرأة عذراء، تستمتع بصراخها في أول ليلة لك معها.. لقد خذلتها، لهذا تحاشيت في آخر لقاء لك معها، أن تتلاقى عينيك مع عينيها، حتى لا ترى فيهما رداءة كتاباتك، وقصصك التافهة التي تنشرها في مجلة عروض الأزياء والماكياج...
تتحرك في الحياة لتمارس طقوسك الروتيني في الأكل والشرب والنوم، لقد تعبت من رائحة الجثث المتعفنة وحكايات جدتك التي تسردها عليك كل مساء عن بطولات والدك وجده في زراعة هذه الأرض، ورفع شعارات الثورة وتحدي السلطة .. أي سلطة، هناك خلف السجون، يقمعون الحرية، يقتلون الأحلام بقسوة، يمارسون قوتهم بهراوات، دمعة قهر تخفيها خلف قناع بارد، وأنت تتأمل المدينة المغلفة بقناع من الثلج.. لا داعي أن تعيد الماضي، فلتحاول أن تنسى كل الوجوه كما نسيت اسمها.. كانت تحدثك عن أحلامها، فكنت تتلقى الحب والحنان في حضنها، و لم تحاول يوماً أن تسألها عن اسمها، ولم تحاول هي أن تلفظه أمام أحد، كنت تتذكر رائحة نهديها كلما قربت وجهك منهما، كانت تهمس في جدية في أذنك.. سوف نعيش رغم كل الظروف.. كنت تستغرب كيف يمكن لامرأة عاشت في الطرقات، وجربت حياة التشرد ومارست حياة البغا أن تتلفظ بمثل هذه العبارات والمقولات السياسية، تهز رأسك في عنف، تحاول أن تبعد شبحها عن رأسك، وأنت تستعد لركوب الطائرة، خيل إليك إنك ترى وجهها في كل الوجوه التي سوف تشاركك رحلتك في هذا اليوم.. وفي استياء بالغ رحت تشغل نفسك في محاولة تذكر اسمها ..
قاصة إماراتية
#فاطمة_المزروعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لم يكن له ملامح
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|