إن أفكار ونظريات الدكتور المهدي المنجرة جالت العالم اعتبارا لمداها البعيد وشموليتها، وهما ميزتان أكدتهما الأحداث الدولية ولازالت تؤكدهما. والدليل على هذا الطلبات الكثيرة والدعوات العديدة التي يتوصل بها الدكتور من كل أرجاء العالم شماله وجنوبه، غربه وشرقه، من أجل إلقاء المحاضرات أو المساهمة في اللقاءات أو الإدلاء باستشارات أو السهر على إدارة أبحاث ودراسات.
وتجواله هذا عبر العالم يذكرنا شيئا ما بابن بطوطة الذي، قرونا بعد رحيله عن هذا العالم، ما زلنا لحد الآن نتكلم عنه وعن إسهاماته، ولا محالة ستأتي قرون وسيظل الناس يتحدثون عن إسهامات الدكتور المهدي المنجرة في مختلف أرجاء العالم.
ـ من هو ؟
الدكتور المهدي المنجرة من مواليد 1933 بالرباط، تلقى دراسته الجامعية بالولايات المتحدة بجامعة " كورنيل". وبعد حصوله على الإجازة في البيولوجية والعلوم السياسية، تابع دراسته العليا بإنجلترا وحصل هناك على الدكتوراه في الاقتصاد بجامعة لندن.
وكان من الأساتذة المغاربة الأوائل الذين قاموا بالتدريس بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1958. وتقلد عدة مناصب سواء على الصعيد الوطني أو الدولي وساهم في إحداث الفيدرالية الدولية للدراسات المستقبلية وأسس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان. هذا علاوة على عضويته في جملة من المؤسسات ذات الصيت العالمي من ضمنها أكاديمية المملكة المغربية والأكاديمية الإفريقية للعلوم والأكاديمية الدولية للفنون والآداب. له عدة كتابات في مختلف مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، أكثر من 600 مقال وعدة مؤلفات، ولا زال قلمه سيالا ينتج باستمرار وعلى الدوام.
وحصل الدكتور المهدي المنجرة على عدة جوائز، من ضمنها جائزة الحياة الاقتصادية سنة 1981 والميدالية الكبرى للأكاديمية الفرنسية للمعمار سنة 1984 وقلادة الفنون والآداب بفرنسا سنة 1985 وقلادة الشمس الشارقة باليابان سنة 1986 وميدالية السلام من الأكاديمية العالمية لألبير اينشتاين وجائزة الفيدرالية الدولية للدراسات المستقبلية سنة 1991.
لقد جال الدكتور المهدي المنجرة العالم كله، غربه وشرقه، شماله وجنوبه. وأشرف على عدة أبحاث من ضمنها إشرافه بطوكيو سنة 1998 على فريق بحث عالمي يضم 15 عالما التعددية الثقافية وآثارها المستقبلية على الهجرة.
الدكتور المهدي المنجرة جال كثيرا بدهاليز المنظمات الدولية وخبر خباياها، كما بلغ بداخلها أسمى المناصب وندد بمواقعها في قضايا الحاضر والمستقبل، وهذا ما حتم عليه مشروعه العلمي والفكري الواسع على الانسحاب منها. لاسيما وأنها منظمات انحازت في واضحة النهار للدول الكبرى وتعاطفت معها تعاطفا صارخا على حساب بقية العالم بعد أن انصهرت في نموذج الفكر الواحد دون اعتبار حق الاختلاف وتمييز القيم، إلى درجة عدم الاعتراف للشعوب بحقها في التنمية. كيف لا والدكتور المهدي المنجرة أعلن الحرب الضروس منذ فجر شبابه على " الفكر الواحد" الذي لا يعترف بحقيقة واضحة للعيان: ضرورة وإلزامية وجود الاختلاف ؟ كيف لا والدكتور المهدي المنجرة كرس حياته وما زال للدفاع عن الحق في الاختلاف كقيمة حضارية لا مندوحة عنها كيف ما كانت الأحوال ؟ كيف لا والدكتور المهدي المنجرة كان ولا زال مجبولا على الصدق في المواقف والجرأة في التعبير والمواجهة الفكرية.
اللقاء مع محمد بن عبد الكريم الخطابي.
في سنة 1954 سافر الدكتور المهدي المنجرة إلى لندن لتحضير الدكتوراه حول الجامعة العربية. وفي السنة الموالية 1955 حصل على منحة من مؤسسة روكفلر مكنته من السفر إلى مصر للالتقاء ببعض المسؤولين في الجامعة العربية، وهناك التقى بزعيم حرب الريف المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي وشقيقه امحمد.
اللقاء مع محمد الخامس:
وعندما كان الدكتور المهدي المنجرة بلندن كان واحدا من الطلبة المغاربة الذين استقبلهم الراحل محمد الخامس بباريس في طريق عودته من المنفى إلى أرض الوطن، وكان هذا قبيل الاستقلال. وبعده، في سنة 1959 استقبل الملك محمد الخامس الدكتور المهدي كأول أستاذ مغربي في كلية الحقوق بالرباط وأصغر الأساتذة بها سنا وعينه مديرا للإذاعة والتلفزة المغربية خلفا لقاسم الزهيري.
في أمريكا:
حادثة غريبة كانت وراء التحاقه بالديار الأمريكية في نهاية أربعينات القرن الماضي لمتبعة دراسته إنها واقعة حدثت للمهدي المنجرة الشاب سنة 1948، وكانت فاصلا في مسار حياته وشخصيته.
كان آنذاك بمدينة إفران، بينما كان في المسبح اقترب كلب الفرنسيين وأجابه آخر قائلا: إذا كان هناك عرب يسبحون، فلم يمنع ذلك على الكلاب. ولم يتمالك المهدي المهدي المنجرة نفسه فانقض على ذلك الرجل ولكمه. وكان رئيس الأمن الإقليمي لمدينة إفران واقتيد المهدي إلى مخفر الشرطة حيث قضى بعض الأيام رهن الاحتجاز. وهذا ما أقنع والده بضرورة إرساله إلى أمريكا لمتابعة دراسته.
وهناك بأمريكا أسس الدكتور المهدي المنجرة النادي العربي وعمل مديرا للمجلس الدولي للطلبة. كما كان أحد مؤسسي جمعية المسلمين والنادي الشرقي وعضوا في جمعية " من أجل عالم جديد ".
وهو بأمريكا نشبت الحرب مع كوريا سنة 1954، طلب منه، باعتباره يتوفر على البطاقة الخضراء، التجنيد إلا أنه رفض.
الهجرة إلى اليابان
كانت النقطة التي أفاضت الكأس وهيئت جميع الشروط والظروف لهجرة الدكتور المهدي المنجرة إلى اليابان، منعه بإلقاء محاضرة بجامعة فاس. ومهما يكن من أمر فإن الدكتور هجر قسرا باعتبار ما بينه وبين بلاده من حب وتعلق، وما بينه وبين الجامعة المغربية عموما من علاقة حميمة. ألم يكن الدكتور المهدي من أوائل المغاربة ومن أصغر الأساتذة سنا من التحقوا بها سواء للتدريس أو التأطير أو البحث؟ ألم يفن عمره دفاعا عن كرامة وحرمة الجامعة واستقلاليتها؟
وتظل للدكتور المهدي المنجرة مكانته وهيبته الفكرية والعلمية. كيف لا وهو الذي تعددت مصادر الإلهام لديه. إنه في الحقيقة، كما يقول الأستاذ يحيى اليحياوي، لم يعد شخصا ذاتيا عاديا، بقدر ما هو مؤسسة علمية لها أتباع عبر العالم، لها صداها العالمي الواسع ولها جائزتها، جائزة التواصل الحضاري شمال ـ جنوب.
ويرى " بونصولي " في الدكتور المهدي المنجرة المثقف العالمي، الجامعي والمؤلف الواسع الآفاق.
لقد كرس الدكتور المهدي المنجرة حياته للدفاع عن الحق في الاختلاف كقيمة، لاسيما وهو الرجل الذي اندغمت بداخله صلابة وقوة المبدأ وانصهرت في صلبه الجرأة في التعبير والصدق والنزاهة في الموقف مهما كان الأمر ومهما كانت العواقب.
ويظل الدكتور المهدي أحد المراجع العربية والدولية في مختلف قضايا السياسة والعلاقات الدولية والدراسات المستقبلية.
ـ المستقبليات:
يقول الدكتور المهدي المنجرة أن المستقبليات ليست تنبؤ، لأنه لا وجود للتنبؤ عند البشر. والتنبؤ كان لخاتم الرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وإنما يقوم الإنسان بمعاينة وتتبع ودراسة تيارات الذات وتوجهات الأحداث ويحاول النظر في مداها البعيد وإلى حيث هي سائرة. وذلك مثل رؤية المرء لموجة البحر في بدايتها ويظل يتبعها على بعد 300 أو 500 متر أو 1000 متر، وينظر إلى ماذا ستحمل معها. إلا أن السياسي يهتم دوما بالآني. ففي الصباح يفكر في هل سيظل وزيرا أو مسؤولا أو في مكانه حينما يحل به في المساء.
للوقوف على معنى الرؤية المستقبلية يمكن الاستعانة بما كان يسميه الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستبصار. والاستبصار في اللغة العربية هي الطريقة التي نرى بها الأمور. وكان النبي صلى الله عله وسلم يستبصر كل صباح وهذا نوع من الديناميكية. وفي هذا الصدد يقول الدكتور المهدي المنجرة أن المستقبلي غير الجيد لا يفكر إلا في المدة التي سيعيشها لأنه لا يهمه ماذا سيقع بعده، أما المستقبلي الجيد هو الذي يفكر على مدى هو على يقين تام أنه سوف لن يراه ويعاينه ولن يكون فيه على قيد الحياة، وبذلك فإن مصالحه الخاصة لم تعد مرتبطة بآرائه، بل تكون حرة ومتحررة من أية مصلحة كيفما كانت.
ـ إشكالية الدكتور المهدي المنجرة.
إن الدكتور المهدي المنجرة يهتم بأزمة مصيرية وهي إلى أين نسير ؟ إنها أزمة تؤلمه ، لاسيما وهو يعاين غياب رؤية مستقبلية لدى القائمين على الأمور بالمغرب . وقد سبق للدكتور أن قال أكثر من مرة:" أتحدى أي شخص يعطيني رؤية شاملة حول مستقبل المغرب، للأسف الكل مشغول بالآنية وما يسمى بالانتقال، وأنا أتساءل الانتقال إلى أين ؟"
حقا، لقد صدق الدكتور المهدي، لأنه لكي ننتقل يجب أن نعرف من أين أتينا وإلى أين نحن سائرون.
ويزيد الطين بلة بملاحظة صمت المؤرخين التابعين للمخزن وانكبابهم فقط على تاريخ القرون الوسطى، متناسين الحاضر وغافلين كليا عن المستقبل. أما اقتصاديو المغرب فهم يبجلون الوثيقة الأمريكية حول مغرب 2005 ومخطط البنك الدولي حول مغرب 2010.
وبذلك يخلص المهدي المنجرة إلى كون أن تاريخ المغرب مرتبط بالاستعمار وماضيه ليس بأيدي أبنائه، والتأريخ له هو مخزني بامتياز، أما حاضر المغرب فهو بيد غير المغاربة ولا يتحكمون فيه، أما مستقبل المغرب فهو محدد من طرف الغير وفي إرشادات وتوصيات تبلور خارج المغرب ومن طرف غير المغاربة.
ـ في العولمة:
يعتبر الدكتور المهدي المنجرة من مناهضي العولمة الكبار، ليس لأنها تجسد وتكرس أشكالا جديدة من الاستعمار ومنطق الفكر الواحد والوحيد. ولكن أيضا لأنها سبيل من سبل إقصاء وتهميش الدول والشعوب والثقافات الأخرى ما دامت هي قائمة بالأساس على اغتيال الحق في الاختلاف والحق في التميز، وبذلك تقتل الحوار والتواصل كقيمة جوهرية.
العولمة بالنسبة للدكتور المهدي المنجرة هي الأمركة، وهي مرتبطة بالأخلاق قبل ارتباطها بالاقتصاد.
فالحضارات اليهودية ـ المسيحية ترمي من وراء العولمة فرض قيمها ونمط حياتها على الحضارات غير اليهودية ـ المسيحية.و بذلك تكون هذه العولمة من سلالة الاستعمار ومن جنس الإرهاب.
إنها تسعى إلى شل أدنى حركة تفكير لدى الشعوب وبالتالي جعلهم يفكرون بمنطق الغرب ويتبعون نمطه في الحياة.
لكن ما هو البديل لمواجهة العولمة بالنسبة للعرب والمسلمين ؟ بالنسبة للدكتور المهدي المنجرة تكمن هذه المواجهة عبر الاستفادة من التجربة اليابانية التي انطلقت من أربع محاور:
1 ـ الارتباط والانطلاق من القيم اليابانية.
2 ـ محو الأمية.
3 ـ النهوض باللغة اليابانية.
4 ـ دعم البحث العلمي.
علما أن مسألة المجابهة في نظر الدكتور المهدي المنجرة تبقى مسألة إرادة بالدرجة الأولى، إرادة الوجود والفعل والمجابهة أو إرادة الوضوح والانصياع والعيش عالة على مستجدات العولمة.
ـ في الفقر:
حسب الدكتور المهدي المنجرة، إن الشيء الوحيد الذي له مستقبل في هذا العالم هو الفقر. فهناك أكثر من 3 مليار نسمة لا يصل دخلهم اليومي إلى دولارين اثنين.
ومنذ 30 عاما خلت كان الفرق بين الشمال والجنوب من 1 إلى 10 فيما يخص الدخل، أما اليوم فهو من 1 إلى 20.
وفي المغرب فإن الفرق بين 10 % من أصحاب أكبر دخل و 50 أو 60 % من ذوي أضعف دخل كان من 1 إلى 15 أما الآن فه من 1 إلى 80. ومعنى هذا أن توزيع الثروات يتم بكيفية تؤدي إلى المزيد من التفقير، أي بزيادة الأغنياء غنى وزيادة الفقراء فقرا.
ـ في الخوف والخوفقراطية:
يعتبر الدكتور المهدي المنجرة أن هناك نوع رهيب من الخوف يسود العالم، وهذا ما نعته بالخوفقراطية التي ما زالت قائمة ما دام الإنسان لم يتفوق بعد على هذا الخوف.
والخوفقراطية هاته بادية بجلاء حتى التعامل مع الانتفاضة الفلسطينية لاسيما فيما يخص العرب. ويظل تغيير الحال في العالم رهين بتفوق الإنسان على الخوفقراطية.
ـ في الغرب والإسلام:
منذ عقد الثمانينات ظل الغرب يعيش في خوف من ثلاثة أمور:
ـ الديمغرافية.
ـ الإسلام.
ـ اليابان.
وقضية خوفه من الإسلام هي واضحة الآن للعيان أكثر من أي وقت مضى. إلا أن القضية الحقيقية ليست قضية دينية وإنما هي قضية حضارية.
فمن الناحية الدينية الإسلام دين محفوظ وسيظل كذلك أراد من أراد وكره من كره.
إن الدكتور المهدي المنجرة لا ينظر إلى هذه القضية من الجانب الديني، لأنه ليس فقيها ولا مرسولا، وإنما ينظر إليها كقضية حضارة وقيم، كقضية يتشابك فيها الناس بعضهم البعض منذ قرون، وكقضية تراث ثقافي وروحاني.
ففي غشت 1990 صرح بوش الأب قائلا أنه " لا يمكن أن نسمح لأي أحد أن يمس بقيمنا «، ويومين بعد هذا التصريح قال الدكتور المهدي المنجرة في حديث له مع إذاعة فرانس أنتير، أنه ستقع الحرب وكان أول من قال بوقوع حرب وشيكة لأنه عندما تمس القيم لا ملجأ إلا للحرب ولأن القوي في هذا العالم هو الذي يتوفر على القوة لفرض قيمه على الآخر.
ولقد أكد الإعلام الغربي على أن الدكتور المهدي المنجرة هو أول من استبصر بقيام أول حرب حضارية وذلك قبل المحللين الغربيين بعامين اثنين.
لقد أكد الدكتور المهدي المنجرة على الانعطاف الذي طبع تعامل الغرب مع العالم الإسلامي بدءا من عام 1976 عندما اتضح أن عدد المسلمين، ولأول مرة في التاريخ، فاق عدد المسيحيين في العالم ( 965 مليون مسلم مقابل 950 مليون مسيحي كاثوليكي). وهذا ما دفع صانعي القرار في الغرب إلى رسم المخططات ووضع السياسات الرامية إلى الحد من انتشار الإسلام ومن تصاعد عدد المسلمين عبر العالم.
إلا أن الميزة الأساسية بالنسبة للعالم العربي في نظر الدكتور المهدي المنجرة هي كون أنه ليس هناك أنظمة ولا حكومات تمتلك حق تمثيل شعوبها والفجوة بين الحكام والشعوب ظلت ولازالت تتسع في العالم الإسلامي والعربي.
وفي هذا المضمار يعتبر الدكتور المهدي المنجرة أن الوهابية ليست حركة سلفية حقيقية، بل إنها رجعية قوية.
ـ حول أمريكا:
يقول الدكتور أن أمريكا بدأت في الانهيار أو الانحدار، ولم يقل ذلك اعتباطا وإنما استنادا على دراسة مستقبلية على امتداد 40 أو 50 سنة وارتكازا على أكثر من حجة. ففي سنة 1999 قال الرئيس كلينتون:" نحن عارفون على أنه 10 أو 15 سنة المقبلة سوف لن تظل القوة الأولى في العالم، بل ستكون الصين وبعدها ستكون الهند وبعدها سيأتون آخرون، ولا يدوم إلا الله".
ويؤكد الدكتور المهدي أن الخوف سيطر على العالم ( الخوفقراطية ) ولذلك نلاحظ أن 80 % من البحث العلمي بأمريكا يخص المجال العسكري.
ويوضح الدكتور المهدي أن ما هو واقع الآن في العالم، ليس هو تأخر أمريكا وتقهقرها وإنما صعود الصين وآسيا تدريجيا وبصمت ودون هرج ومرج.
ـ حول اليابان:
إن دراسات الدكتور المهدي المنجرة بخصوص اليابان تناولت إشكالية التمييز بين العصرنة والاغتراب للتأكيد على أن الحداثة التي اعتمدها اليابان هي حداثة ذاتية ومتوجهة إلى الدخل وليست نحو الخارج وشكل إبداع الشعب الياباني الحجر الأساسي لهذه الحداثة بعيدا كل البعد عن التقليد الأعمى.
ـ في القضية الفلسطينية:
إن القضية الفلسطينية تظل مركز كل القضايا العربية. ومستقبل كل البلدان العربية لازال مرهونا بحلها، ما دام لهذا الحل انعكاسات قوية وكبيرة.
لقد بين الدكتور المهدي المنجرة في كتابه " الحرب الحضارية " الارتباط الوثيق بين مأساة فلسطين والعراق، إذ أكد على أن هناك حرب حضارية موجهة ضد المسلمين، وهي امتداد للحروب الصليبية التي طورت أسلحتها.
وبالنسبة للدكتور المهدي، فيما يخص القضية الفلسطينية، فإن المشكلة ليست شارون وأذنابه، بل المشكلة هي عرفات والسلطة الوطنية وهما أسباب المصائب.
كما أنه سبق للدكتور المهدي أن أكد منذ أكثر من عقد من الزمن أن حجارة الانتفاضة لم تكن موجهة ضد اسرائيل بل ضد منظمة تصهين فلسطين.
وفي هذا الصدد أكد الدكتور المهدي أكثر من مرة أن الرئيس مبارك آلة الإمبريالية وشرطي أمريكا في الشرق الأوسط، ومعه حكام عرب آخرين، كلهم تواطؤوا ضد شعب فلسطين وأرضه.
وهناك طامة الجامعة العربية ـ الجامعة المهزلة في نظر الدكتور المهدي ـ لأنها ليست سوى آلة للسياسة الخارجية البريطانية وأصبحت فرع من فروع البنتاغون الأمريكي والبيت الأبيض.
بالنسبة للدكتور المهدي، إن الذين يحاربون فعلا فلسطين هم الدول العربية وحكامها والجامعة العربية وما يسمى بالمؤتمر الإسلامي.
ويعتبر الدكتور المهدي المنجرة، كإنسان من العالم الثالث وكأمازيغي وكمغربي وكإفريقي وكعربي أنه لا يمكن أن يعتبر نفسه متحررا إلا إذا تحررت فلسطين.
ـ في التواصل والبحث العلمي والأخلاق والتغيير والتكنولوجيا:
إن الدكتور المهدي المنجرة لا ينادي فقط بضرورة تفتح الثقافات على بعضها البعض، بل يرهن هذا التفتح بمدى قابلية هذه الثقافات على التواصل بعيدا عن الاستكبار وعن التجبر.
وفيما يتعلق بالبحث العلمي، لقد انتفض دائما الدكتور المهدي المنجرة في وجه عجز دول العالم الثالث في استغلال أدمغة أبنائها عبر تهميشها لقيم البحث العلمي والتطور التكنولوجي في زمان موصوف بتصاعد وثيرة مجتمع العلم والمعرفة.
- في الأخلاق
وبالنسبة للأخلاق، في نظر الدكتور المهدي، قبل النظر إلى انعدام الأخلاق في الشارع لابد من النظر إلى ما يقع في الوزارات والدواوين والمؤسسات والهيئات من فساد أخلاقي. فهناك سلسلة مترابطة، وهذا راجع ـ في نظره ـ إلى غياب التربية والتنشئة. فالعملية تتم من أعلى إلى أسفل والقدوة والنموذج يكون دائما من الأعلى.
كيف تستقيم الأمور ونحن نحاسب الصغير ونغض الطرف عن الموظف السامي ونكافئه عوض محاسبته. وبخصوص التكنولوجيا يقول الدكتور المهدي المنجرة أنه لا يصح التعامل مع التكنولوجيا الحديثة كمواد استهلاك وإنما كأداة لابد من استيعابها وتطويرها بهدف التقليل من الهوة الفاصلة بين الشمال والجنوب، وتقليل الفوارق الاجتماعية بالمغرب تكريسا لدمقرطة المعرفة ديمقراطية حقيقية.
ـ في مسائل مغربية:
لقد أكد الدكتور المهدي المنجرة في أكثر من مناسبة أنه يتحدى أيا كان يقول بأن المغرب حصل على الاستقلال الفعلي. ففي نظره معاهدة " إيكس ليبان" تعتبر من أكبر الخيانات، وكانت مجرد تسوية بين زعماء سياسيين والمستعمر الفرنسي حيث كان التفاوض نظير مناصب سياسية ومواقع النفوذ بعد الاستقلال. ويعتقد الدكتور المهدي أنه لو استمر جيش التحرير في سياسته التحريرية وتحالفه مع الحركة التحريرية بالجزائر وتونس لوصلنا إلى مغرب عربي كبير وحر، إلا أن تسوية إيكس ليبان كانت ضربة قاضية ما زالت بلدان المغرب العربي تعيش تبعاتها إلى الآن. وبذلك يكون الاستقلال وهم نعيشه لحد الآن.
كما أن الأزمة الحالية للمغرب تكمن بالأساس في وجود فجوة واسعة بين القائمين على الأمور وعموم الشعب، لدرجة أن هؤلاء المسؤولين لا يرغبون في معرفة حجم هذه الهوة، التي ما فتئت تتعمق سنة بعد أخرى.
وحتى على صعيد الخلاق تم التفريط فيها بشكل لم يسبق له نظير، علما أن الأخلاق مرادفة للمصداقية، وبالتالي فقدنا كل مصداقية. وبذلك فقدت الجماهير الثقة في السياسة والسياسيين وفقد الشعب المصداقية في النخب والأحزاب السياسية والمنظومة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. بفقدان المصداقية لا يمكن التأثير في المشهد السياسي.
ومسلسل فقدان المصداقية يمر عموما بثلاث مراحل:
ـ الاستقرار، وهي مرحلة تؤثث النظام القائم. وهذا الاستقرار يدعو إلى عدم التحرك.
ـ الإصلاح، وهي مرحلة محاولة العلاج بالمسكنات.
ـ فرض التغير اعتبارا لاستفحال الفقر والغلاء الفاحش والمكر السياسي وعدم الثقة في الآليات الدولتية.
ويعتبر الدكتور المهدي المنجرة أن للصهيونية وجود قوي عندنا، وقوة هذا الوجود تتجلى في كون الصهاينة يتحكمون في العديد من أمورنا، وهذا ساهم كذلك في فقدان المصداقية.
وهكذا لم تعد أمام الشباب خيارات كثيرة، فإما أن يتحول إلى مرتزق مثل أغلب النخبة والقائمين على الأمور، أو أنهم سيظلون في خندق المواجهة والنضال، لاسيما وهم الذين يمثلون الجزء الوحيد المضيء في المجتمع المغربي حاليا.
فالمسؤولين ليس في مقدورهم عمل شيء، والشباب لن ينتظر مساعدة من أحد، لاسيما وأنهم يتموقعون الآن خارج دائرة الأحزاب التي أعلنت عن إفلاسها بامتياز. وبالتالي عليهم أن يستفيدوا من حركية المجتمع لإنتاج معرفة جديدة، وعلى هذه المعرفة أن تكون مرادفة للأخلاق، ما دامت الأخلاق هي العمود الفقري لي تحرك.
إن الدكتور المهدي المنجرة يدعو الشباب إلى الإبداع لتجاوز الأجيال السابقة من خلال تراكمات وتجارب معاشة. لأن الدكتور المهدي يعتبر أننا نزلنا إلى القاع ولم يعد ممكنا النزول إلى أسفل من ذلك.
فالشباب المغربي تولد لديهم وعي سياسي كبير وليس ممكنا لي كان أن يبيع ويشتري فيهم، فعهد التدجين وسياسة " الكل على أحسن ما يرام" قد ولى.
وبخصوص الخوصصة يعتبر الدكتور المهدي المنجرة أن المغرب باع ويبيع نفسه بواسطتها، وذلك انطلاقا من المصلحة العامة. فالماء والكهرباء أو المواصلات مصلحة عامة، فكيف يمكن تسليمها إلى خواص أجانب للتحكم فيها والتخطيط لسياسة استهلاكها. ويا ريت لو كانت البلاد تستفيد فعلا من أموال الخوصصة. ويتساءل الدكتور كيف نسمح لأنفسنا أن يتقاضى رئيس اتصالات المغرب أجرا يصل إلى 600 ألف درهم ( 60 ألف دولار) شهريا علاوة على التعويضات والمكافآت السنوية ؟ وبأي حق يحصل على هذا الأجر من مال الشعب وعلى حسابه ؟
فالدولة لها مصاريف ومداخيل، ويتساءل الدكتور المهدي المنجرة بأي عدالة تصرف هذه المداخيل وكيف توزع الأرباح والثروات المضافة، علما أن تلك الأموال تدفع من جيوب الكادحين ليتمتع بها كمشة من المحظوظين، أليس هذا قمة الظلم الاجتماعي ؟
وبخصوص الجهوية يعتبر الدكتور المهدي المنجرة لكي تكون هناك جهة لا مناص من أن نتوفر على الكل، كما أنه إذا لم نتوفر على الجهة لا يمكن أن يكون لدينا الكل لأن الإشكالية مرتبطة ارتباطا عضويا وثيقا. فالجهوية هي جزء لا يتجزأ من استراتيجية وخطة وسياسة شمولية، وهي استراتيجية تفهم وتحلل المشاكل. علما أنه لا يمكن تحقيق أي بناء وأي تقدم بدون مسؤولية القائمين على الأمور محليا مباشرة، وهذا معنى الجهوية.
فما يهم الدكتور المهدي المنجرة ليست التركيبة الإدارية، أكثر ما يهمه بالأساس فضاءات وساحات ومساحات المشاركة الحقيقية تمكن كل من موقعه أن يشعر ويحس بأن رأيه يؤخذ بعين الاعتبار ويشعر ويحس بأن له اعتبار. وهذه حالة ما زلنا بعيدين عنها بالمغرب، وحين سنصل إلى هذه المرحلة سنكون آنذاك قد حققنا فعلا الديمقراطية الحقيقة. وما دام لا وجود لديمقراطية حقيقية على الصعيد الوطني فلا يمكن أن نحلم بوجود ديمقراطية على المستوى الجهوي.
وللدكتور المهدي المنجرة رأي خاص في شأن الصحافة المغربية، إنه يعتبر أن الصحفي العمومي ما زال لم تتوفر له الشروط المعنوية والمادية الكافية واللازمة لممارسة مهنته باحتراافية ومسؤولية ونزاهة، كما أن مهنة الصحافة بالمغرب، في نظره لازالت " محكورة" كما يقال.
ففي اعتقاده أن الأغلبية الساحقة للصحفيين يعملون بوزارة الداخلية والمقصود بهذا أنها مهنة تفتقر إلى الاحترام والتقدير وأن هناك جملة من المتطلبات تتحكم في الصحفي المغربي رغما عنه، سواء ارتضى ذلك أم لم يرتضيه.
وصراحة الدكتور المهدي في هذا الصدد نابعة من كونه يعتبر نفسه معنيا كلما أسيء لأي صحفي، ومن كون لديه غيرة كبيرة على الصحافة والصحفيين ببلادنا. وذلك بالرغم من أن الصحافة المغربية، في عمومها، لم تنصفه حق الإنصاف وبالقدر الذي يستحقه.
وتظل الإشكالية الكبيرة التي ترهق الدكتور المهدي المنجرة هي أن المغرب ما زال لم يتوفر بعد على رؤية واضحة المقاصد.
ففي مرحلة الاستقلال كان هناك نوع من التوحيد والإجماع فيما يخص المقاصد، وكان الكل متفقا على ضرورة التحرر والانعتاق من الاستعمار.
وطبعا رؤية واضحة المقاصد لا يمكنها أن تأتي من فوق، لكن عليها أن تصعد من تحت، فكل ما يصعد من تحت يزداد قوة وصلابة وكل ما ينزل إلى تحت يستهان به كما يقول الدكتور.
ففيما يخص الرؤية الديمقراطية، فهل كل مغربي يشعر فعلا أن لديه الحق في التعبير ؟ وهل تعبيره هذا ورأيه يؤخذ بعين الاعتبار ؟ هذا هوالسؤال.
ووجود رؤية واضحة المقاصد تعتبر مسألة أساسية وحيوية في نظر الدكتور المهدي لأنه بدونها لا يمكن بلورة استراتيجية، وبدون استراتيجية لا يمكن بلورة سياسة، وبدون هذه الأخيرة لا يمكن تسطير برنامج الذي بدونه لا يمكن تجسيد الشعارات على أرض الواقع، فهذه كلها منظومة منهجية مترابطة ومتماسكة.
لذلك، ليس هناك أي تغيير في نظر الدكتور المهدي ما دام ليس هناك رؤية واضحة المعالم هناك أحلام لكن ليس هناك رؤية. فلازلنا نتكلم عن الأشخاص ولا نتجرأ أن نتكلم عن الشعب ومدى فعله في صنع المستقبل.
يعتقد الدكتور المهدي المنجرة أن ما تغير بالمغرب هو الخطاب والوجوه.
للوصول إلى مفهوم التغيير الحقيقي، في نظره يجب توفير درجة مهمة من النزاهة والشجاعة الفكرية لمواجهة الواقع بكل تجرد وموضعية، أي حضور روح جديدة تأخذ بعين الاعتبار ذلك المواطن البسيط. لكن ما وقع هو القفز على هذا الواقع وبذلك لم يستفد المواطن من ما يسمى بالتغيير وهذه إشكالية جوهرية في نظر الدكتور.
ربما أن هناك نوع جديد من التقنيين للفساد وللرشوة، إلا أنهما لم يبعدا. وهذه مجردظفون ومستخدمون وعمال يتقاضون أجورا تقل بكثير عن حاجياتهم وآخرون ـ قلة ـ " تجاوزوا حاجز الصوت " حسب تعبير الدكتور، ويتقاضون مرتبات تصل إلى 200 و 300 ألف درهم شهريا ( 20 أو 30 دولار)، وهذه الأجور تؤدى من ضرائب يدفعها المواطنون البسطاء.وهذه مجرد صورة لحقيقة ما يسمى بالتغيير.
كما أن من صور هذا التغيير أن المعارضة التاريخية التي عرفها المغرب أضحت جزءا في يد المخزن وتحولت إلى جزء من نظام مخزني معاصر يسميه الدكتور المهدي المنجرة " المخزن الجديد" («نيومخزن"). لقد أضحت المعارضة السابقة ألعوبة في يد المخزن وساهمت بانتهازية كبيرة أذهلت جميع المحللين في إعادة تشكيله ضدا على الشعب وعلى المصداقية.
وفي هذا الشأن يميز الدكتور المهدي المنجرة بين 3 مستويات فيما يخص المجتمع المدني بالمغرب.
1 ـ المجتمع المدني المخزني ( السلطة السياسية بالمغرب ).
2 ـ المجتمع المدني المرتبط بالسفارة الفرنسية.
3 ـ المجتمع المدني المستقل.
وفي نظر الدكتور المهدي المنجرة، إن مغرب المستقبل ما زال مشروعا بيد الشباب.
وفعلا، أضحى يظهر بوضوح أن هناك وعي بأهمية وجدوى الدراسات المستقبلية، وخصوصا وقد بدأت تأخذ بعين الاعتبار وبجدية المستقبل. وهذا مؤشر إيجابي يمكن أن تكون له انعكاسات مهمة في مجال إشكالية التنمية.
فالمغرب شأنه شأن كل دول العالم الثالث، مر من مرحلة تقليد الآخر ونسخه محاولة للوصول إلى بعض النتائج. إلا أن هذه النتائج كانت وخيمة. والآن حدثت بعض التغييرات الجوهرية في مجال التفكير في دواليب التنمية، ويتمنى الدكتور المهدي المنجرة أن تأخذ بعين الاعتبار، في هذا الصدد، نماذج محلية للتنمية تضع في حسبانها قيمنا الاجتماعية والثقافية وحاجيات المجتمع كما يعبر عنها ديمقراطيا من طرف أصحاب الشأن: المغاربة وليس سواهم.
ويعتقد الدكتور المهدي المنجرة أن إشكالية المستقبل تجد طريقها لضمان مكانها في الوعي السياسي، إذ أخذ المغاربة ـ لاسيما الشباب ـ يعيرون الأهمية للمستقبل خلافا لما كان في السابق. إلا أنه يجب أن يتقوى هذا الوعي بالمشاركة السياسية الفعلية.
وفي هذا الصدد يرى الدكتور المهدي المنجرة أن مغرب 2020 سيعاين نوعا من العدالة النسبية في توزيع الثروات المادية وغير المادية، والجيل الذي ستكون بيده زمام الأمور سيكون أقل إحساسا بالعقدة وبالدونية في مواجهة الخارج، أي أنه جيل يتمتع بثقة في نفسه ويعتمد عليها مفتخرا بمرجعيته الثقافية والاجتماعية.
وعموما، فإن المستقبل يظل دائما مفتوحا، إذ لا وجود لمستقبل واحد في نظر الدكتور، وإنما هناك تعددية المستقبل، فهناك أكثر من مستقبل مرغوب فيه، لكن لابد من النظر ما هي ممكنة التحقيق منها.
ففي سنة 2020 قد تبلغ ساكنة المغرب 45 مليون نسمة، 50 % منهم لا يتجاوز سنهم 25 سنة و 70 % من الساكنة الحضرية . ويمكن تغطية 90 % من الاكتفاء الغذائي وهذا من شأنه منح المغرب نوعا من المرونة والإمكانيات لبلورة برامجه التنموية .
هذه ما هي إلا شذرات وعلامات الطريق لفكر الدكتور المهدي المنجرة، والذي يتطلب حيزا أكبر لمحاولة مقاربته، ونعتذر عن التقصير لأن المبتغى هو مجرد إشارات لمعالم فكر شاسع متعدد الاهتمامات ومتداخل المجالات والإشكاليات ومتكامل في المنهجيات المتبعة.