رامى جلال
الحوار المتمدن-العدد: 1930 - 2007 / 5 / 29 - 12:06
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
"أحمد جودة".. وجه أحببناه
في مفاجأة, تصل إلى حد الصدمة, يختم الكاتب الروسى "أنطون لتشيكوف" قصتة (موت موظف) بوصف حال بطله بعبارة تقول (إستلقى على الكنبة دون أن يخلع حلته.. ومات).. هكذا فجأة, وكما قيل (هكذا تقوم الساعة); فبدون سابق إنذار رحل عن عالمنا الكاتب الصحفى الأستاذ "أحمد جودة".. يقول الشاعر الرومانى "كاتولوس": (الحياة.. مرحباً ووداعاً).. هكذا فقط, مرحباً ووداعاً, وبين هاتين الكلمتين تقبع حياة إنسان, بكل ما فيها من صخب.. وقيل أن (الأزهار الجميلة عمرها قصير), فهل هذا صحيح؟ قصيرة كانت رحلته (1959- 2007) لكنها كانت مثمرة.. ربما لم يرحل بعد عن عالمنا لأن ما تركه لنا لا يموت أبداً.. تذكر لنا كتب التاريخ أن المؤرخ اللاتينى "أينيوس" كتب شاهد قبره بنفسه قائلاً: "أرجو ألا يكرمنى أحد بذرف الدموع, ولا بحضور جنازتى وهو ينتحب.. تسألون عن السبب فأجيب: لأننى مازلت أحيا وأطير عبر أفواه البشر".. وبالفعل فإن "جودة" سيظل بيننا بما تركه من ذكريات إنسانية وفكر وإبداع..
كتب "أحمد جودة" يوماً عن الموت فقال: "..لكن يبقى الموت, بالنسبة للجميع, خبراً غير سار, نسمعه بين الفينة وأختها.. ثم, بقدرة الحياة, وهي الأقوى كما تعلم, ننساه وكأنه لم يكن.. ألا ترى معي أن الحياة تنتصر دائماً؟".. بالفعل, يا "أبو دينا" قد تنتصر الحياة في المعركة, لكن جرحاً عميقاً قد يبقى أحياناً, يأبى الشفاء.. صعب هذا الإحساس, كل الصرخات لن تجدى شيئاً, وكل الدموع ليس لها نفع, أنه ببساطة العجز!
إعتاد "أحمد جودة" كل فترة أن يكتب حلقة من سلسلة مقالاته "وجوه أحببتها".. والآن لن تصدر حلقة جديدة, لن يرسم قلمه الجميل ملامح أحد رفاقه, لن أفتح الجريدة لأجد قلمه قد غاص في أعماق أحدهم سابراً غوره, ورغم ذلك فإن "أحمد جودة" سيظل, هو نفسه, وجهاً جميلاً نحبه.. فهل كانت سلسلة "وجوه أحببتها" التى تحدث فيها عن رموز اليسار وعن إبنته "دينا" وصيته لنا؟
عبثية هى الحياة.. مات الرجل وبينى وبينه ميعاداً لم يتم, ونقاشاً لم ينته.. وحينما يمضى الرجال أمثال "أحمد جودة" لا يعزينا إلا إحتمالية لقاءهم في عالم آخر يحمل وجهاً جميلاً مثل الوجوه التى أحبها.
#رامى_جلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟