علي الشهابي
الحوار المتمدن-العدد: 1926 - 2007 / 5 / 25 - 13:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحدث أكثر من واحد من السادة المحاضرين، وممن عقّب على محاضراتهم، عن أن العلمانية لابد من التثقيف بها وتربية الأطفال عليها..إلخ. ومع أن هذا ضروري ولا غنىً عنه، لكنه قليل الأهمية في تأسيس مجتمعنا علمانياً. فعلمنة المجتمع مهمة سياسية بامتياز، ولا يمكن حل المهام السياسية بطرائق ثقافية أو تثقيفية.
العلمانية مسألة سياسية أولاً لأن الفرد من الطبيعي أن يمارس حريته في التفكير والتعبير والسلوك بالطريقة التي يراها مناسبة، لكن ما قد يمنعه من ممارسة هذه الحرية هو فقط الفعل السياسي لبعض السلطات والأحزاب. وثانياً لأنها تدعو المجتمع إلى التعاقد على صيغة وضعية بعيداً عن أي مرجعية مقدسة، وهذه الصيغة سياسية بامتياز طالما أن المستوى السياسي هو الملاط الرابط لكل مستويات البنية الاجتماعية.
وكمسألة سياسية، كانت العلمانية تاريخياً مكوناً أساسياً من مكونات البرنامج الديموقراطي الفاعل في بناء المجتمع مدنياً بالاتجاه المعاكس للصراعات الدينية. وبهذا شكلت رافعة سياسية لتمدين التناقضات الدينية، بتحويلها إلى مجرد اختلافات دينية لا علاقة لها بالسياسة. وهذا الفعل السياسي هو الذي قوّض أسس الأصولية الدينية. أما عندنا في سوريا فأعتقد أن الفعل السياسي الذي سيبني مجتمعنا مدنياً لن يرفع راية الديموقراطية العلمانية لثلاثة أسباب:
• لأن بعض السلطات العلمانية باتت تخلق ما يمكن تسميته أصولية علمانية، إذ لا فرق قط بين فرض الأصوليين الإسلاميين للحجاب وبين فرض نزعه في تركيا وفرنسا.
• لأن الحياة السياسية من حولنا أعطت للديموقراطية شكلاً يمنع الوحدة المجتمعية، شكل الديموقراطية الطائفية، هذه التي في ظلها ما عادت الأحزاب السياسية للطوائف تسعى لفرض قناعاتها الدينية على المختلفين عنها دينياً، بل صار كل همها استغلال الرابطة الدينية لأفراد الطوائف حتى تحتكر تمثيلهم سياسياً. في ظل هذا الواقع تقل احتمالات العنف لفرض تغيير القناعات الدينية.
• لهذين السببين، والأهم لأننا نهدف إلى بناء مجتمع مدني، فأعتقد أن الراية السياسية المعبرة عن هذا البناء، والتي فيها كل الزخم السياسي المطلوب من وضوح الهدف وبساطة طرحه والحد من قدرة الحذلقة على تأويله، هي راية "الديموقراطية المدنية".
علي الشهابي
دمشق
18 أيار 2007
* مداخلة ألقيت في مؤتمر "العلمانية في المشرق العربي" المنعقد في دمشق 17-18 أيار 2007
#علي_الشهابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟