مصطفى كامل الحاجي مصطفى
الحوار المتمدن-العدد: 1921 - 2007 / 5 / 20 - 10:23
المحور:
كتابات ساخرة
أكتب متأخراً عن حدث يعتبر أساسياً و مهماً في حياة الشعوب. وثانوياً غير ذي أهمية في حياتنا التي تعتبر بدورها غير ذي أهمية هي الأخرى في نظر ممن لا يصنفنا في عداد البشرية ,إن حدث انتخابات المجالس التشريعية لا يمكن أن تصنف بحدث غير ذي أهمية , أو أن يمر كحلم أو طيف عابر لما تتمتع به هذه المجالس من تأثير في حياة المواطن , و لا تكون انتخابات المجالس التشريعية فاقدة الأهمية إلا عندما تفقد المجالس تأثيرها المباشر أو غير المباشر في حياة المواطن , و هو وصف ينطبق على الانتخابات التي شهدتها سوريا مؤخراً فيما يتعلق بانتخابات مجلس الشعب السوري الذي فقد الإقبال الجماهيري لغياب إرادة الجماهير في اختيار مرشحيهم , و فقدان المجلس لأي تأثير يذكر في حياة المواطن السوري منذ تاريخ تأسيسه .
انتخابات مجلس الشعب في الرقة كان لها وقع مختلف . لما ترافقت معه من أحداث شغب و مصادمات مع السلطة و اعتداء على المرافق العامة و تحدي أوامر السلطات المحلية, و أحداث مما لم تشهده المحافظة منذ عقود مضت. أحداث يظنها الناظر تمرداً مقطوع الجذور أو ولوجاً في المجهول .هذه النظرة سرعان ما تتبدد إذا ما شخّص المرءُ بنظره بعيداً ليتفحص الأسباب الحقيقية لعمل لا يمكن تفسيره إلا أنه صناعة سلطوية بميزة نسبية و تحمل من خلالها السلطة ماركتها المسجلة , التي لا يمكن تصديرها إلا مرفقة بخبرائها الذين أبدعوا صناعتها .
نبدأ بسرد تسلسل الأحداث حينما أٌصدرت قائمة الجبهة الوطنية التقدمية لتحوز ستة مقاعد من أصل ثمانية مخصصة لمحافظة الرقة , فكان التنافس محصوراً فقط على مقعدين هما فقط للمستقلين الذين استخدموا كل الوسائل للفوز بالمقعدين اليتيمين لمجلس الشعب فزوّر طرف , و هاجت و ماجت جماهير الطرف الأخر عابثة بالأمن في المحافظة لإعادة الانتخابات في الصناديق المزوّرة . الأمر الذي قررت السلطات المحلية العمل به فوجدت جماهير الطرف المزوِّر " حسب اعتراف السلطات المحلية " أكثر هياجاً من منافسهم فقطعوا الطرقات العامة كسروا صناديق إعادة الانتخابات و السيارات الحكومية و غير الحكومية ممن لا تحمل صور مرشحهم . فهل نقول إن الحدث الانتخابي الرقاوي هو همجية جماهيرية بدرت من جماهير لم تقدّر قيمة الديمقراطية فكفرت بها و لعنتها أم صناعة سلطوية تفردت بها سلطات بلدنا الحبيب , و لندلل على هذا الرأي و نشرحه بالأسباب التالية :
أولاً : إصدار قوائم الجبهة الوطنية التقدمية و التلويح بالخيار الأمني البوليسي للناخب للضغط عليه لضمان فوز هذه القوائم . فالناخب يعطى ورقة مطبوعاً عليها أسماء قائمة الجبهة و متروك الخيار للناخب باختيار المستقلين فقط , و الويل والثبور له لو طلب ورقة بيضاء ليختار بحرية ما يريد فأنه يعتبر خائناً لمصالح الجماهير الكادحة التي غالباً ما يكون أعضاء قوائم الجبهة من الطبقة الأرستقراطية الجديدة في المجتمع , و بدون الخيار الأمني البوليسي لا يمكن ضمان نجاح قوائم الجبهة لما يلي :
1 – غالباً ما يتم اختيار أعضاء قوائم الجبهة بناء على أسس ضبابية مبهمة لا يمكن معرفة طريقة اختيار هؤلاء الأعضاء الذين يكونون منبوذين مكروهين في مجتمعهم أو ممن يوصمون بأرباب الرشوة و الانتهازية , فالمواطن المسحوق يدرك أن هكذا اختيار لا يعبر إلا عن مصالح منتفعيه فقط , فهل يمكن ضمان نجاح هكذا قوائم بلا عصا و جزرة ؟
2 - غالباً ما يتم اختيار أعضاء قوائم الجبهة في محافظة الرقة من أشخاص لا جذور عشائرية لهم في مجتمع عشائري ففي دورات المجلس المتلاحقة كانت تضم قوائم الجبهة أعضاء من المحافظات الأخرى على اسم محافظة الرقة غالباً ما كانوا من محافظة دير الزور كما في هذه الدورة التي ضمت عضوين كانت أقصى آمالهم لو رشحوا أنفسهم بدون قائمة الجبهة أن يحصلوا على ألف من أصوات الناخبين لا مائتي ألف أو يزيد من أصوات الناخبين التي غُصبت لمرشحين لا يحملون همَّ مواطننا بل تجدهم غالباً ما يلعنون اليوم الذي جاءوا به إلى الرقة التي أعطتهم بسخاء و لم و لن تجد إلا النكران و الجحود , فهل يمكن ضمان نجاح هكذا قوائم بلا عصا ؟
ألا تشكل قوائمنا الجبهوية استفزازاً لبشر يعتقد أنهم يمتلكون مشاعراً يتمنون أن يعبروا عنها بأي شكل كان .
ثانياً : إحجام السلطات عن منع التزوير يجب أن يشكّل تحريضاً مبطناً للمواطن على عبثية حياته التي تتقاذفها أهواء صناع القرار في بلد يتبنى شعار نشر ثقافة المعلوماتية في حين إن منع التزوير يمكن بأساليب أقلها شأناً هو أتمتة الانتخابات , فهل نتجرأ على القول أن السلطة تعطي ضوءاً أخضرَ لحصول حالات التزوير .
ثالثاً : إعلان السيد وزير الداخلية إن الانتخابات كانت حرة نزيهة خلت من أي حوادث هو تغطية للشمس بغربال , و غمز للمواطن بأن كل ما فعله زوبعة في فنجان, ثم إن الإعلان ذاته هو تأكيد لثقافة سيادة الأقوى و نفيٌ لثقافة سيادة القانون الذي دقَّ السيد الوزير مسماراً في نعشه عندما لم يعلن وجود حالات من التزوير و الشغب الجماهيري الذي تولاها القضاء , و ما يهمنا هنا هو أن السيد الوزير أبقى باب المساومات مفتوحاً , هو بيئةٌ خصبةٌ لكلّ مشاغبٍ عابثٍ .
رابعاً : حوادث الرقة يفترض بديهياً أن يتم معالجتها , ونتيجة المعالجة تتم محاسبة تشمل المسؤولين الذين أسهموا في اختيار قوائم الجبهة بما يتنافى و مصالح المواطنين , ومحاسبة المسؤولين الذين وضعوا قانوناً يسهل التزوير من خلاله , و محاسبة المسؤولين المقصرين في علاج المشاكل بالسرعة المطلوبة على الأرض قبل وصولها للحد الذي وصلته .
خامساً : رب متسائلٍ عن فائدة السلطة من حدوث هذه الحالات و ما يماثلها , و قد نجد الجواب متوفراً في ما يأتي :
1 – هذه الحوادث تتيح للسلطة إمكانية تنحية الحل الديمقراطي من ضمن خططها المستقبلية . لأن من يتخذ الشغب سبيلاً له لا يمكن أن يعامل بديمقراطية , و نحن نجد بعض المواطنين يؤكدون و يبررون للسلطة أحقيتها فيما لو استبعدت الخيار الديمقراطي عندما يقارنون بين مواطن اليوم المشاغب و مواطن الأمس القريب المستسلم لقدره و الخانع برضا و ممنونية , و يغيب عن مواطننا العزيز أن الديمقراطية علاج تؤخذ بجرعات إرهاصاتها الأولى رفض للواقع و محاولة تغييره و لو عشوائياً بشتى السبل , و لم تكن الديمقراطية علاجاً سحرياًَ يأتي دفعة واحدة , أن المضي في عالم الديمقراطية يقبل بكل الاحتمالات إلا الخيار الأمني البوليسي فهو وأد لكلّ فكرّ حر خلاق .
2 – هذه الحوادث تُمكن السلطة من سبر أغوار المواطنين و مخزونهم من حيث التسلح و التنظيمات الإرهابية المناهضة للسلطة , وهنا لم تجد السلطة من الأسلحة غير العصي و الحجارة و دواليب محروقة و تلويح بأسلحة خفيفة على الأغلب إنها صدئة , و لهذا لم تتكلف السلطة بعبء استخدام إلا قوات حفظ النظام التي ضربت و اعتقلت الصالح و الطالح الذين وجدتهم أمامها , و لم تجد داع لاستخدام إلا الهراوات و الأسلحة الخفيفة و الدخان المسيل للدموع " الذي تأثرت به شخصياً " , ثم تدخلت بعض قطع الجيش التي لم تكن مدججة بأي أسلحة و هذا دليل على ضعف حوادث الرقة و ما رافقها , و تأكدت السلطة من عدمية وجود أحزاب مناوئة لها في المنطقة , عندما لم تجد من يحاول استغلال هذه الأحداث على الرغم من أنها بيئة خصبة لممارسة هكذا نشاط , و خلو المنطقة من أي أحزاب جعل الأحداث تمر بسلام .
أخيراً الأمل الوحيد لنا كمواطنين مقهورين هو صوت السيد الرئيس بشار الأسد الذي نأمل أن يسود على المنطق الأعوج الذي تعاملت به السلطة في الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب في محافظة الرقة .
أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
#مصطفى_كامل_الحاجي_مصطفى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟