الـصحـافـة وتـطـورهـا
- لـمـحـة خـاطـفـة –
إن الصحافة في المجتمع المعاصر تعد أداة لنقل المعلومات، ومن خلال ما تنشره فإنها تخاطب العقل والعاطفة معا. وعادة ما تختلف الصحف في نوعية الأنباء والموضوعات التي تنشرها وطريقة إبرازها . فمع أدائها لوظيفة الإعلام والتفسير والتوضيح ، فإنها تقدم فضاءات تلبي الوظائف الإعلامية كالثتقيف والتنشئة الإجتماعية والإشهار والإعلان والدعاية . ونسب الإهتمام بهذه الوظائف تعطي من خلال موضوعاتها ومنتوجاتها الصحفية فكرة أو رأيا أو تعليقا قد يؤمن به القارئ . وبفضل مضمون موضوعاتها تكون درجة التأثير على القارئ ، وغالبا ما يتضح ذلك في الإفتتاحيات والأبواب الدائمة والتعليقات والتحليلات التي تعكس وجهة نظر الصحيفة وتعبر عن خطها التحريري، في هذا المجال وجب التمييز بين صحافة الخبر وصحافة الرأي والصحافة الحزبية .
وصحافة الخبر هي صحافة تعنى بنشر الخبر بدون تعليق أو رأي. وظهور هذه الصحافة كان بمدينة البندقية الإيطالية ، إذ كانت تتضمن أخبارا مالية وتجارية ،وبعدها انتشرت في بريطانيا وفرنسا وظهرت أول صحيفة إخبارية في إنجلترا سنة 1943. تضمنت أهم الأخبار المحلية والعالمية مقترنة بتعليق بسيط عليها.
ومع قيام الثورة الفرنسية بدأت المئات من الصحف السياسية بالصدور وأصبح لكل حزب لكل جماعة صحيفة تعبر عن آرائها ومواقفاها ، واضحت الصحف تهتم بإبداء الرأي أكثر من إهتمامها بالخبر .
وقد ساهم النمو الطبيعي والإقتصادي وانتشار الديمقراطي في إتاحة فرص مهمة للصحافة لتصبح قوة ذات الأثر الأكيد على المجتمع .
أما صحافة الرأي فهي صحافة دعائية ، هدفها الترويج لفكر أو مباد ئ أومواقف أو رؤى لحساب جهة معينة ، إنها صحافة تدافع عن قضية وتدعو لأفكار معينة وتوجه القراء وجهة معينة ، إنها صحافة تدافع عن قضية وتدعو لأفكار معينة وتوجه القراء وجهة معينة ، وهي ما أطلع عليها الصحافة الملتزمة ، مادامت تكرس نفسها لخدمة اتجاه سياسي أو إقتصادي أو غير ه. غالبا ما تستند هذه الصحافة على حزب أو هيئة .
لقد أثر تطور الحياة السياسية ونظمها في أوروبا والغرب وبالغرب عموما ، في تطور الصحافة بدخولها إلى مرحلة جديدة تحولت فيها من صحافة خبر إلى صحافة رأي، وهكذا ظهر إلى جانب الخبر ، المقال الصحفي والتعليق وأنواع أخرى من الفنون الصحفية وبذلك أخذت الصحافة تلعب دورا مهما وحاسما في التأثير على الجماهير بما تحمله من آراء وتعليقات وقضايا ومشاكل تثير اهتمام المواطنين وتشغل أذهانهم. وهكذا أصبحت الصحافة أداة مهمة في تكوين الرأي العام وبلورة مواقفه. وغالبا ما كانت صحافة الرأي في بدايتها صحافة متحيزة وهذه الصحافة حينما تتخذ رأيا وتدافع عنه، يكون هدفها الأول هو كسب عدد من القراء ، في نفس الوقت الذي تبتعد فيه عن كل رأي يخالفها .
وعموما فإن الظروف السياسية التي تحيط بالبلاد ، ومدى الحرية والديمقراطية التي تتمتع بها لها الأثر الكبير على صحافة الرأي التي قد تواجه وتتحمل ضغط الدولة وتعسفها .
ووظيفة التوعية والتثقيف وتشكيل الرأي العام، والتي تميز صحافة الرأي ، تطورت ونمت مع تطور الصراع السياسي والإجتماعي في المجتمعات الأوربية ، الشيء الذي حدى ببعض الحكومات إلى إصدار قوانين تمنع الصحافة من التعليق على الأحداث . وفي عهد غير بعيد ، سادت صحافة الرأي ، حتى تغلب فيها الرأي على الخبر إلا أنه حاليا باتت مهتمة بنشر أكبر عدد من الأخبار والأحداث حتى أصبح بعضها بعيدا تماما عن إبداء الرأي. وأصبحت الصحافة لا تستغني عن الأخبار في جميع مجالاتها ، وأضحى نشر الأخبار واجب والتعليق عليها ، وهذا التعليق يقوم بدور توضيح اتجاه الصحيفة وخطها التحريري.
وفيما يخص الصحافة الحزبية ، فإن الهيئات والأحزاب اتخذت ألسنة حال لها تعبر عن آرائها وتدافع عن مبادئها وتعمل على الدعاية لها وهذه الدعاية تقوم على دعوة الأفراد إلى الإقتناع بما تقدمه من أفكار ومواقف ومبادئ للإلتزام بها والدفاع عنها ، والهدف هو إقناع المواطنين بصحة الأفكار المطروحة ، في ذات الوقت الذي تسعى فيه إلى تفنيد سياسة الأحزاب المعارضة أو المنافسة لها .
والأساس الأيديولوجي هو الذي تتحرك عليه الصحافة الحزبية ، وبذلك فإن معالجة القضايا لا بد وأن تكون ذات مضمون أيديولوجي وعلى هذا الأساس عاتبرت الصحافة الحزبية سلاحا ايديولوجيا لخدمة الأهداف علاوة على كونها أداة للتوجيه والتعبئة الجماهيرية .
وبشكل عام يمكن القول أن الصحافة الحزبية دعمت بشكل أو بآخر حق القارئ في الحصول على المعلومات ووسعت دائرة الحوار حول مختلف القضايا وعالجتها بأسلوب يغلب عليه الطابع النقدي ، كما ساهمت في ممارسة القضايا وعالجتها بأسلوب يغلب عليه الطابع النقدي ، كما ساهمت في ممارسة الدور الرقابي ، خاصة منها صحف الأحزاب المعارضة ، وذلك من خلال كشف السلبيات وتعقب الإنحرافات والفساد وإثارة جملة من القضايا الحيوية كحقوق الإنسان وتزوير الإنتخابات والإصلاح الدستوري والسياسي…
إلا أن هذه الصحافة كمنبر للرأي العام عليها مسؤولية مضافة إلى مسؤوليتها في الدعاية لأحزابها ، وهي مناقشة القضايا العامة والمهمة دون تحيز ودون أن تفرض وجهة نظر معينة. لكن أغلبية الصحف الحزبية تلجأ أحيانا إلى التلاعب بألفاظ الأخبار أو بمعانيها وترتيب وقائعها طبقا لأغراضها السياسية دون الأخذ بعين الإعتبار حق الجماهير في الإطلاع على الحقائق وفهمها ومناقشتها .
وربما تعمد أحيانا أخرى إلى عدم نشر خبر معين أو إغفال بعض جوانبه في حين نتناوله بالتعليق في أحد مقالاتها.
وهذا النهج يؤثر على الصحافة الحزبية في طريقة معالجتها الصحفية للاأخبار و الحوادث ، إذ من الخطورة بمكان إخفاء الصحف بعض الحقائق و التعامل مع ىالأحداث بشكل متحيز أو متطرف، ما دام عليها ان تكون صحافة موجهة ملتزمة لخدمة الصالح العام و مرآة عاكسة لأراء الجماهير و إرادتهم.
و الصحافة الحزبية نوعان، صحافة حزبية مؤيدة أو مسايرة للسلطة، و صحافة حزبية معارضة، و هذا حال الأنظمة التعددية و المؤمنة بالديمقراطية. و قد تكون السمة الغالبة للصحف الحزبية المعارضة،من ناحية ممارستها الصحفية، التركيز على جوانب القصور في سياسات الحكومة و انتقادها بشكل مستمر و لاذع.
كما أن معظم الصحف الحزبية لا تعكس تماما الاتجاهات المختلفة داخل أحزابها مما يثير إشكالية مدى تمثيلها الفعلي لأحزابها خاصة و أن العديد منها، و ربما كلها، تقع تحت سيطرة قادة الحزب و عادة ما يكون ارتباط الصحف بهؤلاء الأشخاص ارتباطا و ثيقا جدا نظرا لهيمنتهم على شؤون الحزب و صحفه.
و مهما يكن من أمر فإن التطورات الحاصلة فرضت على الصحافة الحزبية أن تتماشى معها. و عندما أيقنت بأنها ستخسر قرائها بعدما شعرت بأن جمهورها لم يعد سوى فئة قليلة و ضئيلة، سعت إلى الإهمال بالخبر و إضفاء عناصر التشويق التي تخاطب العاطفة، إلى أن أصبح العديد منها يسير خلف أهواء المتلقي بعدما كانت أداة مخمة في تكوين و قيادة الرأي العام.
نـشـأة الـصحافـة عـبـر الـتاريـخ
لقد أعلن نشر الأخبار وتداولها بين أفراد مجتمع أثينا في القرن الرابع قبل الميلاد بداية ظهور ما نسميه اليوم بالسلطة الرابعة.
ويرجع الفضل لبروز السلطة الرابعة تاريخيا إلى الحضارة اليونانية لقد قيل أن السلطة آنذاك كانت تعلق منشورات إخبارية على الجدران تتضمن القرارات المتخذة من طرف الدولة وذلك ليتسنى للمواطنين معرفة ما يجري حولهم.
أما الصحف فقد ظهرت في عصر النهضة بأوروبا وكانت آنذاك على شكل رسائل إخبارية مكتوبة باليد وكان تداولها محصورا بين التجار وكانت تتضمن أحداث الحروب والأوضاع الاقتصادية والأعراف والعادات. ولعل أول صحيفة مطبوعة ظهرت في ألمانيا في القرن الخامس عشر، وكانت على شكل كراسات صغيرة، ونالت شهرة عبير اعتبارا لآن موضوعاتها كانت تتسم بدرجة عالية من الإثارة. ومن بين الموضوعات التي تطرقت إليها تقارير الوحشية التي تعرض لها الألمان في ترانسلفانيا على يد درا كولا.
أما في البلدان الأنكلوساكسونية ترافق ظهور الصحف مع الأحداث المروعة، وطالت أشهر الصحف – دوويكلي نيوز- سنة 1622وأول صحيفة صدرت بإنجلترا كانت سنة 1666 باسم – لوندن كازيط-
وظهرت أول صحيفة في أمريكا سنة 1690 بمدينة بوسطن، إلا أنه سرعان ما قمعت واعتقل ناشروها، وتعتبر صحيفة – ذو بوسكن نيور ليترز – أول صحيفة أمريكية صادفتا لنجاح سنة 1704 وذلك بفضل دعم الحكومة الاستعمارية لها رغم محدودية دائرة تداولها وانتشارها.
وبعد ذلك انتشرت عشرات الصحف بين المهاجرين رغم حصر مراكز الطبع الرئيسية على امتداد سنوات ببنسلفانيا. وكانت لهذه الصحف دور كبير في التأثير على الرأي العام في أمريكا ونيل الاستقلال التام. ومنذ نهاية 1783 بدأت الصحف الأمريكية تعكس الآراء السياسية وتؤثر في الشؤون الوطنية.وقد ساعدها على ذلك المصادقة على وثيقة الحقوق حين أقرت بحرية الصحافة. وفي سنة 1814 كان هناك ما يناهز 350 صحيفة في أمريكا، لاسيما وأن التطور في تقنيات الطباعة وصناعة الورق أدى إلى انتشار الصحف بعد أن انخفض سعرها ولم تعد محصورة على فئة الأغنياء والمتعلمين.
ومع الثورة الصناعية ازداد عدد الصحف المطبوعة حيث وصلت قوة الطبع إلى 10 آلاف ورقة في الساعة كما ظهرت أول مجلة أسبوعية مصورة استعملت لأول مرة الصور.
وخلال الحرب الأهلية الأمريكية تنامى الطلب على الأخبار بشكل لم يسبق له مثيل الشيء الذي أعطى للصحف والصحفيين أهمية اكبر من السابق.
إلا أن ملامح الصحافة الحديثة لم تظهر أي مع نهاية الحرب العالمية الثانية. فأصبحت العناوين تكتب بطريقة مختلفة عن السابق، كما تم تخصيص صفحات للرياضة والتسلية. وفي سنة 1910 اكتملت تقريبا جل الملامح الرئيسية للصحف الحديثة.
واعتبارا للتطور الذي تعرفه تكنولوجيا الاتصال يعتقد البعض أن الصحافة ستعاني كثيرا للبقاء على قيد الحياة. ومهما يكن من أمر تظل الصحيفة من أكثر الاكتشافات الإنسانية إثارة.
النظام الصحفي السلطوي
يعد النظام السلطوي من أقدم النظم الإعلامية التي ارتبطت بالنشأة الأولى لصحف في نهاية القرن السادس عشر و بداية القرن السابع في أروبا الغربية.
و كانت معظم الأنظمة في أروبا الغربية خلال تلك الفترة موزعة الحكم الاستبدادي و الحكم المطلق. و كانت آنذاك تستخدم الصحافة لزيادة سيطرة الدولة و الدفاع عن مصالح الطبقة الحاكمة.
و المفهوم النظري للنظام السلطوي للإعلام يقوم على أساس جعل الصحافة في خدمة السلطة الحاكمة، سواء كانت تقوم على الحكم الاستبدادي أو الحكم المطلق. إد أن الإعلام يكون ملزما بتأييد السلطة الحاكمة ، و بالتالي فهو مطالب بالدفاع عن سياسات الحكم و بالدعاية للنظام الحاكم كما أنه محظور عليه نقد الحكام و نظام الحكم، إذ كان يعتبر من الجريمة كل نقد للسلطة و السياسة الرسمية للدولة.
وفي هذا النظام لا يتمتع الصحفي والإعلامي عموما بأي استقلال، كما كان متعرضا للكثير من العقوبات. و قد تكون مزاولة مهنة الصحافة و الإعلام منحة أو امتياز يخص به القائمون على الأمور من يشاءون مقابل الالتزام بتأييد النظام و سياساته.
وكانت السلطة في ظل هذا النظام تراقب الصحافة ممن خلال القيود التشريعية و ضرورة الحصول على الترخيص و إلزامية إيداع مالي كضمانة قبل الإصدار، إمكانية منع الصحف أو توقيفها عبر الطريق الإداري ، و الرقابة عليها بمختلف أشكالها المدنية و العسكرية المباشرة و غير المباشرة.
النـظــام الـصحـفـي الـلـيـبرالـي
لقد ارتبط هذا النظام بالتطور الفكري الذي عرفته أروبا في القرن 17، لا سيما حينما أصدر البرلمان في القرن 18 قانونا يؤكد على حظر أية رقابة مسبقة على النشر ،كما أباح للأفراد إصدار الصحف دون الحاجة إلى الحصول على ترخيص من السلطة . كما أن مبادئ حقوق الإنسان التي أعلنتها الثورة نصت على مبدأ حرية الصحافة لما حل مبدأ سيادة الشعب محل الحق الإلهي للملوك. كما نص الدستور الأمريكي على حظر تدخل الدولة في مجال حرية التعبير أو الصحافة.
و النظام الليبرالي للصحافة ارتبط بالليبرالية كفلسفة و كأسلوب، وهما اللذان حصرا دور السلطة في تحقيق أمن الفرد و سلامته ورفاهيته. ويقوم هذا النظام الإعلامي الليبرالي على جملة من الأسس، من أهمها أن الحق حق طبيعي من الحقوق الأساسية للفرد، و بالتالي وجب أن يكون الإعلام حرا من أية رقابة أو قيود مسبقة.ويتفرع عن هذا الحق حق آخر وهو حق الفرد في أن يختار ما يريد أن يعرفه ولن يتأتى له هذا إلا بتنوع وتعدد مصادر المعرفة، و بالتالي وجب عدم وجوب أية قيود على جمع المعلومات ونشرها بالوسائل القانونية أو على نقلها و إرسالها عبر الحدود الجغرافية. وتبعا لذلك وجب إذن أن تكون سوق الصحافة و الإعلام حرة و مفتوحة .
وفي ظل النظام الليبرالي يصبح أي نقد للحكومة أو الأحزاب السياسية أو المسؤولين والقائمين على الأمور مباحا، وبالتالي غير محل للعقاب . وهذا كانت ضرورة التمتع الصحفي بالاستقلال المهني، و الذي يعني مباشرة الصحفي لعمله دون أن يتوقف ذلك على موافقة سابقة أو أي شرط قيد مسبق. كما أنه لا يجوز توقيف الصحف أي لون من ألوان الرقابة قبل النشر أو بعده، و لا يجوز توقيف الصحف أو تعطيلها عن طريق إداري، وأي تجاوز من طرف الصحافة يكون من اختصاص القضاء وحده.
إلا أن الصحافة في النظام الليبرالي لم تعد حرة نتيجة لسيطرة الشركات المتعددة الجنسيات على وسائل الإعلام، إذ وصل التركيز و الاحتكار حدا لم يعد يمكن من تحقيق تعددية الصحافة وتنوعها،وقد كشفت جملة من الإحصائيات أن 20% فقط من الصحف الأمريكية يمتلكها أفراد أما 80% فتخضع لملكية و مراقبة الاحتكارات بالولايات المتحدة. ونتيجة لتزايد الاحتكار و التركيز في صناعة الصحافة ووسائل الإعلام و تطابق المصالح بين تلك الاحتكارات والدولة فقد حدث الخضوع المذهل للنظام الإيديولوجي الرأسمالي، و أبرز مثال على ذلك ما حدث في حرب الخليج و حرب العراق. حيث برز بجلاء نموذج إدارة المعلومات و الآراء و تصنيعها و التحكم فيها،و العلاقة بين وسائل الإعلام والسلطة من جهة التزام وسائل الإعلام بالقواعد التي تحددها الدولة و تعبئة الرأي العام و تصنيع التأييد العام لمواقف الحكومة الأمريكية.
وهكذا تخلت الصحافة عن القيام بدورها في رقابة الحكومة.
وفي هذا الصدد وجبت الإشارة إلى تدخل المجلس الدستوري في فرنسا سنة 1992 للدولة التدخل للحد من ظاهرة الاحتكار الإعلامي، وقال في قضائه أن حرية الصحافة لا تشمل فقط حق اللدين يكتبون ويحررون وينشرون، ولكنها أيضا تشمل حق الجمهور في أن يقرأ و أن يكون قادرا على الاختيار بين آراء متنوعة، وهذا الحق يجعل من الضروري وجود درجة من التعددية الصحفية خاصة في الصحف اليومي.
نـشـأة الـصـحـافـة الـعـربـيـة
في مرحلة ما قبل صناعة الطباعة الحديثة كانت المعلقات و الكتب المخطوطة باليد أولى "وسائل الإعلام" العربية عموما ، باعتبار أن وسائل الوصف والنقل للأحداث يمكن تصنيفها من وسائل الإعلام.
وفي المرحلة الثانية ما بعد صناعة الطباعة الحديثة – تتصل جذور الصحافة العربية باستيراد أولى المطابع في القرن السابع عشر إلى لبنان وكان ذلك سنة 1610 بإحداث مطبعة للكتب الدينية في شمال لبنان. إلا أن الصحف العربية انطلقت سنة 1799 من مصر عندما أنشأ نابليون بونابرت نشرة " الحوادث اليومية " لنشر أخبار مصر ولتبليغ أوامره للمصريين . وبعد ذلك أصدر محمد علي باشا جريدة "الوقائع المصرية" سنة 1828 وكانت لسان حال الدولة. وكانت تصدر باللغة التركية ثم بالتركية والعربية ثم بالعربية فقط.
ويقال أن أوّل صحيفة سياسية غير حكومية كانت أسبوعية "مرآة الأحوال" التي أصدرها رزق الله حسون بإسطنبول عام 1855 لنشر أحوال سوريا ولبنان. وبعد ذلك ظهرت جملة من الصحف يمكن ذكر من بينها مجلة "يعسوب الطب" بالقاهرة سنة 1865 وعنيت بالمجال الطبي وصحيفة "نزهة الأفكار" الأسبوعية في القاهرة سنة 1869 وكانت تعنى بالقضايا السياسية، وصحيفة "الأهرام" سنة 1876 .وفي لبنان ظهرت مجلة "مجموع فوائد" سنة 1851 والتي أنشأها المراسلون الأمريكيون، ويعتبرها البعض أقدم مجلة عربية عهدا، وكانت تعنى بالشؤون الدينية والعلمية والتاريخية والجغرافية. وبعدها ظهرت "المهماز" وهي نصف شهرية تأسست سنة 1870، تعنى بالدين والأدب والرواية. وفي سوريا ظهرت صحيفة "نفير سوريا" سنة 1860 ، والتي كانت تدعو للتآلف بين الأديان، وتلتها صحيفة "سوريا" سنة 1865 وهي جريدة رسمية . وفي العراق ظهرت صحيفة "الزوراء" سنة 1868 . وفي تونس صدرت صحيفة الرائد التونسي"الرسمية سنة 1861 وتلتها أسبوعية "نتائج الأخبار" سنة 1863 . وفي الجزائر أنشأت الحكومة الفرنسية جريدة "المبشر" سنة 1848 . وفي طرابلس الغرب أصدرت الحكومة العثمانية سنة 1871 صحيفة " طرابلس الغرب" سنة 1877 وفي صنعاء صدرت ، بتوجيه من السلطان عبد الحميد الثاني صحيفة "صنعاء" الأسبوعية سنة 1877 .
الإعلام المكتوب…….. رسالة ودور وتحديات
الجريدة أو الصحيفة هي نشرة تصدر نسخ متعددة، تظهر بانتظام في فترات متقاربة، وهي ذات فائدة عامة ولها علاقة بالأحداث الجارية وتتضمن معلومات وتنشر آراء وقد تصدر أحكام قيمة وتبرز معرفة وبذلك تخلق قراءا يتابعونها.
وتكون مهمتها الأساسية إلتقاط الوقائع والأحداث التي تمثل أهم مظاهر الحياة في مختلف المجالات والميادين، وإيصال أنبائها إلى حيث تكون الفائدة والأثر الأعمق، وكل ذلك عبر البحث عن الحقيقة بجرأة وثبات.
والصحافة تلعب دورا متعدد الوجوه، مادامت تقوم على أربعة أركان أساسية وهي: الكشف عن الحقيقة وتوجيه الرأي العام بالتأثير فيه والتعبير عنه والمساهمة بشكل أو بآخر في صناعة التاريخ، والكشف عن الحقيقة يتجلى في الربط بين الحقيقة والمعرفة، وهذا الوجه من وجوه غدوارها يعتبر مغامرة من مغامرات العقل. اما فيما يخص تأثير الصحافة على الرأي العام فهذا أمر لايطاله الشك. وعبر هذا الوجه تبرز قوة الصحيفة أو ضعفها.
وفيما يخص المساهمة في صناعة التاريخ، فقد تكون الصحافة من أكبر الوسائل لتسجيل الحوادث والوقائع، وبذلك يمكنها أن تمثل مرآة العصر.
ولكي تقوم الصحافة بكل هذه الأدوار الحيوية فهي في حاجة إلى حرية الرأي والتعبير والتي تعتبر حجر الزاوية في هرم الحريات.
بالنسبة للصحافة المغربية عموما فقد ساهمت بشكل ملحوظ في قيادة معارك ضد التسلط والفساد ومختلف الإنحرافات. كما أن معظم الأفكار والتيارات والمواقف إلى اختلاف أنواعها واتجاهاتها اتخذت ولا زالت من الصحافة مجالا رئيسا للبروز والتعبير والإنتشار بغية التأثير في الرأي العام.
والصحافة المغربية، ككل الصحافة في العالم تواجه حاليا جملة من التحديات لاسيما مع اتساع نطاق الإعلام المرئي والمسموع الذي يتميز بالسرعة سواء في ايصال الخبر او متابعة الأحداث.
وفي هذا الإطار، حاولت جملة من الصحف أن تخطو خطوات واسعة في سبيل تحسين منتوجها الإعلامي لإجتذاب القراء أو على الأقل الإحتفاظ بقاعدة كافية من القراء. ومنها من إختار التودد إلى القراء ومنها مع من اختارت التوجه إلى عرائزهم ومنها من اجتهدت في البحث عن التميز والإنفراد والسبق، ولو أدى بها أحيانا إلى بعض الأخطار.
وسـائـل الإعـلام والاتـصـال الـتـحولات الكبرى
منذ ثمانينات القرن الماضي شهد مجال الاتصال الإعلامي تحولات كبرى ناجمة بالخصوص عن تطور غير مسبوق في التكنولوجيا والتقنيات المعتمدة التي فرضت الخبر المباشر وسرعة البث والتلقي. وبذلك اضطرت كل الوسائل الإعلامية والإتصالية إلى إعادة النظر في أساليبها ففي نهاية القرن التاسع عشر، قبل ظهور التلفزيون، كانت الجريدة تلعب دورا هاما في تريع الوقت الاجتماعي ، لاسيما بفضل شبكة التلغراف التي ساهمت في التوحيد الزمني للعالم، ثم ظهرت الإذاعة لنلج معها عصر الحدث المباشر أو آنية الحدث، ثم أكمل التليفزيون المسيرة في بداية القرن العشرين ، والذي مكن من نقل الخبر في وقته الحقيقي. وفي منتصف الثمانينات القرن الماضي تكاثرت الأقمار الاصطناعية وتطورت أشكال جديدة للإعلام المتواصل وتناسلت المحطات. وهذا التطور مكن من "متابعة التاريخ مباشرة" حسب عبارة "دايان وكاتز" مؤلفا كتاب "اتروبولوجيا وتاريخ التلفزيون"
وقد كانت لهذه التطورات السريعة جملة من السلبيات ، نذكر منها أن ديكتاتورية الخبر السريع أجبرت بعض الصحافيين على نقل الخبر دون التحقق من صحته ، وأجبرت المعلق الصحفي على الاكتفاء بتعليق فوري والوصف دون التحليل العميق. كما أن التبث المباشر أعطى أهمية متزايدة للصورة.
وقد امتدت آثار الخبر المباشر في بداية القرن الحالي إلى مختلف مجالات الحياة الاجتماعية وفرض عليها إيقاعا زمني متسارع. وصار التلفزيون مرجعا للصحافيين.ومن أهم تأثيرات تطور تقنيات التلفزيون مرجعا للصحافيين. ومن أهم تأثيرات تطور تقنيات التلفزيون على الصحافة المكتوبة يمكن ذكر إعطاء أهمية أكثر وأكبر للعناصر المرئية في إخراج الجريدة واعتماد الإيجاز إذ أصبحت قراءة الصحيفة قراءة سريعة.
ومع تكامل مجالات الاتصال المؤسساتي والإعلام تعقدت أكثر مهمة الصحفي الذي وجد نفسه أمام الاتصال الشامل يمطر عليه البلاغات والملفات الإعلامية والمؤثرات الصحافية ولقاءات العمل والبعثات الصحافية..الشيء الذي خلق جوا يتميز بتضاعف ومضاعفة الأخبار ، إلى أن وجد الصحفي نفسه يواجه أشكالا متعددة ومتنوعة من السطحية والتبسيط للأخبار.
إن هذه التحولات قلصت الحدود بين الخطاب الإعلامي والخطاب الدعائي ومختلف مجالات الاتصال.
في هذا الإطار العام انقلب نظام عمل الصحافة المكتوبة رأسا على عقب ومن أهم التحولات في هذا الصدد هناك استعمال المعلوماتية وشبكة الإنترنت لإصدار نشرات إلكترونية تمكن القارئ من اختيار ما يهمه والتواصل مع القراء ، بل والاتصال بكاتب المقال.هذه التطورات لن تعدم الوسيلة المكتوبة ، لكن تسمح لها بمواكبة تطور الوسائل السمعية –البصرية وتمنحها إمكانية التفاعلية والدقة في اختيار المنتوج الصحفي.
ويرى بعض الاختصاصيين في مجال الإعلام أن تكنولوجيا المعلومات الجديدة من شأنها أن تساهم في فضح حقيقة دور الصحفي الذي يدعي أنه مجرد وسيط بينما هو في الواقع غالبا ما لا يقدم الحدث كما هو بل يعيد تشكيله . كما يرى هؤلاء أن الخطاب الإعلامي نفسه معرض لأن يتغير بسبب كثرة الوسائط التي تجعل منه مجرد مكون من مكونات ما يسمى حاليا " الإقتصاد العام للاتصال"،بعدما ما كان هذا الخطاب يشكل عنصرا أساسيا للاتصال الاجتماعي.
وبشكل عام يعتبر التكامل التقني للركائز الإتصالية من العناصر التي أدت إلى دمجها في شبكة ضخمة عالمية. وفي ظل سيادة قوانين السوق قد نتجه نحو قيام إمبراطوريات إعلامية .
معنى أن تكون صحفيا ؟
تقتضي الأخلاقيات الصحافية أن يكون الصحفي محللا و مراقبا من أجلى المصلحة العامة و الدفاع عن المواطنين العاديين و كشف مكامن الفساد و تحليل و تسليط الأضواء على مختلف الظواهر السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الحقوقية التي يعاني منها المواطن.وبذلك فإنه يكرس تكريسا حق المواطن في الإعلام، و الذي عبره يتمكن من معرفة الوقائع التي تعنيه.
ففي الأمر، إن دور الصحافة هو دور الحارس المراقب للأفق من أجل ال
إعلان عن الأخطار المحدقة بالمجتمع أو البلاد أو فئة أو قطاع.
و بذلك يتوجب على الصحفي أن يتنزه عن الإغراءات ، المادية و السلطوية، مادامت ستمنعه لا محالة من الكشف عن الوقائع المزعجة و الأخطار المحدقة، و تحليلها و نقدها من منظور علمي موضوعي من اجل المصلحة العامة، و ليس من منظور أصحاب الامتيازات.
و بما أن الصحفي يمارس مهنة المتاعب ، عليه التنقيب و التفتيش عن القضايا المشبوهة المؤثرة بشكل أو بآخر في حياة المواطنين، و ذلك من تحليلها أو دراستها او على الأقل الكشف عنها.
إلا أن الممتهن للصحافة و المحترف للكتابة الصحفية يصطدم بجملة من الاكراهات خارجة عن إرادته وهي إكراهات متعددة و متنوعة. و قد تكون رقابية أمنية، أو مالية أو ثقافية .وهذه الاكراهات ثؤثر بشكل أو بآخر في الخط التحريري عموما للمنبر.
ومن الإكراهات الأخرى التي تظل متسترة يمكن ذكر الصحفي ناذرا ما يجد أمامه قارئ ينظر إلى النص الصحفي المنشور من منظور حقوق المواطن والإنسان والمعرفة العلمية البحتة.
فكيف على الصحفي التعامل مع كل تلك الإكراهات المؤسساتية والأمنية والقانونية ومع تعقيدات التركيبة المجتمعية مع البقاء أمينا التزاماته المهنية وأخلاقيات المهنة؟
عموما لقد أطر الصحفي إلى اعتماد أساليب للتحايل على تلك الإكراهات دون أن يتحول إلى مجرد كاتب عن نفسه أو عن جهة أو فئة معينة.
فبدل تعيين المشكلة وتسميتها وتعديد عناصرها يلجأ إلى التعميم وأحيانا إلى التنظير، إلا أنه يكون مضطرا أحيانا إلى تسمية رموز الفساد وسرد الوقائع وفضح بعض الصفقات المشبوهة والنفقات غير المشروعة، لاسيما تلك التي تفرق فرضا ويصبح عدم التطرف إليها بمثابة تخلي مفضوح للصحفي عن مهمته.
ادريس ولد القابلة