|
حكاية الرجل الصالح الذى سرق بلدا - قصة قصيرة -
إبراهيم محمد حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 1912 - 2007 / 5 / 11 - 06:55
المحور:
الادب والفن
لم يكن السحتاوى ظانا بنفسه ظن السوء ، كان مثل حكام ونوابهم ووزراء ووكلائهم وأثرياء وأشباههم ، يزين لنفسه هذا وهذا فما يحمل هم شىء من هذا ابدا ، لكنها البساطة التى تطبعه فى تنفيذ الأمور جميعا بنفس العمق ونفس الحكمة التى تليق بمثله .. علم بميعاد المزاد ، فذهب للتابعى – وكان التابعى قد عاد من ليبيا توا ، ربما مثلما ذهب فما فارق الغلب وما فارقه ، فعاد أسوأ مما ذهب لكنه خاف الفضيحة والحكمة المأثورة أن " عويل بلاده عويل بلاد الناس - هكذا أتت به قدماه إلى السحتاوى ملتحفا بستر الليل ، طالبا منه مساعدته فى بيع جاموسته ، لكنه قدم بين يدى السحتاوى ديباجة كبيرة عن الستر والغطاء وكيف عاد من الخارج مفلسا ، وأهمية ان يغطى هذه المسألة ........ " السحتاوى " الذى صرخ صرخة هائلة أن عيب يا رجل ما تقوله فنحن اكثر من الأهل ، فكيف توصينى على سر أخى وحبيبى ، ثم انطلق قسم بالطلاق المثلث ألا يتناول مليما سمسرة فى هذه البيعة ، وبعد أيام سلمه المبلغ كاملا خمسة آلاف جنيه مصرى عدا ونقدا ، وما انتبهت عيون التابعى للخمسمائة حنيه التى اندست داخل جيب الصديرى ، هكذا الدنيا ، خرج الفتى من داره ، فنقص – يا تابعى – مقدارك ، وها قد عدت إلى درك التى صارت بلا جاموسة ، ولكن ما لفت نظر الناس ان تلفازا كبيرا قد صار بدارك الفقيرة ، وقد تجمعوا حولك مندهشين من حلاوة الصورة ولطف الريموت السحرى ، كل هذا الرخاء جعل " السحتاوى يتجرأ ويتشجع ، ويطلب من " التابعى ان يشاركه فى المزاد التى تقيمه الجمعية لبيع جاموسة " أبو الفضل " المكسور فى ألف جنيه من ثمن التقاوى ، أفهمه أنه لابد أن يسترد كرامته التى أطارها بيع الجاموسة الأولى ، ولابد من أخرى تأتى عوضا عنها ، حتى تظل لك يا تابعى يا أخى مهابتك فى البلد ... إلى الآن - يا سادة يا كرام - والسحتاوى طاهر النفس عفيف اليد واللسان ، حتى أن هذه النفس الطاهرة ما لامته مرة فى موضوع الخمسمائة جنيه التى لهفها من التابعى ، كما ان نفسه لم تحدثه وهو يقرر ببراعة ذئب سياسى قديم ، حين أرسل دعوة فرح لصديقه التابعى ، لكى يذهب إلى ابن خالته أمين الشرطة فى مصر ، ليحضر زفافه ، لماذا لم يتصل " التابعى " بابن خالته ؟ ومن أين جاء السحتاوى بالدعوة ؟ وكيف علم بوجود ابن خالة لصاحبه فى مصر وعلى وشك الزواج ؟ وكيف أقنع السحتاوى أحد المجندين من خارج القرية ، ليوصل له الدعوة على اعتبار أنها من ابن خالته ، هذه حكاية – حقا – أرهقته جدا . ولكن لماذا كل هذه التدابير ؟ إن المزاد الذى لطش " السحتاوى " على حسه ما تبقى من فلوس التابعى ، سيقام فى نفس وقت سفره ، ولهذا فليس له حق فى حضور المزاد كما اتفقا ، بل إنه جاء وكله خزى يتأسف لهذا الطارىء ، والبركة فيك يا أبو حسينى ،أنت الخير والبركة دائما .. اطمان قلب أبو الحسينى الشهير بالسحتاوى ، على جوانب خطته ، وها هى " الشابة " قد اشتراها ووضعها داخل زريبة ووفر لها طعاما ، لكنها ما هنأت به ؛ فقد سحبها إلى السوق فى عربة نصف نقل ، وباعها واستلم المال بكل امانة . عاد التابعى حزينا بائسا يائسا ، فما وجد فرحا ولا حتى وجد " رضا " ابن خالته ، غير أن خبرا جيدا كان فى انتظاره ، فالشركة بينهما قد زادت نفرا وجاموسة أخرى ، خبر جيد يحتاج إلى ألفى جنيه مرة واحدة ، والشريك الجديد دفع نصيبه ، ورأى جاموستين يساوى قدرهما ضعف الثمن الذى دفعوه فيهما ، وكل شىء فى كنف السحتاوى .
وها هى الأيام تمر سعيدة وثمة امل يتراقص فى البعد ، والتابعى عاد للعمل فى البحيرة كما كان ، والرفاق دوما يسألونه عن الجاموستين ، فقد صرت يا تابعى صاحب أملاك ويضحك التابعى ضحكته الطيبة ويسكت .. وقد كان نهارا أسود ، حين عاد التابعى من البحيرة ، فوجد السحتاوى منكوش الشعر ، مقطوع الجلباب ، مترب الوجه والبدن ، وصراخه ولطيمه يملأ الكون : - يا غلبك يا سحتااااااوى .. ويا غلبهم معك . تجمع أهل العزبة ، يستفسرون ، فعلموا أن جاموستى الرجل قد سقطتا فى المصرف ليلة امس . والحق أن الجهد الذى بذله السحتاوى فى السر والعلن يستحق بلا شك كل آيات الإعجاب ، ويظل شاهدا على انحاط فطرى فى أخلاقه ، وهو امر كان يؤهله لأكثر مما هو فيه كثيرا ، لقد علم ان جاموستين قد غرقتا فى مصرف بعيد بعيد ، والعجيب أنهما لم يغرقا فى مصرف واحد بل فى مكانين مختلفين ، مما دعاه لصحبة " سامبو " الذى سرق عربة السائق الذى يعمل لديه ، وسامبو ابن السحتاوى منذ عامين وهو يعمل على عربية نقل ، وأبدع ما فى الحسينى الذى هو ذاته " سامبو " أنه يحمل نفس موديل كافة التباعين فى مصرنا الغالية ، شعر أكرت مفلفل فذر ، صوت اجش كأنه شتائم ، تشعر أن وجهه قد صدمته مقطورة مسرعة ، ولم يتم إعادته لأصله ، وعيناه – ككل التباعين – ناقصة نوم ، يبدو اثر البانجو عليهما منذ سنوات – عينان ضيقتان ساهرتان منذ الأبد ، هه مالنا وسامبو ، ودوره لم يتعد باى حال سرقة مؤقتة للعربة التى حملا فيها الجاموستين من المصرفين وعادا بهما قبل الفجر وألقياهما فى المصرف الكبير بالعزبة لديهم ، وقد بذل جهدا فى سحب وتفريغ الجاموستين ,,, أخذ التابعى يهدىء من روعه .. فى داهية الفلوس ، لا تفعل هذا فى نفسك ، ولا يهمك شىء . عاطفيون نحن جدا ، وثمة ابتسامة ماكرة تلوح حين بدأ الناس يجمعون ما استطاعوا جمعه مشاركة فى مصابه الأليم .. صحيح ان اتهاما سبق واتهم به السحتاوى ، وكان الأمر جليا ككذب الساسة ومكر النساء ، لكنه استمسك بالموقف الذى يمليه عليه تاريخه العريض فانكر سرقة جاموسة الحاج بركات ، ولما شهدت الشهود ، جاء المشترى الذى تعرف على السحتاوى – الذى استمسك بصدقه ولم ينكره أبدا ، فكان لابد من عرض " البشعة " . عرف منهم ان البشعة هذه سيخ محمى فى نار جهنم ، يضعه الصادقون على ألسنتهم فلا يحدث لهم أى شىء ، أما الكاذبون فيحترقون بنارها ،، وتجمعت الأمور وتعقدت وكان لابد من الذهاب للبشعة ، ركبوا عربة وانطلقوا إلى العريش ، ولما وقف السحتاوى امام البشعة شاب قلبه ، سأل الشيخ : - يا مولانا هذه لا تحرق الصادق ؟ رد الشيخ بالإيجاب ، فقال له وطبعا إنت لا تعرف عزبتنا ولا حاشا لله سرقت جاموسة الحاج بركات ، فقال له عجيبة أيوه يا سيدى . فقال له : إذن الحس إنت البشعة الأول ما دامت لا تحرق الصادقين . فزع الشيخ وصرخ فيه صرخة هائلة وطردهم ، وعاد السحتاوى مع الرجال ، وهو كما كان عف اللسان صادق الفؤاد طهور السيرة .
#إبراهيم_محمد_حمزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السبعينيون .. هؤلاء الذين أفسدوا الشعر وضيعوه
-
هل تملك الجرأة على القراءة ؟؟؟
-
الشعبية فى أدب إحسان
-
رجال تكتب عن النساء ونساء أشجع من الرجال
-
دكتور هيكل .. وانتصار البرجوازى العفيف
-
الأحزاب السياسية : ولعبة الكومبارس السياسى
-
قراءة فى كتاب -الكتاب : أملى .. مذكرات رايسا جورباتشوف -
-
للهوان والهوى …. وسرقات جميلة
-
لماذا فشلت الأصولية فى كل مشروعاتها ، ولماذا غرقت البرجوازية
...
-
شامبليون … عبقرى أم لص ؟!!
-
فتنة النهضة
-
نازك الملائكة . . والصعود إلى سماء الشعر
-
رضوان الكاشف …… ساحر السينما وشاعرها
-
إحسان عبد القدوس ......وسمو أدب الفراش
-
... -الغزو عشقا- عناق الفن والفكر فى رواية التاريخ
-
فقه اللذة لماذا يكره رجال الدين النساء إلى هذا الحد ؟
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|