طارق على
الحوار المتمدن-العدد: 573 - 2003 / 8 / 27 - 03:51
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
العملية: "الحرية لإيران"
طارق على
31 يوليو 2003
ترجمة : احمد زكى
بدأ الصقور والعقبان, فى واشنطن, البحلقة فى إيران بعيون يملؤها الجشع. كلب الصيد البريطانى ينبح ويتحرق شوقا للهجوم. واقترح السفير الاسرائيلى فى الولايات المتحدة ناصحا ألا تتوقف قبل الأوان مسيرة الإمبراطورية الأمريكية المتقدمة أمام بغداد. طهران على اغلب الظن, ثم تليها دائما دمشق. والجدل الذى يستدعيه "الحمائم" الملطخة أياديهم بالدماء هو أن احتلال العراق يكفى حتى يأتى الملالى الإيرانيين على ركبهم خاضعين. وبالطبيعة, لن يرضى هذا الكلام الأخير الشاه المنتظر وأتباعه فى "لوس انجلوس". يظهر المطالب بالعرش الشاب فى "البى بى سى" و"السى ان ان", بشكل منتظم هذه الأيام, منهكا لحد اليأس حتى ينال الإعجاب والرضا, ويتعجل شغفا لحد ما, حتى يفعل ما سبق أن قام به أبوه وجده. قد تعيده الإمبراطورية إلى عرش الطاووس؟ وإذا كان ذلك كذلك, فكم من الوقت سيمضى إلى ذلك الحين؟
ولا يبدو أن أى من الأطراف يدرى بالآلام الحالية التى تعانيها إيران أو حقيقة أن هذه امة وشعب يحتفظان بذاكرة تاريخية, ساعدهم فى الاحتفاظ بهذه الأشياء شعراؤها. ولكن إيران لم تنس أنها هى الولايات المتحدة وأنها هى بريطانيا اللتان استخدمتا الملك ورجال الدين منذ خمسون عاما فى إحداث التغيير فى نظام الحكم الذى قتل فرخ الديموقراطية الوليد فى إيران.
عند وفاة "احمد شملو" – الأكثر قريحة فى شعراء إيران المعاصرين – فى عام 2000, سار فى جنازته أكثر من 100 ألف مواطن, من الشباب والكبار, فى صفوف مهيبة خلف نعشه, بينما اصطف على جانبى طريق الجنازة زحام من البشر يغنون أشعاره وهم يؤكدون أن الأمل لا زال يحيا. شملو, الذى عكست حياته صعود وخيبة الحياة السياسية فى إيران, وصف بلاده, فى أوقات عدة "كأرض لا تغنى فيها الطيور, ولا يأتيها الربيع. . . سجن بلغ من اتساعه أن الروح تذرف دموع العار من عنتها. "
لم تكن الأمور هكذا دائما. فى القرن العشرين شهدت إيران أوقات قصيرة من التاريخ, لاحت فيها إمكانية تحقيق طفرات. فى كل فرصة سنحت للتغيير, اغتصبت حركة الجماهير أو تم سحقها. زلزلت الثورة الدستورية فى 1906 – 1911 عرش أسرة "القاجار" الفاسدة, التى باع ملوكها البلاد لمصالح شركات تبغ وبترول الإمبراطورية البريطانية. ظهر البرلمان (المجلس) للوجود. وقد صاحب ذلك فى بعض المناطق تمرد فلاحى ضد جامعى الضرائب وكبار ملاك الأرض, جوهر سلطة الملكية. ظهرت الصحف المدافعة عن الديموقراطية, وبدأ المثقفون الإيرانيون فى الانتشاء بنسمات العصر التى هبت عليهم من "باريس" و"بتروجراد". وأدى ذلك الى توتر العلاقة برجال الدين, الذين مال بعضهم إلى تعضيد الهبة الدستورية. واستغل القضاء هذه الانقسامات, وبعدها بسنوات استطاع كبار الملاك الملكيون ورجال البلاط وكبار موظفى الدولة حصار الديموقراطيين الثوريين فى المجلس.
إلا انه لم تعود الأمور إلى سابقها تماما. ففى 1910, راقب ملا شاب اسمه "احمد قصروى" مذنب "هالى" من على سطح منزله فى "تبريز". وسحره "النجم ذو الذنب". ولم يهدأ عقله المتسائل حتى استطاع أن يفهم الغاز الكون, واحتضن "العلم اللا إلاهى". وقرر "قصروى" التحصن بقلعة العقل. وكانت كتبه ومقالاته الشهيرة حججا محكمة البناء فى مواجهة الجهل والأصولية الشيعية التى تغذيه. واغضب خطابه من اجل إصلاح واسع المدى (شاملا حقوق المرأة) رجال المؤسسة الدينية. اتهمه الملالى بالهرطقة والردة, وفى عام 1946, حوكم بتهمة "الإساءة إلى الإسلام", ولكن الحانقين عليه لم ينتظروا الإدانة. لقد اغتيل بالرصاص فى قاعة المحكمة, وسقط واحد من أوائل الشهداء فى المعركة ضد الظلامية.
سحق الشاه ومستشاريه البريطانيون الثورة الدستورية, ولكن مصيبة سقوط الأسرة المالكة لم تكن تحتمل التأجيل. أطيح فورا بآخر شاه من أسرة قاجار بواسطة انقلاب قاده "رضا خان", وهو ضابط نصف أمى من فرقة القوزاق القديمة, التى شكلتها روسيا القيصرية من الضباط الروس لحماية حكم أسرة قاجار والمصالح الروسية معا. فقدت الفرقة ضباطها الروس, بعد ثورة 1917 فى روسيا, واستبدلوا بضباط محليين. فى عام 1921, أعلنت الحكومة السوفييتية رفضها لسياسة " القياصرة الطغاة", وأسقطت الدين الفارسى وتخلت عن كل التنازلات والاراضى التى استولى عليها "النظام البائد" غصبا.
هذه التنازلات أحادية الجانب فضحت لصوصية الإمبراطورية البريطانية وشجعت الروح الوطنية حتى داخل فرقة القوزاق العتيقة. وفى نفس العام سار "رضا خان" بقواته إلى طهران واحتلها. وعين وزيرا للحرب. وأصدر, بعدها بأربع سنوات, أوامره للمجلس بإلغاء أسرة "قاجار" الملكية.
كانت تجربة "كمال اتاتورك" فى تركيا هى مصدر الهام "رضا خان", الذى خلق دولة مستقلة عصرية, مكسوة بطبقة خارجية إمبراطورية. ولكن, فى حين أن "كمال اتا تورك" كان قد ألغى الخلافة وأعلن الجمهورية فى تركيا, نصب محاكيه الفارسى من نفسه, وهو المفتون بالتملق والفساد, ملكا بتأييد حماسى من الإنجليز.
كانت إصلاحاته المتبلدة هى فى أحسن أحوالها، حلول جزئية قدمت القليل لتغيير النظام الظالم فى جوهره. وتناقض رضا مع الملالى - وفى بعض الأحيان عاقبهم بالجلد علنا - وهو نفس ما كان يتعرض له دعاة المدنية المعاصرة. وتشابه مع العديد من الطغاة، فكان يتشكك فى أكثر الكتابات براءة على أنها دعوة للعصيان والتحريض ضد الحكومة. كانت أى محاولة لإدخال الأساليب الديموقراطية تقابل بالاستهجان.
كان غرام رضا بالرايخ الثالث أثناء الحرب (تغير اسم البلد من فارس إلى إيران بناء على اقتراح السفارة فى برلين، بما أن إيران هى "مهد الجنس الآرى") هو السبب الذى قاد إلى سقوطه. لم تتولد عدم راحة البريطانيين له من فراغ. ففى عام 1941 أطاحوا به وأرسلوه إلى المنفى. واجلسوا ابنه الضعيف، محدود الذكاء، محمد رضا، بدلا منه على العرش. لم ينس الولد الشاه أبدا ما حدث لأبوه. فقد تعلم الدرس وهو أن مفتاح النجاح للحاكم التابع يكمن فى أن لا يرفع سيفه أبدا فى وجه ولى أمره.
تسبب احتلال إيران وقت الحرب من فبل جيوش بريطانيا والاتحاد السوفييتى والتنافس الذى جرى بينهما إلى خلق مساحة لظهور عديد من التيارات قديمها وحديثها: التيار القومى الديموقراطى العلمانى والشيوعية الموالية للاتحاد السوفييتى. استعاد القوميون خطاب الثورة الدستورية ووقفوا مع الانسحاب الفورى لكل الجيوش المحتلة ومع استقلال سياسى واقتصادى حقيقى لبلادهم. كان زعيمهم، محمد مصدق، بالرغم من اصول نشأته الملكية (كان ابنا لإحدى أميرات أسرة قاجار الملكية)، يرفض بشكل دائم أداء مراسم تشريفات البلاط. وناهض استبداد رضا شاه وقاومه، رافضا الانضواء تحت خدمته بأى صورة من الصور، ملاقيا بسبب ذلك صنوف من الآلام والعنت. وبعد الحرب، كافح مصدق من اجل استقلال بلاده. كان الاستقلال يعنى إليه انسحاب القوات السوفييتية من أذربيجان الإيرانية ويعنى كذلك تأميم شركة البترول الانجلو- إيرانية المملوكة للبريطانيين.
من ناحيتهم، لم ير الشيوعيون من حزب تودة، الذين كانوا يعارضون بشدة الوجود البريطانى، أى تناقض بين ذلك وبين دفاعهم الأعمى عن المصالح السوفييتية. وقف مصدق وحده من اجل إيران، بينما اضطر العديد من أعضاء حزب تودة وأنصارهم إلى الوقوف خلف مصدق. اضعف التذبذب السياسى، وهذه الذيلية، من قاعدة الحزب الشيوعى بين الجماهير وكذلك اضعف من مصداقيته بين المثقفين الوطنيين. وبالرغم من ذلك، استمر حزب تودة فى استقطاب بعض من أفضل مثقفى إيران إلى صفوفه.
كتاب "ستيفن كينتسر"، "كل رجال الشاه"، مرثية مهداة لمصدق، السياسى ذو الدم الأزرق، الذى أدى تماسك رؤيته، المصحوب بإخلاصه وتصميمه على سيادة بلاده السياسية والاقتصادية، إلى أن يكسب تأييد شعبه - خاصة فقراء الريف والمدن - ويكسب أيضا عداوة القوتين العظمتين، الإمبراطورية البريطانية الذابلة ومنافستها الأمريكية الصاعدة والبديلة. لاحظ ان الاثنتان يساهمان فى مصالح اقتصادية مشتركة. مبكرا فى 1943، كتب وزير الخارجية الامريكى "كوردل هال" إلى "روزفلت" انه بغض النظر عن الأسباب "الإنسانية" التى تدعونا لفرض التوازن مع النفوذ السوفييتى والبريطانى فى المنطقة، هناك "زاوية أنانية للنظر أكثر مباشرة"، وهى تعنى "عدم السماح بوجود قوة عظمى أخرى فى منطقة الخليج الفارسى تعارض تطور المصالح البترولية الأمريكية فى العربية السعودية."
وبناء عليه، بدأ وصول البعثات العسكرية الأمريكية إلى إيران من 1942 وصاعدا. كان الهدف واضحا: تحويل جيش إيران المهلهل إلى أداة غاشمة تستطيع الدفاع عن المصالح الإمبراطورية فى المنطقة. ولكن كانت هناك قوتان إمبراطوريتان عظميان، وفى حين اخذ الاعتماد البريطانى على الولايات المتحدة يزداد من شهر للتالى أثناء الحرب، لم يعد لديهم خيارات كثيرة سوى القبول بالوجود الامريكى المتزايد الذى توغل فى كردستان واذربيجان فى أوائل عام 1943.
ثم، وكما يحدث الآن، قد يعطل التشاحن بين أقسام الإدارة الأمريكية المتنافسة أحيانا المشروع كله، ولكنه كان جليا واضحا أمام لندن أن الولايات المتحدة سوف تتسيد إيران فى يوم من الأيام. افضل عمل منفرد وضع عن العلاقات الأمريكية الإيرانية هو عمل "جيمس بيل" تحت عنوان, النسر والأسد: تراجيديا العلاقات الأمريكية الإيرانية، وهو العمل المطلوب قراءته لسبر أغوار بئر بلا قرار.
أشعلت قومية مصدق العنيدة تحركا جماهيريا واسعا, أدى لهروب الشاه المذعور عام 1953 وتأميم صناعة البترول التى كان عمالها يعاملون معاملة العبيد. اقتبس "كينتسر" (الذى عمل طويلا كمراسل للنيويورك تايمز) أقوال احد المدراء الإسرائيليين الذى عمل بالتماس مع عمال البترول الإيرانيين فى معامل التكرير بعبدان وكتب عن تجربته معهم فى صحيفة "الجير وسالم بوسط:
"كانوا يعيشون طوال سبعة اشهر الصيف الحار تحت الاشجار.... وفى الشتاء تنتقل هذه الجموع للعيش داخل هناجر ضخمة، شيدتها لهم الشركة، يتسع الهنجر الواحد لحوالى 3-4 آلاف من الناس دون أى فواصل بين الأسرة والأخرى. تشغل كل أسرة مساحة ملاءة سرير. ولا توجد دورات مياه... وفى حواراتنا مع زملائنا البريطانيين كنا نحاول غالبا أن نشرح لهم الأخطاء التى كانوا يرتكبونها فى التعامل مع أهل فارس بما كانوا يتبعونه من أساليب. وكانت الإجابة دائما: "نحن الإنجليز لدينا مئات السنين من الخبرة فى كيفية التعامل مع الشعوب البدائية. الاشتراكية سليمة جدا ولكن للوطن هناك، أما فى الخارج هنا يجب أن تكون أنت السيد."
إمبريالية حزب العمال لها عراقة ممتدة، بالرغم من انه حتى الاشتراكية فى الوطن لم تكن سليمة جدا حينذاك، والموجود طبعا هو السيد فى طبعة جديدة. كان وزير خارجية حزب العمال البريطانى، "هربرت موريسون"، مصمما على إسقاط مصدق، ولكن قدمه لم تكن ثابتة. فقد افترض أن بعض الزوارق الحربية المسلحة بالمدافع بالإضافة إلى بعض الشركس يمكنهم القيام بالمؤامرة، ولكن "هارى ترومان" رفع الفيتو فى وجه المغامرة. فقد أرسل سفيره برسالة سريعة يحتج فيها بان مصدق يقف خلفه 95- 98٪ من شعب بلاده. إنها بلاهة مطلقة أن تحاول إسقاطه بالقوة."
بعد انتصار "دوايت ايزنهاور" فقط كان فى الامكان وضع جدول أعمال الثورة المضادة الدائمة (الأب من استراتيجية الأمن القومى الحالية)، تلك التى نفذها الإخوان "دالاس"، وساعتها فقط بدأت تجرى الاستعدادات للعملية "اجاكس". تم زعزعة الديموقراطية العلمانية التى أسستها الجبهة الوطنية تحت زعامة مصدق، بواسطة العمليات الاستخباراتية الإنجليزية والأمريكية. استطاع "كينتسر" إعادة تركيب العملية برمتها من جديد وبعناية فائقة، مهتما اشد الاهتمام بالتفاصيل وبالشخصيات الرئيسية فى الرواية. كثيرا مما كتبه تم الاستدلال عليه فيما تلاه من سنين. والمثير حاليا انه لا يوجد الآن من يكترث حتى باستنكار ما حدث فعلا، وهذا يقود المرء منا إلى سؤال هل يمض خمسون عاما أخرى حتى يخبروننا أن كلا من بوش وبلير كانا يعرفان تمام المعرفة إن العراق لم تكن تمتلك أسلحة دمار شامل. فى إحدى النقاط، انتقد "كينتسر" بشكل خفيف مصدق لعدم تقديره المخاوف الأمريكية من التهديدات السوفييتية تقديرا حقيقيا والتصرف بناء على ذلك. وهذا النقد يمضى عكس جوهر الكتاب. حجة مصدق التى تضمنها دفاعه أمام محكمة الشاه الهزلية تهدم أسس أى تبرير آخر: "جريمتى الوحيدة هى اننى أممت صناعة البترول فى إيران، وطردت من هذه الأرض شبكة الاستعمار والنفوذ السياسى والاقتصادى لأقوى إمبراطورية على الأرض."
لهذا السبب أعاد انقلاب وكالة المخابرات المركزية الشاه مرة أخرى إلى العرش عام 1953. وقد بدأ بعد عودته إتباع سياسة الفتك المنظم بالليبراليين والقوميين والشيوعيين. وابتكر بوليسه السياسى، السافاك، أشكال جديدة من التعذيب، وتم تجريم المعارضة السياسية. وفرت جموع المثقفين المحبطة والحزينة فى هجرة جماعية، لتنظيم المعارضة من أوروبا وأمريكا الشمالية. ولم يبق فى إيران سوى أبواب المساجد مفتوحة. وبالتدريج أصبحت المساجد فقط هى الساحة التى يمكن أن يدور فيها النقاش المعارض للشاه، وان يطرح تنظيمها. كان تأييد الولايات المتحدة لديكتاتورية الشاه مطلقا، وحتى المعارضون المعتدلون ضد الشاه أصبحوا الآن معادون لأمريكا بشدة. فى 1970، عبر الشاعر "فرايدون طنقابونى" عن نظرة شبه كونية فى ذكرى مدينة مزدحمة:
لو كنت رسام كاريكاتير، كنت سأرسم الامريكي مرتديا بزته العسكرية الكاملة. يضع إحدى قدميه المنتعلة الحذاء العسكرى الغليظ فوق ظهر أمريكا اللاتينية بينما يضع فردة حذائه الأخرى فوق ظهر جنوب شرق آسيا. ويقبض بيده اليسرى على عنق رجل اسود....
ولما هبت العاصفة أخيرا وكنست الشاه، كانوا آيات الله هم الذين كانت لهم السيطرة. استفادوا من الفراغ الذى خلقته أحداث 1953. وظهر أن ديكتاتورية مشايخ الدين التى فرضها الخومينى على بلاده كانت الوجه القمعى الآخر لديكتاتورية الشاه حرفا بحرف. وكانت معاداة الإمبريالية التى أعلنها الملالى هى بالضبط معاداة الإمبريالية التى يعنيها البلهاء. رؤيتهم التى طرحوها كانت مشوشة من البداية. فالاختلافات بين قمع النظام البعثى وقمع آيات الله فى إيران تحمل معانى كثيرة. فرغم أن صدام سحق كل معارضيه السياسيين (ليبراليون، وشيوعيون، وخصوصا المعارضة الدينية)، إلا انه لم يتدخل فى الحياة اليومية للعراقيين. وخلال الربع قرن الأخير، انتشرت البارات، والديسكوهات، والملاهى عبر بغداد كلها. آيات الله حاولوا القبض على كل تفاصيل الحياة. فرضت الشرطة الدينية رقابة دائمة على الشباب من الناس، وأنزلت العقاب بالمارقين منهم بتوقيع الغرامات، أو بالجلد، أو بالسجن. ودفع هذا القهر الثقافى الصريح بأعداد كبيرة من الشباب ضد النظام. واليوم تكونت كراهية حقيقية وفريدة ضد الملالى من جانب أغلبية السكان ( 65٪ منهم أعمارهم اقل من 25 سنة)، الذين لم يعرفوا فى حياتهم سوى الحكم الدينى.
لقد علمت التجربة، وهى خير معلم، شعب إيران. ولا حتى آيات الله شديدو القوة والبأس يستطيعون التغلب على قوانين الأحياء الطبيعى. لو ترك الأمر لهم سوف يتخلص الإيرانيون من ظالميهم أصحاب اللحى بالطريقة التى تناسبهم وفى الوقت الذى يناسبهم. ربما يكون هذا، حتى، أوان الإصلاح الاسلامى. عبقرية وجمال صناع الأفلام الإيرانيين والأشعار والكتابات السرية التى تتداول داخل وخارج إيران، هى بالتأكيد مؤشر على التغيير القادم فى رحم الأيام. لو قرر فريق بوش, تشينى. رامسفيلد, الإسراع بالعملية، فسوف يكون الوضع بالتأكيد هو خلق متاهة عملاقة سوف تعزز فقط من قدرات أكثر العناصر رجعية فى هذا البلد. فمصالح الإمبراطورية نادرا ما تسير على هوى مصالح الناس التى ترغب الإمبراطورية فى "تحريرهم"، خصوصا عندما يعلم الناس أن السبب فى دخولهم هذه المتاهة يرجع إلى ما فعلته الإمبراطورية من اجل مصالحها منذ خمسين عاما مضت.
#طارق_على (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟