أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصعب فريد حسن - قصة قصيرة - عندك نمل ؟















المزيد.....

قصة قصيرة - عندك نمل ؟


مصعب فريد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 1898 - 2007 / 4 / 27 - 10:42
المحور: الادب والفن
    


- هل تشرب الشاي أو القهوة ؟ أو المتة؟ .
- عندك نمل ؟
سألني وهو شبه ساهم , كنت قد تعرفت عليه منذ فترة قصيرة , وتورطت بدعوته إلى بيتي , لكن شروده الدائم لم يرحني منذ البداية , قلت في سري ( أهلين وسهلين ,ها هو واحد آخر) , إنهم كثيرون , كثيرون جدا هنا في هذه المدينة , نعم وأنا أتكلم عن أولئك الذين أستطيع أن أصفهم بغريبي الأطوار .
- عفوا ماذا تقصد بالنمل ؟
- النمل دوخني يا رجل , بيتي طابق أرضي وهو مليء بالنمل , فصرت عندما أدخل أي بيت , تراني و بشكل لا شعوري أنظر في كل زوايا البيت باحثا عن النمل , عدم وجود نمل في البيوت نعمة يا رجل, نعمة لا تستطيع تقديرها , وأنا أحسدك على سكنك في طابق علوي من البناية.
- والله فعلا , أنا أعيش بنعمة كبيرة , قد لا أكون منتبها لها , ولكني أعدك أن أنتبه لنعمة عدم وجود نمل , ولكن هل تعلم ؟ عندي الكثير الكثير من الصراصير, وإنشاء الله تكون بنعمة ولا يوجد عندك صراصير ؟.
- يا أخي الصراصير موجودة عند كل الناس لذلك هي ليست مشكلة , أما النمل فصرت أحسه داخل رأسي , وأحيانا أستيقظ مذعورا من كابوس أرى فيه نفسي وقد سحبني عدد هائل من النمل العملاق إلى وكره .
- بدك تطوّل بالك قليلا على النمل .
إنه طيب القلب على ما يبدو ولكن سذاجته بدت لي مضحكة , فأنزلته من مرتبة غريبي الأطوار إلى مرتبة الساذجين الطيبي القلب , ولا بأس بمعرفة القليل عنه , كان مهندسا أربعيني العمر ,عازبا, ولكن أية هندسة تلك مع سذاجة كهذه ! ؟
تابع قائلا : هل تعلم ؟ عدم وجود نمل أصبح غير مريح أيضا بالنسبة لي , وجوده الدائم في بيتي يحفزني ويستفزني بردود فعل معينة ويشغلني بشكل دائم , عدم وجوده الآن يشعرني بوجود مؤامرة , وكأنه يجتمع في مكان ما ليتآمر علي .
عدت لأضعه في مرتبة المعتوهين, شرب الماء فقط وغادر بعد أن أخذ رقم تلفوني , ووعدني بالاتصال غدا ليدعوني إلى بيته .
لن أفوت فرصة التعرف جيدا على صديقي الجديد و الذي أسميته ( غريوار أي غريب الأطوار), في اليوم التالي كنت عنده في الموعد المحدد بعد أن أعطاني العنوان بدقة , كانت شقته المؤلفة من غرفتين تشبه شقق طلاب الجامعة , دون سرير وينام على فرشة ممدودة على الأرض , و يوجد طاولة عليها بعض الكتب الحمراء, ومذياعا قديما لم أر مثله منذ سنوات الثمانينات أبديت إعجابي الهائل به , أما النمل فقد كان فعلا في كل مكان من الشقة المطلة على حديقة يبدو عليها محاولات الاهتمام بها.
سألني : - هل تشرب الشاي أو القهوة ؟ أو المتة ؟
كانت فرصة لأرد له الصاع , فسألته (وأنا أدّعي الشرود ) :
- عندك جرذان ؟
أحسست أنه فرح باستطرادي واهتمامي بهكذا تفاصيل.
- طبعا لكنها قليلة , وسهل جدا عليك أن تكافحها وتسد عليها المنافذ , ولكن النمل , آه من النمل آه , لا تعلم كيف يدخل بيتك....
كان سيستطرد في حديث النمل ثانية , فأسكته بطلبي:
- طيب حضّر لنا المتة .
شغّل المذياع على محطة يبدو أنه يستمع إليها دائما لأنه لم يحرك الإبرة , وذهب إلى المطبخ عندما صدح صوت مذيع , ذكرني بتلك الأيام التي كنا نسمع فيها هذه اللهجة والطريقة المميزة بنطق العربية , كان صوت مذيع روسي ينطق( الظاء زين , والضاد دال , والطاء تاء ,والصاد سين ), و المحطة هي صوت موسكو الموجهة إلى العرب , نظرت إلى الكتب الحمراء في مكتبته , وصورة ماركس المعلقة على الجدار , وشعار المطرقة والمنجل على الطاولة , و.... كنت أظن أن هذه الإذاعة قد توقفت مع انهيار الأتحاد السوفياتي , و لكن إذا لم تغلق فمن يستمع إليها غير هذا ال..... طيب؟ , تخيلت أن المذيع في موسكو عندما يفتتح الإرسال كان يقول ( عزيزي غريوار, سباح الخير سنبدأ بث إرسالنا , نرجو أن تكون قد استيقزت ) عاد ومعه كؤوس المتة والإبريق ومعه جزرة صغيرة وسكين , صب لي المتة وبدأ بتقطيع الجزرة إلى قطع صغيرة وضعها في صحن يحتوي على حبات كثيرة من القمح والبرغل , ظننت أنه سيضيّفني إياه , إذ لم أعد أستغرب شيئا , لكنه قال لي تعال سأريك شيئا , خرجنا إلى الحديقة , ومشينا إلى زاويتها بخطى مسموعة , كانت هناك دجاجة تقبع بجوار الحائط لكنها نهضت عندما رأتنا , أخذ القليل من محتويات الصحن ووضع يده على منقار الدجاجة تماما , بدأت الدجاجة تأكل من يده , ثم قال لي (راقب ما سيحدث ) ,أبعد يده عن منقارها فنقرت الدجاجة نقرة طارت في الهواء لتعود وتنقر مرة أخرى أيضا في الهواء فسألته ( ماذا يحدث؟ ) أجابني ( إنها دجاجة عمياء ) ( ماذا ؟ كنت أحسب أنها رأتنا عندما نهضت تستقبلنا ) (لقد سمعتْ وقع خطواتنا لكنها عمياء , كنت قد اشتريتها لأربيها , علّها تصبح دجاجة بلدية ,وتعطيني بيضا بلديا, لكنني فوجئت بأنها عمياء ) ( إذبحها وكلها ) ( ماذا تقول يا رجل هل يطاوعك ضميرك وتذبح دجاجة عمياء , ثم هل تستطيع أكل دجاجة عمياء !!؟) ( والله لا أدري , لم أفكر بالدجاج الذي آكله إن كان أعمى أو أطرش أو أخرس , ولكن هل تطعمها الجزر ليقوى نظرها ؟) ( نعم ولا أدري إن كان سيفيدها !), (وهل تبيض ؟) ( لم تبض حتى الآن , ربما لأنها عمياء !!) كان كل ما في البيت غريبا على ما يبدو , لكنه كان يعامل الدجاجة معاملة رحيمة حقا , عدنا إلى الغرفة , أمسكت قاموسا للغة الفرنسية كان موضوعا على الطاولة ومفتوحا على الصفحة الأولى من حرف (d) سألته إن كان يعرف اللغة الفرنسية فأجابني - لا ولكنني أتعلمها الآن . - وكيف تتعلمها , هل بواسطة الكتب أم أشرطة الكاسيت , أم عن طريق الكمبيوتر ؟ - لا , أنا أتعلمها فقط من خلال القاموس , لقد تعلمت حتى الآن ثلاثة أحرف . أدهشني حقا, كان يتعلم اللغة الفرنسية حرفا حرفا من خلال القاموس , الآن هو يعرف كل الكلمات التي تبدأ بحرف ال( a ) وال( ( b و ال( c) و كان قد وضع خطة لإنهاء حرف ال(d) خلال ثلاثة أيام .
عدت إلى بيتي وأنا أحسده فعلا على غرابة أطواره هذه , وبشكل لا شعوري بدأت أهجس بالنمل و أصبحت أبحث عنه بعيوني هنا وهناك.
بعد عدة أسابيع كان غريوار يرن جرس بيتي , كان قاموس اللغة الفرنسية بيدي وإصبعي على الصفحة الأولى من حرف ال (t ) عندما فتحت له الباب , جاء وكم كانت فرحتي عظيمة عندما رأيته يحمل بيده الدجاجة العمياء, وباليد الأخرى كان يحمل المذياع, أهداني إياهما لأنه سيسافر إلى الخارج , قبلت الهدية بمودة , وأخبرته أن مذياعي الحديث لا يلتقط بث إذاعة موسكو فهي على ما يبدو تحتاج إلى مذياع من نوع مذياعه القديم , وقبل أن يغادر , سألني وهو ينظر إلى القاموس بيدي وإصبعي على الصفحة التي وصلتها - هل وصلت بتعلم الفرنسية إلى حرف ال( t) أنت سريع التعلم حقا !؟ . أجبته – نعم ولكنني أتعلمها بالمقلوب من الحرف الأخير(z) باتجاه الحرف الأول (a) .
غادر فرحا مطمئنا على أصالة (غرابة أطواري ), وما إن أغلق الباب خلفه , حتى أدرت المذياع على محطتنا المفضلة, فجاءني صوت المذيع الروسي ( عزيزي غريوار الثاني مرحبا بك نرجو أن تكون مستيقزا و تستمتع ببثنا لك من موسكو و ....) , التفت إلى الدجاجة العمياء وأنا أقطع لها بعض قطع الجزر الصغيرة , وضعت يدي على منقارها , وما إن بدأتْ بنقر قطع الجزر الصغيرة من يدي حتى تشوش ذهني و غامت الدنيا أمام عيناي , و امتلأت الجدران بصور ماركس , و امتلأ البيت بالنمل الذي بدأ يسحبني بعيدا بعيدا وأنا أنظر إليه بمتعة هائلة , وكان طيف غريوار يسألني : هل ستشرّبني الشاي أو القهوة ؟ أو المتة ؟ فأجيبه وأنا ساهم : أصبح عندي نمل يا غريوار , أصبح عندي نمل , نعم عندي نمل .



#مصعب_فريد_حسن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة - مرشّحهم
- قصص قصيرة جدا - ثلاث فراشات
- قصص قصيرة جدا - واضح وصريح ومباشر
- قصة قصيرة - قريب جدا بعيد جدا
- قصة قصيرة - بووووه هااااه
- قصص قصيرة جدا - أجمل مكان في العالم
- قصة قصيرة -أخلاق الأيدي
- قصة قصيرة - شاعر دالية وقصائد عنب
- قصة قصيرة- دبكة ودبّيكة وطبّال
- قصة قصيرة - الأنثى والريح
- قصة قصيرة-غياب متدلٍ كأرجوحة
- قصة قصيرة - غياب متدل كأرجوحة
- قصتان قصيرتان جدا-مهنة-تحميلة
- قصة قصيرة - الشيء
- قصة قصيرة -عند مفترق الرموز
- قصة قصيرة - رائحة على شكل قلب
- -قصة قصيرة بعنوان- ذبابة واحدة ويكتمل القرصان


المزيد.....




- -حدث ذات مرة في الموصل- يحصل على جائزة MENA في مهرجان سينما ...
- الصين تسعى لحظر أفلام هوليوود الأمريكية ردا على رسوم ترامب ا ...
- زاخاروفا توضح موقف الغرب من النازية بصورة من عام 1948 لرسام ...
- المغرب: لبصير والعوادي ضمن 7 فائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب ...
- منع أم دعاية؟ الجدل يلاحق فيلم -استنساخ- قبل عرضه الرسمي
- لماذا أصبحت الأفلام أطول زمنا؟ وهل يستمتع الجمهور بها؟
- 40 عنوانا جديدا.. ومسيرة الموسوعة السعوديّة للسينما مستمرّة ...
- بمشاركة أكثر من 660 ناشرا.. الشارقة تطلق الدورة الرابعة لمؤت ...
- الشارقة -ضيف شرف- المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط في دور ...
- الجزائر.. ترميم 17 ألف وثيقة وإدراج مخطوطين في -سجل ذاكرة ال ...


المزيد.....

- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصعب فريد حسن - قصة قصيرة - عندك نمل ؟