|
( 11 ) رسائل حب خليجية
رواية - جاسم المطير
الحوار المتمدن-العدد: 1903 - 2007 / 5 / 2 - 02:13
المحور:
الادب والفن
رواية ( 10 ) عزيزتي كريستين كنت مترددا ً في الكتابة إليك ِ . أنا الآن قريب جدا ً منك . جئت إلى بومباي بمهمة خاصة مستعجلة تمهيدا ً للزيارة التي سيقوم بها نائب الملك إلى الخليج . شعوري مرتبك جدا ً لأنني أفكر فيك كثيرا وأتذكر مثل ًهذه الأيام التي قضـــــــيناها هنا . أنا موجود بالقرب منك لكني لا استطيع الوصول إليك برغم شوقي الشديد لأنني سأمضي أياما قليلة ثم أسرع بالعودة إلى لندن حيث المشاغل لا تنتهي هناك . بومباي تشع بالشمس نهارا ً وبالأنوار ليلا ً. الأمطار تغسل بقايا الشمس والأنوار عن وجهي . الحياة نابضة هنا ، غير أني قضيت أياما ً موحشة . أحسست بكثير من الغربة والوحدة . برغم أنني سبق أن جئت إلى بومباي مرارا ً من قبل إلا أن هذه المرة كانت أصعبها . ربما تفكــــــيري بك هو السبب وأنت قريبة مني لكنني لا استطيع اللقاء بك ِ . ربما المشكلة التي جئتُ من أجل إيجاد حل لها هي السبب إذ اشعر بالعجز حيالها . استيقظت باكرا يوم أمس و قضيت بعض الوقت في قراءة تقرير قصير محال إليّ من زملائي في وزارة الخارجية حول بعض العلاقات والتصرفات بين بعض موظفي دائرتنا العاملين في الهند و في منطقة الخليج ، أنت يا عزيزتي كريستين كما تعرفين من تجربتك الشخصية ذاتها ، أن هناك صعوبة حقيقية في تعاملات بعض الانكليز مع الأسيويين . لذلك فان الدائرة رقم 57 التابعة لنا تشدد بين الحين والآخر على ضرورة معاملة الأسيويين بعطف ومحبة وبقدر كبير من التفهم الودي لبعض وجهات نظرهم أو لعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم . لا شك أن ملفات دائرتنا ودائرة رقم 57 تضم العديد من التقارير والرسائل التي كتبها بعض العاملين الانكليز المتشددين وهم يصفون الهنود والمسلمين والخليجيين بصفات غير مقبولة من قبلنا مثل الخسيسين والمتخلفين والوضيعين والجاهلين وغيرها من النعوت التي يلصقونها بالهنود . ركزت يوم أمس على إعادة قراءة تقرير واسع ، هنا في القنصلية ، كتبه جون ماتسفيلد وهو احد أهم وأنشط عناصر دائرتنا في الهند يزدري بسلوك وعادات وأخلاقيات ومعتقدات الهنود . هذا الكلام و هذا التوجه يتعارض كليا مع خططنا وأهدافنا ومع نهج بقية موظفينا من الرجال ذوي الفكر المفتوح والروح العلمية وعقلية التسامح . لكنني شخصيا استغربت بدهشة تامة صدور مثل هذا الكلام عن رجل معني بدراسة الحضارات القديمة بما فيها الحضارة الهندية . أنا اعرف معرفة تامة جون ماتسفيلد من رجال الثقافة المهمين في عملنا . لا أدري لماذا تغير إلى درجة كبيرة بل هو قد تغير تغيرا غير متوقع بعد فترة قصيرة من وصوله إلى الهند . إذ صار ينظر إلى الهنود باعتبارهم همج وبلداء ووثنيين متعصبين . وقد انصرف بذات الوقت نحو إقامة العلاقات الجنسية مع حسناوات هنديات واتخذ منهن خليلات يقضي جل وقته معهن حتى انه أحاط نفسه بثلاثة منهن في مكتبه الخاص . حيث تعمل الأولى سكرتيرة والثانية طباخة والثالثة منظفة . جون مانسفيلد هو نفسه الذي كان قد دافع قبل ثلاثة شهور أمام المحكمة البريطانية التي حاكمت صديقه ومعاونه داس برانك الذي كان قد قتل ببندقيته متعمدا سائق سيارته الهندي على خلاف بشأن من شئون الإسلام ومبادئه حين احتج السائق بعصبية على التقليل من أهمية الديانة الإسلامية . ورغم أن ماتسفيلد كان قد درس الحقوق إلا انه كذب في المحكمة مشيرا إلى أن القتل كان خطأ غير مقصود . لذلك اقترح على المحكمة بإصدار قرار حكمها بدفع مبلغ نقدي زهيد إلى أرملة القتيل خصما من راتب المتهم داعيا القضاة البريطانيين إلى عدم النظر بجدية واهتمام لهذه القضية لأن حياة الفرد الهندي لا تساوي شيئا ذا بال . سخر القاضي من أقوال ماتسفيلد سائلا إياه : - ماذا تقول يا ماتسفيلد لو كان الضحية بريطانيا ً أو أوربيا .. بأي قصاص تطالب ..؟ قال جوابه بسرعة وصلافة : - الإعدام طبعا .. لا يجب أن يفلت من الإعدام كل من يقتل أوربيا ً آو بريطانيا ً . ليست هذه هي القضية التي استدعيت من اجلها على عجل فأن دائرتنا ( الدائرة 9 ) لا علاقة لها بالدائرة 57 آو ملفاتها غير الاطلاع حسب . لكنهم استدعوني فورا لقضية أخرى تتعلق بدائرتنا نفسها . إنها قضية أخرى تتعلق بأحد موظفينا ( برت أسبري ) وهو موظف كفء ونشيط يختزن في ذاكرته الكثير من المعلومات عن الهند التي يعمل فيها منذ عامين ، كما يملك الكثير من المعلومات عن منطقة الخليج التي عمل فيها قبل ذلك . ها .. إنني أذكرك بأن كتابه المعنون ( إمبراطورية بريطانيا البحرية ودورها في توسيع النفوذ البريطاني ) وأبحاثه العديدة الأخرى كانت أحد أهم المصادر التي كنت ِ أنت ِ بنفسك اطلعت ِ عليها قبيل سفرك بيومين وقد أبديت ِ إعجابك بكل كتاباته عن الخليج . لقد أوقع هذا الموظف نفسه بموقف لا يحسد عليه حين ظل يمارس الجنس مع ابنة احد حراسه من المسلمين عمرها 13 عاما منذ أربعة أشهر . وقد حملت منه وعرف أبوها بقصة الحمل كما عرف أهل الفتاة كلهم بذلك وقد قام شقيقها الأكبر بطعن شقيقته بالسكين 17 طعنة قبل مدة قصيرة فارداها قتيلة غسلا للعار وهو يهدد بقتل المستر برت أيضاً انتقاما لشرف العائلة مما اضطر القنصل لتسفيره إلى قرية بعيدة في شمال بومباي ( ساواشا ) حفظا لسلامته علما أن التحقيق الأولي اثبت أن الممارسة الجنسية كانت برضاها وكان زميلنا يعتقد أن والدها كان يعلم بذلك لأنها تبقى معه في بيته في اغلب ليالي الأسبوع ما عدا يوم الجمعة وأنها كانت مسرورة لبقائها معه حتى أن برت كان يجبرها في بعض الأيام على زيارة والدتها المريضة . قال في تقريره أيضا أنها كانت تتقبل الممارسة بشوق وشهوانية غريبة . لا ادري ماذا افعل وكيف يمكنني معالجة الأمر بينما أهل الفتاة يرفضون كل حل ويطالبون بإجراء محاكمة علنية في المحكمة الهندية . اطلعت ُ على بعض التقارير الواردة إلى القنصلية من أصدقاء هنود موجه بعضها إلى القنصل وبعضها الآخر إلى القائد البحري العام يؤكدون فيها أنهم يشعرون في أعماقهم شعورا حادا عن الخطأ الكبير الذي وقع فيه الموظف البريطاني بحق الفتاة الهندية وهذا هو السبب في أن الهنود أصبحوا أكثر شراسة وعدوانية ضد الانكليز . شربت في هذه اللحظة قدحا من الشاي وأنا في حالة شديدة من التوتر . اشعر أن قدمي اليمنى تتلوى ألما . مرة اجلس ومرة انهض واقفا وفي ثالثة امشي بالغرفة ذهابا وإيابا عسى أن أتخلص من الألم . قلق شديد ينتابني . أنا غير مندهش من اندفاع شقيق الفتاة نحو الثأر لخطأ ارتكب بحق شقيقته فهذا أمر معروف لدى المسلمين الهنود . غير أنني قلق على مستقبل علاقتنا مع أصدقائنا الهنود . صداقتنا مهددة فعلا بعد هذين الحادثين ولا شك أن الحادثين سيقويان حجج الناس الذين يرفضون وجودنا في الهند فنحن الذين سعينا إلى بناء صداقتنا مع الشعوب الهندية وليسوا هم الذين سعوا إليها . في هذه الأيام تظهر مشاعر العداء لنا أكثر من مشاعر الود والصداقة . لمستُ ذلك في حديث القنصل معي إذ قدّم لي الكثير من المعلومات من هذا القبيل ، وفي تقارير قرأتها وحتى سمعت ُ أقوالا عدائية وتلميحات من ناس بسطاء في الأسواق أثناء تجوالي فيها . أجد نفسي ، الآن ، باذلا جهودا كبيرة من اجل يجب أن نكون دقيقين في تصرفنا مع الهنود ، حتى الذين يهيجون المشاعر ضدنا يجب أن نعاملهم بصداقة وود لامتصاص نقمتهم على تصرفات وأخطاء بعض موظفينا وبعض جنود وضباط البحرية أيضاً . لا يجب أن يشعر الهنود بان وجودنا بينهم هو للعقاب والقسوة أو بقصد استغلالهم واستغلال ثرواتهم ، التي لولاها لما تطور الاقتصاد البريطاني أصلا ، بل علينا أن نبرهن أن وجودنا في الهند هو من اجل مصلحتهم فقد جئنا لهم أصدقاء مخلصين . لا بد من تذكير جميع موظفينا أننا يجب أن نتخلص كليا من ذلك الاعتقاد الفطري بتفوق الرجل الأبيض ذي العيون الزرق وهو اعتقاد خاطئ ساد حتى لدى بعض مفكرين وأدباء برتغاليين حين قال احدهم في قصة خيالية كتبها يخاطب بها سيدة هندية : - تذكري يا سيدتي دائما وأبدا هذا القول : نحن أطهار وغيرنا أقذار . لقد ارتكب كثيرون قبلنا من البرتغاليين والأسبان والهولنديين خطأ فادحا بادعاءاتهم أو بقناعاتهم بأن المسيحي الأوربي بحكم واقعه وطبيعته أرقى من كل الأعراق الأخرى . علينا أن نحترم نظرات الآخرين إلينا خاصة المسلمين المعتدلين فهم ينظرون إلى الرجال الأوربيين كمشاكسين متسلطين لا يعرفون غير إدمان الخمر وممارسة الجنس مع فتيات من دون عقد زواج .. علينا أن نعرف جيدا أن المسلمين والهنود والفرس رغم لونهم الأسود أو المائل إلى السواد إلا أنهم أهل علوم وآداب وحضارة واستقامة في سلوكهم اليومي والعائلي لا يعودون لبيوتهم مخمورين يترنحون في الشوارع أو يجرجرون أذيالهم في الأزقة أو يرفعون عقيرتهم بالصياح أو يضربون زوجاتهم وبعدها يدفعونهن إلى خارج أبواب بيوتهم مثلما يفعل رجالنا في بريطانيا في غالب الأحيان . هذا هو السبب في أن أحدا منهم لا يقبل تزويج ابنته لرجل منا . هذا هو السبب في أن البنات الهنديات يخفن الزواج من احدنا . التاريخ خير معلم لنا وتجارب الرجل الأبيض من غير البريطانيين كثيرة ، وعلينا أن نستلهمها ونعتبر بها فلا يوجد أي حق للمسيحيين الأوربيين من التجار وأصحاب رؤوس الأموال في أن ينظروا إلى غيرهم كمستوى أدنى . لقد حمل هولنديون مثل هذه النظرة إلى شعب اندنوسيا المسلم فقابلهم الشعب الاندنوسي بكراهية وازدراء معتبراً الهولنديين كفارا ، مثلما اعتبر أهل ( بالي ) من الهندوس والوثنيين البرتغاليين الكاثوليك كفارا . علينا أن نحسن دائما فهم واستيعاب مثل هذا الوضع . أنا شخصيا لا اشك أن الغالبية من المسلمين في اغلب مجتمعاتهم يفضلون حكما مسلما فرديا استبداديا على إدارتهم من قبل أوربيين مسيحيين . أنا مرهق يا كريستين أريد أن أخلد إلى الراحة . أخرجت صورتك ووضعتها على الطاولة الأمامية . الصورة التي معي جميلة جدا ً. كـــــــانت ضفيرة شعرك تجذبني إلى كل ذكرياتنا المشتركة . أقول لك بصراحة أنني أحس بدبيب خاص في جسمي لرؤية وجهك الجميل كلما نظرت إلى الصورة . عليَّ الآن أن اخرج . فالجميع في انتظاري في صـــالة الفندق . تذكري أنني دائم التفكير فيك . وكثيرا ً ما تأتين إلي في الليل ، في يقظتي وفي أحلامي . وأنا سعيد بهذه اللقاءات التي تقربني إليك وتقرب موعد اللقاء . فالون بومباي
******************* ( يتبع )
#رواية_-_جاسم_المطير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|