|
القديم في إستراتيجية بوش -الجديدة- في العراق
سلامة كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 1891 - 2007 / 4 / 20 - 13:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ربما لا يبدو أن جديداً قد طرأ على خطة بوش تجاه العراق، والتي أعلنها بعد صدور تقرير لجنة بيكر/ هاملتون. فهو لم يلتزم في الإطار العام لتوصيات ذاك التقرير، وإن كان استفاد من بعض تفاصيله. وإذا كان التقرير يدعو إلى تقليص الوجود العسكري الأميركي في العراق، فقد عمل بوش على زيادة ذلك الوجود بإرسال خمسة فرق جديدة. وبالتالي فإذا كان التقرير يدعو لوضع خطة انسحاب، فإن بوش قد وضع خطة تصعيد. إذن، قرّر بوش الاستمرار في الاحتلال والحرب رغم خسائر قواته، ورغم الضغط الداخلي من أجل الانسحاب. وأعتقد أن هذا ما كان متوقعاً، نتيجة حاجة أميركا للعراق (وبالتالي كل المنطقة). لقد كرّر بوش في خطابه الذي أعلن فيه خطته أن "الفشل في العراق سيكون كارثة للولايات المتحدة"، حيث "أن سلامة شعبنا تحتم علينا تحقيق النجاح في العراق". لكن الأهم من "سلامة شعبنا" هو أن هذه المنطقة "من العالم ذات أهمية كبرى للأمن الأميركي". لهذا "تخوض الولايات المتحدة صراعاً جديداً سيحدد المسار للقرن الجديد". وإذا كان تعبير الأمن القومي الأميركي يحيل إلى "خطر الأصولية" و"الحرب على الإرهاب"، ويوحي بأن المسألة هي مسألة أمنية، تقتضى القضاء على الإرهاب. فإن جوهر ما يقوله بوش هو خارج هذا التفسير، وهو ما أوضحه وزير الدفاع الجديد روبرت غيتس حين وصوله إلى البصرة، حيث أشار إلى "أن الفشل (في العراق) سيكون بمثابة كارثة للمصالح القومية الأميركية". فهي ستخسر السيطرة على النفط ليس في العراق فقط، بل في الخليج العربي كله. وهو ما دفع بوش ووزير دفاعه إلى التأكيد على أن الهزيمة في العراق سوف تؤدي إلى تهديد "بقاء" الدول في هذه المنطقة. هنا نقطة الأساس. حيث أن الهدف الأميركي الأول هو السيطرة على النفط والأسواق في هذه المنطقة. لأن ذلك هو الخطوة الضرورية لتعزيز منافسة الشركات الأميركية في السوق العالمي، والتحكم بالمنافسين الآخرين عبر السيطرة على النفط، من أجل أن يبقى الاقتصاد الأميركي اقتصاداً مهيمناً، وبالتالي يتحدد مسار القرن الجديد كونه مسار استمرار الهيمنة الأميركية على العالم. وهذا السبب هو الذي يجعل بوش يوغل في التورط في الحرب في العراق. المسألة ليست مسألة "قيم"، وإن كان بوش قد أشار إلى "تحمل أعباء الحرية". إنها مسألة مصالح. لهذا تصمم الشركات الاحتكارية، احتكارات النفط والسلاح، وكل الشركات الاحتكارية الأخرى، على أن تخوض الدولة الأميركية الحرب إلى النهاية. لأنْ لا خيار أمامها في إطار المنافسة العالمية المتصاعدة سوى احتكار النفط والأسواق، وبالتالي تأسيس معادلة تنافسٍ تخدم مصالحها هي. هذا هو سبب الحرب على الإرهاب، وبالتالي سبب احتلال أفغانستان والعراق. وهو سبب الإمعان في الحرب، والإمعان في السعي لتغيير وضع المنطقة كلها، بغض النظر عن الخسائر العسكرية. لهذا بدأت سلطة الاحتلال الأميركي في العراق تفرض مصالحها. وإذا كانت قد سلمت الشركات الاحتكارية الأميركية كل ما يتعلق بالنفط ومشاريع "إعادة الإعمار" (طبعاً دون أن يتحقق أي إعمار)، فها هي تسعى لشرعنة السيطرة على النفط عبر المشروع المطروح على البرلمان، والذي يخصخص هذا القطاع الهام وفق نسبة مجحفة، حيث تأخذ الشركات 70% مقابل 30% للدولة. وكذلك الأمر في مشاريع إعادة الإعمار التي تذهب أموالها إلى الشركات الأميركية تحديداً، هذه الأموال التي تؤخذ الآن من مردود النفط المباع، أو تسجل كديون تغرق العراق في التبعية لعقود قادمة. وإذا كانت الدولة الأميركية تخصص مئات المليارات كميزانية للحرب على العراق، فإن شركات مثل أنرون (التي كانت على وشك الإفلاس) قد جنت عشرات المليارات وفق احتكارها النفط وإعادة الإعمار. وعدّلت العديد من الشركات الاحتكارية الأميركية من وضعها القلق في السوق. إضافة إلى أن المليارات التي تخصص للحرب يذهب معظمها لشركات السلاح والخدمات، ولا تذهب للشعب العراقي. لقد أشار بوش في خطابه إلى ضرورة إنفاق أموال على "إعادة الإعمار" وتطوير البنية التحتية لـ "توفير عيش أفضل للمواطنين". وخصص مبلغ عشرة مليارات دولار لهذا الغرض. لكن هذه المليارات سوف تذهب للشركات الأميركية كذلك. بمعنى أن مئات المليارات التي تنفق على الحرب تعتبر كتوظيف استراتيجي من أجل ضمان السيطرة على العراق والمنطقة، خدمة لمصالح الشركات الاحتكارية الأميركية بعيدة المدى والتي "ستحدد مسار القرن الجديد". وهي في كل الأحوال تعود إلى هذه الشركات، وإنْ خسرت الدولة ذاتها. وهذه آلية أساسية في الواقع الأميركي، حيث تبدو الدولة كخادم حقيقي للرأسمال. وهي في ذلك تراكم الديون التي وصلت إلى أرقام مذهلة. وهو وضع ناتج عن أن السلطة هي في يد تلك الشركات الاحتكارية، التي تحمل المواطن الأميركي دافع الضرائب أعباء سعيها للحصول على الربح الأعلى، وعلى إنقاذها من التعثر، وضمان هيمنتها العالمية. إن كسب الحرب في العراق هو الضامن لاستمرار هيمنة الشركات الاحتكارية الأميركية. لهذا يجب زج المزيد من القوات، والتصميم على الاستمرار في الحرب حتى "تحقيق النصر" لأن الفشل سوف يكون بمثابة كارثة. المسألة هنا حدّية. بمعنى أن مصير المصالح الأميركية متوقف على نتيجة الحرب. فإما الانتصار وتأكيد استمرار الهيمنة على العالم، أو الهزيمة وتراجع أميركا إلى الخلف. هذا الشعور يتحكم بالرأسمال الأميركي، حيث يشعر بحدة المنافسة العالمية (من قبل الشركات الأوروبية واليابانية، لكن والصينية كذلك، والروسية في حدود معينة). وبات يلحظ تراجع مواقعه في إطار الشركات الأهم في العالم. حيث يتقلص عدد الشركات الأميركية في قائمة المائة شركة الأهم في العالم. وتعاني شركات الطيران والسيارات والسلاح والاتصالات وعديد غيرها من منافسة حادة من شركات أوروبية ويابانية وروسية. توجب أحياناً التدخل السياسي، أي الضغط، من أجل تغليب المصالح الأميركية، كما يحدث مع شركات السلاح في إطار المنافسة مع روسيا، وأيضاً مع أوروبا. وكثيراً ما ألغت دول اتفاقاتها مع شركات روسية أو أوروبية نتيجة التهديد الأميركي. ودول الخليج من هذه الدول، حيث أنفقت مئات المليارات لشراء سلاح لا تستخدمه، وكان يُفرض عليها دائماً الشراء من الشركات الأميركية. ولاشك في أن احتلال العراق قد أدى إلى احتكار الرأسمال الأميركي للسوق العراقي، وأغلقه لمصلحة استيراد السلع الأميركية. وهو المثال الذي تسعى الشركات الاحتكارية تحقيقه في مختلف مناطق العالم من أجل تجاوز المنافسة. إن احتكار السوق العالمي هو المنقذ للشركات الاحتكارية الأميركية من الانهيار في إطار المنافسة. وبالتالي فإن الحرب ضرورة، والاحتلال "قيمة اقتصادية". وليسال الدم من أجل تحقيق الأرباح.
#سلامة_كيلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع جريدة النهج الديمقراطي المغربية
-
إتفاق مكة -صفقة تقسيم الغنائم-
-
القرآن: تحليل للتكوين الاقتصادي الاجتماعي للإسلام
-
واليسار الفلسطيني أيضاً
-
رد إجمالي على ملاحظات عصام شكري على -نداء الى القوى والأحزاب
...
-
الجديد في إستراتيجية بوش الجديدة في العراق
-
واليسار الفلسطيني
-
أميركا في العراق والمقاومة
-
سوريا في الوضع الإقليمي
-
خطر الحرب الأهلية في فلسطين
-
رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب المارك
...
-
رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب المارك
...
-
رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب المارك
...
-
خطة أولمرت الجديدة
-
مكانة اللينينية في الماركسية
-
لماذا -ماركسية-؟ : بصدد تسمية الاتجاه الفكري الذي بدأ مع مار
...
-
النضال الفلسطيني واشكالية القطري والقومي
-
المقاومة الفلسطينية: محاولة تقييم انتقادي
-
أزمة العقل الأحادي في تناول العلاقة بين الوطنية والديمقراطية
-
الحزب الشيوعي العراقي ومسألة الأولويات
المزيد.....
-
العراق يعلن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل وفقدان 5500
...
-
ما هي قوائم الإرهاب في مصر وكيف يتم إدراج الأشخاص عليها؟
-
حزب الله يمطر بتاح تكفا الإسرائيلية ب 160 صاروخا ردّاً على ق
...
-
نتنياهو يندد بعنف مستوطنين ضد الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربي
...
-
اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية وقوات كييف في مقاطعة خاركو
...
-
مولدوفا تؤكد استمرار علاقاتها مع الإمارات بعد مقتل حاخام إسر
...
-
بيدرسون: من الضروري منع جر سوريا للصراع
-
لندن.. رفض لإنكار الحكومة الإبادة في غزة
-
الرياض.. معرض بنان للحرف اليدوية
-
تل أبيب تتعرض لضربة صاروخية جديدة الآن.. مدن إسرائيلية تحت ن
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|