( 8) رسائل حب خليجية

جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 1900 - 2007 / 4 / 29 - 03:45
المحور: الادب والفن
    

رواية
(7 ) عزيزتي كريستين

حفزتني رسالتك الأخيرة على تناول القهوة في منتصف هذه الليلة الباردة . يبدو أن البقعة الصحراوية الشاسعة المطلة على الخليج تبعث في النفس مشقات متعددة ، وألوانا متعددة من الحرمان . أدرك جيدا ً أن الحرمان مخيف . لكنني أدرك جيدا ً، أيضا ً، أن الإنسان القوي المالك لإرادته والواعي لمهمته يخلق لنفسه وحياته الخاصة عادات وآراء وقوانين ومبادئ تساعده على تحديد تأثيرات الحرمان و رصدها بالتجربة والعقل السليم . بهذا الصدد أنا واثق من أن لديك الاستعداد والإرادة للتغلب على كل النتائج السلبية للحرمان . بالتالي فقد تلمست ، بوضوح ، مدى التوازن النفسي الذي تعيشين حالته . فقد كانت رسالتك الأخيرة مزودة بوجهة نظر عميقة وبقدرة عالية على الاستكشاف . ظهر في الضوء لوسو . اعتقد أنني غير منزعج من علاقتك به رغم عدم ثقتك به وعدم ثقتي به أيضاً .
وصلتنا بعض المعلومات غير المؤكدة عن نشاطات لوسو فيها قوة وفيها وعي لمصلحة هي غير مصلحة الإمبراطورية البريطانية . كل الأفكار تختلج الآن مع بعضها ، ولا نمتلك معنى محددا ً لنشاطاته لكونه من نوع الناس الذين يرقص بجنون وراء جدار أصم داخل رحم شركات وهمية بقدميه الواهنتين ، هدفه المباشر والسريع هو أن يطأ أرضا بضـّة عارية ، لكنه لا يملك غير الخيال . معتقدا انه سيجتاز الجدار محققا ثروة ما من رقصاته تلك . لم يضع في الحسبان انه ربما يسقط جثة هامدة في مياه الخليج ذات يوم . إننا نشك في أن هذه النشاطات والعلاقات التي يبنيها تدخل ضمن نطاق نبض شركات معروفة أو مقتدرة . . شددي الحكمة في علاقتك به . استخدمي العقل في كل تصرف معه . حاولي أن تظهري أمامه بأنك قاصرة عن فهم أي شيء حوالي ما يجري كي تحصلي على المزيد من المعلومات السرية التي بحوزته مندفعا من جانبه لبناء جسر من المحبة معك كامرأة .
في بعض دروس الفلسفة كنت قد قرأت أن انتظام أية علاقة بين شخصين ، رجل وامرأة ، إنما يمر بمرحلة العموم ، والتمثيل ، والثبات . الحب أرقى أنواع العلاقة فهو الذي يحقق تنسيق الأشياء ضمن العلاقة القائمة بين رجل وامرأة . لاشك في أن تلقائية الحب هي التي تخلي الطريق أمام غرض الحب وأهدافه . الحب رغبة . والرغبة غرض . والغرض نظام . والنظام وسيلة . والوسيلة تكشف فورا ً عن السمات الأساسية للحب فإما أن يكون الحب رغبة الغرض الفعال وإما أن يكون من نوع الحب الأفلاطوني . إن لوسو يعزو عنصر الإرادة في غرض حبه لك . انه يحاول أن يطور العلاقة إلى انتظام ميله المغامر ليخلق من مصادفة اللقاء بك محاولة للتوفيق بين الحرمان الناتج عن قسوة البيئة ، والحب الناتج عن التأمل في جسد المرأة ، وشرور المصلحة النفعية الاقتصادية الذاتية له ولشركاته أو لمن يقف وراءه . هنا لا نقيض لفكرة استثمار لوسو واندفاعه نحوك لتحقيق جزء من غاية وجودك ألاستخباري في المنطقة . لا اشك في أن آراءك حول هذا الشخص هي صائبة فهو من نموذج مركب و معقد يعارض نفسه بنفسه . يستخدم في علاقاته ونشاطه عناصر متنوعة يمكن أن تكون متنافرة فهو يريد أن يغرف من كل الاتجاهات ومن جميع المصادر بأمل التوفيق بينها لينتفع منها إلى هذا الحد أو ذاك
من هنا من هذه الصفات ينبغي أن نبدأ معه لاستخدامه ، من دون أن يدري ، كشخصية وسيطية ننتفع منها ثم نطرحها في المزبلة تمهيدا لنسيانها . ربما هو يعتقد انه مفكر من مفكري العصر الاقتصادي الجديد . ربما لا يعتبر نفسه مجرد رجل أعمال بل انه صاحب تعاليم رأسمالية جديدة أو انه صاحب منهج قادر على تحقيق السيادة في أي ارض أجنبية يعمل فيها .
كل هذه الحدة والحماسة في شخصيته التي استنتجها من خلال أوصافك له لن تجعلنا نتخوف منه أو نتقهقر أمامه بل علينا أن نستفيد إلى أقصى حد من ملفاته ومن علاقاته ومن توافقه أو عدم توافقه مع خططنا بالمنطقة واستثمار كل نقاط الضعف الجليـّة في شخصيته . تذكري دائما أننا نملك حواسا دقيقة وأجهزة تفكير سليمة تجعلنا لا ننخدع ، فلا الدول المنافسة لنا في المنطقة تتمكن من خداعنا ولا الأشخاص التافهين الراكضين وراء المال من أمثال لوسو . أن بلادنا تملك في الوقت الحاضر أكبر إمكانية استخبارية في العالم ستكون مفيدة للنفوذ البريطاني في كل مكان يسعى له السياسيون البريطانيون من أبناء الأجيال القادمة لصناعة الرؤية الضرورية للتعامل من الشئون الدولية بما يؤمن مصلحة بريطانيا العظمى .
أما الضابط التركي فهو أسير التكلف في الانتقال من الغريزة إلى العقل ، ومن العقل إلى الغريزة . يحاول أن يجد شواغل لنفسه في واقع السعير الصحراوي الذي يحيط به . أن وعيه يتطور الآن وفق نظرية الأحلام في التخلص من الغربة ، وفي الالتقاء بأمه . وبين هاتين الحالتين ظهرت ِ أنت ِ أمامه كلغة ٍ يتحدث بها مع نفسه وكعقل ٍ مبني ٍ على فرضية احد أنواع الحب . إن إيماءاته مفيدة . ويمكن الاستفادة من هذه الإيماءات ، أيضا ً، لكي تؤدي وظيفة موجهة لخدمة أغراضنا . لا بأس من أن تتآلفي مع ملكاته العقلية ومع حواسه كلها تجاهك ِ وتجاه أمه . ابتكري العلاقات التي تجعل منه تابعا ً لك . يمكن أن يفيدنا في خططنا الرامية إلى تحرير المنطقة كلها من الاحتلال العثماني . ان انهيار الإمبراطورية العثمانية هو شيء حتمي من وجهة نظرنا . من يدري ربما تبدأ أولى خطوات الانهيار في الخليج نفسه باعتباره جزء من أراض ٍ عربية شاسعة وهي أغناها بالثروات الطبيعية . أنا شخصيا أتوقع ذلك وقد ضمنت أفكارا بهذا المعنى رفعته إلى وزارة الخارجية .
أود أن انقل لك الأخبار السعيدة . أولها أنني استعد ، الآن ، للمجيء إلى الخليج . سنقضي أياما ً ممتعة بلا شك . وثانيها أن المستر د.جيمس رحب بأفكارك ترحيبا ً حارا ً . كما اهتم تماما ً بنجاحات نشاطاك وتحركاتك . وهو يعتقد أن بإمكانك توسيع مدى علاقتك في المنطقة . لذلك فهو يهتم بتأمين حراسة مشددة لحمايتك . ربما سيخصص امتيازات جديدة سأنقلها لك في رسالتي القادمة .
ثمة شيء آخر انقله إليك . إنهم يفاخرون بك ِ . لذلك فهم يفكرون بإرسال مساعدة لك ِ . تأخذ جزءا ً من عملك الروتيني . وتخضع كليا لتعليماتك . استقر رأيهم على ماري كوش . اعتقد انك ِ تعرفينها جيدا ً. سبق لها أن عملت في الهند . التقينا بها ، أنا وأنت ، في بومباي خلال زيارتنا الأخيرة . إنها فتاة نشيطة درست اللاهوت الارثدوكسي ثم تركته وحولت كل نشاطها الأكاديمي إلى دائرتنا . أملي أنها ستكون عونا لك ِ . ومن باب أولى يصح القول أن بإمكانك ابتكار المهمات المناسبة لها بحيث يتوفر عندك العمل الأوسع والأقدر على تحقيق نجاحات جديدة ، خاصة أن معلوماتنا تؤكد أن الروس والفرنسيين والألمان يسعون بكل الأساليب أن يجدوا لهم موطئ قدم ، سياسيا ً أو اقتصاديا ، في الخليج . إن غرف العمليات والبحث والدراسة والندوات ، عندنا وفي وزارة الخارجية ، تؤكد توجه تيارات فعلية غير انكليزية من اليابسة في الشمال ، ومن المياه الدافئة في الجنوب ، إلى منطقة الخليج .
إن ماري موهوبة في التعلم السريع للغات . إنها تتقن العربية والهندية والألمانية . اهتمي بها . من صفاتها أن عاطفتها المتعالية تندمج بسرعة مع من يهتم بها .
تحياتي إلى اللقاء القريب .
لك حبي وقبلاتي الحارة .
فالون / لندن
*****************
( يتبع )

#جاسم_المطير (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات