حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1889 - 2007 / 4 / 18 - 12:09
المحور:
الادب والفن
بيروت في اللاذقية_ثرثرة
أسعد رجل في العالم يكتب الآن.
صباح أو عيد الجلاء, الزهورية, شمّ النسيم....أيام تتلألأ في الذكريات, ليست طفولتي بمجملها شقية....عشت أواخر الاحتفال السوري البهيج.
اليوم بعد منتصف العمر, استيقظ في بيت فارغ تملأه الوحشة....يا إلهي ماذا أفعل!
أصدقائي الأشرار يحتفلون ويسكرون في معلولا, اتصّلوا بي من هناك بهدف ..إغاظتي فقط....فريدة السعيدة انتهزت فرصة العطلة والربيع وغادرت باكرا, ماذا سأفعل بيوم العطلة والاحتفال هذا؟ تمضية وقت الفراغ والعطل, طريق إلى السعادة في العرف المشترك, بالنسبة لعاطل عن الحياة والعمل مثلي, كله فراغ حياته وجسده...ماذ ا يفعل فراغ في الفراغ....؟!
فتحت الأنترنيت, عالمي الحميم, بلا شغف تنقّلت بين المواقع...ثم رنّ التلفون...سوزان بيت....هكذا يظهر على شاشة موبايلي الاتصال الذي يعيدني إلى الحياة والواقع...أستمع للشعر وإلى الصوت الرخيم والروح التي لا يسعها إطار...وتحملني إلى عوالم شاسعة بالفرح والألوان.
هل استلمت بريدك من بيروت...بيسوا صديقنا المشترك بترجمة اسكندر حبش مع الإنسان المهدور المهدور ودوايين بسام حجار وزكي بيضون.....
بعد الاتصال تفتح لي الحياة نوافذها وأبوابها, ويصير العالم كله مكانا يصلح للعيش والفرح, الحياة ولا شيء سواها.
*
مع صديقي نضال نشرب القهوة في مقهى كولمبوس على دوار الزراعة, منطقية نضال, ميزة الاصغاء_ النادرة لديه, في يوم كهذا نستطيع أن نتبادل الكلام.
رنّ تلفوني الذي سيبقى صامتا طيلة الشهر_الأستاذ حسين_ والله العظيم أحب مخاطبتي بهذه اتلصفة أحيانا, أنا سائق من بيروت,. أخبرني, لديك طرد بريدي هل تتفضل باستلامه...هذه سوريا التي نحبها, لطف ودماثة, مكان حقيقي للآخر...شكرا لك...شكرا من أعماق القلب والروح.
فضولي إلى هدايا سوزان...رائحتها, لمسة يديها على الكتب, اختيارها....وصورتي العابرة في ذهنها أكبر من قدرتي على الانتظار, طظ في الرصانة... أفتح المغلف وأدخل إلى الكتب في مكتب الشحن...وأول ما أقرأه بالطبع لصديقنا بيسوا بترجمة اسكندر حبش....يا اسكندر ما أجمل ترجماتك, أحبها أكثر من أشعارك بمرات, نزاهة وصدقية وشغف وأفق واسع, كلّه وصلني مع ترجمتك ريلكه... واليوم بشغف كامل أنتظر قراءة بيسوا معك.
بيسوا أولا و لا شك, فتحت على المقاطع الثلاث:
لدي كتاب صغير أكتب
فيه حين أنساك
كتاب ذو غلاف أسود
لم أخطّ فيه كلمة بعد.
*
حزينتان عيناك, كبيرتان, سوداوتان
تتحدثان من دون أن تكلماني
لن يكون هناك أبناء, أحفاد
سأرغب في أن أحبهم.
*
حين يخفق قلبي هكذا
يبدو وكأنه يذكرني
بأني إن نسيتك يوما
لا مجال أمامه سوى التوقف.
*
.
.
لا أستطيع أن أكمل....ارتويت وشبعت من الشعر, نعم هكذا.....
بالضبط ما رغبت في كتابته وقوله والعيش فيه.....ويجدر بي التوقف.
*
أفتح الشباك في نادي نقابة المهندسين باللاذقية....وألامس البحر...مزيج واحد نحن.......بحر بيروت وبحر اللاذقية....أشمّ وأتدغدغ بالملح والرطوبة...البهجة تفوق طاقة احتمالي.
بمودة وحب استقبلني نادر, مشرف النادي,...,في هذه اللحظة جرت حادثة لطيفة وتتكرر مع الجميع, وضعت السيجارة بين شفتي, وحاولت تناول القداحة...غير موجودة...أنا وحدي على الطاولة واشعلت عدة سجائر قبلا.....كيف فقدت القداحة! وجدتها في الكتاب_ ديوان بيسوا بالطبع.
ماذا أعرف فعليا, ما الذي عرفته البارحة وقبله؟
ما اعرفه أنني حي وأتنفس, وما اعرفه بدقّة أكبر...بيروت في اللاذقية الآن.
في مقهى الروضة ببيروت شربت النبيذ اللبناني....أنتشي وأطير وأسكر.
في نادي المهندسين باللاذقية أشرب الريان....وهنا مزيج الأنفاس والملامح....
_ لا أستطيع المتابعة في طريق الشعر يا سوزان.
أثرثر وأراكم الحمايات, لأطيل يوما....ساعة....لحظة.
عالم أنت فيه يصلح للعيش والفرح.......والعناء.
بدأ الريان...يملأ الأوردة والمشاعر.
الجمال بيننا ومعنا دوما. لا تجهد نفسك في النظر, فقط استرخي وتنفّس بعمق, الحبّ العظيم نجمتك ويملأ خلاياك بالألوان والطيوف اللذيذة!
أتذكّر الآن قصة_سوار العقيق_ ألكساندر كوبرين:
حتى أنت
ومن حولك
لا تعرفون كم أنت جميلة
..............................................................................................................
وعلى النقيض أتذكّر ليلة ناعمة_ دينو بوتزاتي.
أتذكّر بيدرو بارامو.
أتذكر أنّا كارنينا.
أتذكّر جميلة وايتماتوف.....أتذكّر...أتذكّر
أتذكّر ايف بونفوا وأدونيس:
اليد التي ترفعينها,
فوق باب
تضيئني عبر العصور
يا حديقة الحجر
أنت يادوف
في كل لحظة أراك تولدين
وفي كل لحظة تموتين.
.
.
أتذكّر....أتذكّر....تغمرني الذكرى وتغرقني.
أتذكّر مونتاني:
كان الخمّار يصبّ لك كأسا من الجحيم
وأنت تصرخين مذعورة
أينبغي أن اشربه!
ألا يكفي....
أننا جميعا في قلب نار بطيئة!
وأتذكّر صديقي الشاعر الإيطالي من جديد:
لقد نزلت
وأنت تتكئين على ذراعي
مليون درجة على الأقل...
الآن,
بعد غيابك
لم يتبقى سوى الفراغ
فوق الدرج.....
*
لا أفهم كيف كوّنت سوزان وشكّلت شخصية دفاعية.....!
علّمتني أن التسامح أوسع من الألم.
علّمتني أن الحب أو سع من الانتظار.
أظنها همست....الماضي أعمق من اليوم,
وعلّمتني أن الإصغاء مهارة وفنّ....,نسيت أثر خطوتك الأولى.
في بيروت وبعدئذ دائما
الخوف أعمق من الحب.
.
.
.
أحببت بسام حجار(فقط لو يدك)...أحببت أكثر....لا تذهبي إلى الجوار المخيف...
ثم أخافني لهاث بسام حجار خلف الآثار والبلاغة المستهلكة!
.
.
.
سوزان: مشيت أمام محمود درويش في معرض الكتاب.
حسين: هذا الوضع الطبيعي.
سوزان: الطاووس والمتصابي الذي يثير الشفقة....
حسين: هل قرأت قصّة( شهيرة )لآلبرتو مورافيا, هكذا ترجموها....
سوزان: أحضرت لك أعمال رشيد الضعيف الشعرية الكاملة.
.
.
.
حسين:
لا تلتفتي إلى الخلف
حبيبتي...صغيرتي...سيدتي...صديقتي....أمي....خولة... سمية... نجوى...هالة....سميرة....سوسن....هيفاء....رفيدة.....فريدة....حواء
سوزان
أنت كل الأسماء
.
.
لا تلتفتي إلى الخلف
خطاك
فوق أحلام الجميع.
*
أول مرة دخلت مقهى بالاس مع سوزان( أحب تسميته بالمنارة أكثر)
في بيروت سأذهب إلى المقهى ذاك, يمنعني الموت أو....لا أعرف.
تتحدث معنا المرأة العابرة...بضحكة دافئة وود عميق...
هل تعرفها يا حسين؟
هي تعرفنا يا سوزان....
.
.
.
"سريعا مروا كأنهم لم يمروا"
منذ زمان أخبرني الأصدقاء أنها لسعدي يوسف...الذي لا أحب شعره... أتوقف طويلا عندها.
أتوّحد أكثر مع نداء بدر شاكر السياب:
أحبيني
فكل من أحببت قبلك ما أحبوني....
الشمس تميل إلى الغروب, بيروت في اللاذقية, زاوية بحر ورؤية ورؤيا.....
من هنا يبدأ العالم....أجل دوما.
في شارع بغداد ما يشبه الاحتفال السوري, ولكن غصّة ودموع, أعرف البكاء آخر الليل, الصمت الذي اعتدنا عليه, سورياااااااا التي نحب.
.
.
.
سأتوقف عن الكتابة, وأتوقف عن الأحلام, سأتوقف.....
ما أحبه سبب شقائي.
من هو فرناندو بيسوا؟
سألني نضال, وحرت في الكلام.
هو صديقنا.
*
قبالتي الآن خادمة آسيوية, ترددت كثيرا أمام كلمة خادمة, للأسف!
قبالتها السيدة بشعر أشقر( وتقف الآن على الشباك) ومؤخرتها مثيرة للغاية....
هي تعرف ولا شك...لا يوجد سوانا في الصالة....
حرّكت وتراقصت بتلك الاستدارة(الأست) بطريقة لا يقدر عليها ذكر أبدا.
وهي تنظر خلسة.
سأغيّر مكاني_بقرار واعي وقصدي وحاسم_ أجل يا حسين, تستطيع...الوردة في الرماد_ عنوان كلاسيكي باهت وما يزال بيننا, وخياراتك, اذهب بعيدا أو تعلّم التكيّف.
.
.
أتذكر الآن فرويد.....بؤرة الإثارة هذه ما حاجتها؟
وقفت على الشباك ورأيت منظر السوريات في الشارع الرئيسي, جميلات, آسرات, لكن الشقراء هذه والمؤخرة التي تثير الموتى في القبور....رويدك...أرجوك...!
*
خالد الشيخ يغني:
فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني.....
لكنني سأطلب أم كلثوم...لسّا فاكر, اسأل روحك, أنت عمري, فات الميعاد, سهرة حب....أحب أم كلثوم .
أنا ألان في بيروت...الزهورية عيد الرابع شم النسيم....في بيروت
وفرناندو بيسوا يدوّن:
الشابة في النزل
تضحك لأنها تحب أن تضحك.
لا أعرف ماذا تعني الرحلات
لهذه الفتاة الشابة.
أنا أيضا لا أعرف.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟