|
أبطال الحرية .. سلاماً مع الاعتذار
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1888 - 2007 / 4 / 17 - 11:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع إطلالة السابع عشر من نيسان ، يزين سماء سوريا ، قوس قزح .. زاهي الألوان .. غني بالدلالة والمعنى .. محاطاً بهالة فيها خشوع .. ووفاء .. وفخار .. فيها حضور خمسين ألف شهيد .. فيها نضال عشرين الف يوم مسلح وغير مسلح .. وفيها انتصار .. وفيها جلاء غير مشروط لقوات الاستعمار الفرنسي والبريطاني . يتفاعل حضور كل ذلك ليبرز مضمون الحاضر الأهم ، وهو ا ستذكار دروس وعبر وقيم تجربة نضال تحرري وطني ديمقراطي .. تجربة فريدة في تاريخ شعبنا .. ينبغي الاّ تنسى أبداً .. للحفاظ على كنز النصر .. ولملاقاة امتحانات الزمن في حاضر ومستقبل الأيام
منذ الطلقة الأولى لأبطال ثورة الشمال ضد قوات الاستعمار الفرنسي عام 1919 ، قرب مدينة أنطاكية السورية ( سابقًا ) التركية ( الآن ) التي قادها إبراهيم هنانو ، على مساحة شملت ا سكندرون وأنطاكية وحلب وادلب واللاذقية حتى تخوم مدينة حماة ، وبعد ذلك في كل الثورات والمعارك التي خاضها أبطاب المقاومة ضدالاحتلال في جبال العلويين بقيادة الشيخ صالح العلي ، وفي غوطة دمشق بقيادة حسن الخراط ، وفي قلب دمشق بقيادة الشيخ محمد الأشمر ، وفي قمم ووديان جبل العرب بقيادة سلطان الأطرش ، وفي الإضرابات والمظاهرات الشعبية والعمالية التي لاتحصى ، حيث عمت المقاومة المسلحة والسياسية كل شبر من أرض الوطن تحت قيادة الكتلة الوطنية ، حتى تم طرد جيوش الاستعمار الفرنسي والقوات البريطانية ، سجل أبطال الحرية بمداد من دم الشهداء أروع آيات المقاومة بالسلاح والسياسة والدبلوماسية ، سجلوا الصفحات الأساسية المضيئة في هذه التجربة وعند وضع أسس بناء الدولة بعد الاستقلال ، سجلوا رؤية مستنيرة مبدعة للمستقبل ، وراحت الصفحات تترى مؤكدة صحة الرؤى والاختيار والسمت . لقد وحدوا الحرية والأرض والإنسان في معنى واحد .. وكيان واحد .. قد سوا المقاومة من أجل الحرية .. وخلدوها بالنجوم الثلاث في قلب العلم الوطني وبنوا دولة تؤمن ، بأن حرية المواطن هي أساس وقوة الدولة .. والمواطن الحر هو قلعة الدولة وسياجها . فعملوا على أن يكون الوطن والحرية .. الوطنية والديمقراطية في حالة اتحاد وانصهار .. حتى يكسو الوطن ربيع دائم .. ويزدهر الفكر والزند .. دلالة .. على .. أن هناك في جبين الشرق وطن يورق على مدى العام كله .. حرية وكرامة وفرحا لقد أبدعوا الوطنية الديمقراطية السورية .. بأن جعلوا الوطنية أم الفضائل .. ووضعوا ’بعيد الاستقلال عام 1947 دستوراً وطنياً ديمقراطياً .. السيد والقائد فيه هو الشعب .. ولاشيء فوق الشعب .. د ستور يقوم على المواطنة وا ستقلالية وتمفصل وتكامل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وعلى تداول ديمقراطي للسلطة . وشرعوا حريات عامة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان ، في التنظيم والتعبير والاعتقاد والتظاهر والإضراب ، وتجلت هذه الحريات بانتشار الأحزاب على اختلاف أطيافها .. بمكاتبها وصحافتها وأنشطتها العلنية في المدن الكبرى والصغرى .. وبانتشار مئات الصحف والمجلات الملتزمة والمستقلة السياسية والثقافية والفنية .. الرقيب الوحيد عليها كان هو الضمير الصحفي الوطني . كما تجلت بتنامي الحركة النقابية العمالية والمهنية الحرة واتحاداتها ، لتتوازن العملية الاجتماعية .. ولتتوازن الأجور والأسعار ، وتتوفر اللقمة الكريمة . وبتأسيس جيش وطني حام للد ستور والوطن وقدموا في السياسة رجال دولة .. اكتسبوا دور الزعامة التاريخية .. كما اكتسبوا احترام الوسط السياسي العربي والدولي بامتياز . وهؤلاء الرجال قدموا لنا سوريا الدولة الديمقراطية .. قدوما لنا سوريا الدولة الحضارية المنفتحة على العلمانية تحت الشعار الخالد " الدين لله والوطن للجميع " .. قدموا لنا وطناً صغيراً يحمل قلباً يتسع لكل العرب ولغير العرب من أبنائه ولكل الوطن العربي ، جعلوا من ألوان العلم الوطني رمزاً لوحدة التاريخ والمصير .. جعلوه وعداً لإعادة بناء دولة الوحدة العربية ، لاستعادة القوة القادرة ، وليس لاستنساخ عهود غابرة ، لتمزيق معاهدة سايكس ـ بيكو ومنع المشروع الصهيوني من التحقيق في فلسطين وقدعبر عن ذلك الرئيس شكري القوتلي ، عندما رفع لأول مرة علم الاستقلال في 17 نيسان 1946 بقوله : لن يرفع فوق هذا العلم إلاّ علم الوحدة العربية
والسؤال الوطني والأدبي الآن ، بعد واحد وستين عاماً على يوم النصر الخالد .. على تأسيس الحلم الكبير العظيم ، الذي كلف صبراً وجلداً وإرادات وتضحيات تتجاوز معايير المعجزات .. ماذا علينا أن نقول أمام أضرحة أبطال الحرية الطاهرة الشامخة ؟ أنقول ، أننا سكتنا .. تواطأنا غباء وجبناً على تدمير ما بنوه .. وفرطنا بما أودعوه أمانة لدى ما بعدهم من أجيال من قيم وطنية ديمقراطية ؟ أنقول ، أننا خضعنا دون مقاومة حاسمة للإنقلابات العسكرية الديكتاتورية ، التي أطاحت بالد ستور الوطني والحرية والدولة الديمقراطية ، وآخرها منذ أربعة وأربعين عاماً قد حولنا إلى مواطنين تابعين من الدرجة الثانية والثالثة " للحزب القائد " المستبد وإلى عبيد لد ستوره العنصري السياسي وسلطاته العرفية والطوارئية ؟ أنقول ، أننا فشلنا في إيجاد أحزاب وزعامات سياسية مبدعة .. قادرة على تحمل مسؤولية القيادة الجماهيرية .. قادرة على ا ستعادة الد ستور الوطني الديمقراطي .. والدفاع عن سيادة القانون والحرية والعدالة ؟ أنقول ، أن رجل أمن على صلة عليا في السطة ، هو في زماننا الرديء أكثر أهمية من رئيس وزراء ؟ أنقول ، أن جل القضاء قد فقد الضمير وأهمل القانون ، وبات محكوماً بأهواء ومصالح رجال الأمن والسلطة ، وأن الفساد قد ا ستفحل وتحكم بكل مساحة الدولة ؟ أنقول ، أن سلطة " الحزب القائد " هي التي تنتخب مجلس البرلمان " الشعب " بدلاً عن الشعب ، وأن الشعب صار في خدمة الدولة ، وليست الدولة في خدمة الشعب ؟ أنقول ، أن الحركة النقابية العمالية والمهنية الحرة قد ’شلت ، وأن حق الإضراب قد ’سلب من العمال ، وأن الأجور خاضعة لمقص الأسعار الظالم ، وصار المنتجون الكادحون تحت رحمة طغاة المال اللئام يكابدون المعيشة تحت خط الفقر الكافر ، وأن ما كان ’يشرى بثلاث ليرات في زمانهم صار الآن بحاجة لألف ليرة لشرائه ؟ أنقول ، أننا ضيعنا فرصة الوحدة مع مصر الشقيقة ، وأصبحنا نخاف على وحدة كياننا السوري ؟ أنقول ، أننا لم نستعد لواء ا سكندرون السليب .. بل وصار عندنا أيضاً الجولان السليب ؟ أنقول ، أن قيد الاستبداد الدامي يحز عنق الوطن الغالي ، وقد ’جمد الفكر والزند عن الإبداع ، و’ألقي العدل خلف القضبان ، وضاع الأمان ، وتلاشى الفرح ، و’وئد الإنسان ؟ أنقول ، بمعاييرهم للاستقلال والحرية والكرامة والعدالة ، أننا قد رجعنا قرناً إلى وراء ؟
الجواب الوطني والأدبي بالمقابل ، هو ، أن لانبحث عن المبررات .. ونعلق كامل مسؤولية ما جرى ويجري على مشاجب الاستعمار والاستبداد ، لتغطية تقصيرنا وتخلفنا في التعاطي الجاد المبدئي مع الديكتاتوريات والانحرافات السياسية ، وطغيان السلطة على الدولة ، وضياع القيم الوطنية والديمقراطية ، ومواجهة كوارث الغلاء والفساد ، وبروز العجز العام المزري المحفز للخارج الاستعماري للإنقضاض علينا مرة أخرى . فالعصبيات والصراعات الأيديولوجية والسياسية ، التي احتدمت لأزمنة طويلة فيما بين التيارات السياسية الأساسية وانقساماتها وانحرافاتها ، التي لم يكن لها ما يبررها وطنياً ومصيرياً أمام الاستحقاقات الخطيرة المطروحة ، قد ساهمت إلى حد غير قليل ، في هذا التقصير والتخلف . سيما إذا قورن زمان ما بعد الاستقلال بزمن معارك الحرية والاستقلال ، الذي كان حافلاً بما هو أسوأ .. ا ستبدادأً عثمانياُ متخلفاً أسوداً .. وا ستعماراً غربياً دموياً مخادعاً .. وكان أكثر تجلياته سوءاً مؤامرات سايكس ـ بيكو .. بلفور . ومع ذلك لم يثن هذا الأسوأ أبطال الحرية عن المبادرة وإعداد آليات المقاومة ، وتحدي المجاهيل القاسية ، ولم يحل بينهم وبين النصر ومن حق المقارنة بمكان .. أن لاتثنينا معوقات زماننا .. مهما كانت بشعة وقاسية .. عن المبادرة أيضاً .. وإعداد آليات المقاومة بأشكال متعددة متطورة مناسبة .. بل ينبغي التعاطي مع هذه المعوقات ، الهادفة إلى تطبيعنا نهائياً مع أحكامها ومتطلباتها المجحفة المذلة كمحفزات ، لإبداع الوسائل لمواجهتها حتى نسترد حقوقنا وحرياتنا
أبطال الحرية
من حقكم علينا ، نحن الأجيال التي جاءت بعدكم ، أن نقر بتخلفنا عنكم .لاجيل أقل أو أكثر مسؤولية عن الآخر . جميعها .. حسب كل مرحلة .. وحسب توالي وجودها .. تتحمل مسؤولية هذا التخلف . وإذا ما دققنا بأمانة بمسارات الماضي ، نجد أن كل هذه الأجيال تلتقي على محاور المسؤولية الأساسية ذاتها . وهي , منذ البدايات لم تتقيد بالنسق الثوري التحرري ، الذي ارتضيتم به وسرتم عليه ، ولم تتمسك جدياً بالقيم الوطنية الديمقراطية التي أبدعتموها ، ولم تأخذ العبرة من غدر المستعمرين بشعوبنا وتمزيق أوطاننا
لقد نسينا مآثركم .. وأناشيدكم .. وشعاراتكم .. وشجاعتكم .. ومصداقيتكم .. ونبلكم .. في تحرير الأرض والإنسان .. وبناء الإنسان والوطن
لهذا .. إننا ننحني .. في يوم الجلاء .. إجلالاً أمام عظمتكم .. وصواب تجربتكم .. ونعتذر لكـم لعل اعتذارنا يؤهلنا .. أن نقبس من جمر ا ستشهادكم وشجاعتكم ورؤاكم .. لنجدد النهوض الوطني الديمقراطي .. من حيث توقف برحيلكم .. لنعيد الوصل بما انقطع .. من أجل بناء سوريا من جديد .. سوريا قادرة .. على مجابهة الاستحقاقات الداخلية والخارجية .. وعلى تحرير الأرض وا ستعادة الأجزاء السليبة من الوطن .. وإعادة بناء الوطن والإنسان .. حتى .. كم أ سستم وأردتم .. أن يكسو الوطن ربيع دائم .. ويزدهر الفكر والزند .. وتورق سوريا على جبين الشرق .. على مدى الزمان كله .. حرية وكرامة وفرحا
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قمة ملتبسة لأنظمة مهزومة
-
العودة إلى الشعب
-
شعب جدير بالحرية والنصر
-
حس المسؤولية الضائع .. الانتخابات مجدداً
-
معك ياأم الكون في يومك العالمي
-
في التعذيب .. وضحايا التعذيب
-
دروب الضياع والتدمير الذاتي
-
التهريب في التهريب .. المازوت مثلاً
-
الميز السياسي والاستحقاقات الانتخابية
-
حتى يكون مجلس الشعب برلماناً .. سلطة تشريعية
-
سلطان أبا زيد .. شهيدا
-
العبثية الاقتصادية .. من العمادي إلى الدردري - 2
-
العبثية الافتصادية .. من العمادي إلى الدردري - 1
-
حول أثرياء حرب اقتصاد الفساد
-
خلفيات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
-
لاديمقراطية في الشكل ولاهم شعبي في المضمون
-
أية هيبة .. أية دولة .. ؟
-
الملهاة .. المأساة .. في مسرحية - عمارة النظام -
-
الديكتاتور حقاً قد قبر .. الشعب حقاً قد انتصر
-
الحوار أول الحركة إلى أمام
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|