( 2 ) رواية-رسائل حب خليجية

جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 1887 - 2007 / 4 / 16 - 07:43
المحور: الادب والفن
    

عزيزي فالون
حيثما تكون في الخليج ، على الشاطئ أو في الصحراء أو في الجبال ، أو حتى داخل المدن فان الثروة هي المظهر الأول . الثروات أكثر انتحابا منا . إنها تذرف الدموع والأسى في كل لحظة تبقى فيها في تابوتها تحت الأرض ، إنها تنادينا وتبحث عن مستثمر . إنها تندبنا ليلا ونهارا ، تندب بريطانيا العظمى .
تصوّر انني علمتُ من لوسو أن مئات الأبحاث والتقارير والدراسات الاقتصادية والعلمية كتبت عن المنطقة وهي في متناول الشركات الكبرى ونسخ منها موجودة في ملفات لوسو نفسه . لا ادري كيف حصل عليها ، لكنه تعهد بوضعها جميعا تحت تصرفي ، وهو يرمي إلى سمعي في كل لقاء بضرورة اطلاعي على محتويات الملف والاستفادة منه لكنني حذرة منه. ففي كل مصافحة بيننا أحس ان يده خشنة تماما تزمجر كشلال فوق يدي التي يصافحها مرة ويقبلها مرة أخرى كأنه يشعرني بأنه على أهبة الاستعداد لعبور الآماد وصولا لتحقيق رغباته الجنسية رغم ان لسانه لم يصرح بشيء . ربما أنا مخطئة وربما هو رحالة ضل الطريق . لا أدري فالقيظ هنا حارق دائما وأحيانا يدفع الإنسان للعبث .
في معظم المناطق الشرقية من ساحل الخليج نجد سلسلة من الحمم البركانية ومن رماد البراكين تتخللها طبقات من الحجر الجيري . كما نجد معها أيضا طبقات واسعة فسيحة من الملح الصخري ومن الجبس يتخللها اللون الأحمر لوجود أكسيد الحديد الأحمر الناشئ عن تحلل حجر الدم أو خام الحديد الأملس الذي يوجد بكثرة في هذه الأرض .
تمتعتُ يوم أمس بوجبة غذاء شعبية . صحبني بعض رجال القبائل إلى السهول لكنني ما استطعت رؤية وجه امرأة . كنت أشاهد أشباحهن من بعيد في البراري يحطبن أو يخبزن، كما كنتُ أسمع من الرجال أن شملهن لا يجتمع إلا حين تغرب الشمس وراء مياه البحر . تناولتُ وجبة غذاء فاخرة كان فيها طعم الزعفران واضحا . قالوا لي ان الزعفران يأتي من الهند بكثرة إلى مناطق الخليج بواسطة السفن الخشبية كل يوم . يذاب الزعفران مع كل وجبة طعام يتناولونها ، كما يذاب بالماء الذي تغتسل به بنات القبائل قبل ممارسة الحب الذي يضطرب ويشتد في أحيان كثيرة مع نوع من أنواع البخور الهندي الذي تتلاطم أمواج دخانه حول فراش المحبة كنوع من أنواع الإثارة الجنسية التي تموت عندهم بسرعة مثلما تموت الأمواج الخليجية قرب مضيق هرمز .
في هذا المضيق وفي جزيرة أبو موسى ومناطق أخرى هدأت الأمواج فيها حين وطئت أقدام الشركات الأوربية التي استغلت قسما من الثروات مثل الكبريت والدولومت وكبريتوز الحديد .
هل تتذكر يا عزيزي فالون انك كلفتني قبل مجيئي إلى هنا بضرورة جمع معلومات واسعة عن المنطقة ..؟ لقد عكفت على العمل بنشاط وبفرح غامر لتحقيق هذا الهدف سواء بالإصغاء إلى أمواج الخليج فأنبأتني عن ما في أعماقها ، أو في ما وفرته لي حركتي وسط الجبال الراحلة في العمق ، أو في دروب الصحراء حيث نشوة الشمس التي تمد حرارتها إلى زبد أعماقها .
أملي ان لا تكون في غمرة انشغالك بالمهمات الجديدة قد نسيتَ وعدك بان تصطحبني إلى باريس لنغرق سوية في مياه الزواج والحب ونغدو في شهر من العسل متطلعين إلى حياة أخرى بعد إنهاء هذه المهمة التي وفرت لي ولك ولشركات بريطانيا معلومات واسعة عن ثروات دفينة .
أرجو ان تجيء بسرعة إلى هذه المنطقة الغنية لدراسة إمكانية استثمار بعض أموالك أو أموال الشركات المتعاقدة معك في التنقيب والبحث عن الموجود الغزير من المواد الخام في هذه البقعة وسأكون بانتظار قدومك بشوق وحرارة وربما أعطر نفسي بالزعفران . ان جسمي يعاني من التعب يا عزيزي . أشعر ان جسدي حين يكون بعيدا عنك يبدأ بالتمرد عليّ ويظل مشتاقا إليك . يحترق ويذوب لكنه يشدو إليك وحدك بالغناء .
إن حواسي كلها منتعشة في هذه الساعة المتأخرة من الليل وأنا مشوشة الفكر في الكتابة إليك . على أية حال أؤكد ثانية انها فرصة العمر الكبرى قد حانت . أملي ان تتحرك بسرعة وان تضع حدا للجمود . هنا توجد كميات كبيرة من الملح وخاصة في سلسلة جبال هرمز . الملح هنا يلوح لنا ويرحب بنا ليكون تراث المكتشفين بأوله في حيازتنا فقد استشعرت من أصدقائي رؤساء القبائل إنهم يمنحوننا الدم والدرب والصوت : تعالوا .
سأمنحك سعادة لا توصف إذا تعهدتَ بالمجيء لتدخل إلى صميم الحياة مثلما تدخل الأملاح في جبال هرمز بقوة ومقدرة شديدتين .
أحبك يا فالون .
كريستين
الثلاثاء في منتصف الليل .

#جاسم_المطير (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات