|
هموم مسودة قانون المساءلة والعدالة
رعد موسى الجبوري
(Raad Moosa Al Jebouri)
الحوار المتمدن-العدد: 1883 - 2007 / 4 / 12 - 04:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثيرون الذين يتحدثون عن العراق والوطن فهل يشترك الجميع بفهم و بتصور مشترك عن الوطن؟ طبعا لا. وكثيرون يتحدثون عن عراق محتل ووجوب اخراج المحتل ولكن هل يتفقون جميعا حول كيف التعامل مع المحتل و هل يتفقون حول تصور مشترك للعراق بعد اخراج المحتل؟ طبعا لا. الكم الكبير يتحدث عن المصالحة الوطنية ولكن هل كل المتحدثين وطنين؟ وما المقصود بالمصالحة؟
الوطن هو المكان والمحيط الذي يألف فيه الانسان ويسكن ويشعر فيه بالطمأنينة والراحة.
والوطن العراقي هو بيتنا كردا وعربا تركمانا سنة وشيعة اشوريين كلدانا مندائيين وازيدية وجميع من يسكن العراق والذي يفرط باي مكون من مكونات الشعب العراقي هو غير وطني.
اما الدولة العراقية فهي متغيرة وهي نسبية، ولكنها ضرورية للحفاظ غلي الوطن فالدولة الديموقراطية هي المؤسسة الاجتماعية المكلفة من قبل الشعب بخلق نظم و الحفاظ على اطار سياسي وقانونى تنفيذي لضمان ديمومة الامن الداخلي والخارجي والسلم الاجتماعي وتوفير الخدمات الضرورية لاستمرار الحياة وتحقيق وتنمية رفاه المجتمع. وكلما تحسنت نوعية اداء الدولة تحسن تنامي الشعور بالوطنية والانتماء للوطن.
تختزل العقيدة القومية للبعثيين الوطن و تسميه قطرا و البعث حوّل الدولة الى وسيلة قمع واداة للحرب ووسيلة لتشويه التاريخ من اجل امة لم توجد على مدى التاريخ، والبعثيون يطمحون ويرمون الى القضاء على الوطن العراقي واذابته في جسم ما سموه بالوطن العربي والذي هو ليس بيتا لاغلبية العراقيين الساحقة ففي كل بلد من البلدان العربية هناك لغة وعادات واعراف غريبة على العراقي وحتى قوانين الاقامة وغيرها لاتعامل العراقي مثل ابناء ذلك البلد. وحسب عقيدة البعث يجب القضاء على الوطن العراق لدمجه كقطر في ما يسمى بالوطن العربي الكبير وبالنتيجة فالبعثييون غير وطنيين.
كان اداء الدولة البعثية مسيرا لخدمة مايسمى قضية " الامة العربية" بالدرجة الاولى، مما ادى بالدولة الى التقصيرالواضح بنوعية الخدمات المقدمة للشعب العراقي من اجل تحقيق مفهومها القومي ، بالقسر و بالضد من قوانين تطور التاريخ ، بالرغم من ان موارد العراق البشرية و الطبيعية اكبر بكثير من موارد دولة الامارات في السبعينات، و لم تلمس البلدات والقصبات العراقية اي تطور لبناها التحتية ولا الخدمية يتناسب مع امكانات العراق. كما اخلت دولة البعث بالامن الداخلي والخارجي فادخلت شعبنا بحروب دموية مدمرة داخليا وخارجيا. واهدرت الطاقات والموارد.
والعنف الدموي الذي صاحب فترة حكم البعث لم ياتي مصادفة فعقيدة البعث وثقافته تستند على العنف الدموي المسرف فيقول احد شعرائهم: لن نغض الطرف عن الام امس ياطريق البعث عبدناك رمسا فوق رمس
فكم نحتاج من القول لنفهم طريقهم وهم انفسهم يقولون ان طريقنا هو القبور وهذا ما فعلوه وما زالوا يفعلوه بالشعب العراقي. صفى البعثيون القادة الوطنيين والمعارضين لهم والكوادر الخيرة من ابناء شعبنا عربا وكردا وتركمانا مسلمين ومسيحين صابئة وازيدين شيعة وسنة. وبدعم من المخابرات الاجنبية اجهضوا ثورة 14 تموزالوطنية وصفوا قادتها الخالدين.
ويجدر بنا ان نذكر ان ليس كل الفكر القومي غير وطني فخصوصيات القوميات والطوائف العراقية ساهمت ورفدت صيرورة الهوية العراقية. ان العراق هو بودقة اختلطت فيه ثقافات قومياته وتقاليدهم لتكوين الهوية العراقية و لكن الفكر البعثي حاول اعاقة وتشويه تطور الثقافة العراقية المشتركة من خلال وسائل عدة منها استخدام مناهج المدارس والتي لاتزال تدرس وللاسف لحد اليوم، ان الفكرالبعثي يلغي وينكر ثقافات وشخصية قوميات وطوائف وفئات الشعب العراقي وهنا تحضرني الحادثة التالية:
كنت في ضيافة عائلة عراقية اثورية فسألت ابنهم وهو في الصف السادس الابتدائي عن الحضارة السومرية فاجابني بانها قناة تلفزيونية. وبعد هذا الجواب سألته ماذا تتعلمون في المدرسة في درس التاريخ اجابني يعلموننا عن حرب تشرين وما شابه.
والسؤال المهم هنا لماذا لايدرس العراقي تاريخ بلاده الاكدي والسومري والكلداني والاشوري والارامي والفارسي والكردي والعربي والاسلامي والمسيحي ...؟ هل يتعلم اولادنا في درس التربية الوطنية ماهي اصول الديمقراطية وكيف تطور مفهومها ؟ هل يتعلم التلميذ في المدرسة الابتدائية العراقية عن البيئة والحيوانات في صحاري وسهوب واهوار وجبال العراق؟ هل يتعلم التلميذ العراقي طبيعة الازياء والاعياد والمناسبات الخاصة بقوميات وطوائف الشعب العراقي العديدة؟ هل يتعلم الطفل العراقي في دروس التربية الفنية رقصات وموسيقى واغاني واساطير القوميات والفئات العراقية المختلفة؟ وهل.. وهل.. وهل؟ لا اريد هنا وضع برنامج لتغيير المناهج ولكن الى متى يستمر ارث تجاهل و محاربة الوطنية العراقية؟
ان غالبية القوى التي عارضت نظام البعث الصدامى هي قوى تؤمن بالتركيز على بناء العراق فهي قوى وطنية تريد للعراق الازدهار والتقدم. ولاتفضل الغير عراقي على العراقي. لذلك استندت هذه القوى على تعاطف واسع من العراقيين في مقارعتها لنظام البعث الصدامي. فالعراقييون يريدون وطنا يعيشون فيه بسعادة وحرية ويتمتع فيه ابن البلد بسد حاجاته كانسان كريم. ولكن بعد سقوط نظام صدام البعثي ساعدت الملابسات والاخطاء التي سببتها ادارة قوى الاحتلال بمساهمة او بسكوت بعض قوى المعارضة لنظام صدام والتي لها اجندات غير وطنية بتوسيع قاعدة المستفيدين من نظام صدام من خلال الاوضاع الغير امنية التي اشتدت حدتها بعد سقوط نظام صدام ونلاحظ اليوم تصاعد الامنيات بعودة هذا النظام حتى من قبل فئات كانت متضررة او ضدهم. فقد جاء المحتل وقوى استلمت السلطة بالتنسيق معه وسددت ضربة اخرى لصورة الوطن.
فتقسيم المجتمع سياسيا على اساس طائفي مذهبي او ديني ساهم في خلق نزاعات دموية داخل المجتمع العراقي ليس للمواطن العراقي اي مصلحة فيها. ان الدعوة ظاهرا او باطنا لتغالب وتنابز المذاهب الدينية سياسيا هي دعوة مضرة بالعملية الديموقراطية وعملية تكريس الهوية والروح الوطنية لذلك فهي ضد الدستور ويجب ان تلاحق قضائيا.
ويساهم الشعور بعدم رفع الحيف والضررالبعثي الذي لحق بكل اطياف الشعب العراقي في تغذية العنف المنفلت في البلاد. فنارالثأر والانتقام من الجلادين السابقين لاتزال متأججة ومن الاسباب المهمة لذلك :
1- لم يتحلى البعثيين بالشجاعة والجرأة لحد اللان ، ربما بسبب تربيتهم ، بالتقدم والاعتذار للشعب العراقي ولضحاياهم عما ارتكبوه من جرائم وحروب واهدارللموارد. ولم يقوموا بنظرة نقدية معلنة لتاريخهم ولفكرهم الشمولي وا للاوطني. بل نرى العكس فلايزالون في غيهم يشتمون المخلصين ويحتقرون الضحايا وينشرون الاشاعات والشتائم الرخيصة وقسم منهم يمارس الارهاب والقتل الجماعي للعراقيين.
2- لم تساهم اجهزة الدولة الجديدة بالتخفيف من هذا الشعور فقوانين البعث وروحية البعث التي تنكر الاخر وتحتقر الاخر لاتزال سائدة وشخوص البعث بدلت ملابسها السياسية وارتقت مناصب ومواقع حساسة في الدولة الجديدة. والمظطهد ليس له صوت.
3- جرى خلط خطير ومضر، من قبل سلطة الاحتلال وبعض القوى السياسية التي رافقته، بين موظفي اجهزة الدولة العراقية و منتسبي حزب البعث. علما ان الجيش العراقي الباسل تأسس بنشؤ الدولة العراقية وهو رمز للنضال الوطني. فتم حله بقرار جائر ونال منتسبيه حيف مادي ومعنوي يجب ان يرفع.
وتقع على الدولة العراقية الفتية مهام جسيمة وتاريخية من اهمها ازالة الاضرار التي الحقها النظام المقبور بالهوية الوطنية العراقية.
ان تصوير الخلافات الرئيسة داخل المجتمع العراقي من خلال (موديل) تقسيم المجتمع العراقي الديني والمذهبي والقومي غير صحيح ومضر بالعملية السياسية والد يمو قراطية وبتطور ورفاه المجتمع ، فالعملية السياسية في الديموقراطيات الحديثة بنيت على اساس مبدء المواطنة ومحورها هو المواطن بغض النظر عن عرقه او معتقده او دينه. وهذا الشكل من تنظيم المجتمع ومن نوعية العلاقات الاجتماعية يوفر بيئة مناسبة لتطور المجتمع ورفاهه.
لذا فلن تكون هناك مصالحة وطنية حقيقية وسلم اجتماعي دون:
1- الاعتراف بمبدء المواطنة وتطبيقه عمليا وتغيير المناهج التعليمية والسلوكية السياسية بما يرمي لخدمة مبدء المواطنة العراقية وتنمية روح الهوية العراقية. 2- محاربة الفساد الاداري والقضاء على المحسوبية والمنسوبية بكل اشكالها، العشائرية والمناطقية والمذهبية والتحزبية. 3- محاسبة الذين اجرموا بحق المواطنين وبحق الشعب العراق قضائيا 4- ادانة ونبذ وتحريم العقائد والافكار الداعية للعنف القومي والديني والعرقي وضد الفكر المختلف. 5- السماح للبعثيين السابقين الذين يؤمنون بالوطن العراقي ان ينظموا انفسهم بحزب علني بشرط ان يقوموا بنقد تاريخ الحزب من خلال رؤية وطنية انسانية ويقدموا الاعتذار للشعب العراقي وان يعلنوا تخليهم عن الافكار اللاوطنية واللاانسانية وعن استعمال العنف والقمع في السياسة ويلتزموا باساليب الديموقراطية والحياة الدستورية. 6- استخدام الموارد بشكل كفؤ ومنصف لسد حاجات المواطنين واشاعة الرفاه في عموم العراق بشكل متوازن 7- اصلاح جذري وشامل في مجال الثقافة والتربية والتعليم على اساس الفكر المتنور والمتسامح وتنمية روح الوطنية العراقية. 8- تصحيح كتابة تاريخ العراق الرسمي واظهار مساهمات ودورجميع اطياف ومكونات الشعب العراقي بدون تحيز او تمييز.
وللاسف لاتراعي مسودة قانون المساءلة والعدالة ، المنشور على جريدة المدى يوم الخميس المصادف 29-03-2007 ، النقاط السالفة.
بل تتضمن هذه المسودة تناقضات جوهرية مع الاعراف والقوانين الدولية ، ففي العرف القانوني الدولي لايكون هناك تقادم للجرائم الجنائية،مثل القتل وسلب الحرية والاغتصاب الجنسي والخطف والايذاء الجسدي والتعذيب وسرقة الاموال .. الخ، بينما تنص المادة اولا النقطة 14 خلاف ذلك فتسقط حق اقامة الدعوة القضائية بعد مرور ثلاثة اشهر من صدور هذا القانون. ولم تكن المسودة واضحة ودقيقة في تحديد المدة ، هل تبدء بتاريخ اقراره في مجلس الوزراء او في مجلس النواب او بعد نشره في جريدة الوقائع؟
لتحقيق المصلحة الوطنية المشتركة في الامن الرفاه والنمو الاقتصادي يجب ان تحل التناقضات بتطبيق القانون والدستور وبالاساليب الديموقراطية والقانونية. وعلى القانون ان يهيئ المناخ السليم ويعطي كل ذي حق حقه.
#رعد_موسى_الجبوري (هاشتاغ)
Raad_Moosa_Al_Jebouri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|