أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نويل مبيض - الحكم الديني والحكم الديمقراطي















المزيد.....

الحكم الديني والحكم الديمقراطي


نويل مبيض

الحوار المتمدن-العدد: 1883 - 2007 / 4 / 12 - 11:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



من المفضل لفهم أوسع لهذا الفصل عن الديمقراطية والدين الرجوع الى الموضوع العام عن ركائز الديمقراطية على الموقع التالي
http://pages.infinit.net/moubayed

المسلّمات أو المبادئ الأولية للحكم الديمقراطي العلماني والحكم الديني " التيوقراطي" مختلفة كليا. نحن أمام منظومتين مختلفتين من حيث التكوين والشرعية والأهداف. في الحكم الديني، الحقيقة الإلهية منزلة لها الأولوية على التفكير الفلسفي وحتى على الحقائق العلمية. التشريع في التيوقراطية، يستند أساسا على نصوص دينية "مقدسة" لا يمكن تغييرها لأن الله المشرّع معصوم عن الخطأ. كل ما في كتبه صالح لكل مكان وزمان وحقائقه مطلقة غير قابلة للتأويل أو التحريف.
في الدولة الدينية أي التيوقراطية، الشعب تحت وصاية الله. هذه الوصاية تتم بواسطة رجال الدين الذين غالبا ما يوكلون أنفسهم بأنفسهم ويشرحون للناس دينهم وجملة حقوقهم وواجبا تهم الخاصة والعامة. لكن في الواقع كل شرح للدين يعكس عقلية وثقافة شارحها واهتماماته وكذلك ثقافة عصره، يفرضها على المواطنين-المؤمنين فرضا دون أي نقاش أو نقد. يحق للناس في التيوقراطية ممارسة نوع محدود جدا من الديمقراطية تتعلق بشكليات الحكم وليس في أسسه. أي اجتهاد "ديمقراطي" يجب أن يدور داخل إطار التشريع الالهي ولا يمكن قبول أي تشكيك بأصول الدين أو الخروج عنها.
الدولة الدينية تأخذ بعقائدية مطلقة شمولية. تحاول تفسير كل شيء، بماضيه وحاضره ومستقبله لأن "الدين هو الحل" كما ترتئي. لذا فلا مكان لغيرها من الأفكار غير المنسجمة معها، مما يؤدي حتما إلى ديكتاتورية وطغيان واستعباد وصراع دائم مع "الآخرين". فكل خلاف معها يصبح كفرا وخروجا عن الصراط المستقيم. هذا الفكر الديني السياسي والشمولي يحرّم كل من لا يسير في رحابه ويستعمل الغلو والتزمت والانغلاق ويأمر بالطاعة الكاملة. فهو غير قادر على قبول التعددية (تداول السلطة بشكل شرعي) إلا إذا كانت مرحلية وفي مصلحة وصوله إلى الحكم ومن ثم القضاء النهائي عليها. فالتعامل مع غير المؤمنين ومن ديانات أخرى يصبح بحكم المنطق التيوقراطي تعاملا بمعايير غير التي تعامل بها جماعاتهم، بهذا نعود إلى منطق "الملل" والأقليات وقوانينها المجحفة ورفض مساواة المواطنين أمام القانون.
التعنت والتعصب الديني ناتج أيضا عن الصراع على السلطة بين التيوقراطيين الذين يتحركون غالبا ما تبعا لطموحاتهم الخاصة، مما يؤدي الى شرذمة في الدين الواحد لظهور مذاهب متعددة وشيع وأحزاب دينية مختلفة والتي تصل في أغلب الأحيان، وهذا هو الخطر الأكبر، الى صراع وحرب معلنة على بعضها البعض. كل فريق يدعي ملكية "الحقيقة الالهية" الكاملة لتسيير أمور الناس في هذا العالم وفي العالم الآخر. يرى في الآخرين " خوارج" إن لم يكن كفارا يجب محاربتهم أو على الأقل ضبطهم بالقوة ليعوا الحقيقة. ,هم يميلون الى المزايدات في دعوا تهم لدرجة الخروج عن بديهيات العلاقات الانسانية والتي قد تؤدي في بعض الظروف الى جرائم وحشية. كل هذا تحت شعارات دينية. حركة الطالبان وحركة القاعدة وكثير من الحركات الجهادية الدينية المنتشرة في كثير من البلاد العربية والاسلامية وحتى الغربية أطهرت وجها بشعا للدين. وعراق اليوم مثلا فاضحا لهذا التعصب الناتج خاصة عن اقحام الدين بالسياسة.
الحكم الديني من الناحية السياسية والعملية، بسبب جموده العقائدي، لا يستطيع تسيير أمور الدولة. تعقد مشاكل الدولة الحديثة من سياسية واقتصادية وعلمية وثقافية وعلاقات دولية تحتاج بالأحرى إلى عقليات منفتحة ومرنة للتعامل مع دول وشعوب ذات معتقدات وديانات مختلفة. وتحتاج خاصة إلى أخلاقيات عامة متعارف عليها في القوانين الدولية لتحسين رفاهية الشعب وضمانة استقلاله والعمل لحسن الجوار وللسلام العالمي.
الكلام عن ديمقراطية دينية هو نفاق لأنه غير صحيح, غير منطقي وغير واقعي. كيف يمكن الكلام عن ديمقراطية "أي حكم الشعب" عندما يصبح الشعب تحت سيطرة رجل الدين-السياسي أو السياسي الذي يجعل من الدين هوية المواطنة، الذي يحدد ما يجب وما لا يجب فعله في الحياة الخاصة والعامة؟ الانتخابات الايرانية (2005) مثلا أثبتت عن عدم احترام المبادئ الاساسية للديمقراطية. السلطة الدينية اختارت المرشحين تبعا لعقليتها وعقيدتها ورفضت مئات غيرهم. وجود انتخابات بهذا الشكل لا علاقة له بالديمقراطية ولكنها منسجمة مع الحكم التيوقراطي .لأن أساس السلطة لا تصدر عن الشعب ولكن عن سلطة غير شرعية تعلو عليه، يتحكم بها رجال الدين ومن يدور في فلكهم، والذين يدّعون أنهم يمثلون الله على الأرض.
التجارب التيوقراطية في العصور الوسطى في الغرب وفي العصور الحديثة في أفغانستان والسودان والصومال والسعودية وإيران واليمن وباكستان وفي دول يلعب الدين دورا أساسيا في وضع الدساتير والقوانين المدنية، أسفرت كل هذه التجارب عن تعد فاضح على حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة. وشّلت حركة المجتمع وتطوره وأبقت على عقلية رجعية متزمتة غير متأقلمة مع العصر وغير متطورة ثقافيا وفكريا وإنسانيا. وقد ظهر في هذه الدول حركات ارهابية تربت على كراهية الآخر مهما كان وفي أي مكان كان.
الدولة الدينية تسقط المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة وتضع لها قالبا محددا لا يجوز الخروج عنه. وتنسبها الى المشروع الإلهي والى "طبيعة" المرأة وتبعد الأخيرة عن المشاركة الفعالة والكاملة في شؤون الدولة والمجتمع فهي تابعة لإرادة الرجل وخلاصها يتم حسب إرادته. يبين واقع المجتمعات المتقدمة أن الفوارق بين الرجل والمرأة مصطنعة تعود الى العادات والى التربية وليست الى الطبيعة. هذا التخلف الجذري في عقلية التيوقراطيين "الذكور" ينعكس حتما على المجتمع ككل. ليس من الأخلاق والمعقولية والفعالية أن يوضع نصف المجتمع (النساء) خارج التقدم الاجتماعي والسياسي دون ضرر عميق بالنساء وبلكل الأجيال الحالية والقادمة. تبين دراسة الامم المتحدة أن تخلف الانماء الانساني في العالم العربي يعود بشكل أساسي الى عدم اشراك المرأة في المجتمع و"حجبها" عن عالم الرجال.
أما الديمقراطية العلمانية فهي تستند الى فصل الدين عن الدولة وتميز بين الدنيوي والمقدس بشكل واضح. وتجعل من الدولة ومؤسساتها بما فيها معاهد التدريس مؤسسات حيادية بعيدة عن الروابط الطائفية أو الدينية أو الغيبية. الديمقراطية العلمانية ترفض تدخل رجال الدين في مصير الدولة وتفسح المجال لحرية الايمان الديني أو عدم الايمان دون أي اكراه لآن الدولة لا علاقة لها بمعتقدات الافراد. هذه الدولة مفتوحة لكل المواطنين ذوي المؤهلات دون تمييز ما. الجمهورية العلمانية الديمقراطية تريد حلولا لمشاكل المجتمع المعقدة صادرة عن تفكير عقلاني وعلمي وتجريبي. لآن الحلول لا يمكن أن تكون جاهزة سلفا في "الكتب الدينية المقدسة".
الخلفية الثقافية- الدينية-السياسية في مجتمعاتنا العربية عميقة الجذور. عقليتنا وتصرفاتنا مرهونة بماضينا. ثقافتنا العربية اليوم اجترار لهذا التراث الماضي، الذي أخذ مع الوقت نوعا من القدسية، غير قابل للنقاش أو للنقد أو للبحث التاريخي العلمي .تراثنا لا يشجع على الاختلاف والرأي الحر. وعينا التاريخي يضعنا بشكل غير عقلاني في صراعات مع ماض لا علاقة له مع حياة الناس في الواقع الحالي. هذه الخلفية الدينية ترفض الخلاف معها لأن مواقفها صحيحة منذ البداية لأن المقدس لازمني، عنده الحقائق أزلية مطلقة محددة مجمدة.
في الديمقراطية العلمانية، الفكر البشري هو الذي يولّد الدستور والقوانين ويحدد سير الدولة ومعاملاتها مع المواطنين ومع الدول الأخرى. وحقائقه نسبية تتطور في الزمان والمكان بعقلانية علمية تجريبية.
سيادة الدولة تنبثق عن الشعب. حيث النقاش والحوار والنقد مفتوح دون قيود ملزمة ومتحجرة. في الديمقراطية لا يحق للأغلبية إسكات أقلية ما مناقضة ومخالفة للرأي العام. لأن حقيقة الامور لا تظهر دون حرية الرأي. أهم مقدسات الديمقراطية تكمن في الدرجة الأولى في احترام حقوق الإنسان التي هي غاية الديمقراطية وذروة تطور الحضارة الإنسانية. إعلان حقوق الإنسان مثلا تعطي قيمة مطلقة للناس وتحرّم استغلالهم وتدافع عن كرامتهم وحقوقهم في مجتمع أكثر عدلا. في الديمقراطية العلمانية قبول وتسامح لكافة المعتقدات الدينية والعقائدية والمذاهب الاجتماعية.
العلمانية ليست مرادفة للديمقراطية.العلمانية يمكن أن تكون غير ديمقراطية كما هو الحال في بعض ديكتاتوريات الدول النامية. ولكن من الضروري أن تكون الديمقراطية علمانية ومحايدة دينيا وعنصريا حيث المواطنة مفتوحة للجميع بشكل عادل
إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) والاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية (1966) وغيرها من الاتفاقات الدولية التي أقرتها أغلب الدول العربية المنتسبة إلى هيئة الأمم المتحدة، تعبر تعبيرا واضحا عن علمانية الدولة والتزام هذه الدول بتطبيق مبادئها في بلادهم. لكن هذه الدول العربية هي اليوم في مزايدات دينية فكل سياسي يتمسك بالفضيلة وبمظاهر الدين لخداع الناس وللحصول على شعبية ضائعة بسبب طغيانه الأعمى في حكمه غير الشرعي.

الدين بين الخاص والعام
أصبح من الصعب في مجتمع حقوق الإنسان، العمل بمبدأ؛ على الدين أن يسيّر أمور المواطنين في كافة نشاطاتهم ومعتقداتهم. الدولة الحديثة أخذت على عاتقها أمور المجتمع لإرضاء حاجات المواطنين المادية والمعنوية. أخذت عن الدين كثيرا من مهام كان يقوم بها رجال الدين من جمع الأموال للمحتاجين إلى رعاية الأطفال والمرضى والتعليم...
للحفاظ على مقومات الدين الأساسية يجب قبوله في مجال الإيمان بالعقيدة وممارسة الشعائر شرط ألا يكون إكراها للضمائر. كإكراه الناس على الصلاة أو الصوم كما هو الحال في السعودية مثلا. بل أن يصبح متسامحا مع بقية الأديان والمعتقدات واحترام الاستقلالية الأخلاقية للفرد. الإيمان قناعة فردية يعود إلى حرية ضمير الفرد، لا دخل للسياسة والمجتمع فيه. أي تدخل خارجي يرفع عنه قيمته. المجتمع الذي يدفع الإنسان للإيمان قسرا أو عن طريق الدعاية المغرية والمغرضة ينزع قيم الدين ويشوه إيمان الفرد. فالوجدان الذي لم يعش حالة الإيمان شخصيا، دون تأثير خارجي لا حياة دينية أصيلة فيه. مثل هذا الإيمان السطحي هو إيمان "خارجي" يرضي الآخرين ويدخل في مجال الطقوس و"التمثيل" والتظاهر الاجتماعي.
اجتماع الناس حول عقيدة دينية واحدة لا يعطيهم الحق بفرض إيمانهم على الآخرين أو توجيه سياسة الدولة والمجتمع حسب معتقداتهم. من الملاحظ تاريخيا أن الغرب نهض نهضة جبّارة عندما فصل الدين عن الدولة وحدد حقوق وواجبات المواطن بعيدا عن أوامر رجال الدين الذين كانوا يتدخلون في مجمل حياة الناس. "الطغيان" الديني يؤدي إلى اضطهاد غير المؤمنين بهذا الدين والى عصبية تضر الدولة والدين معا ويولد انقسامات وعداوات بين المواطنين. بهذا تصبغ الدولة ككل بصبغة دينية ضيقة الأفق ويصبح الدين-الدولة ومؤسساته بؤرة لإرهاب الناس والتعدي على ضمائرهم وحرياتهم العامة وحتى على حياتهم.
الديمقراطية دعوة للعيش المشترك استنادا إلى مفاهيم إنسانية محددة بشكل واضح في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. علاقتنا مع الآخر يجب إخراجها من نطاق الدين إلى المجال الإنساني.



#نويل_مبيض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية والدين
- اسس الديمقراطية


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نويل مبيض - الحكم الديني والحكم الديمقراطي