عباس النوري
الحوار المتمدن-العدد: 1883 - 2007 / 4 / 12 - 11:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليكن طرح الموضوع مفصل قريب للفهم والادراك بلغة سهلة يستوعبها الجميع, وبهذه الصورة التي تقرب المصطلح ليكون مفهوم ويمكن تطبيقه عملياً.
واذا أردنا البحث في مجمل الأفكار المعروفة لدى البشر نراها بصورة عامة وجدت من أجل اسعاد البشرية, لكن كلٌ يدافع عن فكرته ويصفها بأنها هي الحقيقة, وهناك بعض من الفلاسفة والمفكرين يقولون: لقد توصلنا للحقيقة التي نعرفها, أو ما توصلنا إليه هو بعضٌ من الحقيقة وعلى الأجيال القادمة إكمال التفكير والبحث عن الحقيقة التي هم يرونها. ولكي أقرب الصورة اعطي مثلاً لفيلسوف توصل إلى أن شكل المربع هو رمز الحقيقة والعدالة, لأنها تحتوي على أضلاع أربعة متساوية ومتقابلة, لكن من بعده جاء فيلسوف ثاني وقال: ان رمز الحقيقة والعدالة هو الشكل السداسي لأن له ستةُ أضلاع متساوية ومتقابلة.
أيهما مصيب في رؤيته, فارسان رجعى من معركة قد أبلوى بلاء حسن وكان النصر حليفهم, وهما في طريقهما للمدينة كانا قرب تمثالٍ, تقوف كلٌ منهما بطرف التمثال, وهو يخاطب صاحبه: ما أجمل هذا التمثال ولونه ُ الأحمر, فتعجب صاحبه وقال: صحيح التمثال جميل لكن لونهُ أزرق وليس أحمر... وتطور الجدال بينهما لحد المبارزة, لكون كلٌ منهما أعتمد على الذي يراه, وسحب كلٌ منهما سيفه وبدئى بالتقاتل وبعد الضرب والصد...تبادل مكانهما من التمثال حيث وصل الذي كان بالجانب الأيمن للجانب الأيسر وبالعكس...وفجأةً توقفا عن القتال وكلٌ قال لصاحبه كنت على حق كما انا كنتُ على حق.
هكذا هي الحالة في واقعنا, لأننا أما أن أرغمنا لتقبل تربية معينة, وللاعتقاد بعقيدة ما حسب مكان وجودنا وطبيعة البيئة التي أنشئتنا ونستمر بالتمسك بتلك العقيدة دون البحث عن ما توصل إليه الآخر من الحقيقة التي يؤمن بها ويدافع عنها حتى آخر قطرة دم.
السؤال:- هل نمضي ونتحارب من أجل إقناع الناس لكي يتحولوا من معتقداتهم لما أنا اعتقد به وأتصور بأن ما أنا عليه هي الحقيقة الأزلية, أم من خلال ضغوط وفروض الآخرين أجبر لكي اتحول عن عقيدتي وأعتنق ما هم عليه كرهاً ورغماً عني. أم أن هناك حلٌ آخر.
الليبرالية تقول لك كل الحق بما انت عليه, ولا دخل لأي شخص أو سلطة أو دين أو مذهب أو فكر أن يجبرك من التحول عما انت مؤمن به. ولا أدري لعل جميع الأديان لها نفس المنهج بأن ليس هناك جبرٌ في الاعتقاد. والله سبحانه وتعالى لا يقبل الايمان المكره عليه...ولا فائدة من ايمان لم يأتي نتيج اعتقاد ذاتي. وقد نبذ كثيراً المنافقون, لأنهم يرون الناس شيئاً لكن في داخلهم أمرٌ آخر. ويتلونون حسب الطبيعة التي يلتقون بها من أجل مصالحهم الخاصة. وهم أخطر من الذين يكفرون بذلك الدين أو بالاحرى أخطر من الأعداء, لأن العدو معروف لكن المنافق غير معروف بين ظهرانيك يصور لك الايمان لكن يخفي الحقد والكراهية. وما هو سبب وجود المنافق, أليس الكره والاجبار.
القوانين الطبيعية لا يمكن لأي كان أن يخالفها, مثلاً لا يمكن لشخص أن يرمي بنفسه من أعلى سطح عمارة ذو عشر طوابق ويسقط على الأرض دون أن يموت أو في أحسن الأحوال تتكسر عظامه ويصبح معوقاً مدى حياته. لأن للأرض جاذبية وتتحكم في كل الأجسام, لكن لو أن الأنسان توصل لقوة تقابل الجاذبية وتتخلص منه فانه باستطاعته, ليس فقط النزول للأرض دون أذى بل يمكنه الطيران وهذا بات أمراً نمارسه يومياً, بل توصل الانسان بفضل العلم والتطور لأن يغزو الفضاء.
ما علاقة الجاذبية بالليبرالية؟ المقصود من المثال أعلاه, أننا نحن البشر توصلنا من خلال صراع طويل ودراسة إلى أن هناك أمور لا يمكننا تغييرها بل يمكننا التعامل معها وفق قوانين ونضم, واحسنا استخدام الوسائل المناسبة للتخلص من تلك القوى المجبرة والاستفادة منها في حياتنا اليومية, حيث سهلة لنا أمور كثيرة. المسافات تقربت, وسائل الاتصالات تطورت, العلم تقدم, الانسان أصبح يقاوم القوانين الطبيعية ويتخلص من مضارها, بل ويتنبأ بوقوعها قبل وقتها. والطب تطور بحيث أعطى حياة أفضل للكثيرين, لولا التقدم في المجال الطبي لهلك الكثيرون من أمراض مزمنه وفتاكه. حتى أن أي عضو من أعضاء الجسم يتلف يستبدل بعضو أخر اصطناعي أو طبيعي من جسم انسان أو حيوان. كانت كل هذه التطورات العلمية ناتجة بفضل حرية التفكير لدى العلماء, لأنهم لم يتقيدوا بفكرٍ أجبرهم للبحث أو عدم البحث, لو يكونوا محضورين من الخوض في عالم اللامقبول وعالم المجهول...فأصبح ما كان بالأمس مستحيل اليوم ممكن, وبات طبيعياً ما كان من قبل محضوراً اليوم مقبولاً. الحرية...وهي تعني الليبرالية.
الليبرالية مصطلح تفاعلت معه دول وتطورت, ورفضتها شعوب وتأخرت. لأن العلم والتطور لا يلائمه جبر واجحاف وتحجر. الركود العلمي في دول كثيرة جعلتها تعيش في فقرٍ مستمر. الإجبار العقائدي قوض العقل لمنحى وخط مسار وحيد منفرد وضيق. والذي ينظر بزاوية ضيقة لا يرى إلا ما هو مركز عليه, عكس الذي ينظر بزاوية 180 درجة فمساحة الرؤيا لديه واسعة قد لا تفوته أمور في مسار طريقه في الحياة, وليست الاستفادة ذاتية بحت, بل يفيد ويستفيد. لأن من أخترع الكهرباء والهاتف, والمركبة الفضائية والعقل الألكتروني لم يستغل تلك الفائدة فقط لنفسه. العالم كله يستخدم كل تلك التقنيات والاختراعات دون أي تمييز بين معتقد وآخر, أو أن المستفيد يجب أن ينتمي لقومية معينة أو لون خاص.
الليبرالية وسلطة الحكومة: للحكومة دورٌ هام جداُ في المفهوم الليبرالي, وهو أن تحمي حريات الأفراد بكل ما أوتيت من قوة القانون. وليس لها أي دخل بما يختاره أو يرفضه الفرد. وأن تحمى الحكومة ممتلكات الأفراد من أي اعتداء وفق القانون وبشكل صارم. أن تسمح للمواطنين المشاركة في صنع ثلك القرارات لأن القرارات تخص المواطينين. للحكومة واجبات تصب في نهاية المطاف لخدمة المواطنين والدفاع عن جميع حقوقهم الطبيعية والوطنية والمكتسبة. ليس للحكومة أي حق في التدخل بشؤون المواطن الخاصة, من تفكير, واعتقاد, وقومية ولا لأي حد جزئي, وان تطرقت من قريب أو بعيد فأنها قد خرقت أهم إلتزاماتها, فهي ملزمة بأن تكون حازمة في أن تخلق مساحة واسعة للمواطن في ممارسة حقوقه كإنسان لا يختلف عن إنسان آخر بأي شكل من الأشكال.
هل الليبرالية يمكن تطبيقه ...في العراق؟
يقال أن في العراق قادة سياسيون يحملون الفكر الليبرالي, نعم, ولكنهم أخفقوا كثيراً بعدم استطاعتهم من إيصال الفكرة بصورة صحيحة. ومن ناحية أخرى أجبرتهم الظروف المتردية بأن يتخلوا عن ليبراليتهم لكي يحصلوا على جزء من ( الفرهود السياسي ) مع شديد الأسف, فأنقلب المؤيدون لطرف آخر قد يعطيهم جزءاً يسيراً من حقوقهم. ليس كل الشعب العراقي قياديين...أي ليس من المعقول أن نطالب الجميع بأن يضحوا أكثر من أن يستفيدوا, القيادي هو الذي وضع نفسه في موقع العطاء وليس العكس, لكن ولشديد الأسف نرى أكثر القياديين بعد سقوط الصنم أخذوا بدون انصاف ولم يعطوا شيئاً إلا القليل القليل... وهذه من الشواذ..ولا يمكن للشواذ أن تعمم. الخوف سيطر على الكثيرين...وحول مسارهم الإنساني وبدل قيمهم الأخلاقية النبيلة, وبعدما كانوا عوناً للشعب تحولوا لنقمة وتأثيرهم السلبي على مفهوم الليبرالي كان أكثر وضوحاً من أي مردود ايجابي. لذلك يجب ان لا يتخذوا أماكن قيادية كما هم الآن ولا في المستقبل القريب, بل يحموا الليبرالية من خلف الستار, ويبرزوا شخصيات أخرى ليس عليهم علامات استفهام لكي يتقبلهم الشعب ويبدأ بقيول الليبرالية كفكرة في باديء ذي بدء, ثم التفاعل لتطبيقها مفهوماً واضح المعالم ليس فيه شعارٌ براق يعاكس التطبيق العملي.
الأرضية العراقية خصبة لتطبيق المفهوم, لكن بحاجة لوقت ومنهج تربوي يقوده مختصين في مجالات متعددة لنشر الوعي السليم دون أي نوع من أنواع الفرض والجبر ولا حتى الترغيب. الحاجة ضرورية لمنهج مسالم, لمنهج يبين الاشكاليات قبل المعجزات البعيدة المدى, بحاجة لمنهج فيه الوضوح والبساطة في الطرح, ليتمكن الجميع من هضمه وقبوله بشكل نابع من الصميم وبصورة تلقائية غير مرغمة.
التخطيط الليبرالي: قد يسأل شخص, هل هناك فرق بين أي تخطيط وتخطيط. أي يريد أن يفهم بأن لليبرالية تخطيط مغاير لتخطيط الأفكار الأخرى. نعم هناك نقاط إلتقاء ونقاط كثيرة فيها فوارق شاسعة ومهمة لكل من يريد العمل مع الفكر الليبرالي أن يتطلع عليها. الليبرالية أخلاق يجب أن يتصف به الفرد ويتفاعل معه ويتعامل به قبل أن يحاول نشره للآخرين. ولذلك حين يريد الليبرالي أن يخطط لأمرٍ ما يراجع كل فقرة قبل أن يضعها او يقرها يقارنها بالمفهوم الليبرالي. ويطرح عدد من الأسألة هل هناك توافق او تضارب مع المفهوم. بصورة أوضح ليس من المعقول أن نضع خططاً لنشر الفكر الليبرالي بين صفوف الشعب, وهذه الخطط فيها إشكاليه من حيث المحتوى واسلوب التطبيق للمفهوم الليبرالي, وبذلك يكون عملنا مخالف لقولنا. لأننا لا نريد أن نسير الناس لأمرٍ قد يرفضوه. أي عندما نضع خطة لبيان آفاق المفهوم الليبرالي وأثره في تطوير البلد...نستخدم أساليب تعاكس المفهوم وذلك من أجل الاسراع في العملية التثقيفية مثلاً. هذا الأمر يتسع رقعته السلبية ويكون تأثيره المستقبلي على الفكرة برمتها.
الاستراتيجية الليبرالية في العراق: لا أتفق مع الراي الذي ينوي قيام الليبرالية العراقية بين ليلة وضحاها, وقد يتفق معي الكثيرون. لأننا بحاجة لدراسة الشخصية العراقية حسب الموقع الجغرافي. لأن المجتمعات العراقية تختلف بمستوى قبولها ورفضها لأي فكرة جديدة قديمة, أو لم يسمعوا بها من قبل, أو البعض تعرف على الفكرة بشكل سطحي ويتشوق للعمل لأنه مثلاً ممنوع وكل ممنوع مرغوب...أو لأن الظلم والتعسف أهرقهم لذلك يريدون الخلاص, كالغريق يتمسك بقشه. ليس من السهل تيسير الأمور والعجالة في أمرها فقط من أجل اثبات صحة الفكرة ومدى تقبلها, لندع لعامل الزمن أن يأخذ نصيبه, لكن لا يجب أن نقف دون حراك ونقول الوقت غير مناسب أيضاً. رسم الهدف النهائي امرٌ مهم جداً, وووضع أهداف قريبة ممكن المنال ذات أهمية أكبر... ووضع الخطط الليبرالية لنيل تلك الأهداف القريبة المدى هو جوهر الاستراتيجية الليبرالية.
لهذا وذاك أرى الليبرالية مفهوم يمكن تطبيقه في العراق بعد جهدٍ جهيد وتخطيط سليم وكوادر مثقفة ومتنورة وصابرة.
المخلص
عباس النوري
سياسي مستقل& ناشط في المجتمع المدني
الثلاثاء، 10 نيسان، 2007
#عباس_النوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟