|
الاضطراب في الكلام .. اضطراب في أساليب التنشئة الأسرية
لبنى الجادري
الحوار المتمدن-العدد: 1869 - 2007 / 3 / 29 - 11:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تنطلق عملية التنشئة الاجتماعية من المجتمع ذاته ، حيث يندمج مفهوم الفرد مع مفهوم المجتمع ، وبالرغم من أن التنشئة الاجتماعية تمتد كعمليات تعلم في مراحل الفرد المختلفة ، فإن مرحلة الطفولة تحسب من أكثر المراحل حساسية وتأثرا بها . وتعتبر الأسرة ، أولى هذه الجماعات وأهمها وأقواها أثرا وسلطانا على الفرد ، وكل طفل يولد في اسرة ، تكون لها أساليبها السلوكية الحاضرة وما ترتضيه وتقبله من القيم والاتجاهات ، كما أن الأسرة قد تتشابه أو تتفاوت فيما بينها من حيث الأساليب السائدة أو المقبولة من أساليب السلوك ، التي حددت بأربعة أنماط شائعة : · النمط التسلطي : ويتميز هذا النمط بالضبط الحازم والحاسم ، وإصدار الأوامر وإيقاع الأذى ( العقاب ) المتكرر، وعدم الاستماع الى الطفل ، والبرود ،والتأكيد على القواعد السلوكية على أنها قواعد فقط . · نمط الضبط التربوي : ويتميز بالضبط المعتدل ، والحزم من غير عنف ، التواصل ، الحب ، إيقاع العقاب البدني أحيانا بهدف تقويم اعوجاج معين ، مكافأة السلوك الجيد ، إعطاء تفسيرات للقواعد التي ينبغي اتباعها ، التناغم ، والإنجاز فيه يعتمد على التهديد تارة والوعيد تارة أخرى بالمكافأة وعدم الخوف من نشوب صراع أحيانا بين الوالدين والطفل . · نمط ترك الحبل على الغارب ( التساهل المفرط ) : ويتميز هذا النمط ، بالدفء دون صرامة ، ووجود قليل من القواعد السلوكية ، ندرة العقاب ، عدم الثقة في مهارات الأطفال ، أو عدم الثبات في المعاملة . · النمط المهمل : وهو ترك الطفل دون توجيه وعناية ، وفيه يستمد الطفل خبراته عن طريق المحاولة والخطأ ومن تجاربه العملية في الحياة، ولا يملك قواعد أو سلوكيات معينة ، إذ لم يستقي من والديه أي توجيه يذكر . إضافة الى هذه الإستراتيجيات الثلاثة ، توجب الإشارة الى بعض ممارسات الوالدين ، مثل التناقض في المعاملة ، فالأم تترك الحبل على الغارب ، بينما الأب يمارس سلطوية فعلية ، أو العكس ، إن هذا التذبذب في المعاملة يتيح للاضطرابات الكلامية أن تترك أثرا في نموه اللغوي والمعرفي والاجتماعي. . إن مشكلة الاضطرابات الكلامية ، ومنها التلعثم ، مشكلة متغلغلة في تاريخ الأنسان منذ أكثر من 2500 سنة مضت ، حيث يرى كثير من الباحثين ، أن نبي الله ( موسى )(ع) كان يعاني من التلعثم في الكلام ، بينما تذكر التوراة ، أنه كان بطيء الكلام ، وقد ذكر الإنجيل والقرآن الكريم أنه كان يعاني من صعوبات في الكلام . ثم جاء ابن سينا ، وتناول هذه الظاهرة وأرجعها الى أسباب نفسية واجتماعية . أما العلاجات الحديثة ، فقد ظهرت في بريطانيا ، في العهد الفكتوري ، على يد ( جيمس ثيلويل ) ، فقد اعتمد على العقاب البدني للمريض ، ووصف الذين يعانون من التلعثم ، في أول كتبه ، على أنهم يعانون من القلق والتوتر . أما من وجهة نظرنا ، فنرى أن الطفل يواجه بعض الصعوبات التي قد تثير التلعثم لأسباب منها ، · تطور اللغة نفسه ، خلق لدى الطفل ضغوطا كثيرة ، فهو مطالب من قبل الأهل والمحيطين به ، بمعرفة أكبر قدر ممكن من الكلمات كي يستطيع الأهل أن يتباهوا بما يعرف طفلهم من معلومات أمام الآخرين . · الأصوات التي ينطق بها الطفل في بداية حياته ، هي قليلة ومحدودة وتسبب له عملية الضغط التي يمارسها الكبار ، إرهاقا وضغطا ، هو في غنى عنه ، فهو مثلا ينطق حرف ( الراء ) ، ( واوا ) ، وحرف (الكاف ) ، ( تاءا ) .. ويعد هذا نطقا طبيعيا للنمو اللغوي للطفل في بداية تعلمه أصول الكلام والنطق بشكل جيد . · اكتساب العادات السيئة في النطق ، من حيث حذف بعض حروف الكلمة ، أو الإضافة ، أو الإدغام ، أو قد يظهر حرف ليس في موضعه الصحيح ، وقد يستمر لديه النطق الخاطئ حتى بلوغه سن السادسة من العمر ، فعندما يجيء وقت القراءة مثلا ، ينطق الطفل كلمة ( دمل ) بدل من كلمة ( جمل ) ، وقد يربط الحرف ( دال ) بالحرف ( جيم ) في كلمتي ( جمال ) و ( جبل ) ، على أنهما ( دمال ) و ( دبل ) . إن المشاعر السلبية للطفل الذي يتلعثم أو يلجلج ، قد تصبح أكثر حدة وتدوم أطول فترة ، وتختلف طبيعة هذه المشاعر السلبية من طفل لآخر ، وليس من الضروري أن يكون رد الفعل بقدر حدة التلعثم ، فقد يكون التلكوء بسيطا جدا للسامع ، ولكنه بالنسبة للطفل ، أمر كبير ويسبب له الكثير من الإزعاج والغضب ، فقد يلجأ الطفل الى التمارض والهرب من المواقف التي قد تواجهه . إن صعوبات الكلام تتخذ أشكالا متنوعة ، تظهر في لغة الطفل منها : ( التكرار للمقاطع ، المد والطالة ، التردد ، التجمد ، الإضافات ، دفع الكلمات الى الخارج بشدة ، عدم إكمال الكلمة ، مشاكل التنفس ، استخدام الحركات الإيمائية ، حركات العين ) . وبذلك يمكن أن نتوصل الى أن اللغة ، مظهر اجتماعي ، وهي نتاج الاتصال بالغير ، واللغة وسيلة للتواصل بين أفراد الجماعة الإنسانية . فوجود اللغة يفترض وجود مجتمع ، والمجتمع يتكون من أسر عديدة ، والأسرة الواحدة تملك أساليب مختلفة يجعلها مصباح لها في معراج التعلم والاندماج في الحياة الاجتماعية ، لذا وجب اختيار أفضل الطرق لتعليم أطفالنا على النشوء نشأة اجتماعية صحيحة وسليمة خالية من جميع أشكال الاضطراب .
#لبنى_الجادري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفكيرنا .. عمقنا وأسرارنا الخفية
-
لغتنا قارئة ُ فنجان ٍ لأفكارنا
-
التوافق الإجتماعي والتكيف الإجتماعي وجهان لعملتين مختلفتين
-
الغافل عن الشيء لا يدركه
-
تكوين المفاهيم عند الأطفال
-
شخصيات متعددات في أنسان واحد
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|