ردّ مجلس النواب الأردني مشروع قانون تقدمت به الحكومة لتعديل قانون الأحوال الشخصية في أمرين: الأول إقرار مبدأ الخلع الذي يعطي الحق للمرأة بإقامة دعوى طلاق أمام القاضي لتفريقها عن زوجها، والثاني محاكمة قاتل قريبته (إن اتهمها بالزنا، جرائم الشرف المزعوم) كما يحاكم المجرمون من دون عذر مخفف إلا إذا تعلق الأمر بمجريات الأحداث ورفض التكتل الطارئ مناقشة القانون كما رفضوا حتى إحالته على اللجنة القانونية، وكأنه رجس من عمل الشيطان، وكان رفضاً مسبقاً مطلقاً لم يقبل أي حوار، مع أن التحالف نفسه وافق في العام 1994 على مناقشة اتفاق وادي عربة المتضمن مشروع الصلح الأردني الإسرائيلي ولم يردّه للحكومة بمثل هذا الحزم والعزم.
إن حجة الكتلة الإسلامية معروفة و(مستهلكة) وتعتمد على فقه الفقهاء في عصور الانحطاط ولا أظن أنها تجد أية مشروعية أخرى لها لا في الدين الإسلامي ولا في شريعته السمحاء، ولا بطبيعة الحال في ظروف عصرنا ومعطياته ومتطلباته.
يبدو أن فقه أبو حامد الغزالي وأبو الأعلى المودودي وسيد قطب وأمثالهم هيمن دون غيره على أفكار نواب الكتلة الإسلامية، فابتعدوا عن صحيح الدين بشكل جلي وواضح. فالقرآن الكريم الذي يقول (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن البقرة 187) ويؤكد أن (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف البقرة 228) يرفض البتة قول أبي بكر الرازي أن (دفن البنات من المكرمات موسوعة الحضارة الإسلامية 3/321) ويتناقض بالمطلق مع قول أبي حامد الغزالي (حجة الإسلام) أن (القول الشافي فيه أن النكاح <<الزواج>> نوع رق، فهي رقيقة له لزوجها)، ومع أقوال سيد قطب (خروج المرأة للعمل كارثة السلام العالمي والإسلام ص54).
وفي ضوء ذلك واعتماداً على هذا الفقه عارض نواب الكتلة الإسلامية إعطاء الحق للمرأة في خلع زوجها وأصروا على إكراهها على ما هي فيه وتناسوا قصة امرأة ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري التي أتت إلى النبي (ص) وقالت له (إني لا أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكني لا أطيقه فقال لها... فتردين عليه حديقته قالت نعم فأمره ففارقها) وكان أول خلع في الإسلام (رواه البخاري وأحمد). وبهذا السياق يستنكر الدكتور يوسف القرضاوي تجنب الخلع فيقول (وهي إن تزوجت الرجل فكرهته، ولم تطلقه بغضاً ونفرة، فليس لها إلا أن تصبر على مضض، وتتجرع مرارة الحياة على كره، حتى يرضى بطلاقها وخلعها، وإلا فلا حيلة لها ولا وسيلة للخلاص من نير عبوديته) ويستطرد الدكتور القرضاوي (وهم يعتبرونها مخلوقاً ناقص الأهلية، وهي عند الرجل أمة أو كالأمة، يتزوجها لمتعة إن شاء، ويمتلك بعضها بما يدفع من مال، ويطلقها متى أراد، دون أن تملك له دفعاً، ولا تستحق في ذلك متاعاً ولا تعويضاً، حتى عبر بعضهم بأنها كالنعل يلبسها متى أراد، ويخلعها متى أراد من تقديم لكتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة لمؤلفه عبد الحليم أبو شفة ص 7). وهكذا تجاهل نواب الكتلة الإسلامية صحيح الدين وتعاليم الشريعة وصح عليهم قول الشيخ محمد الغزالي (إن المسلمين انحرفوا عن دينهم في معاقبة النساء).
أما رفض تخفيف العقوبة على ما يسمى جرائم الشرف، فهو لطخة عار في جبين المشرّع الأردني ونواب الكتلة الإسلامية والمجلس النيابي الأردني، فكيف يقبل هؤلاء السادة (شيوخ الدين وشيوخ العشائر ومن تحالف معهم) إعطاء الحق لأي رجل يقتل قريبته (زوجاً أو أختاً أو غيرهما) دون تحقيق أو تدقيق أو أدلة على ارتكابها الذنب مع تقديم العذر المخفف له سواء كانت مذنبة أم غير مذنبة، فهل يقبل الإسلام أو الشريعة أو أي فقيه عاقل قتل نفس بدون تحديد الجريمة التي ارتكبت أو الذنب الذي اقترفت ودون أدلة أو شهود، وأين دور القضاء والقضاة والمجتمع والحقوق والواجبات؟ أم أنهم لم يسمعوا بالقاعدة الفقهية التي تقضي بأن (لا يقيم الحدود إلا الإمام أو من فوض إليه الإمام، المهذب 2/269 البدائع 7 /57). لقد ارتكب النواب ذنباً لأنهم شجعوا على القتل بالشبهات، وكم جريمة (شرف) ارتكبت في الأردن خلال الأعوام الثلاثة الماضية ثبتت براءة عديدات من المجني عليهن، ثم حتى لو ثبت جرمهن فإن القاضي وقانون العقوبات هما المرجعية (الشرعية) لإنزال العقوبة بالمجرم ولا يحق لأي سفيه أن ينتزع هذا الحق لأنه قريب ممن ارتكبت الذنب، دون أن يثبت أن الذنب ارتكب؟.
لقد أباح الفقهاء للوليد الثاني (سيء الذكر) أن يبني بيوت الحريم التي سجن فيها النساء، وأباحوا في الوقت نفسه للخليفة المتوكل أن يمتلك أربعة آلاف جارية افتخر أنه (وطئهن جميعاً) وسمحوا بتملك الجواري ممن يستطيع (فكان الفرد يملك آحاد الجواري وعشراتها ومئاتها وآلافها، واتسعت أسواق الجواري وانتشرت في كل مكان، ودخلت تجارتهن في قلب الحياة الاقتصادية، وكانت علاقة الرجال بهن في الواقع علاقة بغاء مستتر وشرعي أحمد أمين ضحى الإسلام 1/98) ولم يجدوا غضاضة في هذا التهتك ومخالفة صحيح الدين باختراع غطاء شرعي جاء لمرحلة بعينها، وتناسوا مقاصد الشريعة من ملك اليمين واعتبروه حكماً مطلقاً أبدياً لايحول ولا يزول، ويتحدثون مع ذلك عن (الشرف).
يبدو لي أن نواب الكتلة الإسلامية في مجلس النواب الأردني ارتكبوا خطأ تاريخياً ليس بحق الشريعة وصحيح الدين وبحق النساء فحسب بل بحق مجتمعهم نفسه ومهمتهم نفسها، وأعادونا مجدداً الى الشك بأن تطور مواقف الحركة الإسلامية الأردنية ومفاهيمها وبرامجها ما هي إلا وهم توهمناه، وبضاعة (مغشوشة) مزينة ومحلاة أرادوا بيعها لنا، وخدعونا حتى تفاءلنا خيراً بهم وبنجاحهم و(بدينامية) حركتهم، وبمنهجية عملهم، فذهب كل ذلك أدراج الرياح عند أول امتحان.
إن الغريب والمستغرب في حججهم أن التعديلين المقترحين سوف يؤديان (لو أقرا) إلى (انحلال الأسرة) فهل إعطاء الرجل الحق المطلق بالطلاق يمارسه كيفما شاء (وبسفاهة أحياناً) وإلزام المرأة تجرع كأس المر من زوجها من دون أن يحق لها طلب التفريق، يحفظ تماسك الأسرة ويحافظ على (قدسيتها)؟. والغريب والمستغرب أيضاً أن النائبتين الإسلاميتين وقفتا ضد مصالح المرأة وكأنهما استساغتا العبودية والذل والخضوع للرجل.
قد يكون موقف نواب العشائر مفهوماً (رغم تهافته) لأنهم عادوا إلى مرجعيتهم العشائرية، وتقاليدهم التي عفا عليها الزمن، وطقوسهم التي لم تتغير منذ ألف عام، وقيمهم الذكورية الأكثر تخلفاً، لكن غير المفهوم هو موقف النواب الآخرين غير المحكومين بمثل هذه التقاليد والأعراف، والذين أفرزتهم (الديموقراطية والتحديث والشفافية والانفتاح) حتى اعتقد المجتمع الأردني (ومعه كثيرون في بلدان عربية أخرى) أنه معهم وبهم على أبواب مرحلة تطور جديدة ستحمل معها الخير كل الخير للمجتمع الأردني والمجتمعات العربية الأخرى، وإذا بها تعيدنا إلى فقه عصر الانحطاط (تحت خيمة الإسلام) .
() كاتب سوري.
****************************************
إقرار إيران لحقو***ق المرأة هل يخالف الشريعة الإسلامية؟
تثير قضية حقوق المرأة انقسام المجتمع الايراني، حيث يعارض رجال الدين المحافظون توقيع الاتفاقية الدولية بهذا الخصوص مع انها يمكن ان تخفف من الانتقادات الاجنبية للنظام الاسلامي.
وكان مجلس الشورى (البرلمان) حيث الغالبية من الاصلاحيين اقر في 23 من تموز الماضي قانونا يسمح للحكومة التى تقدمت بمشروع القانون بتوقيع الاتفاقية الدولية حول حقوق المراة التي وضعتها الامم المتحدة. لكن النواب اعربوا عن تحفظات رافقت اقرار القانون تشدد على الا تطبق في ايران بنود الاتفاقية التي لا تتفق مع الشريعة الاسلامية والا يخضع ذلك لاي طعن امام محكمة العدل الدولية.
وندد بالقانون النواب المحافظون على الرغم من التحفظات التي عبر عنها مجلس الشورى، معتبرين انه يخالف الشريعة الاسلامية المعتمدة منذ قيام الثورة الاسلامية العام 1979 وقال احد ابرز وجوه المحافظين اية الله محمد تقي مصباح يزدي <<انه يخالف الشريعة في تسعين نقطة على الاقل>>. في حين بدأ رجال الدين في قم حملة حتى يقوم مجلس صيانة الدستور برد القانون.
ويشير انصار التوقيع على الاتفاقية الى ان الاغراق في النزعة المحافظة لدى بعض رجال الدين هو الذي دفع الى اقرار القانون. وقالت النائبة جميلة كديوار <<لو ان رجال الدين طوروا الشريعة في ما يتعلق بالمراة لما كنا بحاجة الى الالتفات الى هذه الاتفاقية. ورات ان انضمام ايران الى الاتفاقية من شانه ان يعزز الجمهورية الاسلامية>>. وقالت <<ان المجتمع الدولي ظل يشير باصابع الاتهام الى ايران بالنسبة لانتهاكات حقوق المراة ولا شك ان التصويت على هذا القانون يسكت الانتقادات الدولية>>.
وقالت النائبة اكرام موسى مانيش <<ان الموافقة غير المشروطة على الاتفاقية لا تطرح اي مشكلة لان ليس هناك اي بند في هذه الاتفاقية مخالف للتعاليم الاسلامية. فروح الاتفاقية هي ازالة التمييز ضد المراة وهو سبب لا يمكن اعتباره مخالفا للشريعة>>.
الا ان هناك العديد من انصار حقوق المراة يرون ان الاتفاقية سواء رافقتها تحفظات ام لا بعيدة عن التاثير عميقا في المجتمع الايراني في غياب جهاز تشريعي جديد يعطي للمراة الحقوق نفسها التى للرجل في القوانين المدنية والجنائية. واستنادا الى القانون الايراني والى جانب فرض الحجاب على المراة فان دية المراة تعادل نصف دية الرجل كما ان الشريعة تعطي للذكر مثل حظ الانثيين في الارث اضافة الى ان حق الحضانة نادرا ما يعود للام في حال الطلاق.
وترى المحامية هاله كشوارز ان <<التوقيع على الاتفاقية لا يكفي. انه النظام القضائي كله الذي يجب ان يتغير>>.
(ا ف ب)
©2003 جريدة السفير