محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 1861 - 2007 / 3 / 21 - 12:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان انحسارقوة القوى الدولية المهيمنة على المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية,ممثلة في لندن وباريس,مؤشراً على وجود فراغ قوة استطاع الدور الاقليمي المصري ملئه منذ النصف الثاني من الخمسينيات,عبر رضا مضمر أبدته كلُ من واشنطن وموسكو,ربما كان أكبر تكثيف له اجتماعهما معاً ضد الهجوم الثلاثي على السويس في خريف1956.
بالمقابل,كان تدهور العلاقات المصرية-الأميركية, بعد تولي جونسون لمقاليد الإدارة الأميركية إثراغتيال جون كينيدي في يوم22تشرين الثاني1963,مؤشراً إلى بداية تحالف استراتيجي بين واشنطن وتل أبيب,كانت استقالة بن غوريون(16حزيران1963),الذي ركَز على التحالف مع قوى القارة العجوز,قد فتحت الأبواب أمامه,وقد كان الدور الإسرائيلي بإنهاء ذلك الدور المصري الاقليمي عبر حرب حزيران1967ذروة لهذا التحالف بالنسبة لواشنطن,التي احتاجت إلى نصر استراتيجي في اللحظة الأشدُ للحرب الباردة أثناء غوصها في الوحول الفيتنامية وبعد اشتداد الإنشقاق الأوروبي-الأميركي عقب انسحاب الرئيس ديغول من الإطار العسكري لحلف الأطلسي في عام1966.
لم يواجه عبد الناصر مقاومات دولية مباشرة لدوره الاقليمي - باستثناء لحظة السويس - ,حيث أتى ذلك من دول اقليمية(عراق نوري السعيد حتى 14تموز1958,ثم من عراق عبد الكريم قاسم المتحالف مع الشيوعيين المحليين وموسكو+السعودية منذ ربيع1957بعد أن كانت قبل ذلك متحالفة مع المصريين ضد هاشميي بغداد وعمَان)كانت مدعومة من أطر دولية(لندن مع نوري السعيد,موسكو ولندن مع قاسم,واشنطن الداعمة للسعودية في مواجهاتها الإقليمية للإمتداد المصري إلى اليمن في الستينيات),وقد كانت خسارة حلفاء عبد الناصر في الجنوب اليمني لصالح خصومهم في(الجبهة القومية)التي تسلمت الحكم في عدن بعد انسحاب البريطانيين يوم30تشرين الثاني1967,ثم سقوط الحكم العارفي الموالي لعبدالناصرفي بغداد صيف1968 ,مؤشرات لايمكن عزلها عن نتائج حرب الأيام الستة,ولوأن صعود النميري والقذافي للحكم قد خفَف من ذلك عند الزعيم المصري.
في هذا الصدد,يلاحظ أن وفاة عبد الناصر لم تؤد إلى انفراد سعودي بالزعامة العربية,ولاإلى قدرة مصرية على ذلك,حيث أعقب ذلك ثالوث عربي,تمثَل في(القاهرة-الرياض- دمشق),أعطى مؤشرات على قدرة اقليمية عربية ذاتية استطاعت فرض ذاتها على(الاقليمي)و(الدولي) من خلال محطتي حرب 1973 وحظر النفط ,ثم لتعطي موازين قوى جديدة أشَرت إلى ميلان الكفة في المنطقة لصالح واشنطن على حساب موسكو:كان انفراط هذا الثالوث ,بين عامي1975و1977,متزامناً مع حرب أهلية لبنانية,ومع صعود القوة العراقية بعد اتفاق الجزائر(6آذار1975)بين شاه ايران وصدام حسين الذي أنهى التمرد الكردي بالعراق,لتؤول الأمور إلى صعود في الدور الاقليمي السوري بدأ منذ الدخول إلى لبنان(1حزيران1976),بالتوازي مع استقالة مصر من شؤون آسية العربيةبعد اتجاه القاهرة للصلح المنفرد مع اسرائيل ومع عدم قدرة السعودية على ترجمة قوتها المالية- الاقتصادية إلى موازٍ سياسي على الصعيد الاقليمي,حيث أخذت دمشق غطاءً دولياً من واشنطن وباريس منذ ذلك الشهر من عام1976لدورها الاقليمي البادىء من البوابة اللبنانية ثم من موسكو في العام اللاحق بعد توتر قصير أتى نتيجة للمصادمات العسكرية للقوات السورية مع قوى التحالف الفلسطيني-اليساري اللبناني,ليتهزهز ذلك مع بداية اتجاه واشنطن إلى دعم حركة تل أبيب التدخلية في الشؤون اللبنانية,عبر تحالفها مع قوى لبنانية معينة اتجهت لمواجهة السوريين منذ شباط1978,وهو ماترافق مع اتجاه معاكس من دمشق لزيادة قوة حلفها مع موسكو ومع اتجاه لنسج تحالف مع طهران الخميني التي تصادمت تلقائياً مع بغداد ووجدت نفسها في توتر مع الرياض وفي حالة مواجهة مع واشنطن بعد احتلال السفارة الأميركية في طهران خريف عام 1979.
كان ذلك مؤشراً ارهاصياً للَوحة المتشكلة عبر اجتياح صيف 1982 الاسرائيلي للبنان,الذي كان حركة من تل أبيب لمحاولة ترتيب أوضاع لبنانية جديدة عبر غطاء من واشنطن,ماكان مؤشراً على تصادم (الدولي)=الولايات المتحدةمع(الاقليمي)=سوريا,وهو ماكان منذراً ببداية صراعات لبنانية-لبنانية جديدة,تمَ حسمها لصالح دمشق عبر محطتي حرب الجبل(أيلول1983)وحركة6شباط1984 في بيروت,وهو مااعترفت به واشنطن لاحقاً في عملية تكريس جديدة للدور السوري في لبنان,بدأت منذ (اتفاق الأسد- مورفي)في أيلول1988 حول انتخابات الرئاسة اللبنانية,ثم عبر (اتفاق الطائف)في خريف1989,ليجد ذلك تكريسه العملي منذ عملية 13تشرين الأول1990 في قصر بعبدا التي أتت بعد شهرين من غزو الكويت والتقاطعات السورية-الأميركية التي أعقبته.
هنا,كان التحالف,الذي أقيم في عام1990 ضد صدام حسين,مؤشراً على تلاقي(الدولي)=واشنطن مع(الاقليمي)ممثلاً في الثالوث المستعاد بين القاهرة ودمشق والرياض,وهو ماكان(مؤتمر مدريد)أحد ثماره,ماعبَر عن رؤية أميركية جديدة للمنطقة اختلفت عن تلك التي كانت قائمة في أيام الحرب الباردة لماكبحت واشنطن عملية التسوية للصراع العربي الاسرائيلي مكتفية بالإنفراد المصري (في عزل للرأس العربي عن الجسم),حيث عبَر(مدريد) عن اتجاه أميركي جديد إلى ترتيب أوضاع المنطقة عبر(التسوية) بعد انتهاء الثنائية القطبية,وهو ماترافق مع سياسة عزل ايران عن منطقة الهلال الخصيب,الشيء الذي ترجم عملياً من قبل الأميركان لما أغمضوا عيونهم عن عملية قمع الجيش العراقي (المهزوم أمامهم للتو ) للقوى الشيعية العراقية المسلحة التي انتفضت على صدام حسين بد أيام قليلة من تلك الهزيمة,ثم باستمرار واشنطن في سياسة المجابهة مع طهران التي سادت منذ أيام كارتر وريغان.
صحيح أن (الدولي),في أزمة وحرب1990-1991بالكويت,قد أتى بحضوره المباشر للمنطقة من أجل قضية اقليمية,إلاأنه لم يستطع القيام بذلك بدون غطاء من ذلك الثالوث الاقليمي,ومن دون أن يدفع فواتير مقابل ذلك,امتدت من(طهران) إلى (بعبدا)و(مدريد).بالمقابل,يلفت النظر أن(الدولي)لم يدفع ذلك أمام(الاقليمي)العربي في عام 2003 لما قرر غزو العراق,بل حصل هذا ضدإرادة العرب,سواء أولئك الرافضين للغزو أم الذين أُجبروا على السكوت أوالموافقة,فيماترافق ذلك مع تخلي واشنطن عن سياسة المجابهة مع طهران لصالح توافقات وتعاونات من قبل حلفاء الأخيرة في العراق الذين أمَنوا الغطاء المحلي الرئيسي للغزو والإحتلال.
كان سقوط بغداد مؤشراً على بداية مرحلة جديدة في اللوحة الاقليمية للمنطقة,كان أحد أهم فصولها اللاحقة هو تصادم الإرادات بين القطب الواحد للعالم,الآتي بحضوره المباشر للإقليم,وبين(الإقليمي):كان أول عناوين ذلك هو تصادم واشنطن مع دمشق,التي دفعت فاتورة سياستها المعارضة للعملية الأميركية بالعراق في بيروت2005,ثم تصادم طهران مع الأميركان منذ آب2005تحت عنوان(استئناف برنامج التخصيب النووي) وهو مايحوي عناوين تمتد من العراق إلى لبنان وفلسطين ليصل إلى محاولة ايرانية لفرض اعتراف واشنطن بدور اقليمي رئيس لطهران في المنطقة.
يثير الإنتباه,هنا,أن تعثر المشروع الأميركي بالمنطقة,بعد أربع سنوات من احتلال العراق,لم يؤد فقط إلى تنامٍ لكل من الدورين السوري والايراني بالمنطقة,وإنما أيضاً لبداية استيقاظ الدور السعودي من جديد,فيماكانت قوة الإندفاعة الأميركية نحو المنطقة,عقب 11أيلول,قد وصلت لحدود التصادم مع الحلفاء التقليديين لواشنطن في القاهرة والرياض,عبر طرح الأميركان لبرنامج(الدمقرطة)وربط الأوساط النافذة بالإدارة الأميركية لظاهرة(الإرهاب)ب(أوضاع الأنظمة)و(الثقافة السائدة),ووصلت إلى درجة عدم أخذ تحفظات وآراء العاصمتين قبيل غزو العراق, بخلاف ماحصل في عامي1990-1991.
كان طرح الوزيرة رايس,في الخريف الماضي,لإستراتيجية"معتدلين ضد متطرفين بالمنطقة"مؤشراً إلى حاجة واشنطن ل(الإقليمي) بعد تعثر (الدولي),وهو ماترافق مع وضع الأطروحات الأميركية حول(الديموقراطية) في الرف.بالمقابل,فإن انحشار طهران في الزاوية الضيقة أمام واشنطن,بعد تزايد المؤشرات على اتجاه الأميركان لضرب ايران,قد أدى إلى تقارب ايراني من السعودية.
قاد ذلك ,وبالإتجاهين,إلى الرياض.هذا أدى,بالمحصلة ,إلى زيادة الدور السعودي في القضية العراقية,وإلى(اتفاق مكة),وإلى تحول دور المملكة العربية السعودية بالمسألة اللبنانية إلى وضع محوري,حيث يلاحظ وصول هذا الدور السعودي إلى حدود من التمايز عن واشنطن ,في المواضيع الثلاث,لم تكن متوفرة للرياض قبل سنوات قليلة,لمَا لم يكن المشروع الأميركي للمنطقة قد وصل لهذه الحدود من التعثر التي تقترب من حافة الفشل.
منذ أشهر عديدة ,يكرر الرئيس نبيه بري بأن مفتاح الحل في لبنان يكمن في تقارب سعودي-سوري,فيماكان من الواضح بأن(اتفاق مكة)ماكان من الممكن أن يتم بدونهما(وبدون طهران):هل يمكن أن تؤدي الأجواء الراهنة في اقليم الشرق الأوسط ,المُتحدِدة بانخفاض قوة(الدولي)أمام(الإقليمي),إلى عودة ثالوث(القاهرة-دمشق-الرياض)من جديد عبر القمة العربية القادمة,بكل مايعنيه ذلك من وجودٍ ل(المشروع العربي)في الشرق الأوسط ومشكلاته,بعد أن كان هناك انفراد بالمنطقة من قبل مشاريع دولية واقليمية غير عربية؟
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟