نصر حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1860 - 2007 / 3 / 20 - 10:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لعل السبب المباشر الذي يضغط على قمة الرياض القادمة في نهاية آذار الحالي هوتسارع الأحداث الإقليمية والدولية بشكل كبير وبتتابع زمني دوري قصير أهم ملامحه هو ذهاب بعض مراكز القوى الرئيسية في القرار الدولي , نعم في القرار الدولي لأن مراكز الثقل والفعل المستقل الرسمي والشعبي في القرار العربي لازالت رغم كل الصورة الكارثية بعضها غائبة وبعضها نائمة وبعضها لامبالية ومعظمها تائهة ,وعلى الأرجح ستبقى كذلك إلى فترة ليست قصيرة إذا لم تتم المواجهة الصريحة مع الواقع العربي الحالي , لأن الذي يجري على أرض العرب سواء ً أدركه العرب أو تجاهلوه هو أحد المحددات الأساسية التي ترسم صورة المستقبل العربي بنسبة ما والدولي بنسبة أكبر بمعنى الفشل أو النجاح ,هذه المحددات من العراق إلى فلسطين إلى لبنان إلى السودان إلى موريتانيا إلى كل الدول العربية التي تخضع للتبويب والتهذيب من قبل القوى الخارجية بهذا القدر أوذاك بشكل خشنا ً أو ناعما ً حسب معطياته الداخلية وتأثيره على تطور الخط العام للأحداث في المنطقة العربية والعالم الذي يستمد مصادر قوته وحركته منها سياسة ً واقتصادا ًوتوابعمها .
هل ستملك قمة الرياض النية والإرادة والقدرة على قراءة الواقع العربي الذي أصبحت تداعياته الخطيرة تطال الجميع... شعوبا ً وحكومات ؟ وهل ستفرض تداعيات الواقع الكارثية إلى الإقرار بضرورة التعامل العقلاني مع استحقاقات المرحلة ؟ تعامل يدفع القمة القادمة باتجاه تحريك آليات معينة لحلحلة عقد المنطقة في الفترة الراهنة التي هي فترة التغيرات الدراماتيكية على كل الصعد وفي كل الإتجاهات من لبنان إلى سورية إلى العراق إلى مصر إلى شرق الوطن العربي وغربه , المتغيرات التي تشير وقائعها إلى أنها ليست بالضرورة ممكن أن تكون إيجابية بل كل مؤشراتها الراهنة تميل إلى السلبية, ذلك أن الزلازل والأعاصير السياسية والإنسانية التي تهز وتعصف بالمنطقة ستجرف معها الكثير من الهياكل السياسية والثقافية باسم التغيير والتجديد وبناء النظام الدولي الجديد.
من المؤشرات التي يتوجب على القمة الوقوف عندها هو التحركات الأخيرة ورغم أنها ضمن مسطرة الأمر الواقع على مبدأ مكرها ً أخاك لابطل مع ذلك يمكن من تسكين الصراعات البينية الإقليمية البدء باحتواء بؤر التوتر والصراع والتركيز على الصراعات المفصلية الأساسية من العراق إلى لبنان إلى سورية إلى مصر إلى الخليج إلى فلسطين بشكل عملي بعيد عن التكرار والإنشاء والمراوغة والرياء .
فالوضع في العراق وماوصل إليه والذي يخاف أو يتجنب الكثير من محاولة وصفه موضوعيا ً هو في حقيقته حرب أهلية موزونة بوجود سيطرة قوى الإحتلال ولاأحد سيعرف تداعياتها الخطيرة على العراق والمنطقة إذا حدث تطور مفاجئ في موازين القوى الأمنية على الأرض , ولبنان هوالآخر على الضفة الثانية الخطيرة والساكنة شكلا ً والمسكونة مضمونا ً بكل عوامل الإنفجار العشوائي بأية لحظة لأن مفاتيح التحكم بنسبة الأمن والأمان بكل أسف ليست في اليد العربية كلها , على نفس المسارين السابقين نرى ضرورة بأن تنسحب عليها الرغبة التي شاهدناها في لقاء مكة والذي أنتج حوار وبعده صلح تبعه على أرض الواقع تطويق القتال الداخلي والإتفاق على تشكيل حكومة وحدة فلسطينية , إذا لم يكن في قدرتها مداواة جراح الشعب الفلسطيني فهي تملك بكل تأكيد القدرة على وقف النزيف الداخلي فيه , وفي سورية حيث الوضع بسبب السياسة الغير مسؤولة لنظامه الذي يتصرف ويدفع الأمور إلى أن تكون أشبه بحزام ناسف يفجره النظام في لحظة يأس وإذا لن تتم المواجهة والمصارحة ووضع النقط على الحروف ...هي قادمة لاشك بحكم معطيات سلوك النظام السوري الداخلي والعربي والدولي وأوضحه هو مراوغته حول الملف اللبناني والمحكمة الدولية , وفي الخليج حيث الدور الإيراني المذهبي يسرح ويمرح وفي بقعة ترهقها روائح النفظ والدماء والبارود والخوف المتعدد المصادر والأشكال , وفي مصر حيث الحال أشبه بمياه راكدة كما في معظم أطراف الوطن العربي الكبير حيث التسمية لم تعد لها من معنى سوى جغرافي لأن مايحدث ومعظمه من فعل النظام العربي الرسمي قد حطم كل أواصر الترابط العربي حتى على مستوى المشاركة الإنسانية والشعور الجماعي لمل يحدث من مصائب ونكبات .
وليس خافيا ً على الزعماء العرب بعض التحولات التي شهدتها وتشهدها المنطقة من مؤتمر بغداد والأطراف التي حضرته والموقف الأمريكي الجديد رغم محاولة تغطيته بشعارات ثبات السياسة الأمريكية ونفس الشيء ينسحب على الموقف الأوروبي الجديد وزيارة سولانا إلى المنطقة العربية وبضمنه موقف إيران المتداخل طولا ً وعرضا ً مع كل الفاعلين الإقليميين والدوليين, هذا التحول يبقى سلبيا ً للغاية إذا لم يرافقه تحول عربي رسمي في قراءة الصورة الحالية بتلك المعطيات الجديدة تكتيكية أم استراتيجية كانت لكنها بمحصلتها العامة تعبر عن رغبة في الوصول إلى حلول لأزمات المنطقة وقطعا ً حساب مصلحة العرب غائبا ً عنها وسيبقى كذلك إلى أن يفرضه النظام العربي الرسمي أو تحرك شعبي كبير مفاجئ.. وعليه وبعيدا ً عن التنظير والتبسيط والتسطيح لما هو قائم فعلا ً على أرض الواقع العربي...الأمر يفرض على القمة القادمة موقف جديد ونقلة جديدة في العمل العربي المشترك , نقلة براغماتية ومحاولة جدية وصادقة لمواجهة استحقاقات المرحلة الراهنة التي تمر بها الدول العربية وخاصة ً المتفجرة منها لمحاصرتها حتى لاتتطاير شظاياها في مساحات يصعب السيطرة عليها لاحقا ً.
نتفاءل وهذا مطلوب رغم تراجيدية اللحظة الراهنة ...نتفاءل بناء ً على صدقية تصريح أمين عام جامعة الدول العربية العربية السيد عمرو موسى بقوله أن قمة الرياض القادمة لن تكون قمة بينات وخطابات , نتفاءل ونطلب أن تكون قمة حلول أو التفكير بالحلول و التركيز المباشر على الصراع المذهبي والطائفي الذي يجتاح المنطقة ونأمل أن أن تكون قمة الرياض هي قمة القرارات الاستثنائية لا البيانات التكرارية الرتيبة التي عهدناها في مؤتمرات القمم السابقة والتي لم تحافظ على الأرض ولا العرض ولا المصالح ولا الكرامة العربية التي وصلت أدنى مستوياتها في التاريخ العربي الحديث!
وأخيرا ً ونحن على أبواب مرحلة خطيرة نأمل أن يحضر القمة الغائب المستمر عنها وهو الإرادة العربية العملية التي تفرز وتنتج القرار العربي الجريء لتطويق الحرائق الذي بعض مشعليها هو العجز العربي وعجز القمة العربية نفسها على أن تكون بمستوى الأحداث ,وهذا طبع المرحلة الماضية بكل تلك النكبات والإخفاقات
...ونحن على أبوا ب قمة الرياض لانتوسل نخوة ولانشحد صدقة ولاننفخ في قربة مثقوبة , لكن الرياض ورغم كل السياقات التي عصفت وتعصف في العالم العربي وهي ليست قليلة لاعلى مستوى الحروب والخسارات الكبيرة ولاعلى مستوى صراع الأخوة الذي أرخى بنتائجه ظلاما ً على المنطقة كليل امرؤ القيس ...بل نطلب من الجميع الإرتفاع إلى مستوى المسؤولية إلى مستوى القرار التاريخي الذي لعبته الرياض على مسار العالم العربي الذي أشرناها وكان دورها إيجابيا ً رغم كل القال والقيل ...المرحلة أخطر من كل المراحل التي عاشتها الأمة والمتغيرات جدية وخطيرة ...وعليه تتوجه الآمال العربية الأخيرة إلى الرياض التي عودت العرب على القمم الناجحة و السعودية على الأغلب لا تريد هذه القمة رقما ً كسائر القمم الروتينية وهو ماتم التعبير عنه لكل الأطراف ، بل تريدها بداية لعمل عربي مشترك ينقذ الأمة من المخاطر الكثيرة التي تتهددها , لكن من البديهي أن يدا ً واحدة ً لايمكنها التصفيق وعليه المطلوب من الجميع أن يرتفع إلى مستوى دور واستعداد العربية السعودية لمواجهة الخطر والقرار الجريء في وقفه ...
وحتى لايصبح التاريخ العربي الحديث أشبه بتاريخ الفرص الضائعة والتي ضيعت الحقوق والمصالح الوطنية والقومية وأكثر منها ضياع فرص التقدم والتطور واحترام كرامة شعوب المنطقة وخياراتها ... مطلوب من القمة مواجهة صريحة وفعلية وليست مواجهة صوتية شكلية وفي أحسن أشكالها تثبيت ماهو واقع وتغليفه بشرعية واهية ..المصائب كثيرة والخطر مدلهم واحتمالات سوءه واضحة للجميع على مساحة الوطن العربي أفقيا ً وشاقوليا ً...مطلوب من القمة التحرك السريع والتعامل مع ماتملك من أوراق قوة وهي كثيرة وكافية لتطويق الحريق وإطفاؤه ومعالجة آثاره الكارثية على شعوب المنطقة ونقلها من خانة اليأس والإحباط وتفريخ التطرف إلى حالة الحياة والتفاؤل الملموس والمحسوس , ولم يعد هناك أي فرصة لضياع الوقت وأمام القمة الفرصة الحقيقية الأخيرة لتحمل مسؤوليتها في وقف التدهور على مستوى المنطقة كلها وما من أحد فيها بمنأى عن تداعياته الخطيرة .
قائمة المطالب طويلة ومتعددة وهي إسعافية إنعاشية وليست كمالية ومدخل تحقيقها هو البعد والتخلي عن المحاور والفردية والأنانية
والرجوع إلى تثبيت الثوابت والمصالح العربية العليا موزعة ً بنفس الأهمية على كل الأطراف لأن أحداث اللحظة الراهنة تقول بوضوح أن الكل في سفينة واحدة فيها العديد من الثقوب ...وتخر المياه إلى داخلها...وبالتالي الكل ينتظرهم نفس المصير ...القمة تبقى الأمل الأخير في حياة العرب الذي يسرع الخطى باتجاه نقل سفينتهم إلى شاطئ الأمان .
#نصر_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟