أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - النمو بطريقة طبيعية














المزيد.....

النمو بطريقة طبيعية


ممدوح رزق

الحوار المتمدن-العدد: 1861 - 2007 / 3 / 21 - 02:04
المحور: الادب والفن
    


حاول أن تتذكر .. في ماذا كنت تفكر لحظتها ؟

كان بإمكان المار أمام كشك تعبئة مواقد الغاز الصغيرة أن يتأكد من وعيك التاريخي بمجرد أن يلمح صور الزعماء الثلاثة ملصوقة على الحائط بطريقة مرتبة من الأقدم للأحدث .. كانت هناك صور أخرى لـ ( عبد الحليم ) و ( وردة ) و ( الخطيب ) و ( ميرفت أمين ) و ( الشعراوي ) تثبت انتمائك لثقافة السبعينيات والثمانينيات .. كنت تجلس وسط هؤلاء كإبن بار بينما تنتصب أمامك في المساحة الضيقة داخل الكشك أنبوبة الغاز الكبيرة .. ما الذي حدث ؟! .

تحركت بهدوء غريب لتجلس على الرصيف المقابل مثبتا عينيك على شيء لا يراه غيرك بينما النيران تواصل التهام ألواح الكشك الخشبية .. رحت تدخن سيجارة .. بالتأكيد ليست نفس السيجارة التي أشعلت الدنيا أمامك والتي كان يجب أن ينتهي دورها في الحياة بمشهد يجبر البشرعلى تأمله .. السيجارة الوحيدة ربما التي قررت ألا تضيع دون ترك ذكريات مهمة .

أمك العجوز .. راقصة الأفراح القديمة .. بخبرة في القسوة وقفت في منتصف الشارع لتنكر نسبك إلى أبيك الميت وإلى أي من أزواجها الكثيرين الذين ربما لم تعد تتذكر أسماء بعضهم .. وأنت بخبرة موازية في المهانة لم تنظر إليها .. لم تنظر أيضا إلى أختك مومس الحي المعروفة التي خرجت تصرخ من الحارة حافية بجلبابها البيتي الضيق وتستغيث بالناس كي يسرعوا في طلب المطافيء مدركة بشكل ما أن ظهورها سبب ارتباكا لأعين المتجمعين الذين أصبح تركيزهم مشتتا فجأة بين مؤخرتها الكبيرة التي تترجرج بشدة وبين مراقبة المدى الذي وصل إليه الحريق .

صباحك اليوم لم يكن طبيعيا

كأنك كنت تستعد لحدث استثنائي هام

أنت مثلا لم تبدأ عملك بتشغيل إذاعة القرآن الكريم كالعادة

كما أن سكان الشارع لم يسمعوا أي من الأغاني الشعبية المصرية واللبنانية القديمة التي اعتدت أن تشغلها يوميا

حتى عندما جاءت فترة الظهيرة

لم يرك أحد جالسا خارج الكشك وتقرأ في إحدى الروايات البوليسية التي تحبها

كنت صامتا

لم تلق التحية على المارة وعلى أصحاب المحلات المجاورة .. كنت تردها عليهم بصوت خفيض جدا ومكتوم وباقتضاب شديد .

شقيقك البدين بائع الفاكهة الذي أسرع بإخراج الأنبوبة من وسط النيران أقسم بأن يجعل مخبر المنطقة يأخذك مجددا إلى قسم الشرطة ليذكّرك خادمو الشعب طوال الليل بأن الله ليس غافلا عن حماية قانون الاشتباه .

شقيقك الذي لم يهتم بانقاذ الصور ولا شرائط الكاسيت ولا الروايات البوليسية ربما سيفهم بعد فترة ما أن صمتك كان إقرارا واضحا باستيعابك لمصيرها .

بالطبع .. أجزم كل الطيبين الذين شهدوا ما حدث أنك لم تكن تقصد :
( هل يتعمد أحد إحراق مصدر رزقه الوحيد ؟!! )
الطيبون الذين رأوك تنهض من فوق الرصيف حاملا نفس هدوءك الغريب وتخطو بعيدا فأجزموا أيضا وبمنتهى اليقين أنك حتما ستعود ـ بعد أن يهدأ كل شيء ـ لتحاول أن تعيد الحياة إلى ما كانت عليه .

لكن ...

ماذا عن هذا الطفل الواقف بالشرفة ؟!

الطفل الذي كان ينمو بطريقة طبيعية جدا وسط أسرته الطبيعية داخل الكون الطبيعي تعثرت حواسه فجأة بحدث يتنافى مع سمات الشارع الطبيعي فقرر أنه من الضروري تفحص الأمر لنهايته .

صحيح أن رعبه الهائل من الحريق قد انتهى بعد أن جاءت العربة الحمراء الكبيرة ذات السرينة المفزعة ـ كان يخشى أن تمتد النار إلى أسلاك الكهرباء القريبة جدا من شرفته فيدخل جهنم مبكرا .

صحيح أن الأمر تحول عنده إلى تسلية ممتعة للغاية وهو يراقب المياه تندفع بقوة وغزارة من الخراطيم الطويلة فتخمد النيران تدريجيا تاركة سحب دخان كثيفة وبقايا أشياء متفحمة مما جعله يشعر بوجود شتاء ما .

لكنه أدرك بشكل مبهم أن شيئا ما تغيّر

هناك مشاهد لم يعد يراها

وأصوات لم يعد يسمعها

كانت هناك حالة ما لم يعد يحس بها

حتى أن سؤاله ( حاول أن تتذكر .. في ماذا كنت تفكر لحظتها ؟ ) كان عليه أن ينتظر أكثر من عشرين عاما ليتمكن من صياغته جيدا .. ولمن ؟!
للذي لم يرجع حتى الآن ليعيد الحياة إلى ما كانت عليه .




#ممدوح_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الألم الذي يقتل / .. للشاعرة الأمريكية : أندريا فينزيمير
- أنا مخرِّب .. أنا موجود
- قد يدخل ( أحمد ) الجنة بعد الموت
- رجل وامرأة متعانقان في سعادة كخلفية لشاشة الكومبيوتر
- بخصوص حكمة ما
- شعراء قصيدة النثر ومواصلة الهوس المجاني بالذات خارج النص
- لأننا لا نتألم بطريقة صحيحة
- ربما سنذهب .. ربما سيأتي
- كأن لديه خبرة بالماضي
- لكل ميت رومانسيته
- ( قانا ) .. مثلا
- الحقيقة والدين / .. ردا على مقال د. كامل النجار - في طبيعة ا ...
- مُستعمَل / .. للشاعرة الأمريكية : سارا أكاسيا
- أكثر من طريق إلى مدافن الأسرة
- مشكلات صغيرة في فهم العالم
- أرواح الغرقى
- وحيد / .. للشاعر الأمريكي : ديفيد ليفينجستون
- الحبل السُري
- في طي الكتمان
- تكره الانتظار بجوار النافذة


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - النمو بطريقة طبيعية