|
بروتوكولات حكماء الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات .. وأزمة الثقة
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1859 - 2007 / 3 / 19 - 11:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شبكات التليفزيون المحمول ليست جديدة فى مصر، بل إن أرض الكنانة قد عرفتها منذ أكثر من عشر سنوات. ومنذ لك الحين، وبالتحديد منذ عام 1996، وهذا الجهاز العجيب – الموبايل – ينتشر انتشار النار فى الهشيم، حتى أصبح ما يقرب من عشرين مليون مصرى يحملونه فى أيديهم (رغم ضيق ذات اليد وضيق الأرزاق واتساع دائرة الفقر!). ورغم التخوفات من الآثار الصحية والبيئية لمحطات المحمول وأجهزة الاتصالات الحديثة، فان الإقبال على "الموبايلات" كان أقوى من الهواجس والتحذيرات. وفى ظل هذا الإقبال منقطع النظير أنشئ ما يقرب من 6800 محطة كبيرة وصغيرة دون اعتراضات تذكر. وفجأة .. ومنذ أسابيع قليلة بدأت "مقاومة شعبية" على نطاق واسع لإنشاء محطات جديدة، ووصلت هذه المقاومة إلى آفاق غير مسبوقة شملت المظاهرات والاعتصامات والصدامات التى أودت بحياة مواطن مصرى! فلماذا حدث هذا الانقلاب فى سلوك المصريين؟! الإجابة التى ترددت فى المظاهرات والتحركات المعارضة تركزت على الأضرار الصحية للإشعاعات المنبعثة من الابراج والمحطات التى يجرى بناؤها هنا وهناك. لكن هذه الإجابة البسيطة لا تقدم رداً كافياً وشافياً، فلماذا ظهرت هذه التخوفات من تلك الآثار الآن فقط ولم تظهر – على الأقل بهذا الاتساع وتلك الحدة – خلال السنوات العشر الماضية؟! وهل لذلك علاقة بالشركة الجديدة التى حصلت على رخصة تشغيل شبكة ثالثة مؤخراً، خاصة وأن الأبراج التى يتم بناؤها – وتعطيلها وتحطيمها – تابعة لها؟ وهل تكون الشركتان الأولى والثانية، موبينيل وفودافون، وراء تأجيج حملة الكراهية للأبراج الجديدة والتخويف منها بصورة مباشرة او غير مباشرة؟ ام أن هذا الاستياء الشعبى الواسع النطاق جزء من حالة الاحتقان العام فى المجتمع، التى تشعل اوراها المواجهة المتصاعدة بين الحكومة وجماعة "الأخوان المسلمين"، وتسعى الجماعة "المحظورة"، وغيرها، إلى استغلال أى ظاهرة لتحويلها إلى خميرة عكننة ضد الحكومة؟! هذه التساؤلات طرحت نفسها على مائدة النقاش فى اجتماع تم مؤخراً مع الدكتور عمرو بدوى رئيس الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، وحضره الزميل مجدى سرحان مدير تحرير "الوفد" والزميل عصام كامل مدير تحرير "الأحرار" بالإضافة إلى كاتب هذه السطور. لكن الدكتور عمرو بدوى فضل عدم الخوض فى هذه الاحتمالات، واكتفى بالحديث عن الجانب الفنى وتفنيد ما يقال عن آثار صحية وبيئية ضارة لمحطات المحمول؟ فقال أن الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات يختص بوضع القواعد الفنية المتعلقة بالسلامة الصحية والبيئية الواجبة الاتباع عند تركيب وتشغيل واستخدام شبكات الاتصالات، ومتابعة تنفيذها وتشغيلها طبقاً للمعايير التى يتم وضعها بالاتفاق مع الوزارات والجهات المعنية بالدولة. وأن هذه المعايير ليست سرية بل تصدر بها قرارات من الوزراء المعنيين ورؤساء الجهات المشار إليها وتنشر هذه القرارات فى الوقائع المصرية. وفى ضوء ذلك قام الجهاز بالتنسيق مع المعهد القومى للاتصالات ووزارتى الصحة والبيئة. لدراسة التأثيرات الصحية والبيئية. وفى هذا السياق صدر بروتوكول المحطات الكبيرة فى أغسطس 2000، وبروتوكول المحطات الصغيرة فى ديسمبر 2001، وبروتوكول المحطات الكبيرة المعدل فى فبراير 2005. كما تم قياس 5400 محطة كبيرة وصغيرة فى أول مارس الجارى، كما تم إعادة معاينة 2400 محطة للتأكد من استمرار مطابقتها للبروتوكولات ، كما تم مراجعة البروتوكولات لتحديثها طبقاً للمتغيرات التكنولوجية للأجهزة والترددات المستخدمة. واكد عمرو بدوى أنه لم يثبت على مستوى العالم وجود علاقة مباشرة بين محطات المحمول وأى من الأمراض، كما أوضح أن اكثر من 90% من قياسات الطاقة الصادرة من المحطات تكون بنسبة 1/1000 من حدود الأمان (0.4 مللى وات/ سم2)، وأن القاطنين بالدور الأخير أسفل المحطات أقل عرضة للطاقة الصادرة من المحطة بسبب السقف الخرسانى. كما كشف النقاب عن حقيقة مدهشة هى أنه كلما زاد عدد المحطات قلت الطاقة الصادرة من المحطات مما يقلل تأثيرها، بينما أنه كلما بعدت المحطة عن المستخدم تزداد الطاقة الصادرة من المحمول لتحقيق الاتصال. إذن – والعهدة على الدكتور عمرو بدوى- كل الأمور تمام و لا توجد تأثيرات صحية او بيئية ضارة للأبراج ومحطات المحمول . فلماذا إذن الهلع الشعبى؟! قلنا لرئيس الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات انه اذا كان الامر كذلك ، فانه لا تفسير للرفض الشعبى المفاجئ للأبراج الجديدة سوى عدم الثقة الذى يتزايد يوما بعد آخر من الناس تجاه الحكومة . وبما ان الناس يعتبرون الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات هيئة حكومية فان قراراتها وتصريحات اكبر رأس فيها تصبح موضع شك وريبة . التفسير الثانى ان حملة التوعية – وهى شئ مختلف اختلافا كبيراً عن حملة الدعاية – لابد وانها ناقصة ويجب على الجهاز ان يقوم بواجبه فى تنوير الرأى العام بالحقيقة كاملة وبادق التفاصيل .. فهذه المعرفة من حق الناس. التفسير الثالث ان الجهاز والشركة الثالثة التى تحاول بناء هذه الأبراج والمحطات يتصرفان بنحو بيروقراطي وفوقى ، فيقرران بناء هذه المحطة فى هذا المكان او ذاك دون استشارة المحليات او القيادات الشعبية الطبيعية للمواطنين فى الأحياء والقرى والنجوع. ولو ان هناك روحاً "ديموقراطية" ، تحرص على الحديث مع المصريين ومناقشتهم وأخذ رأيهم لتغيرت الصورة وتبدلت المواقف . خاصة وان " المحظوظ " الذى يتقرر إقامة البرج فى أرضه او فوق منزله يحصل على مبلغ يتراوح بين 20 و 30 ألف جنيه فى القاهرة ويصل الى مائة ألف فى أماكن معينة، بينما يصل فى الريف الى 15 ألف جنيه كحد أقصى . وربما يثير هذا ضغائن وحسد الجيران ، فيقومون بالكيد لجارهم المحظوظ . الا يمكن ان تكون هناك صيغة ديموقراطية تجعل الخير يعم سكان الحى أو القرية جميعا، ولا يكون حكراً على فرد واحد خاصة وان الأثير مرفق انتفاع عام؟! القضية فى رأيى – باختصار- ليست " فنية" ، وانما هى متعلقة بتلك الكلمة التى ابتذلناها من كثرة ترديدها بمناسبة وبدون مناسبة ، ودون ان يرى الناس تطبيقا واحداً لها، وهى " الشفافية" التى تعنى فى حالتنا مصارحة الناس بكل الحقائق الفنية والصحية والبيئية والمالية . ويزداد الإلحاح على هذه الشفافية الغائبة ، خاصة على الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات ، وبالذات بعد ان أثارت قراراته الأخيرة تساؤلات كثيرة عن مدى حياده بين شركات المحمول الثلاث، ونعنى خصوصا قراره بمنع شركة موبينيل من الاستمرار فى عرض "صلاحية مدى الحياة" الذى قدمته فى فبراير الماضى للجمهور ، وقراره بحرمان الشركة ذاتها من الموافقة على الترقيم الجديد بدعوى رداءة الخدمة ، وتحذيرها من استمرار استخدام تطبيقات " ايدج" بدون دفع رسوم الجيل الثالث، وفسخ العقد بين موبينيل وفودافون الموقع فى يناير 2005 الخاص بتعريفة الاتصال بين الشبكتين ، وتحديد شريحة ثابتة لهذه التعريفة وربطها على أعلى شريحة. هذه القرارات تحتاج الى شرح وتوضيح و "شفافية" ، خاصة وان كثيرين استنتجوا منها انحيازاً للشركة الثالثة الجديدة واشتموا منها رائحة غير مريحة. ويمكن للمسئولين فى الجهاز القومى للاتصالات ان يقسموا على المصحف والإنجيل انهم ليسوا منحازين لاحد ضد أحد، ومع ذلك فان هذا لن يقلل من فجوة انعدام الثقة، والسبب هو غياب الشفافية فى اتخاذ القرارات . وبسبب غياب هذه الشفافية ، أو نقصها ، تظل كل "البروتوكولات" التى يتحدث عنها الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات ويقول انها تضمن أقصى حدود السلامة، لا تختلف فى رأى الكثيرين عن "بروتوكولات حكماء صهيون" والقياس مع الفارق . والخروج من هذه الدائرة الجهنمية لن يتأتى إلا بالمكاشفة ومصارحة الناس بالحقائق . والثقة فيهم وفى قدرتهم على تمييز الغث من الثمين.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المادة الثانية .. وإرهاب فهمى هويدى
-
فتحى عبدالفتاح .. عاشق الحياة والوطن
-
جوزف سماحه
-
-حبيبة- .. و-إيمان-: تعددت الأسباب والكرب واحد
-
المادة الثانية.. ليست مقدسة
-
حرية العقيدة.. يا ناس!
-
ماجدة شاهين.. الدبلوماسية الأكاديمية
-
صدق أولا تصدق: نقد رئيس مصر مباح .. وعتاب أمير عربى ممنوع!
-
»الوفاق« الوطني و»النفاق الحزبي«
-
ما رأيك يا وزير التنمية الإدارية
-
هل يتمتع كلاب الأمراء العرب ب -الحصانة- فى مصر؟
-
تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية يفسر تراجع ترتيب مصر
-
اقتصاد يغدق فقراً
-
بدلاً من تضييع الوقت والجهد في الرد علي الفتاوي الهزلية: تعا
...
-
كأن العمر .. ما كانا!
-
حتى فى السودان
-
التعليم..غارق فى بحر من الفساد
-
الذكرى السنوية الأولى للكارثة
-
ثقافة الإضراب
-
التعذيب.. يا حفيظ 1-2
المزيد.....
-
رقصت بالعكاز.. تفاعل مع إصرار هبة الدري على مواصلة عرض مسرحي
...
-
هل باتت فرنسا والجزائر على الطريق الصحيح لاستعادة دفء العلاق
...
-
الجزائر تعلن إسقاط طائرة درون عسكرية اخترقت مجالها الجوي من
...
-
من الواتساب إلى أرض الواقع.. مشاجرة بين المسؤولين العراقيين
...
-
قفزة بين ناطحتي سحاب تحول ناج من زلزال تايلاند إلى بطل
-
قراءة في تشكيلة الحكومة السورية الانتقالية : تحديات سياسية
...
-
قناة i24 الإسرائيلية: ترامب يعتزم لقاء الشرع خلال زيارته للس
...
-
إعلام أمريكي: دميترييف وويتكوف يلتقيان في البيت الأبيض
-
الخارجية الألمانية تعلن إجلاء 19 مواطنا ألمانيا مع عائلاتهم
...
-
الولايات المتحدة توسع قوائم عقوباتها ضد روسيا
المزيد.....
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
المزيد.....
|