|
وقفة على القبر
محمد علي الشبيبي
الحوار المتمدن-العدد: 1845 - 2007 / 3 / 5 - 11:42
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
مرثية والدي الراحل علي الشبيبي لأخيه الشهيد حسين (صارم)
إنه لقاء الأخ بأخيه الشهيد عند القبر! فكيف كان هذا اللقاء؟ يمكن تصور هذا اللقاء وما رافقه من عواطف جياشة وحزينة طاغية عليه، خاصة إذا عرفنا أن الشهيد أعدم من دون أن تسمح حكومة العهد الملكي للشهيد بلقاء والديه وأشقائه لتوديعهم! كما كان تنفيذ حكم الأعدام مفاجئاً لعائلته، ليس هذا وحسب، فحكومة العهد الملكي منعت ذوي الشهداء من القيام بمراسيم الفاتحة، ولم يُسلم جثمان الشهيد يوسف سلمان (فهد) سكرتير ومؤسس الحزب الشيوعي العراقي وحاولوا إخفاء قبره لكنهم فشلوا لأن أحد العاملين في المقبرة كشف مكان القبر!! ولولا وساطات وتدخلات العلامة الجليل محمد رضا الشبيبي طيب الله ثراه لما سلم جثمان الشهيد الطاهر، وقد أشترطت السلطة على عائلة الشهيد أن يتم الدفن بحضور عائلته فقط ودون أي تأخير. وحتى الفاتحة أقيمت بهدوء وتحت مراقبة شرطة الشعبة الخاصة وكانت لاتخلُ من مضايقات وأستفزازات لأخافة المعزين ومنعهم وهم بذلك لم يحترموا التقاليد الأجتماعية والأسلامية التي تقام بعد الوفاة. وقد حرم والدي طيب الله ثراه من اللقاء بشقيقه، حيث كان الوالد يعاني كثيراً بسبب حرمانه من أمكانية اللقاء بالشهيد، فأثناء وجود الشهيد في المعتقل كان الوالد يتعرض للملاحقات السياسية من قبل التحريات الجنائية وأعتقل وفصل من التعليم، وعندما أعيد للتعليم نقل الى مدينة الناصرية، كل هذه الظروف القاسية حالت دون أمكانية والدي من اللقاء بأخيه الشهيد أثناء أعتقاله، بل أن سلطات العهد الملكي وخلال ثلاثة سنوات من وجود الشهيد في المعتقل لم تسمح حتى لوالده بزيارته. ودَون والدي في مخطوطته الشعرية تحت مرثيته (على القبر) الملاحظة التالية: (مر عام على أعدام أخي. وكلما حاولت زيارة القبر أعترتني هزة وأركنني جبن غريب، وتمثلت لعيني أشباح مرعبة. وتراءى هو لعيني وأثر حبل المشنقة في عنقه. وعيناه تنظران شزرا إلى ذلك الجبان الذي نفذ فيه الحكم. ونظرة عتاب الي أنا الذي لم أودعه قبل أن يفارق الحياة. كنت أخشى أن أموت مع زفرة إن أنا دنوت الى قبره. وفي 22/7/1950 هيأت هذه القصيدة لألقيها على القبر، اذا أنا زرته، وفي الساعة السادسة من عصر يوم السبت 12/8/1950 ولأول مرة زرت قبره دون أن يهديني أحد. إلا إشارة من أبني كفاح – الطفل إذ ذاك – الى الجهة التي فيها القبر قبل أيام. وما أن لاحت لي الصخرة التي على واجهة القبر، حتى غلبتني العبرة، وسبقتها الدموع، وعلا نحيبي ونشيجي في سكون ذلك الوادي وقد خلا من كل صوت عدا الريح وهي تصطفق بالقبور). بعد كل هذه الظروف القاسية التي أحاطت بأعتقال وتنفيذ حكم الاعدام بالشهيد جاءت مرثية الوالد وهي تصف عواطفه وعهده لأخيه الشهيد (...ولكـن جـيدي لـن يذل ولن يُـلوى) وتتحدث عن مكانة الشهيد الفكرية والمعنوية (وقد كنت لي صبرا وقد كنت لي حجا) وتأثيرها في حياته الخاصة والعامة. (حـرام عـلى قـلبي السلو كأنـني....) نعم هذه مشاعر الوالد أتجاه أخيه الشهيد وقد كررها في مرثيته هذه ومرثياته الآخرى بصور مختلفة، وقد صدق الوالد بمشاعره هذه وظلت ملازمة لحياته، ولا أنشر سراً عن مشاعر الوالد هذه، حيث عاش في السنوات الأخيرة من حياته في عزلة عن العالم بسبب ألأوضاع السياسية القاسية ومضايقات وضغوطات النظام الصدامي عليه وعلى بقية العائلة، مما ساعدت في أشتداد مرض الشيخوخة الذي كان يعاني منه في أواخر الثمانينات حتى وصل شدته بفقدانه الكلي للذاكرة في بداية التسعينات، الى درجة لم يعد يفرق بين أفراد العائلة ولا حتى يتذكرهم!. ورغم فقدانه للذاكرة لم ينسى الشهيد!! وفي حوار معه في تسجيل صوتي عام 1994 وهو فاقد الذاكرة، يتحدث بألم وهو يبكي بحرقة كالطفل على أخيه حسين (كما يحب أن يلفظ أسمه) ويتحدث كيف كان تأثير أعدامه على والدته الثكلى، وكان يبكي متألما لحزن وعذاب أمه لفقد إبنها وكأن هذا حدث قبل أيام!! ويستعرض والدي في مرثيته الحال التي عاناها وعانتها العائلة بعد أستشهاده وكأنه يقدم له تقريرا، فيحدثه عن أخيه الأصغر محمد علي (طه) وما لاقاه من حكم بالسجن لعشرة سنوات بالاشغال الشاقة يقضيها في سجن نقرة السلمان الصحراوي، ويخبره بصموده وتصميمه في مواصلة النضال. انها مرثية جياشة بالعواطف يستعرض فيها الوالد حاله وحال العائلة بعد الأستشهاد، والتغيرات في الاوضاع السياسية والعلاقات الأجتماعية التي صاحبة الأنتكاسة بسبب أعدام قادة الحزب والضربة القاسية التي وجهت لتنظيمات الحزب.
على القبـر* للراحل المربي علي محمد الشبيبي السبت 12/8/1950
وحقك لـن أنساك لن أعرف السلوى.............ولكنني شـخص صبور على البلوى أبـثك فاسمعني أحـاديـث لـوعتي.............فها أنني قـد جئت أسـمعك الشكوى ألـح عـلي الدهـر حـتى كـأنني.............غـدوت له من بيـن أوكاره مـأوى وقد كنت لي صبرا وقد كنت لي حجا.............فلم أختـش الدهيا ولم أرهب اللأوى وفارقـتني ياضوء عـيني وياهوى............. تنسـمه أنـفي فـعشـت كما أهـوى اذا بي غريب فـي الحياة تـنوشني .............ثـعالب كم كانت تصـول ولا تـقوى
اُخـي ومـا أحـلى أخي أقـولـها............. اذا رَدَدَتْـها النفس عـادت بها نشوى فـقدناك فـقد الـنجم من يهتدي به............. وقـد بعـد المسـرى ولم نبلغ الشأوا حـرام عـلى قـلبي السلو كأنـني............. سـكرت بأحزاني ولم أعرف الصحوا وقـد طـويت من بعد فـقدك فترة............. ولم أترك ذكـراك عـمدا ولا سـهوا خـيالـك لـم يـبرح عيوني كأنني.............أطـارحك الاشـواق والهمّ والشـجوا كـأنك تـلوحني كـأنك عـاتـب.............كأني على تقـديم عـذري لا أقـوى
أخـي جـفانا الاقـربون وعـافـنا............. أخـلاؤنا شـأن الذي فـرّ من عدوى اُخـي. وقـد صاح الزمان بشـملنا............. فأنـت هـنا ثاو وياطـيـبه مثـوى تـضمن جـثمانا يفـيض شهامـةً............. على رغـم ماقد بث أعداه من دعوى تكرر من مستعبدي الناس ضد من ............. يـكافح في إيـمانه البغي والطـغوى
وطـه؟ فـهل تدري بطه وما جرى............. عـليه من الارجاس اذ لم يكن رخوا سـجين بقـفر شـطَّ عـنا مـزاره............. على أنه قد أحسـن الصبر في البلوى يـجـر بـرجلـيه الحـديد كـأنه............. أداة بـها يلـهو وما عـرف اللـهوآ ويـحـلف ان لـو مد حـبل حياته .............وحـالفـنا نصـر لنمحوهمو مـحوا
وأمـا أنا فالـحـمد لله فـي عـنا............. وقد أبـعَدتْ دنياي عن عيشيَ الصفوا وزيـد بأعـبائي وأثـقل كـاهـلي.............ولكـن جـيدي لـن يذل ولن يُـلوى
اُخـي تجول الذكـريات بـخاطري .............وها أنا ذا أسـتعرض الـمر والحلوا مضـت بعـض أيام علـينا وعيشنا.............رخيّ ولـذات الحـياة كـما نهـوى تـرف المـنى كالطير فوق رؤوسنا............. فـتهفوا القـلوب النابضات بها هفوا ونهـتـز للانـغام نسـمع لـحنها............. ونـطرب للاطيار ان أرسـلت شدوا ودارت بـنا الايـام: حيث تـبدلت............. لنا فِـكَرٌ قد مجـت اللـعب واللـهوا أحـبت مـيادين الرجال وأولـعت............. بـحب النـضال الحر مذ صوته دوّى وعـفـنا لـذاذات الـحياة كـأنما.............عشقـنا الشقا حتى غـدونا به نشوى نـصارع جورَ الظالمين وعسـفهم .............صراعا ولم نركب غرورا ولازهـوا
اُخـي شـهيد الحـق مـت مكرما.............صحائـفك الغراء في الدهر لاتطوى على ضوئها يمشي الشباب مـنافحا.............وغـايته تحـقيق غايتـك القصوى اُخـي لـو أن الـدمـع يرجع ميتا.............بكـيت بكاء الراجين من ربهم عفوا وأذريـت دمـع العين أحمر قانـيا.............ولـكـنه واحسـرتاه بلا جـدوى
بـنفسي من لم يُغلب الدهـرَ صبره.............مـآثره حتى لـدى خصـمه تروى بـنفسي من لم يشـكُ يوما عـناءه.............وحتى غـدا من ثـقل أعبائه نـضوا بـنفسي من ضـحى بـكل حـياته.............وخر صريع البغي كالغصن قد ألوى بـنفسي صـريعا ما اُلـينت قـناته.............وحـاول كالاعصار لم يألف الرهوا بـنفسي صليب العود عانـق عوده.............مـع الفجر والانسام داعـبته نشوى تـعـطر من اردانه الفجر بالـندى.............ويزداد عـطر الورد ان هو قد ألوى سيبقى مـدى الاجيال ذكراك مفخرا.............سلام عـليه في الحيـاة وفي المثوى
* - نشرت القصيدة في جريدة صوت الفرات العدد 29 الصادر في 1960/02/13
#محمد_علي_الشبيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ياصليباً – مرثية المربي الراحل علي الشبيبي لأخيه الشهيد حسين
...
-
اُمك – مرثية للراحل علي الشبيبي لأخيه الشهيد حسين الشبيبي
-
فتى التأريخ - شعر المعلم الوطني الراحل علي الشبيبي
-
الشهيد حسين محمد علي الشبيبي
-
صادق الموسوي لم يكن صادقاً
-
يوم الشهيد العراقي
-
الأعلام الحكومي العراقي
-
أسهم البورصة الطائفية العراقية
-
ذكريات الزمن القاسي /24
-
ذكريات الزمن القاسي /23
-
ذكريات الزمن القاسي / 22
-
ذكريات الزمن القاسي / 21 في مديرية الأمن العامة
-
ذكريات الزمن القاسي / 20
-
ذكريات الزمن القاسي / 19
-
ذكريات الزمن القاسي / 18
-
ذكريات الزمن القاسي / 17
-
رسالة الى منظمة الحزب الشيوعي في مالمو ومن يهمه الامر
-
ذكريات الزمن القاسي / 16
-
ذكريات الزمن القاسي / 15
-
ذكريات الزمن القاسي/14 في سجن نقرة السلمان
المزيد.....
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|