أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الصيداوي - هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 13















المزيد.....

هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 13


رياض الصيداوي

الحوار المتمدن-العدد: 1839 - 2007 / 2 / 27 - 12:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خاتمة عامة
حاول هذا البحث أن يقوم بمقاربة بيوغرافية لحياة الصحفي والسياسي محمد حسنين هيكل منطلقاً من أهمية ظاهرة هيكل وتميزها في الساحة العربية وسط "تخلف إعلامي بارز"، ومنطلقاً من انعدام الدراسات الأكاديمية التي بحثت في حياته المزدوجة بالصحافة والسياسة، ومن الغموض والآراء والمواقف المتناقضة الحادة التي تقيم هذا الصحفي الذي كاد أن يكون أسطورة.
كانت هناك مساحات ضبابية حاول هذا الكتاب إزالتها أو إزالة بعضها. فسعى إلى توضيح جوانب من تاريخ الصحافة المصرية ومن ثمة العربية المعاصرة.
هدف هذا الكتاب إلى توثيق تجربة صحفية نموذجية تكاد تكون فريدة من نوعها في الوطن العربي. فعالج حياة محمد حسنين هيكل من زاوية بعض القضايا الملحة في حياته الصحفية والسياسية منبها إلى أن هذا الفصل بين الجانبين: الصحفي من جهة والسياسي من جهة ثانية، لم يكن إلا فصلاً اعتباطياً دعته ضرورة منهجية، وحتى لا يسقط البحث في منهجية زمنية بسيطة chronologique تقع بنا في سهولة مبتذلة.
وحدد الكتاب المساحة الزمنية التي يتناولها هذا البحث بثلاثين سنة تقريبا أي من سنة 1952 إلى سنة 1981، وهي الفترة التي عمل فيها هيكل في الصحافة والسياسة معا. واستخدم المنهجية شبه البيوغرافية في مقاربة هذه الشخصية – الظاهرة، مستعيناً ببعض المناهج، مثل منهج المقاربة الوثائقية، أو تحليل المضمون، أو جمع الشهادات، أو المنهج التاريخي، نظراً لتشعب الموضوع وتنوعه، فلم يقع الاكتفاء بمنهج واحد.
وتم الاختيار على أن يبدأ البحث بالجانب الصحفي في حياة هيكل، حيث أن الصحافة هي التي شكلت بداية نجاحه وتفوقه. وبفضلها تمكن من دخول عالم السياسة والاقتراب الشديد من صانع القرار، فكثيراً ما فضلها عن العمل السياسي، وكثيراً ما اختارها دون منصب الوزير.
أما القسم الثاني فتناول الجانب السياسي في حياة هيكل فاصلاً بين العهد الناصري ودور هيكل فيه والعهد الساداتي وعلاقته بهيكل. ثم تعرض إلى اتجاه الفكر السياسي عند هيكل مركزاً على الأفكار والآراء والمواقف التي أعلنها في مواجهة أهم القضايا التي عاشتها المنطقة.
وعلى مستوى الموضوعية، واجه البحث بعض الصعوبات من بينها الانقسام الحاد تجاه هيكل بين أعداء حد "الحقد" وأصدقاء حد "التمجيد". ولاحظنا أن بعض الذين حاورناهم كانوا يرفضون نشر بعض الآراء والروايات التي يدلون بها طالبين من الباحث إيقاف "التسجيل "...
*******
ووصلنا في دراستنا هذه إلى مجموعة نتائج أهمها :
بالنسبة لهيكل الصحفي:
ـ يعود الفضل إلى "دار أخبار اليوم" في تفوق هيكل الصحفي ونجاحه بعد أن وفرت له إمكانية القيام بتحقيقات كبيرة خارج حدود مصر في منطقه الشرق الأوسط وكوريا... وذلك يحدث لأول مرة لصحافي مصري. ونجحت هذه التحقيقات نجاحاً باهراً جعلته ينسج شبكة ضخمة من العلاقات مع ألمع ساسة وصحفيي العالم في تلك الفترة من الزمن، وفي مصر تمكن من ربط علاقة صداقة مع جمال عبد الناصر وهو مازال شاباً قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية وزعيماً للمنطقة.
ـ مع صحيفة "الأهرام" وصل إلى قمة نجاحه المهني. فأصبحت الصحيفة تربح بعد أن كانت تخسر، ووصل توزيعها إلى ثلاثة أرباع مليون نسخة في اليوم، ووصلت أرباحها السنوية إلى ما بين ثلاثة وأربعة ملايين جنيه... وأصبحت واحدة من الصحف العشرة الكبرى في العالم طبقا لتقرير نشرته جريدة "التايمز" كما أصبحت دارها الصحفية، بما فيها من تجهيزات حديثة ومعدات، واحدة من الدور الصحفية الثلاثة الأكثر تقدماً في العالم، وذلك بشهادة مؤتمر الصحافة العالمي في لوس أنجلس.
ومن ناحية المضمون الصحفي والتحرير، أدخل هيكل إلى الأهرام ألمع الكتاب والمثقفين المصريين والعرب بمختلف حساسياتهم الفكرية والسياسية، فاكتسب بهم عمقاً في التحليل وتنوعاً في وجهات النظر رغم ما واجهه من مضايقات أجهزة الأمن وجهاز التنظيم السياسي الحاكم.
ـ صارت "الأهرام" جزءاً من حياة هيكل، وأصبحت مفارقته عملية وجدانية صعبة، لكنها تمت بقرار من الرئيس أنور السادات الذي حرم هيكل من الصحافة بتهمة أنه تحول من العمل الصحفي إلى العمل السياسي. وفي 31 يناير 1974 انسحب هيكل من "الأهرام"، الصرح الكبير الذي بناه على مدى سبعة عشر سنة.
ـ اختلف هيكل مع عبد الناصر في مسألة تأميم الصحافة، فعبد الناصر كان يرى بضرورة تأميمها كغيرها من القطاعات التي أممت في إطار التحول الاشتراكي الذي شهدته "الجمهورية العربية المتحدة"، في حين حاول هيكل أن يجنب الصحافة تملك الدولة أو التنظيم السياسي لها. فبحث عن إمكانية حل وسط يبعد الصحافة عن ملكية الأفراد وينقذها في نفس الوقت من شبح السلطة والدولة، ونجح نسبياً في إقناع عبد الناصر. فأتاح له فرصة تشكيل "هيئة الصحافة العربية المتحدة" و"اتحاد الإذاعة والتلفزيون"، وهي مشاريع حاول تطبيقها بعد أن تأثر بصيغة "الملكية التعاونية" لصحيفة "لوموند" الفرنسية وتجربة إذاعة " "BBCفي استقلالية الإذاعة عن الحكومة... لكن بعد عزله عن الصحافة تفككت التجربتان.
ـ ساهمت عملية تدفق المعلومات من محمد حسنين هيكل إلى قائد الثورة الشاب ثم رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر في تبوأ هيكل لمكانة خاصة عند الرئيس جعلته يصبح الأقرب إليه، ومكنته من الوصول إلى أسرار ووثائق الدولة والطبقة السياسية وتخزينها وتوثيقها، ثم استخدمها في مرحله لاحقة في الدفاع عن عبد الناصر وتجربته ضد خصومه. كما ساعدته في رد الحملة التي ووجه بها من قبل أنصار الرئيس السادات.
ـ على عكس ما يعتقده العامة في الوسط الصحفي والسياسي في مصر والوطن العربي من أن هيكل مؤرخ "العهد الناصري" فإننا رصدنا أن كتابات هيكل لا ترتقي إلى عمل المؤرخ، لنقص شروط المنهج التاريخي فيها وهو ما اعترف به هيكل وأكد عليه في أكثر من مكان، حيث نفى عن نفسه هذه الصفة وبين أنه يعتبر ما كتبه "قراءة صحفية للتاريخ".
بالنسبة لهيكل السياسي
ـ عندما ارتبط هيكل بـ"العهد الناصري" مبكرا، قبل الثورة، حرص على أن يكون هذا الارتباط معتمداً على علاقة شخصية بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر، فحاول بكل قوته أن يحصر علاقته بقيادة الثورة في شخص عبد الناصر، وأن لا يدخل في لعبه الصراع على السلطة والمواقع والنفوذ مكتفياً بموقعه كرئيس تحرير "الأهرام".
ـ لكن رفض هيكل الدائم للمواقع التنفيذية كالوزارة لم يعن مطلقاً رفضه للقيام بأدوار سياسية محددة يطلبها منه الرئيس عبد الناصر. فكثيراً ما تولى أدواراً حساسة، وبخاصة في عملية التفاوض أو جس النبض مع إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يكن هيكل يرفض المناصب إلا لأنه كان يراها تحد من مجال حريته، وتضعه في موقع المساءلة أثناء الفشل، أما القيام بالأدوار "الخاصة" فهي لا تزيده إلا مكانة عند الرئيس ولا يتحمل تبعات فشلها لأنه لا ينفذها في إطار رسمي.
ـ كذلك، تكاثر "أعداء" هيكل داخل جهاز الدولة، فاصطدم في مناسبات كثيرة مع أجهزة الأمن، وبخاصة مع جهاز المخابرات العامة. كما اصطدم مع جهاز الاتحاد الاشتراكي، التنظيم السياسي الحاكم، في عديد الأفكار والآراء والمقالات التي ينشرها لنفسه أو لزملائه من محرري "الأهرام" .
ـ رغم محاولة هيكل الدائمة الابتعاد عن صراعات السلطة، فقد وجد نفسه في خريطة معقدة من التكتلات السياسية المتنافسة في أواخر عهد عبد الناصر، وكاد يمثل بذاته كتلة قوية داخل هذه الخريطة.
ـ بعد رحيل عبد الناصر عن الدنيا، تولى السادات رئاسة الجمهورية، وبعد فترة وجيزة من الزمن، انفجر الصراع، وانحاز هيكل إلى الرئيس الجديد ضد مجموعة مايو 1971. وتمثل دوره في ربطه علاقة بين السادات ورئيس أركان القوات المسلحة الفريق محمد أحمد صادق، وكذلك في "تخدير" شعراوي جمعه، ثم إعطاء صفة لهذه الأحداث وهي الدفاع عن الديمقراطية. ثم نظم حملة صحفية مشيداً فيها بدور السادات، ومنتـقداً بشدة لمجموعة مايو 1971.
إن أمنه الخاص دفعه إلى الانحياز إلى السادات، إضافة إلى تعوده على العمل الدائم بالقرب من رئيس الجمهورية.
ـ لم تتواصل علاقته الجيدة مع الرئيس أنور السادات طويلاً، فسرعان ما بدا هذا الأخير في مضايقات متتالية أنهاها بعزله من صحيفة "الأهرام"، عارضاً عليه مناصب سياسية رفضها هيكل. ورغم محاولات الصلح فإن علاقتهما انتهت إلى القطيعة وإلى سجن محمد حسنين هيكل في سبتمبر 1981. وكانت حركة منتظرة من الرئيس السادات الذي قضى على كل من ساعده في أحداث مايو 1971.
وفيما يتعلق بفكره السياسي فهو:
ـ يعتقد أن فلسطين هي سبب الصراع في الشرق الأوسط وأن مصر هي قائدة العالم العربي، وأن "الحرب المحدودة" هي التي يجب أن يخوضها العرب، متأثراً في فكره الاستراتيجي بالعسكري الألماني "كارل فون كلاوزفيتر".
كما تميزت صورة الولايات المتحدة الأمريكية في فكره بتقييمها في ثلاثة مواقف مختلفة: معادياً لها في الأول، مقترباً منها وداعياً إلى ضرورة "تحييدها" في الثاني، ومعادياً لها مرة أخرى في الثالث.
كما تميزت صورة الاتحاد السوفيتي في فكره بتقييمات ثلاثة: في الأول نوه به، وفي الثاني انتقده، وفي الثالث عاد وأشاد بصداقته مع العرب.
ـ وعند مقاربة صورة هيكل نفسه، تبين أنه لم ينجذب في فكره السياسي إلى اليمين الليبرالي ولا لليسار الاشتراكي رغم أخذه منهما بعض الأفكار. ورفض العمل الحزبي مع الناصريين، نافيا وجود "ناصرية" مؤكدا على تواجد "ناصريين"، ورغم ذلك فقد أشادت أغلب القيادات الناصرية بإسهامات هيكل في الدفاع عن عبد الناصر والعهد الناصري.
*******
إن التفوق الذي تميز به هيكل والنجاح المهني الذي وصل إليه في مجال تخصصه، يعود أساساً إلى فهمه لطبيعة العلاقة بين السياسة والإعلام في بلده وبلدان العالم الثالث. لقد انتبه مبكراً إلى طبيعة هذه العلاقة عندما قال "إننا ننسى أحياناً أن الصحافة في أي بلد جزء لا يتجزأ من الحياة السياسية فيه. كما أن الحياة السياسية في أي بلد هي بدورها تعبير عن واقع اقتصادي واجتماعي هو الأساس في كل شيء".(1) وأضاف في مكان آخر "إن العلاقة بين السياسة والإعلام معقدة في كل الدنيا، وهي في دنيانا ـ دنيا العالم الثالث ـ أكثر تعقيدا".(2)
ويشرح هذا التعقيد في قوله "هناك أولاً أن الصحافة في أي بلد هي جزء لا يتجزأ من الحياة السياسية في هذه البلاد.
وهناك أيضاً أن الصحف لا تصدر عن الآراء والرغبات الذاتية لمحرريها وإنما هي تصدر وتنشر عندما تعبر عن آراء ومصالح أوسع وأكبر لقوى وتيارات اجتماعية.
وهناك ثالثاً أن حرية الصحافة لا تتأكد بمجرد الإعلان عنها، وإنما تتأكد حين تكون الآراء والمصالح التي تعبر عنها، أي صحيفة قادرة على حماية حقها في التعبير عن نفسها.
ويترتب على ذلك ـ رابعاً ـ أن تعدد القوى في المجتمع ـ ودرجة هذا التعدد وفق مرحلة التطور الاقتصادي والاجتماعي والتوازنات الناشئة عنها ـ هو الذي يخلق إمكانية تنوع الآراء تعبيراً عن تعدد القوى.
ويتصل بذلك ـ خامساً ـ أنه إذا سادت في مجتمع معين ـ بسبب طبيعة مرحلة التطور التي يمر بها ـ سلطة واحدة فإن الحياة السياسية في أي بلد تنحصر في حدود هذه السلطة الواحدة، وما عداها يكون خروجا عليها بالتمرد أو الثورة".(3)
كذلك، إن النجاح الذي وصل إليه هيكل، والمكانة التي احتلها في عالم الصحافة والسياسة يعود إلى تواجده القريب من صانع القرار. فهو يعترف: "أن الظروف وضعتني لفترات طويلة بالقرب من صانع القرار المصري، وكانت هناك صداقة ربطتني بالرئيس جمال عبد الناصر وبالرئيس أنور السادات بعده، وكنت ألخص مهنتي كصديق بالقريب من صانع القرار في عنصرين اثنين لا ثالث لهما، واعتقد أنهما العنصران اللازمان لكل من تضعه الظروف التاريخية بقرب صانع القرار في أي بلد من البلدان.
العنصر الأول: أن لا يفاجئ صانع القرار بأي تطور أو بأي تيار فكري.
العنصر الثاني: أنه عندما يقع أي تطور أو يبرز أي تيار، فإنه لابد أن تكون هناك بدائل متعددة للحركة، بحيث لا يجد صانع القرار أنه أمام خيار واحد لا مناص له من قبوله...".(4)
لقد وظف هيكل السياسة في سبيل نجاحه الصحفي كما وظف الصحافة في سبيل نجاحه السياسي على حد تعبير ضياء الدين داوود.(5)
لقد لعب بمهارة فائقة لعبة الصحافة والسياسة معا. يوظف هذه لتلك وتلك لهذه في أسلوب دقيق وذكي. وهو من أحد العوامل التي أوصلته إلى قمة الضوء.
أيضا، يعود الصيت القوي الذي أخذه هيكل إلى ارتباطه بجمال عبد الناصر، وهو الزعيم التاريخي الذي كتبت حوله كتب تجاوز عدد عناوينها الآلاف.(6) ونوقشت في "الناصرية" أطروحات كثيرة. وما زالت الصحف والمجلات العربية والعالمية تستخدمها كمادة مفضلة لقرائها، إضافة إلى تأسيس أحزاب كثيرة في الوطن العربي تحمل لقب وصفة "الناصري" في مصر ولبنان واليمن وموريتانيا... وهي حركات جماهيرية تهتم وتقرأ وتكتب في كل ما هو ناصري، مما أتاح لهيكل جمهوراً عريضاً جاهزاً ومتحمساً له ولكتاباته، وخاصة بدفاع هيكل عن عبد الناصر الذي لخص رأيه فيه بقوله "ربما استطعت أن ألخص دور جمال عبد الناصر فيما يلي: رجل أعطى أمته يقيناً متجدداً بأنها موجودة، وأعطى لهذا اليقين المتجدد بالوجود حركته التاريخية، وأنجز بهذه الحركة مهاما كبيرة على أرضها وفي العالم".(7)
كما يرجع نجاح هيكل إلى اهتمامه بما يقدمه للقارئ العربي، "وتمرده" الدائم على الرقابة الرسمية أو حتى الرقابة الذاتية التي كثيراً ما تعوق الصحافي أو الكاتب عن نقل الحقيقة، وعن الجرأة، ومن ثمة الإبداع.
إن هذه الشجاعة في نقل الآراء ونشر ما تسميه أجهزة الدولة الملتزمة بالأسرار، وجعل هيكل يكتسب حب القارئ وإعجابه وثقته. ويقول هيكل في هذا الموضوع: "إنني اعتقد أن مسؤولية الصحفي أمام قارئه أولاً وأخيراً. على شرط أن يلتزم فيما يكتب بالقانون العام، وبأخلاقيات النشر، وبفهمه هو للمصلحة العامة وحدود السلامة الوطنية.
ولقد وجدت من هذا كله أن واجبي كصحفي يحتم علي أن يكون القارئ على علم بكل التطورات المطروحة حول الصراع الذي هو طرف رئيسي فيه، خصوصاً إذا كانت هذه التصورات تدرس وتناقش في كل مكان في العالم المتحضر".(8)
وأضاف أسلوب هيكل ومنهجه في الكتابة نقطة أخرى تثير إعجاب القارئ، وتجعله يتعلق بقلمه، فهو يؤكد: "... إن المنهج الذي التزمه في كتاباتي هو أن أضع أمام القارئ أكبر مجموعة ممكنة من الحقائق والتصورات والأفكار ولا أفرض عليه نتيجة حتمية لها، وإنما أشركه في أنواع من الحوار معي ليصل بنفسه إلى ما يريد استخلاصه من النتائج، ومن هذا الأسلوب فإن مقالاتي تختلف عن مقالات غيري... غيري يكتب مقالاته بداية ونهاية، وأما أسلوبي فإنني أحاول أن أترك فيه القارئ مع المشكلة يفكر فيها بعد أن يفرغ من قراءة المقال... إنني لا أريد أن أقدم للقارئ "لغة جاهزة" وإنما أريد أن أقدم له مادة للتفكير..."(9)
*******
ويلاحظ كل من يقرأ مقالات هيكل أو كتبه جمال اللغة العربية التي يستخدمها وغزارة المعلومات وتنوعها التي يوظفها في تحاليله. وتلك العبارات الجميلة التي تفوق بها، ودخلت القاموس السياسي العربي...
كما تميز ببراعته في استخدام تقنيات السرد والوصف والحوار والاستدراك، كأنه قصاص أو روائي مبدع، بل ربما كثيرون يتساءلون عن: أين يبدأ الصحافي وأين ينتهي الروائي في كتابات هيكل؟ أفلا تعد بعض الكتب التي كتبها من نوع الرواية السياسية؟
ويتساءل البعض: ترى لماذا لم يكتب هيكل الرواية؟ أتراها تنجح كبقية كتبه أم يصيبها الفشل لو فعل وكتب؟ خاصة وأن كل ما كتبه يوحي بأنه لن يعجز أمام هذا العمل الجديد. ويجب أن نلاحظ هنا أن أغلب الصحافيين الكبار في مصر وفي الوطن العربي كتبوا روايات كثيرة، حتى مصطفى أمين خصم هيكل كتب أكثر من رواية...
إن ظاهرة هيكل ـ النجم ارتبطت بعهد ذهبي، تفوقت فيه كل المجالات. فهيكل كان نجماً في الصحافة، وجمال عبد الناصر زعيماً كاريزميا مؤثرا في الوطن العربي والعالم، وأم كلثوم نجمة الغناء والطرب. كما أن نجيب محفوظ نجماً في الرواية، ويوسف إدريس نجماً في القصة القصيرة، وصلاح جاهين في الشعر، ولويس عوض في النقد الأدبي,، ويوسف شاهين في السينما و"رأفت الهجان" في المخابرات...
كان عهداً تميز بالحروب والألم وبالصراع والتحدي وبالانتصار والهزيمة وبالأمل والإصرار على التقدم، وأفرز هذا العصر نجومه ومبدعيه، وقدموا للعالم إبداعات إنسانية خالدة... وربما من هنا جاءت عالمية محمد حسنين هيكل والشهرة الواسعة التي اكتسبها.
ـــــــــــــــ
رياض الصيداوي
بوحجلة (تونس) في 15 يوليو 1992
جنيف في 15 أكتوبر 2002



#رياض_الصيداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 12
- هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 11
- هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 9
- هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 10
- هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 8
- هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 7
- لا تاريخية مفهوم الجهاد المعاصر وإسقاطاته على واقع مغاير1
- هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 5
- هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 6
- هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 4
- هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 3
- هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 2
- هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 1
- نحو تفسير ظاهرة الأصول العلمية التقنية لنشطاء الحركات الإسلا ...
- أسد الجبارين: ياسر عرفات والابن الروحي مروان البرغوثي 4
- قصة أسد الجبارين: ياسر عرفات 3
- قصة أسد الجبارين: ياسر عرفات 2
- قصة أسد الجبارين: ياسر عرفات 1
- جان زجلر يتحدث إلى العرب 5
- (جان زجلر يتحدث إلى العرب (4


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الصيداوي - هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 13