تشكّل النساء اليوم اكثر من نصف المجتمع العراقي، من العرب والكرد ومن كلّ الأقليات القومية والدينية والوان الطيف العراقي، بعد ان كنّ يشكّلن اقل من نصفه قبل الدكتاتورية البائدة، للخسارات الكبيرة بأرواح البشر نساءاً ورجالاً، والتي شملت الرجال اكثر، من جنود و انواع المُساقين للحرب بكل الصور الوحشية.
وعلى ذلك الأساس، لايمكن الحديث عن الديمقراطية، وعن اجراء تحوّلات اجتماعية وسياسية اقتصادية جديّة، دون حل مشاكل اكثر من نصف المجتمع، وتحرير طاقاته وتوظيفها لسعادة وحرية بلدنا وتأمين مستقبل اكثر عدلاً .
انحصرت حقوق المرأة في ازمان سابقة بمعاملتها معاملة طيّبة من الأب والزوج والأبن بأعتبارها الأضعف عضلياً، حين شكّلت القوة العضلية، الطريق الوحيد لحل الخلافات والمنازعات، في المجتمع العشائري شبه الأقطاعي السابق . . حين كانت العائلة بما فيها الأم تميّز الأبن عن البنت، لأنه يشارك الأب مسؤولية تأمين الرزق والدفاع عن العائلة، غير آبهة بما تقوم به المرأة من اعمال بيتية، تصل حدود الأعمال الشاقة، كالتي نهضت بها (ولاتزال) ، المرأة الفلاحة .
وتغيّر مجتمعنا بفعل تغييرات تفاوتت في عمقها، نحو المدنيّة والحضارة وتغيّرت معها مفاهيم وسبل تأمين العيش، الذي اخذ يجتذب ويفرض مشاركة المرأة (زوجة وبنات العائلة) في العمل، وتطوّرت مفاهيم العمل ومواضيعه، واخذ (الرأسمال) ببحثه عن اليد العاملة الرخيصة يركّز على استغلال المرأة الكادحة .
لقد واجهت المرأة العراقية ولاتزال، ظروفاً غاية في القساوة في تأريخ العراق الحديث، فاضافة الى صراعها مع المفاهيم الأجتماعية والعشائرية البالية التي تقيّد المجتمع عموماً وتقيّدها هي، اكثر، يأتي الصراع مع المفاهيم الدينية السلفية المتخلفة(غير الأسلامية المتفتحة)، رغم أنها كانت ولاتزال تتحمّل مسؤولية حجر زاوية الأسرة وخط الدفاع العنيد لسفينة العائلة والأطفال، في صراعها مع امواج الحياة المتلاطمة، التي ازدادت خطورة بحكم الدكتاتورية القاسية، وطول غياب الرجل عن البيت، طيلة عقود، بسبب الحروب وكل الأوضاع اللاأنسانية التي تسببت بها .
شاركت المرأة العراقية رغم ثقل مسؤولياتها(مسؤولية البيت والأطفال)، ورغم محاكمات المجتمع والحكومات وتكريسها لتخلّفها، كتفاً لكتف مع الرجل في كلّ سوح الكفاح الوطني ومواجهة الحياة، فمن مساهمتها الفعّالة في مواجهة الفقر والجهل والمرض، بمئات آلاف النساء على مرّ الأجيال، في المدارس والمدارس الريفية البعيدة، معلّمةً ومربيةً، وفي المستشفيات ومستوصفات المدن البعيدة والقرى، طبيبةً وممرضةً وباحثةً ومعينة، ونهوضها الى جانب الرجل لمواجهة فيضان دجلة والفرات واسعاف ضحاياه، الى حملات معونة الشتاء وغيرها الكثير .
فانها اضافة الى مساهمتها الواضحة في ثورة العشرين، ساهمت المرأة بفاعلية في كلّ الأنتفاضات الوطنية، من فتاة الجسر في وثبة كانون 1948 الى انتفاضة تشرين 1952 و انتفاضة 1956 ضد العدوان الثلاثي على الشقيقة مصر التي لعبت فيها المنظمات النسائية دورا هاما وبالأخص رابطة المرأة العراقية، اضافة الى جمعيات الهلال الأحمر وتجمعات الخريجات .
وقد فجّرت ثورة 14 تموز 1958 طاقات المرأة العراقية آنذاك، فمن حملات مكافحة الأمية، وتوسع التعليم والتعليم المختلط وزيادة مجالات التأهيل وامتلاك ناصية العلوم والمعارف والمهن والبحث العلمي، الى قانون احوال شخصية تقدمي انصف المرأة ونضالاتها، عاكساً الحاجة الى تشريع جديد للمرأة ينسجم مع التحولات الأجتماعية التقدمية الجارية آنذاك ،الاّ انه اثار حفيظة القوى المحافظة وحتى عدد من الرجال (التقدميين)، ملقيا الضوء على التعقيدات التي تواجهها المرأة في نضالها من اجل حقوقها العادلة .
واقرّت حكومة 14 تموز ، حق المرأة في اقامة منظماتها النسائية الجماهيريةالعلنية وظهرت رابطة المرأة العراقية الى العلن ضامّة اضافة الى السياسية والخريّجة وصاحبة المهنة، ربة البيت والعاملة والفلاحة، ثم تشكّلت منظمة نساء الجمهورية لأسباب سياسية حينها، اضافة الى العديد من الجمعيات الخيرية النسائية كجمعية الأخت المسلمة وغيرها . وحققت المرأة مكسبا هاماً، يشير الى اهمية دورها في المجتمع، حين تم استيزار أمرأة عراقية لتكون اول وزيرة في العراق والعالم العربي .
ومرّت السنين وتعلّمنا ـ ابناء جيلي وانا ـ من الحياة اكثر، ولمسنا لمس اليد، اضافة الى ماقرأنا وناضلنا من اجله، ماهية المرأة لنا نحن الرجال . . انها نصفه وهو نصفها، لايمكن عزل الواحد عن الآخر، وان تطوّر احدهما وتقدمه، يطوّر الثاني ويقدّمه والعكس بالعكس، ولايمكن للرجل ان يكون حراً وزوجته تعاني العبودية . . وما قاله الأقدمون من ان"الزواج يستر المرأة ويصونها"، اثبت انه يصون الرجل ايضاً ويوفّر له الأمان ويقويّ ثقته بنفسه، أي انّ الرجل ليس متفضّلاً بذلك .
لقد اثارت المرأة العراقية انتباه واحترام المجتمع اكثر، اثر ردة شباط الأسود عام 1963 بالأعداد الكبيرة للسجينات السياسيات (في مجتمعنا المحافظ) وما واجهن من انواع القهر والعذاب في سبيل قضية الشعب . وساهمت المرأة بعدئذ باذلة الغالي والنفيس ومع كل قوى شعبنا الحيّة وواجهت نظام القتلة في كل المواقع، من الدوائر والمدارس ودور العلم ومنظمات احزاب المعارضة التي واجهت صدام المجرم الى منظمات البيشمه ركة والأنصار، سياسية ومقاتلة، طبيبة وممرضة، مراسلة ومحرّضة .
ان شعبنا بكل قومياته والوان طيفه لاينسى قائدات الحركة النسائية العراقية ووجوهها، عايدة ياسين، رجاء عبد المجيد، شذى البراك، زهور اللامي ورمزية جدوّع،عائشة حمه امين، أنسام، عميدة عذاب وصنوبر ورفيقاتهن البطلات، ولاينسى بنت الهدى الصدر ود. سلوى البحراني ورفيقاتهن الباسلات، والعشرات ممن قدّمن حياتهن الغالية فداءاً لقضية الشعب ورفعن اسم المرأة عاليا، مناضلة، امّا واختا وزوجة وخطيبة، في الصراع الدموي ضد الطغاة .
لقد قدّمت المرأة العراقية ولاتزال اقوى البراهين على جدارتها واهمية وخطورة دورها في التحولات الأجتماعية، الأقتصادية والسياسية الذي يجب ان يُضمن في الدستور والقوانين المرعية، والذي لايقلل من دورها في الأسرة، ولايمسّ الأخلاق والسلوك بل يهذّبهما انسانيا ولخدمة المجتمع، على الأصعدة ؛
السياسية ( حرية الرأي والأنتماء، حق الأنتخاب والترشيح للدوائر الأنتخابية، الحق في تشكيل الأتحادات والجمعيات النسائية والخيرية التي تخدم المرأة . . )، الثقافية(المساواة في حق التعليم والتعليم العالي والبحث والتأهيل . . )، الأقتصادية ( حقها بالأجر المتساوي لأجر الرجل وحقوق واجازات الحمل والولادة والعمل الملائم)، الأجتماعية ( حق اختيار الزوج، تحريم القتل غسلاً للعار السئ الصيت، حق الطلاق، والحق بالأطفال . . وتشريع قانون جديد للأحوال الشخصية ينسجم ويخدم مجتمعنا الحالي وظروف تقدمه )، الصحية ( وتكتسب ضرورتها من كثرة الولادات الناقصة والمشوّهة . . ومخاطر الحمل، واصابات الأطفال جراّء المواد المشعة والكيمياوية وغيرها من تركة الحروب الوحشية ).
ومن الضروري الغاء العقوبات القاسية الهمجية من العهد البائد الذي استهان بالمرأة، وحرف اوساط منها واهانها، من قوانين تطليق المعارضين والمهجّرين، وتشجيع الزواجات التي خدمت العرش المقبور الى قوانين الأعدام وقطع الرؤوس .
على ان يجري كلّ ذلك بالأستناد الى قوانين حقوق الأنسان، التي تنص على تساوي البشر بغض النظر عن اللون والجنس والقومية والمعتقد، ويكتسب اهمية كبرى سن تشريعات قانونية صارمة بحق من يخل بحقوق المرأة والأطفال، كما هو معمول في الدول المتحضّرة وبعض الدول العربية ايضاً .
وبما ان ضمان حق المرأة يشكّل عملية اجتماعية كبرى تدعو الى تحرير اكثر من نصف المجتمع، من الضروري اجراء نشاط كبيردائم، تلعب فيه الصحافة واجهزة الأعلام ومنظمات حقوق الأنسان دوراً كبيراً، بعقد الندوات والمؤتمرات والأحتفالات الواسعة وجّر القوى والأحزاب وكل جمعيات العمل المدني والخيري، وشخصيات العلم والأدب والفن للمشاركة الدائمة والواسعة به، اضافة الى ادخالها كمادة اساسية في مناهج التعليم ابتداءاً من التعليم الأبتدائي .
ولمّا كان النضال من اجل حلّ عادل لقضية المرأة ـ وزيرة، عالمة، مثقفة، طبيبة، ممرضة، عاملة، فلاحة، ربة بيت، كادحة وغنية . . ـ نضالاً ديمقراطيا، يتطلّب من المرأة ان توحّد منظماتها وتركّزها على اهدافها النسائية الديمقراطية، بعيداً عن الحزبية الضيّقة . . يُفسح المجال فيها للأكثر كفاءة منهن، لتمثيلهن وقيادتهن .
الأمر الذي يساعد على جرّ اوسع الأوساط النسائية التي اجبرتها الحروب والخوف والفقر وفقدان الأحبة، الى المحافظة والأبتعاد عن المجتمع والى شيوع البُدَع والخرافات وانواع الأفكار الشائهة، اضافة الى الأتجاهات المحافظة القانعة التي ازدادت تحجراً بفعل ذلك النظام .
ويساعد على التحرّك والتوضيح اكثر، بان شقاء المرأة ليس سببه الرجل، وانما النظام الأجتماعي السائد الذي جعل الرجل ايضا من ضحاياه ، الذي قد يكون ابن المرأة المضطَهَدة
ـ امه ـ التي ربّته ليكون سيداً يعوّضها عن حرمانها (كبشر) من دورها في العائلة والمجتمع، الأمر الذي يعني، ان الحل يكمن في العمل من اجل مجتمع ديمقراطي مدني، بمؤسساته التي تدافع عن حق المرأة العراقية العادل في المساواة وتكافؤ الفرص، مع اخيها الرجل .
31/7 / 2003