أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - معتز حيسو - أثر التغيرات السياسية على البنى الإجتماعية















المزيد.....


أثر التغيرات السياسية على البنى الإجتماعية


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 1837 - 2007 / 2 / 25 - 08:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


شهدت البلدان العربية في الآونة الأخيرة مجموعة من المتغيرات السياسية أثرت بشكل واضح على النخب السياسية الرسمية وعلى البنى الإجتماعية عموماً ، وقد تحولت بعض البلدان العربية وتحديداً ( لبنان ــ سوريا ـ ــ العراق ــ إيران) إلى هدف رئيسي لاشتغال الولايات المتحدة الأمريكية تحقيقاً لمصالحها الإستراتيجية والحيوية في المنطقة ، ولكونها تعتبر المنطقة المدخل الأساس لفرض هيمنتها الأحادية عالمياً .
بعد انتهاء الحرب الباردة التي اتسمت بتوازن الرعب و القوة بين المنظومتين الدوليتين ، اللتين دعمتا بالعموم نظماً سياسية شمولية قطعت مع شعوبها ، متحولة إلى نخبٍ سياسية سمتها الأساسية احتكار السلطة و تغييب المجتمع عن ساحة الفعل السياسي والمدني تحت غطاء أيديولوجي .
لقد شهدت بلدان منطقتنا الكثير من الحضارات الإنسانية التي عبّرت من خلالها شعوب المنطقة على إرثٍ حضاري وإنساني ما زلت شواهده حتى اللحظة عبر سيرورة التطور و التراكم الحضاري بفضل الشعوب التي توالت عليها مؤديةً موضوعياً إلى تنوعاً وغنىً في البنى الإجتماعية.
وهذا يقودنا إلى ضرورة تحديد الأزمة الكامنة في المكونات الأساسية للبنية الإجتماعية وأشكال تمظهراتها ، والتي تعود أسبابها الأساسية إلى أشكال الممارسة السياسية للنخب الحاكمة التي تشكل في كثير من اللحظات التاريخية استطالات للسياسات الدولية المسيطرة . وبالتالي مسؤوليتهم المباشرة عن انفجار الأزمة المجتمعية بالشكل الذي تتجلى به في العراق و لبنان ....، مع خلاف المستويات والأشكال في حال توفرت إمكانية انتقال الأزمة بأشكال وذرائع مختلفة لباقي دول المنطقة .
إن ما يجري في العراق يعتبر النموذج الأسوأ في المنطقة ، لكون السمات المحددة للبنى الإجتماعية وشكل النظام السياسي السابق ، و السياسات الأمريكية المتبعة في المنطقة شكلت مناخاً مناسباً.
لقد ساهمت السياسية الداخلية المتبعة في العراق من قبل النخبة السياسية المسيطرة الغطاء الظاهري للتدخل الأمريكي ، وقد ساهم قمع الحركات السياسية من تمكين تحول الميول المذهبية في لحظة الأزمة إلى مفاعيل سياسية تساهم بشكل فعلي في تزايد الانقسامات العمودية في البنية المجتمعية مما يسهل تنفيذ السياسية الأمريكية القائمة على إعادة مجتمعات المنطقة إلى أشكالها الأولية ( الماقبل وطنية)
أي إن المشروع الأمريكي يعتمد في مضمونه على أشكال ديمقراطية تقوم على تفتيت البنى المجتمعية على أسس مذهبية وإثنية للوصول إلى أشكال تمثيلية طائفية تعكس القاع الإجتماعي المفتت بمفاعيل و ممارسات السياسية الداخلية لنّخب السياسية المسيطرة القائمة على سلطة القوة....لنرى بشكل واضح تزامن التدخل الخارجي مع تفكك عرى البنى الإجتماعية مع سقوط رموز السلطة .وهذا يشير إلى أن سلطة القوة والقمع لا تقود إلى التماسك الإجتماعي بقدر ما تساهم في إحداث شروخ وتصدعات هيكلية في عمق البنى الإجتماعي تتجلى في لحظة الدخول في طور الأزمة ، أو في لحظات التغيير القسرية ، وإن السيطرة الأمنية لا تضمن بقائها في لحظات التغيير المفروضة من الخارج .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليس هدفنا المباشر في هذا النص دراسة الأزمة العراقية ، لكنها يمكن أن تكون مدخلاً مناسباُ لتوضيح حجم الكوارث الإجتماعية التي من الممكن أن تطال مختلف مستويات بنيتنا الإجتماعية في حال استمرار أشكال الممارسة السياسية الرسمية في تجديد سيطرتها معتمدةً على التناقضات الدولية و تغييب المجتمع و تعبيراته السياسية و إعادة إنتاج أشكال السيطرة السياسية المأزومة المترافقة مع زيادة توسع وتعمق الأزمة المجتمعية على مختلف المستويات ، لتكون السلطة السياسية المولد الرئيسي لمختلف أشكال الأزمات الإجتماعية .
قبل انتقالنا إلى دراسة أشكال الممارسة السياسية للنخب الحاكمة وتحديد آثارها على البُنى الإجتماعية، نرى من الضروري تكثيف رؤيتنا للسياسية الأمريكية و التحولات التي طرأت عليها نتيجةً للمقاومة التي واجهت تنفيذ مشروعها في المنطقة ، والتي اعتمدت بشكل واضح في سياستها على تهديم هيكلية الدولة وحل الجيش كقوة فعلية ومتميزة في المنطقة لتمرير مشروعها و لتعزيز تفرّد القوة العسكرية الإسرائيلية كقوة إقليمية وحيدة في المنطقة بعد إضعاف القوتين العراقية والإيرانية ، وتدعيم الدور الإسرائيلي للوصول إلى فرض تسوية إسرائيلية تكون تعبيراً موضوعياً عن التفوق الإسرائيلي في المنطقة .
ــ السيطرة الأمريكية المباشرة على نفط المنطقة لاعتبارات استراتيجية تضمن الهيمنة الأمريكية على سيرورة السياسة الدولية وفق مصالحها الحيوية .
ـــ إيجاد بدائل لبعض النخب السياسية وتغيير أداء بعضها الآخر بما يتناسب مع السياسات الأمريكية ومصالحها الحيوية والإستراتيجية في المنطقة .
ـــ فتح المنطقة أمام الإستثمارات الأمريكية والغربية ، والمحافظة على دور الدولة لضمان أمن وحرية الإستثمار .
ــ تفتيت المنطقة بناءً على مكوناتها الأولية ( الإثنية ، المذهبية ، الطائفية ، العشائرية ، العائلية ، الجهوية.....) .
= لقد اقتضى تمرير المشروع الأمريكي بداية في المنطقة إلى تعويم الخطاب الديمقراطي المعبّر عن المصالح الأمريكية، والذي افترض بداهة الليبرالية الطائفية، لكن وبناءً على فشل السياسات الأمريكية حتى اللحظة ، اضطر القادة الأمريكان للمراهنة من جديد على إمكانية النخب السياسية المسيطرة في تأمين مصالحها في المنطقة ، وخصوصاً بغياب البديل المعارض الذي يمكن للأمريكان الإعتماد عليه.
ولهذا يمكننا القول بأن السياسية ( الأمريكية ــ الصهيونية ) في المنطقة تهدف إلى إعادة هيكلة المنطقة وبناها الإجتماعية وسلطاتها السياسية على قاعدة المكونات الإجتماعية الأولية بما يتناسب مع مصالحهم الحيوية المتناقضة مع مصالح الغالبية العظمى من سكان المنطقة .
أما فيما يخص الأزمة المجتمعية العامة والمركبة ، فإنها تشكل في لحظة معينة ، ومستويات محددة انعكاساً للممارسة السياسية للنخب السياسية المسيطرة التي تعاني من أزمة حقيقية تتجلى من خلال ممارستها السياسية .
ومن اللافت للانتباه بأن النخب السياسية المسيطرة التي تعلن عدائها للتدخلات الخارجية ، تساهم في تهيئة المناخ الإجتماعي والسياسي الملائم لهذه التدخلات ، ويتجلى ذلك من خلال افتقادها لمشروعية سيطرتها السياسية والإقتصادية بفعل تناقض مصالحها مع المصالح الإجتماعية ، مما يؤكد افتقادها لدعم القاع الإجتماعي الذي يفترض أنها تستمد من تمثيله مشروعية بقائها في السلطة ، إضافة إلى توظيف التشكيلات الماقبل وطنية في ضمان استمرار سيطرتها الطبقية . لكن مع تحول السلطة إلى غنيمة ، وأداة لممارسة العنف لضمان استمرار السيطرة الطبقية ، يفقد القاع الإجتماعي دوره في التغيرات السياسية العامة ، أو في التغيرات الطارئة على هيكلية السلطة . إن الإعتماد على الأجهزة الأمنية ، والتجييش الشعبوي ، واحتواء المنظمات النقابية وبعض التنظيمات السياسية .. في كنف السلطة لتغيبيها عن دورها الأساسي و ضماناً لاستمرار سيطرتها السياسية ، يفقدها مشروعية تمثيل المجتمع ، إضافة لذلك يتجلى ما أوردناه في تناقض الخطاب السياسي بين المستوى النظري ومستوى الممارسة السياسية . إضافة إلى إن تحول السلطة إلى غنيمة وأداةً لاستمرار السيطرة السياسية والإقتصادية يفقد مؤسسات الدولة دورها في ضمان حقوق المواطنين والتعبير عن مصالحهم المشروعة .
إن تحول النخب السياسية المسيطرة من نخب تحمل مشروعاً إجتماعياً غايته تطوير المجتمع بكافة فئاته وشرائحه وبناه الإجتماعية ، إلى نخب تعمل على ضمان استمرار سيطرتها السياسية المتناقضة مع المصالح المجتمعية ، يحول مشروعها الإجتماعي إلى مشروع يقوم على تأمين مصالح فئات إجتماعية محددة ، تشكل بالقياس العددي للمجتمع أقليات إجتماعية يمكن أن تكون ذات سمة طبقية ، أو طائفية أو أثنية .... ، وبشكل يتناسب نسبياً مع مستويات التطور الإجتماعي العام ، وبذلك تتحول مؤسسات الدولة عموماً لأدوات سيطرة طبقية تتناقض منطقياً وموضوعياً مع دورها الذي يفترض أن تكون من خلاله معبرةً عن مصالح عامة المواطنين ، وهنا يبرز التناقض الأساس في شكل السيطرة القائم على خطاب أيديولوجي يعبر عن الميول الإجتماعية العامة ، وبين الممارسة السياسية للنخب المسيطرة التي ينحصر دورها في تأمين مصالحها الخاصة والضيقة ، متحولة بسياق سيرورتها ، وأشكال ممارستها المختلفة إلى أشكال من الممارسة السياسية المأزومة بنيوياً ، والغير قادرة بفعل أزمتها على تجديد ذاتها إلا في سياق تجدد أزمتها الداخلية ليتقاطع تلقائياً تراجع الدور الخدمي لمؤسسات الدولة مع تحويل النخب السياسية لسلطة الدولة إلى دولة السلطة عبر تراجع مشروعها الوطني على مذبح الديمقراطية .
يدلل هذا وبشكل واضح على أن الأسباب الأساسية في تزايد حدة واتساع الميول الدينية المتحولة في لحظة تاريخية محددة إلى تكتلات طائفية لا ينبع من أزمة وعي أو قصور معرفي في تفكير هذه الفئات ، بقدر ما يدلل على أزمة في المستوى النظري والسياسي للفئة المسيطرة في سيرورة تحولها عن مشروعها الإجتماعي المعبر عن مصالح كافة الفئات والشرائح الإجتماعية .
ولتحاشي الوقوع في الإشكاليات النظرية المعبر عنها من خلال الممارسة السياسية ، يجب التفريق بين الطائفة المعبرة عن ميول وتوجهات دينية ومعتقدات مذهبية محددة، وفي هذا السياق يكون التنوع السكاني المتعايش في ظل سيادة القانون المعبر عن كافة المواطنين دون التمييز على أسس مذهبية أو عرقية أو إثنية ... تعبيراً عن غناً اجتماعياً يعبر عن التنوع الحضاري والثقافي للبنية الإجتماعية . وبين الطائفية بوصفها شكلاً من أشكال الممارسة السياسية تتحول فيه الطائفة عن موقعها الديني ومن خلاله إلى مشروع سياسي ، ويتفاقم هذا الخطر عندما يتحول شكل السلطة السياسية إلى شكل طائفي يكون فيه القانون تعبيراً عن توازنات طائفية ،عندها يتحول شكل الممارسة السياسية القائمة على استمرار استقرار الهيمنة لطائفة محددة ،على أساس التوازن الطائفي المقونن. في هذه اللحظة ، وفي هذا الشكل من الممارسة السياسية التي تشكل أحد أشكال السيطرة الطبقية للفئات البرجوازية المسيطرة يكون استمرار سيطرة الفئة البرجوازية مرهوناً ببقاء وتجدد التوازن الطائفي . وفي هذا السياق يُفترض دراسة الطائفية السياسية المقوننة من خلال النمط الإقتصادي المهيمن و وضع البنى الإجتماعية الراهنة وآفاق تطورها المستقبلي ، وليس بإرجاعها إلى مكونات البنية الإجتماعية المبنية على أسس التنوع المذهبي الإثني وتموضعاتها في لحظات تاريخية سابقة ، لأن ذلك يساهم في إعاقة و تجميد إمكانية التطور الإجتماعي المعبر عن إمكانيات وآفاق التطور الموضوعي للمجتمع ، والذي يفترض أن يكون بميوله العامة والأساسية متساوقاً مع ممكنات وآفاق التطور العام . بمعنى آخر يجب أن يكون تحليل وتحديد البنية الإجتماعية و إمكانيات تطورها قائماً على دراسة البنية الإقتصادية ونمط الإنتاج السائد باعتباره المستوى الأساس و المحدد لأشكال ومستويات التطور ، وليس بإرجاع تحليل إشكاليات البنى الإجتماعية إلى تموضعاتها التاريخية الأولية ً .
إن ارتكاس البنية الإجتماعية بتشكيلاتها السياسية والمدنية إلى أشكال الممارسة السياسية الطائفية والإثنية والعشائرية... سواءً كانت جراء أسباب خارجية أو داخلية يكون بأحد تجلياته تعبيراً عن إشكالية وخلل في الممارسة السياسية للسلطة السياسية والنخب المسيطرة ، مما يؤدي إلى انتكاسة في شكل الدولة السائدة إلى أشكال ما قبل وطنية.
لقد إشتغلت النظم القومية من خلال منهجها النظري والسياسي نظرياً على التأسيس لتشكيلات مجتمعية متجاوزة للتشكيلات الإجتماعية القائمة على البنى العشائرية والمذهبية والإثنية ، لكن ارتباطها الكولونيالي التبعي ، وارتهانها السياسي المتمفصل والمتمحور مع أزمتها السياسية والإقتصادية الداخلية أسس إلى عدم اتساق وعجز في إنجاز مشروعها الدولاني على غرار التجارب التنموية المحققة على المستوى الدولي . مما ساهم ويساهم حالياً في إعادة البنى المجتمعية ليس إلى أشكاله المجتمعية الأولى القائمة على التقسيمات الدينية في ظل سلطات دينية، بل إلى إعادة انقسام وتشرزم البنى الإجتماعية عمودياً متجلية بأشكال سياسية طائفية ، يكون فيها المجتمع عموماً معرضاً للدخول في طور أزمة مجتمعية عامة سمتها الأساس الصراع التناحري بين مكونات البنية الإجتماعية المتعايشة في هذه اللحظة بفعل قوة السلطة .
إن خطورة هذا الإرتكاس في سياق التطور الإجتماعي تأسس بفعل غياب دور مؤسسات دولة المواطنة الضامنة لحقوق الفرد ، إضافة إلى تفريغ المجتمع من التشكيلات السياسية العلمانية المتجاوزة في منهجيتها الفكرية وآليات ممارستها السياسية لآليات الممارسة الطائفية ، والذي توضّح من خلال الأشكال التي تم بها الاستيلاء على السلطة والاستئثار بها وتحويلها إلى غنيمة تستوجب المحافظة عليها بالقوة بعيداً عن الممارسة الديمقراطية،والذي ارتبط في بعض اللحظات على الإبقاء على التشكيلات المذهبية لتوظيفها كأدوات سياسية في لحظات محددة بما يخدم استمرار وتقوية النخب المسيطرة في مواجهتها مع القوى السياسية المعارضة ذات النزوع اليسارية ، والعمل في نفس اللحظة على التوفيق بين الميول السياسية القومية بكونها المحدد لسياسية الدولة وبين الإسلام بكونه يشكل الحاضن الإجتماعي العام والمنطلق المعرفي للتفكير والممارسة اليومية للأغلبية الإجتماعية ، ومن هنا كان التناقض المعرفي في الممارسة السياسية التوفيقية بين أنساق معرفية علمانية وبين أنساق معرفية سلفية مرجعيتها النصوص المقدسة ، ليكون عدم الفصل بين السياسية والدين هدفاً لاكتساب المشروعية السياسية ولتأمين السيطرة السياسية وفق أشكالها الشمولية .
إن أشكال وآليات الممارسة السياسية لنّخب المسيطرة والمتسمة بإدارة الأزمة ، لعدم توفر إمكانية تجاوزها وفق الآليات السياسية المتبعة ،والتي تدلل على أزمة النخب السياسية المسيطرة التي تساهم في اللحظة الراهنة في السقوط بمطب الطائفية السياسية ..إن تعطيل الحياة السياسية الديمقراطية بفعل احتكار السلطة وهيمنة الأجهزة الأمنية التي تضخمت بفعل تضخم دورها كأحد أبرز أشكال القمع السياسي الذي أفضى لتغييب الفعاليات السياسية والإجتماعية ، والتي ترافقت مع سياسيات اعتمدت على تخليف المجتمع من خلال سيطرة الأقلية على السلطة السياسية والتي تحولت بفعل أزمتها البنيوية ، ونتيجة لتغييب الأغلبية الإجتماعية عن ممارسة دورها الموضوعي ، إلى عامل معيق في المشروع الإجتماعي إضافة إلى أن تحول السلطة لمصدر نهب أدى إلى تفريغ المجتمع من عوامل قوته .
كل ما سبق ذكره تشكل وتطور بفعل منظومة سياسية شمولية قامت على تغييب المواطن على قاعدة بناء الوطن بوصفه جغرافية يجب الحفاظ عليها في مناخ سياسي كان الخطاب السياسي القومي هو الرائج ، لكن وكما هو ملاحظ فقد تراجع المشروع الوطني كما تصورته النخب السياسية القومية المسيطرة مع تراجع دور المواطن الذي يشكل اللبنة الأساسية في بناء المشروع الوطني على أسس ديمقراطية .
وقد ارتبطت البنية الإقتصادية في سياق الاشتغال على مشروعها القومي في واقع ومناخ اقتصادي كولونيالي مرتبط بعجلة الإقتصاد الدولي الرأسمالي والذي قاد بشكل موضوعي إلى الإرتهان السياسي .
وقد تساوق ما تم ذكره في سياق متغير ومتفاوت من سيرورة النخب السياسية في اعتمادها على تفعيل وتنشيط دور الأقليات المذهبية من خلال اعتمادها لخدمة استمرار سيطرتها بشكل مترافق مع اعتماد الخطاب الإسلامي الممثل للأغلبية خدمةً لمشروعها السياسي في مواجهة التشكيلات السياسية التي اعتمدت خطاباً سياسياً علمانياً متفاوتاً في مستوياته، في نفس اللحظة التي كان يتم فيها مواجهة التنظيمات الإسلامية الجهادية ، وهنا لابد أن نذكًر بالسياسات التي اعتمدتها النخب المسيطرة بحق الأقليات القومية من مصادرة لحقوقها المدنية والسياسية والثقافية ..... كل ما ذكرناه كان في سيرورته يهدف إلى تعزيز الفكر القومي الشمولي والذي ساهم بشكل موضوعي وللأسباب مختلفة في بلورة وإنضاج المناخ السياسي والاجتماعي والإقتصادي المستقر شكلياً بفعل الهيمنة الأمنية المكثفة على الفعاليات الإجتماعية السياسية والمدنية ، وعلى السيرورة الإجتماعية بشكل عام . لكن عمق البنى الإجتماعية ظل يعاني من أزمة مركبة وعميقة تنبئ بالدخول في طور تفجرها على المستويات الماقبل وطنية ، و إن احتمالات تفجر الأزمة متعددة يمكن أن يكون في مقدمتها تزايد حدة الضغوط الخارجية ، أو نتيجة للتدخل المباشر ، وهذا الافتراض يتحدد بمدى تحقيقه للأهداف السياسة الأمريكية وحلفائها في المنطقة ، وبنفس الوقت بقدرة الولايات الأمريكية على ضبط الأزمة المجتمعية في حال تفجرها ، ذلك لكونها المستفيد الأهم والأكبر في سياستها التدخلية في المنطقة ، وهنا يجب التنويه بإمكانية توسع دائرة الأزمة خارج حدود دولة محددة نتيجة الترابط والتداخل بين المكونات الإجتماعية لهذه الدول ، ونتيجة لمصالح النخب السياسية المسيطرة فيها لتوسيع دائرة الأزمة في محاولة منها للخروج من أزمتها الراهنة ، وتبدأ مداخل تفجر الأزمة في المنطقة بـ :
أولاً : الأزمة النووية الإيرانية ، وعلاقة إيران بالوضع العراقي ...، وصولاً إلى الأزمة الفلسطينية الصهيونية وإشكالية حكومة حماس مروراً بسورية وأزمة ملف التحقيق الدولي بقضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري وباقي الشخصيات اللبنانية ، إضافة إلى الضغط على الحكومة السورية بخصوص الملف العراقي ، ويضاف إلى لائحة الاتهام للحكومة السورية دعمها لحزب الله وحلفائه في لبنان ، ودعمها لحركة حماس عن طريق قيادتها في دمشق ، وبعض الأطراف الفلسطينية الأخرى.
أما فيما يتعلق في الساحة اللبنانية فهي مفتوحة على كافة الاحتمالات لكونها ساحة صراع للكثير من القوى الدولية لتصفية حساباتها بخصوص الملف اللبناني الداخلي ، أو بالمسائل الإقليمية المتعلقة به لكون لبنان مدخلاً لحل الكثير من الأزمات الراهنة في المنطقة. ويرى القيمون على السياسية الأمريكية بأن حل الإشكالية اللبنانية يبدأ من إيران مروراً بسورية وفلسطين انتهاءً بحزب الله وحلفائه الداخليين .
ومن الممكن أن تسعى الولايات المتحدة بغية تغيير الخارطة السياسية السورية إلى دعم بعض الأطراف أو الشخصيات السياسية في الخارج ، بعد أن عجزت عن إيجاد من يتبنى خطابها التغييري من أطراف المعارضة السورية وتحديداً بعد أن فقدت مصداقيتها السياسية ، وذلك من خلال التناقض وعدم المصداقية في خطابها السياسي وممارستها السياسية القائمة على ضمان مصالحها في المنطقة بما يتناقض مع المشاريع المجتمعية الوطنية والديمقراطية .
ثانياً : أما السيناريو الأخر لتفجر الأزمة فإنه يمكن أن يكون من خلال التناقض ضمن النخب السياسية المسيطرة ، مما يؤدي إلى تغييرات دراماتيكية مفاجئة غير متوقعة وغير مضمونة النتائج على المناخ الإجتماعي عموماً ،وخصوصاً بسبب ما ذكرناه من إمكانية تفتت البنى الإجتماعية جراء تغييرات لا تستند إلى الفعاليات الإجتماعية السياسية والمدنية .
ثالثاً : أما إمكانية الخروج من الأزمة الراهنة أو الدخول في طور تفجرها من خلال الممارسة السياسية لقوى المعارضة بوضعها الراهن ودورها المرتقب فهو مستبعد ، وذلك لما يعاني خطاب المعارضة من تفاوت و تناقض واضح ، إضافة إلى ضعف أدائها السياسي في اللحظة الراهنة وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية ، والأهم من ذلك الأسباب الناتجة عن الممارسة الأمنية لنُّخب المسيطرة التي أضعفت المعارضة وغيبتها عن الفاعلية السياسية وعن قاعها الإجتماعي بفعل الممارسة السياسية الإقصائية ، مما ساهم بشكل واضح في انتشار ثقافة الخوف من المشاركة في العمل السياسي. وإلى إقصاء المعارضة وحجبها عن ممارسة العمل السياسي العلني ، إضافة إلى إشكالية علاقتها البينية ....
رابعاً: توفر الإمكانية والرغبة الحقيقية للأطراف والنخب السياسية المسيطرة للخروج من أزمتها المنعكسة بشكل كامل ومباشر على كامل البنى الإجتماعية ، وذلك عبر إجراء تغييرات جذرية وجدية في آليات ممارستها السياسية لإيجاد الحلول للأزمات الإجتماعية العامة ، وهذا الخيار مستبعد في اللحظة الراهنة ذلك لأنه يتناقض مع بنية النخب المسيطرة ، وإن ولوجها هكذا خيار يستلزم بالضرورة الإنتقال إلى أشكال من الممارسة السياسية الديمقراطية الحقيقية ... واعتماد الشفافية في السياسيات الداخلية والخارجية ........ ، يبقى أن تستمر النخب السياسية المسيطرة في أدائها كما هو الآن مع إجراء بعض التغييرات الشكلية على المستوى الداخلي في حال تحسنت علاقاتها الدولية .
مما يعنى خروج النخب السياسية المسيطرة من أزمتها الراهنة نسبياً ومرحلياً ، مع الإبقاء على جذور الأزمة الإجتماعية كامنة تحت الرماد والتي يمكن أن تقود إما إلى تغييرات ديمقراطية سلمية تنعكس بشكل إيجابي على البنى الإجتماعية بشكل عام ، وإما أن تقود إلى كوارث إجتماعية ، وكل هذا وغيره من الاحتمالات يعتمد على الحالة الإجتماعية والوعي الإجتماعي لحظة التغيير والانتقال إلى الأشكال الجديدة ، وإلى واقع حال المعارضة السياسية بتياراتها العلمانية والدينية ، وإلى واقع حال السلطة السياسية المسيطرة ، إضافة إلى الظروف الدولية والمناخ الدولي العام ومدى تأثيره على الخارطة السياسية والإجتماعية .... الداخلية .
---------------------------------------------------------------------------------
= أخيراً يمكننا القول بأن التنوع الإثني والعرقي والمذهبي .... لايعني أبداً الدخول في لحظة إنفجار الأوضاع الإجتماعية إلى إشكاليات ونزاعات طائفية.
إن انتقال الدين من حقله المعرفي المقدس إلى حقل الممارسة السياسية وتحديداً على أرضية الفكر الشمولي الذي يقوم على احتكار الحقيقة ، أو الاعتماد على الأغلبية الدينية ، أو تحول الأقلية المذهبية من جراء الإحساس بالتمييز وعدم المساواة ومن منطلق المحافظة على الذات أمام طغيان الأغلبية والخوف من الذوبان أو الاضمحلال فيها .فإن هذا بحد ذاته يعني انتكاسة في المستوى المعرفي والممارسة و يدلل على الدخول في طور الأزمة للفكر الديني و الوعي الإجتماعي بشكل عام على أرضية أزمة إجتماعية عامة ومركبة . ويدلل على وجود أزمة ليس فقط على مستوى التشكيلات والتقسيمات المجتمعية ، بل في الممارسة السياسية للنخب السياسية المسيطرة .
والسبب المهم الأخر في هذا التحول الذي يؤدي إلى تفجر الأزمة المجتمعية على مستوى التقسيمات العمودية ، يكمن في الانسحاب التدريجي لمؤسسات الدولة من القيام بوظائفها الأساسية والتي تقوم على صيانة حقوق المواطنة ، وتحقيق المساواة والعدالة بعيداً عن التمييز بكافة أشكاله ومستوياته .
إن الدولة وباعتبارها ممثلة لكافة المواطنين ، وتقوم على تأمين الأمن والاستقرار والكفاية المادية والمشاركة السياسية على أرضية نظام وطني ديمقراطي تشاركي ، وإن تراجعها عن القيام بمهامها المطلوبة يعني بشكل ما نمو مظاهر تكتلات مجتمعية ما دون وطنية لتحقيق ما تخلت عنه مؤسسات الدولة بأشكال وتعبيرات تمثل التشكيلات الأولية للبنية الإجتماعية .
إن هذا التحول لدور مؤسسات الدولة و تراجعها عن دورها المفترض ، إضافة إلى دور السلطة التي تعمل على تأبيد سيطرتها الطبقية من خلال سياسيات تساهم في توسيع فاعلية التقسيمات العمودية ، تشكل بداية الدخول في طور الأزمة المفتوحة لتكون السمة الطائفية بصرف النظر عن التمايزات الدينية سمة التغيير المفتوح .
وتزداد النتائج الكارثية لمثل هذا التغيير إذا ترافقت لحظة التغيير الناتجة عن الأزمة البنيوية الإجتماعية المركبة مع تدخلات خارجية تعمل على فرض سياساتها وشروطها في المنطقة




#معتز_حيسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الميول الليبرالية وانعكاساتها
- الإعلام المعاصر
- أزمة الوعي الإجتماعي
- تجليات العولمة الثقافية
- المناهضة في زمن العولمة
- تحديدات أولية في العولمة ونمط الإنتاج المتمحور حول الذات
- قراءة في الخارطة الجيوسياسيةواحتمالات المرحلة المقبلة
- جدل اللحظة الراهنة
- الوهم الديمقراطي
- ضرورة التلازم بين المستويين الديمقراطي والتنموي في ضبط التنا ...
- الرأسمالية الراهنة
- بحث في الدولة _ السلطة - المجتمع


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - معتز حيسو - أثر التغيرات السياسية على البنى الإجتماعية