|
»الوفاق« الوطني و»النفاق الحزبي«
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1836 - 2007 / 2 / 24 - 12:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحياة السياسية في مصر محشورة في مأزق حقيقي منذ سنوات، فحزب الحكومة وحكومة الحزب قد أظهرا عجزا متزايدا عن حل مشاكل الوطني بل حتي عن إدارة المرافق الحيوية. وأحزاب المعارضة أظهرت عجزا متزايدا عن جذب الجماهير أو إثارة اهتمام الأغلبية الصامتة ناهيك عن الضغط المؤثر علي الحكومة وإسقاطها. وكانت محصلة ذلك هذا المأزق العجيب، حكومة غير قادرة علي الحكم بنجاح ومعارضة عاجزة عن الإطاحة بهذه الحكومة وهو ما أسميناه في مقالات سابقة بـ »توازن الضعف« لا »توازن القوة«. وإزاء هذا المأزق العجيب كان من الطبيعي أن يكون السؤال المطروح هو ما السبب؟ لا يوجد سبب واحد ووحيد وإنما توجد أسباب كثيرة ومتعددة منها ما هو: سياسي ومنها ما هو ثقافي ومنها ما هو اجتماعي بطبيعة الحال. لكن الدكتور وحيد عبدالمجيد الكاتب والباحث والمفكر وضع يده علي سبب مهم جدا يمكن أن نطلق عليه اسم »أبو الأسباب« إذا استعرنا المصطلحات العراقية. هذا السبب هو عنوان وموضوع أحدث كتبه »الوفاق الوطني والتحول الديمقراطي« الصادر مؤخرا عن »دار مصر المحروسة«. حيث يري أنه في هذا المشهد الراهن، كثير من الأخطار التي تهدد مصر والأمة العربية والإسلامية في مجملها في لحظة اجتمعت فيها تحديات خارجية كبري ومشكلات داخلية هائلة. غير أن الخطر الذي قد يكون الأفدح هو غياب توافق وطني أو تراض عام علي مبادئ وقواعد النظام السياسي يقبلها الجميع ويلتزمون بها. وفي غياب هذه القواعد وانشغال أطراف الحياة السياسية عنها بالأحداث اليومية تتوسع الفجوة حول ركائز يؤدي غياب التوافق عليها إلي تشويه الحياة السياسية وإرباك الجهود المبذولة من أجل تطويرها في اتجاه ديمقراطية حقيقية. فالاتفاق علي الإصلاح السياسي مع كل أهميته وضرورته بل حتميته لا يكفي لتحقيق تقدم مطرد في الطريق إلي الديمقراطية ما لم يرافقه تراض عام علي أسس النظام الديمقراطي هذا التراضي العام هو ما يستلزم توافقا علي عدد من القضايا الكبري مثل العلاقة بين الدولة والدين وطبيعة النظام الاقتصادي الاجتماعي وآليات تداول السلطة بطريقة ديمقراطية وضمانات الحفاظ علي هذه الديمقراطية. ويوضح الدكتور وحيد عبدالمجيد أن هذا التراضي المطلوب لا يعني اتفاقا علي كل شيء وإنما علي ركائز تمثل البنية الأساسية للدولة والمجتمع، يتوافق الجميع عليها ويختلفون بعدها في كل ما يعن لهم أن يختلفوا فيه. إذ يجوز أن نختلف علي كل شيء في النظام السياسي الديمقراطي ماعدا المقومات الأساسية للدولة التي ينبغي أن نتوافق عليها لأنها لا تتغير من انتخابات إلي أخري. فلا يمكن أن تؤدي انتخابات مثلا إلي دولة دينية فيما تقود الانتخابات التالية لها إلي دولة علمانية. والسبب في ذلك أن التفويض الانتخابي تفويض نسبي ومحدد وليس مطلقا أو لا نهائيا بدليل أن الناس تنتخب البرلمانات أو المجالس المحلية أو رؤساء الجمهوريات لفترة محددة أربع أو خمس أو ست أو سبع لفترة محددة أربع أو خمس أو ست أو سبع سنوات مثلا وليس للأبد. ثم إن هذا التفويض الانتخابي ليس تفويضا مفتوحا يطال كل شيء وإنما هو متعلق بصلاحيات محددة لا يتجاوزها. وعلي سبيل المثال فإن الناخبين عندما يعطون ثقتهم لحزب سياسي معين، فإنما يفوضونه لإدارة عجلة الحكم فقط وليس لتغيير مقومات الدولة الأساسية فهناك كما يقول وحيد عبدالمجيد: »مقومات نتوافق عليها ولا يغيرها أحدنا بمفرده حتي إذا حصل علي أغلبية كبيرة ففي النظام الديمقراطي مقومات للدولة لا تتغير إلا عبر توافق جديد وسياسات للحكومة يحدث فيها تغيير إلي أقصي مدي«. وبهذا المعني فإن التراضي هو بطبيعته عمل من أهم الأعمال الديمقراطية بل يجوز أنه العمل المؤسسي لأي ممارسة تستحق أن توصف بأنها ديمقراطية وذلك لسببين: أولهما أنه يتحقق عبر حوار لا يمكن أن يستمر ويثمر بدون التزام حقيقي بالديمقراطية من أطرافه جميعا. أما السبب الثاني فهو أن ديمقراطية تفتقد هذا التراضي تصبح صعبة المنال أو قابلة للتعثر السريع أو الانتكاس الفوري. وقد برهن الدكتور وحيد عبدالمجيد علي هذه الفرضية بعدد من التجارب الدولية والأهم بعدد من التجارب المصرية. وهي كلها تجارب تؤكد أن لقاءات من أجل الديمقراطية بلا حوار حول أسس هذه الديمقراطية هذا هو إذن الاتجاه الذي ساد الحياة السياسية منذ تأسيس اللجنة المصرية للدفاع عن الحريات عقب انتفاضة 18 و19 يناير 1977 . فلم تدرج القضايا الكبري علي جدول الأعمال من أجل السعي إلي بناء توافق عليها إلا مرة واحدة في إطار الحوار المنظم الذي استهدف الوصول إلي ميثاق الوفاق الوطني منذ أكتوبر عام 1994 وحتي سبتمبر 1995 . وعلي كثرة البيانات »الجبهوية« التي صدرت في مصر في السنوات الأخيرة فإن الموقعين عليها »كانوا يلجأون إلي أسوأ أساليب التوافق وهو النص أي نص في مقابل نص علي نحو يخلق تناقضا في بنية البيان بدلا من أن يجعله موضع تراض عام«. أي أن معظم هذه البيانات الجبهوية حرصت علي إرساء توافق سلبي يقوم علي الهرب من تلك المسئولية التاريخية لبلورة مواقف إزاء القضايا الكبري تحظي بالرضي الجمعي. »وفي غياب التوافق أو التراضي العام يبدو المطالبون بتحول ديمقراطي غير مقنعين أو قل أقل إقناعا مقارنة بحالهم لو أنهم نجحوا في بناء هذا التوافق الذي يحولهم فور إنجازه إلي قوة حقيقية قادرة علي تحقيق التحول نحو الديمقراطية المنشودة«. ومن دراسة دقيقة للتحالفات التي شهدتها السنوات المشار إليها يستنتج وحيد عبدالمجيد أن مصر كانت في حاجة إلي كيان أقل نخبوية من »ائتلاف المصريين« وأوسع دورا من »اللجنة المصرية للدفاع عن الحريات« وكانت هذه حاجة موضوعية في لحظة بدا فيها أن مصر تدخل مرحلة جديدة غير أن إدراك الأحزاب والقوي السياسية لهذه الحاجة كان ضعيفا بشكل عام والقوي السياسية لهذه الحاجة كان ضعيفًا بشكل عام، وفيما يتعلق بأهمية الحوار من أجل تراض عام علي أسس النظام الديمقراطي بوجه خاص. ففي غياب توافق علي أسس الديمقراطية التي تطالب بها هذه الأحزاب وغيرها يفقد أي عمل مشترك فيها أهميته لأنه يفتقد الجدوي وليس لأنها تفتقر إلي الشرف السياسي. وأظن أن هذا الكتاب الصغير الحجم الكبير القيمة الذي قدمه لنا الدكتور وحيد عبدالمجيد يقدم خدمة كبيرة للنشطاء السياسيين في الفترة الراهنة التي يدور فيها جدل كبير أقرب إلي اللغط والضجيج حول التعديلات الدستورية ويقدم لهم درسا مهما بعدم الفرق في تفصيلات جزئية. صحيح أن الشيطان يسكن في التفاصيل لكن الموت يسكن في ملكوت العدم والفراغ وبدون التوافق المجتمعي علي القضايا الكبري التي تشكل الملامح الأساسية للدولة المدنية الحديثة التي نريدها ونسعي إلي بنائها بعد قرون طويلة رزحنا فيها تحت نير الدولة التقليدية الأبوية السلطوية الاستبدادية نكون كالمتصارعين العميان المحبوسين داخل غرفة مظلمة والباحثين عن قطة سوداء وما أتعسه من مصير!.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما رأيك يا وزير التنمية الإدارية
-
هل يتمتع كلاب الأمراء العرب ب -الحصانة- فى مصر؟
-
تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية يفسر تراجع ترتيب مصر
-
اقتصاد يغدق فقراً
-
بدلاً من تضييع الوقت والجهد في الرد علي الفتاوي الهزلية: تعا
...
-
كأن العمر .. ما كانا!
-
حتى فى السودان
-
التعليم..غارق فى بحر من الفساد
-
الذكرى السنوية الأولى للكارثة
-
ثقافة الإضراب
-
التعذيب.. يا حفيظ 1-2
-
جلال الغزالى
-
ذيول جريمة بنى مزار
-
التعذيب.. يا حفيظ 3
-
راحت السكرة وجاءت الفكرة
-
لبنان .. فى مفترق الطرق
-
-الحمار- يهزم -البروفيسور- .. في جامعة المنصورة!
-
التعذيب .. يا حفيظ 2
-
الرابحون والخاسرون فى اضراب لبنان
-
رجاء النقاش .. مكتشف المواهب
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|