عبدالسلام زيان
الحوار المتمدن-العدد: 1834 - 2007 / 2 / 22 - 07:52
المحور:
كتابات ساخرة
ورثت عن أبيك الفقر والجوع , دافعت عن الفقراء , حاولت تحرير الإنسان من قيود العبودية بكل أشكالها , صرخت وقلت إنك إنسان ذو عقل لا فرق بينك وبين الآخر مهما كان مقامه , وقلت يا إنسان لك عقل فكر به وتحرر , وقلت لا يوجد أي شيء مقدس , وحاربت المسلمات وقدسيتها .
سخرت من الفلاسفة وقلت إن أرسطو كان مجنونا ومغرورا , سخرت من الآلهة والأساطير الدينية , لم تذكر اسم يسوع المسيح نهائيا وتجاهلته , سخرت من روما ومن كل القياصرة , سخرت من السلطة , سخرت من الإنسان وأرسلت به إلى الجحيم .
عندما نشرتُ عنك منذ ما يقارب العشرين سنة , وكانت تلك أول مرة في التاريخ العربي يُذكر فيها اسمك , قلتُ ربما سيأتي أحد أبناء جلدتك ويقوم بترجمة بعض من أعمالك , لكن أمة الشعراء والأدباء والخطباء ومحللي السياسة والمتشدقين بالكلمات الفارغة من أي محتوى لم يفعلوا شيئا , وما أظنهم يوما فاعلين . لقد غرق أحفادك في الجهل والغباء إلى درجة أنهم يربطون كل شيء بالغربي , ومن مهازلهم أنهم يقومون بترجمة نتاجات "عقلهم" العقيم إلى اللغات الغربية ويلهثون وراء تسويقها ولا يقومون بالعكس ليتعلموا .
لوقيان , إني واثق من أنك لو كنت تعيش في زمننا هذا لبكيت من الضحك على الحال التي وصلها أحفادك , يمكنك اليوم أن تبصق وتقول الكلام نفسه الذي قلته عن معاصريك : ينتجون أكواما من الكتب تنتظرها المزابل بشغف .. يرصون الكلمة جنب الأخرى مدعين أنه شعر وأنها حداثة ومن يحتار في إدراك معناه , إن كان به معنى , فهو لا يفهم من الحداثة شيئا , ناهيك عما بعد الحداثة وما بعد بعدها .. يكتبون ويصرخون ومن كان صوته أعلى فهو الأكثر قيمة .. الغالبية تنهق أنا أنا وعندما يذكر أحدهم اسم فيلسوف في خربشاته فكأنما تحول هو نفسه إلى فيلسوف , ومن ذكر اسم شاعر فكأنما صار هو نفسه شاعرا , ومن كتب اسم مؤرخ أو أديب فكأنما أصبح نفسه مؤرخا وأديبا ..
أحفادك اليوم يعيشون حياة أسوأ من العهد الذي عشت فيه .. وقد لعبت دورا كبيرا في التاريخ الإنساني , وأهل الغرب يقولون عنك إنك أبو القصة العلمية science fiction , وأبو الأسلوب الساخر في تاريخ الأدب بدون منازع , كما يقولون إنك تركت بصماتك على شكسبير وغيره .
أراك أحد الصعاليك الذين يستحقون كل الاحترام والتقدير.. لم تكتب لنيل رضاء السلطان . وحسب ما قلتَ , درستَ بضع سنين فقط ... بعدها أرسلك أبوك لتشتغل كي تكسب قوت يومك ... واصلت دراستك وحدك من غير معلم .. تعلمت الإغريقية , ويقول الغربيون إن هناك اثنان فقط كانا يحسنان اللغة الإغريقية : إفلاطون ولوقيان .
لوقيان , لا أحسنُ العربية , وسأقوم بترجمة البعض من أعمالك , فأنا أعتذر لك مسبقا إن ارتكبت بعض الهفوات .
لوقيان ما قلتـَه لإله الشمس عن شكل الإنسان ينطبق على أحفادك بني جلدتك اليوم : بزيوتهم وأموالهم ومؤسساتهم وأثريائهم وحكامهم ...
شاءت الصدفة أن ألتقي صعلوكا مهاجرا من بر مصر اسمه يوسف ليمود سوف يساعدني في صياغة ترجمتي ما تيسر من نصوصك وحكاياتك .. وهذا هو الكأس الأول نشربه في نخبك ..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
حوار الموتى .. ديوجيناس والإسكندر
ديوجيناس : ماذا تقول في هذا يا إسكندر ؟ أميت أنت أيضا مثلنا ؟
الإسكندر : نعم , كما ترى يا ديوجيناس , أنا إنسان أدركه الموت , وما تقوله ليس بعجيب
ديوجيناس : هل يعني هذا أن آمون كذب عندما ادعى أنك ابنه , نظرا لكونك ابن فيليب ؟
الإسكندر : ابن فيليب ؟ نعم . لو كنت ابن آمون لما كنت ميتا الآن
ديوجيناس : ما يلفت النظر هو قولهم إن أمك أوليمبياس كانت على علاقة جنسية بأفعى , وأنهم شاهدوا تلك الأفعى في مخدعها , وبهذه الطريقة أتيت أنت إلى الدنيا , في حين أن خطأ إداريا وقع عندما سجلوا أبوتك ونسبوها إلى فيليب
الإسكندر : نعم نعم , سمعتُ الحكاية نفسها مثلك , لكني أدرك الآن أن كل ما قيل عن أمي , وكل ما ادعاه أنبياء آمون ليس إلا هراء
ديوجيناس : لكن يا إسكندر جميع تلك الأكاذيب كانت في صالحك عندما كنت تقوم بأعمالك الجريئة , والعديد من الناس سجدوا لك لاعتقادهم أنك إله .. احك لي يا إسكندر إلى من آل حكم مملكتك الشاسعة بعد رحيلك ؟
الإسكندر : أجهل ذلك يا ديوجيناس , لم يسمح لي الوقت أن ألتقي أصحاب المصالح في هذا الأمر , عندما كنت على فراش على الموت أعطيت خاتمي إلى بارديكاس... لكن علام تضحك يا ديوجيناس ؟
ديوجيناس : فكرت في شيء وهو كيف تصرّف الإغريق بكل حماقة , فبالكاد ما إن اقتربتَ من الحكم حتى جاءوك زاحفين يسلمونك قيادة الجيش كي تحميهم من الهمج .. نعم , منهم من قال إنك أحد الآلهة الإثنا عشر* فقدموا لك القرابين كابن للأفعى .. والآن احك لي : أين دفنك المقدونيون ؟
الإسكندر : مازلت مستلقيا على الفراش لليوم الثالث ببابل ولم يدفنوني بعد , لكن بطليموس قائد حرسي الخاص وعدني , عندما يقضي على الفوضى الكبيرة التي سادت , أن يرحل بي إلى مصر ويدفنني هناك ثم يصدر مرسوما يجعل مكانتي بين آلهة البلاد
ديوجيناس : هل هناك عجب أن أضحك بينما أرى أنك حتى هنا عند ملك جوف الأرض* ما تزال متشبثا بحلمك المجنون أن تصير أنوبيس أو اوزيريس ؟ لا يا من نصفه إله ونصفه الآخر إنسان , قل وداعا لأحلامك تلك , فكل من قام برحلته فوق النهر الإله* ووصل إلى هذه الجهة من ثقب طارطاروس* لن يعود بعدها أبدا , فعيون أياكوس ملك النمل مفتوحة لا تنام ولا يمكن لأحد أن يداعب الكلب أياكوس . لكن هناك شيء بودي أن أعرفه يا إسكندر : بم تشعر وكيف يكون مزاجك عندما تتذكر السعادة التي تركتها بالأرض لحظة فراقك لها : حرس خاص وذيول تركض وراءك وملوك يخدمونك وبشر يعبدونك وأكوام من الذهب وبابل بأفيالها وحيواناتها والشرف والتقدير لصيتك الذائع والتلذذ بإعجاب الآخرين بك عندما تظهر بتاجك فوق جبينك وتلك النياشين على كتفيك ... ألا تشعر بالمرارة عندما تتذكر كل هذا ؟ لماذا تبكي أيها المجنون ؟ ألم تتعلم من معلمك أرسطو الحكيم القليلَ لتعرف أن السعادة ليست بأبدية ؟
الإسكندر : أرسطو حكيم !!! اسمح لي أن أقول إنه أكبر نصاب ومحتال بين المداحين والطبالين الذين كانوا حولي , أنا الوحيد الذي يعرفه , أعرف جيدا توسلاته ورسائله إلي وكيف كان يستغل ثقافة الغرور التي تعلمتُها لكي يُسكِرني بها , أعرف كيف كان يمجدني لجمالي , كان يقول إن هذا الجمال ينتمي إلى الخير الأسمى .. ويمجدني من أجل الإنجازات التي حققتها , ومن أجل الثروة التي كانت في حوزتي .. كان يعتبر الثروة خير كي لا يشعر بالخجل عندما أعطيه المال . نعم يا ديوجيناس , كم كان إنسانا مخادعا وسكـّينا حادا . الفائدة الوحيدة من حكمته الآن هي أني أنعي ما ذكرته لي لتوّك حيث أجد أني فقدت المثل الأعلى
ديوجيناس : أتعرف ما يمكنك أن تفعل ؟ سأعلمك وسيلة تريحك من عذابك وألمك : نظرا لأن زهرة إيفوربيا السامة لا تنبت هنا , افغر فاك على آخره وارتشف بصوت عال قدر ما تستطيع من ماء نهر اللاتي .. اشرب كثيرا , اشرب واشرب المرة تلو الأخرى , بهذا ترتاح من كلام أرسطو الجميل... ولكن كن حذرا , انظر , كليتوس وكاليستيناس قادمان ناحيتك ليقطعاك إربا وينتقما منك على ما فعلت بهم , من الأفضل أن تسلك هذا الطريق... لكن لا تنس ما قلته لك .. اشرب واشرب .. اشرب قدر ما تستطيع ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ديوجيناس : ينتمي الى مدرسة الكلاب الفلسفية الذين قيل عنهم الكثير , كان مثلهم الأعلى هو الكلب , ويقول أعداؤه إنه لم يكن يستحم أبدا وإن رائحته كانت كريهة على الدوام , لكنهم لم ينكروا أنه كان فيلسوفا جديا وزاهدا , وأن الإسكندر الأكبر كان يحترمه كثيرا ... الخ
ملحوظة حول العدد 12 : 12 إلها إغريقيا / 12 شهرا / 12 ساعة / 12 قبيلة يهودية / 12 إماما / 12 قانونا رومانيا... الخ
hades : حاكم عالم الأموات
أنوبيس و أوزيريس : كلاهما يقرران مصير الميت حسب بعض الأساطير
النهر الإله acheron : نهر وسط الجحيم
ثقب طارطاروس : سهل في جوف الأرض بعالم الأموات به مرج الزهور
أياكوس : ملك النمل الذين تحولوا إلى بشر
كربيروس : كلب وحش بعالم الأموات له ثلاثة رؤوس
#عبدالسلام_زيان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟