علي الجلولي
الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 22:52
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
أصدر مجلس الأمن الدولي يوم أكتوبر الجاري القرار 2797/2025الذي حمل بعض الجديد مقارنة بالقرارات السابقة سواء الصادرة عن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن ذاته، أو بقية الهيئات الدولية و الإقليمية. والجديد هو تنصيص القرار على اعتبار المقترح الذي تقدم به الملك المغربي حول الحكم الذاتي في اطار السيادة المغربية هو "الحل الأفضل" للمسألة الصحراوية. لقد استتبع اعلان هذا القرار حملة إعلامية وسياسية من قبل النظام المغربي الذي اعتبر القرار انصافا لمقاربته وتوجه الملك بخطاب دعا فيه الجارة الجزائر التي تنقطع معها العلاقات الرسمية منذ اوت 2021 (الحدود مغلقة منذ1994) الى الدخول في "حوار أخوي" للمساعدة على حل الاشكال الصحراوي. وفيما اعتبرت جبهة البوليزاريو أن القرار يحمل انحيازا للجانب المغربي، فان التنصيص على استمرار عمل لجنة الاعداد للاستفتاء، هو بمثابة الاعتراف الضمني بكون الحل لن يكون الا بالآليات الشرعية واساسا الاستفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي.
وقد استقطب الموضوع الرأي العام الإقليمي والدولي في ظل أوضاع تتجه أكثر نحو التوتر في أكثر من مكان في العالم. فكيف نفهم سياق القرار وخلفياته ومضمونه؟ وهل يستجيب هذا القرار لتطلعات الشعب الصحراوي؟ وهل من العادل دعوة الصحراويين الى تقرير المصير الذي قد يكون بالانفصال عن الدولة المغربية؟
- القضية الصحراوية عبر التاريخ
بالعودة الى التاريخ القريب يفصح لنا أن الصحراء الغربية كانت مستعمرة اسبانية من سنة 1884الى سنة 1975، وخاض شعبها نضالا عنيدا أولا للتمسك بهويته الوطنية والثقافية، وثانيا لرفض الاحتلال الذي انطلق في البداية في منطقة الساحل ثم تم تعميمه سنة 1958 ليمتد الى الساقية الحمراء ووادي الذهب حين "عمم" الاحتلال الاسباني أن مجمل الصحراء الغربية هي مقاطعة اسبانية عاصمتها الإدارية مدينة "العيون". وقد فرض نضال الشعب الصحراوي على الاحتلال الاسباني الاعتراف بحق تقرير المصير، واعترف امام الأمم المتحدة بضرورة تصفية الاستعمار في هذا الإقليم، وعوض التمتع بالاستقلال اتجهت الأمم المتحدة الى اصدار قرار في 20 ديسمبر 1966 يدعو الى تنظيم استفتاء تحت اشراف الأمم المتحدة، ثم القرار 2354 في 19 ديسمبر 1967، لكن تلكؤ الإدارة الاستعمارية لعطى اندفاعة جديدة للحركة الوطنية الصحراوية اذ تم اعلان تأسيس الحركة الطليعية لتحرير الصحراء سنة 1968التي قادت نضال الشعب الصحراوي من ذلك انتفاضة الزملة في 17 جوان 1970 التي اغرقها الاحتلال في الدم. خلال حقبة الاستعمار الاسباني لم يعتبر المخزن المغربي ان الصحراء مغربية ولم ينخرط في أي نضال ولا ضغط من اجل تحرير الصحراء، ففي 14 سبتمبر 1970 أكد الملك المغربي صحبة رئيسي الجزائر وموريتانيا بتأييد حق الصحراويين في تقرير المصير والاستقلال، وتم تشكيل لجنة ثلاثية لتنسيق التعاون لتطبيق قرارات الأمم المتحدة. علما وان المغرب بدأ يعبر عن مطامعه في الصحراء منذ 1957 حين طالب رسميا في 14 نوفمبر بضم موريتانيا والصحراء الغربية لترابه وذلك في الأمم المتحدة.
في 10ماي 1973 تم تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليزاريو) التي أعلنت بعد 10 أيام انطلاق الكفاح المسلح مما أجبر الاسبان على الدخول في مفاوضات مع "البوليزاريو" في 9 سبتمبر 1975 حول ترتيبات الاستقلال ومستقبل العلاقات بين الدولتين وتبادل الاسرى، وفي شهر أكتوبر تم الإعلان عن قيام الإدارة الصحراوية في المناطق المحررة.
وفي الوقت الذي كانت فيه الحركة الوطنية الصحراوية تستعد لبداية بسط سلطتها على أراضيها، قام المخزن المغربي بتنظيم هجومه على الصحراء وشعبها و التي بدأت بتنظيم "المسيرة الخضراء" كما سماها الحسن الثاني والتي تمثلت في تنظيم "زحف" قوامه 350 ألف من أزلام الملكية يوم 6 نوفمبر 2025 وصلوا الى مدينة العيون الصحراوية، وبعد أسبوع وتحديدا يوم 14 نوفمبر 1975 وقع النظام المغربي اتفاقية جديدة مع اسبانيا وموريتانيا تقر اقتسام الأراضي بين البلدين الجارين، وضمان مصالح اسبانيا ونصيبها من ثروات الصحراء. وبذلك بدا الاحتلال المغربي للصحراء الذي ما يزال متواصلا حتى اليوم. ورغم اصدار الأمم المتحدة للقرار 1514 الذي ينص على حق تقرير المصير للشعب الصحراوي الا ان النظام المغربي قام بكل ما يعزز سيطرته على الإقليم وخاصة بعد "اتفاقية هيوستن" في 6 سبتمبر1991 التي تنص على وقف إطلاق النار بين الدولة المغربية وجبهة "البوليزاريو" في أفق انجاز الاستفتاء على مصير الصحراء وتقرير مصيرها من قبل شعبها اما بضمان الاستقلال الكامل أو بالبقاء تحت السيادة المغربية مع التمتع بالحكم الذاتي. وبطبيعة الحال قام النظام المغربي بكل التعطيلات التي تضرب إمكانية انجاز الاستفتاء مثل التلاعب بالسجلات المدنية والعمل على تغيير التركيبة الديمغرافية للمناطق الصحراوية بغزوها بالمغاربة مقابل تشريد أكثر ما أمكن من الصحراويين في المناطق المغربية سواء من خلال شراء الذمم وممارسة مختلف الضغوط وخاصة من خلال القمع السافر الذي تعرض له النشطاء من المتمسكين والمدافعين على مبدا تقرير المصير، وهو ما طال أيضا المناضلين المغاربة وتحديدا من اليسار الجذري والحركة الماركسية اللينينية التي كانت تقريبا القوة الوحيد التي دافعت علنا وبكل وضوح عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، هذا الشعب الذي انقسم ترابيا بين "الجزء المحتل" الخاضع لسيادة النظام المغربي، و"الجزء المحرر" وهي عموما أراضي المخيمات في "تندوف" ومحيطها تحت سيادة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بزعامة "البوليزاريو" التي تحوز اعترافا دوليا وإقليميا واسعا، لكنه بدأ في التراجع لحساب المقاربة المغربية الرسمية على خلفية مواقف وتحالفات النظام المغربي الذي قدم كل ما طلب منه من قبل الامبريالية والرجعية العربية لتسهيل عملية الالتفاف على الاتفاقيات الحاصلة مع الطرف الصحراوي، مما حدا بجبهة "البوليزاريو" أن تعلن يوم 14 نوفمبر 2020 بإنهاء الالتزام باتفاق وقف اطلاق النار، علما وأن العام ذاته هو عام اعتراف الإدارة الأمريكية بمغربية الصحراء في العهدة الأولى لترامب، كما اتجه كيان الاحتلال الى نفس القرار في اطار الانخراط اللامشروط للمخزن في التطبيع مع الكيان الصهيوني، و أيضا بعض الدول الامبريالية مثل فرنسا وبريطانيا التي تتجه جميعا الى مكافأة النظام المغربي الذي يشكل اليوم قاعدة متقدمة للإمبريالية وكيان الاحتلال لتنفيذ سياستها في منطقة شمال افريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، وضمن هذا السياق صدر القرار 2797 يوم 31 أكتوبر الجاري الذي فهمه مناهضو الامبريالية والنظام المغربي العميل على انه مجازاة ومكافأة ومحالة التفاف على طموحات الشعب الصحراوي الذي يعاني الأمرين سواء في مخيمات الشرق أو حصار الغرب.
- ثروات الصحراء الغربية وموقعها جلبا الاحتلال القديم والجديد
لا شك أن ثروات الصحراء المتمثلة خاصة في الفسفاط والحديد والثروات المعدنية التي تحوزها أحشاء أرضها أو سواحلها الأطلسية في منطقة هي الأثرى عالميا من جهة المقدرات السمكية كما ونوعا، وموقعها الاستراتيجي كبوابة لشمال افريقيا ولمنطقة الساحل، هي التي تفسر التكالب الاستعماري القديم والحالي على هذه البلاد، كما تفسر تكالب النظام المغربي على ضم الصحراء حتى يبرز كقوة إقليمية وازنة خاصة أمام الجار/الخصم التاريخي وهو الجزائر، هذا البلد المستهدف اليوم مجالا وثروات ويعد المغرب أرض المراقبة والضغط عليه. لقد استنفر النظام المغربي كل امكانياته لوضع اليد على مقدرات الصحراء لنهب خيراتها من قبل الرأسمال المخزني الطفيلي الريعي التابع للاحتكارات العالمية التي تعتبر الحاكم الفعلي للمنطقة والقارة، مثلما كان الأمر طيلة فترة الاستعمار المباشر حيث ظل الاحتلال الاسباني للصحراء على العموم في حالة تقاطع مع الاحتلال الفرنسي الذي كان يشمل كامل شمال افريقيا ومنطقة الساحل وجنوب الصحراء. كان التقاطع لشل المقاومة التي كانت متداخلة ومتضامنة، ولوضع اليد على مقدرات المنطقة وثرواتها ضمن منطق الصراع والوحدة، وحدة المنطق الاستعماري وصراع مصالح الكارتيلات التي لا ترى في المنطقة الا مقدراتها التي يجب نهبها وسرقتها وحرمان أصحابها الأصليين منها. لقد نهب التاج الاسباني مقدرات الإقليم و هو الذي أسس الاحتلال الاسباني "الشركة الوطنية للمعادن الصحراوية" سنة 1962 بعد اكتشاف وجود ثروات هامة من الفوسفاط خاصة في منطقة "بوكراع"، وقد استغلت الشركة بعضا من الثروة واشتركت بأسهم لدى الشركات الأجنبية العملاقة التي تنشط في كامل شمال افريقيا وعلى طول القارة. كما نهب الاستعمار الفرنسي المباشر والجديد مقدرات الصحراء مثل مقدرات المغرب و موريتانيا، ولعبت الأنظمة المنصبة دور الوكيل للرأسمال الأجنبي مقابل الفتات من ثروات منطقة من أغنى مناطق العالم لاتزال شعوبها تعيش الغبن والمهانة.
- نضال الشعب الصحراوي من أجل تقرير المصير هو نضال عادل
ان نضال الشعب الصحراوي لا يمكن الا أن يكون الا نضالا عادلا ومشروعا ضد الاحتلال الاسباني وحليفه الفرنسي، وضد التدخل المغربي الذي لم يطلق رصاصة ضد الاحتلال وكان "يتبرأ" من الصحراء، وحين بدأ مسار تحررها بفضل النضال العنيد لشعبها انتصب لتعويض الاحتلال القديم. ان مناهضة الاحتلال المغربي ومساندة النضال التحرري للشعب الصحراوي هي واجب على كل القوى الوطنية والتقدمية في العالم، وهو موقف عبرت عنه كل قوى التقدم المعادية للاستعمار في العالم التي ساندت الفضية الصحراوية مثل مساندة القضية الفلسطينية وقبلها الفيتنامية والجزائرية والجنوب افريقية وغيرها. وقد ساندت القوى التقدمية في تونس هذه الفضية العادلة، ولم تنخرط في موقف بعض القوى الموالية للأنظمة التي تريد نشر مغالطة أن المطلوب من الشعوب العربية هو الوحدة وليس مزيد الانقسام والتفتت. ان هذا الموقف متهافت ويعمد الى خلط أوراق متناسيا أن الوحدة الحقيقية هي التي تصنعها الشعوب الحرة وليس الأنظمة العميلة والتابعة. ان نظام المغرب لا هاجس له مطلقا في توحيد الشعوب بل هاجسه الوحيد والأوحد هو وضع الصحراء الغربية شعبا ومقدرات تحت كلاكل هيمنته الطبقية اللاوطنية، هدفة هو وضع شعب الصحراء تحت الهيمنة الامبريالية والصهيونية. ان مساندة الشعب الصحراوي لا تعني انخراطا في مزيد تفتيت المفتت وتقسيم المقسم بل انتصارا لحق شعب في تقرير مصيره وبناء كيانه الحر والمستقل ليناضل مع بقية الشعوب من أجل التقدم والوحدة التي لن تنجزها الأنظمة والطبقات السائدة، بل هي سيرورة تحرر معقدة تنجزها الشعوب بذاتها لذاتها.
اننا ننحاز الى النضال المشروع للشعب الصحراوي الشقيق، ويعتبر التمسك بحق تقرير المصير وإنجاز الاستفتاء الشعبي بمعاييره وضوابطه العادلة مدخلا لتصفية احتلال شعب من قبل "دولة شقيقة" لم تستأسد الا في وجه شعب مسالم، لكن إرادة الشعوب ستنتصر مهما كان حجم التآمر بما فيه الالتفاف على القرارات التي انتزعتها القضية الصحراوية من الأمم المتحدة والتي يراد اليوم وأدها تحت أوامر المجرمين ترامب وناتن ياهو ودعم حكام العار عصابة الحلف الابراهيمي.
8 نوفمبر 2025
#علي_الجلولي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟