(نصّ مفتوح*)
إهداء: إلى الشاعرة الحميمة نعيمة عمّاشة
..... ..... ..... ...... ....
تريدُ أنْ تغفو
بين مرافئِ الغاباتِ
تعبرُ أوجاعَ القصيدة
غير عابئة بانكساراتِ الحلمِ
ولا بدخانٍ متصاعدٍ
من تلالِ الرماد
تتواصلُ معَ وجنةِ الهلالِ
محلِّقةً فوقَ بزوغِ الشفقِ
تنثرُ باقات الفلِّ
على تلألؤاتِ النجومِ
تبلسمُ جراحَ الطفولةِ
بحبقِ الشعرِ
تستلهمُ رؤاها
من وجعِ الأيامِ
راغبةً
أن تمسحَ المرارات الملتصقة
في سماءِ حلقِهَا
لكنّ حلقها
معفّر
بمخالبِ الذئاب
بشرٌ نبتَتْ لهم مخالبُ الذئاب
أكثرَ افتراساً من الضواري
حلقٌ مزروعٌ
بأنينِ الفراقِ
فراقُ حبل السرّةِ
عن الأمّهاتِ
وجعٌ هابطٌ كشهقةِ نيزكٍ
فوقَ مصاطبِ زنبقٍ وطين
الشعرُ يخفّفُ أوجاعَ المساء
حلمٌ نائحٌ بتلظّي الأرقِ
الشعرُ يهوى أحداقَ الليلِ
يعاندُ مشاكسات النهار
يبقى في وجهِ الضجرِ
يريدُ أنْ يبلّلَ أجنحةَ بومةٍ
متربِّعة فوقَ أيكةٍ نديّةٍ
بزبدِ المساءِ
خنادقٌ حولَ رقابِنَا
حولَ حبِّنَا
ترهّلَ النعاسُ
من شدّةِ الشوقِ
جمرةٌ مخبّأة
بينَ أجراسِ الرحيلِ
تناثرَ الخيرُ
فوقَ بيادرِ الحنطة
تعانقُ النوارجُ
شموخَ السنابلِ
صهيلُ الجبالِ تناهى
إلى ظلالِ الصباحِ
مَنْ يستطِعْ
أن يوقظَ الليلَ
من نعاسِهِ؟
عاشقة غافية
تحتَ دفءِ القصائدِ
غداً سيغمرني نوماً
من نكهةِ الوردِ
وُلِدَ البكاءُ في حيَّنا
دموعٌ منسابة
على خدودِ البحرِ
على خمائلِ العاشقة
نامَتِ الزهورُ
على صدرِ غزالةٍ
مسترخية من تعبِ النهارِ
يتطايرُ وهجُ الشعرِ
من ندى الليلِ
خمرةٌ معتّقة
انبعثَتْ من آلامِ الصباحِ
سهولٌ فسيحة
على مرامي الروحِ
تتراقصُ فيها طيور
على إيقاعاتِ جموحِ الغزلان
عبرَتْ أحلامُ العاشقة
بين خمائلِ الفرحِ
ترنو إلى عذوبةِ البحرِ
تسمعُ همهمات النسيمِ
مرسالٌ مثقلٌ بالشوقِ
يداعبُ خلوةَ العاشقة
ترشقُ ومضات الشوق
سهاماً من رذاذاتِ التبرِ
فوقَ وشاحِ الشمسِ
ينابيعُ فرحٍ تصبُّ
في ضفافِ العمرِ
خرّتِ العاشقة
مبتهلة لزرقةِ السماءِ
فهطلَ على تخومِهَا
عاشقٌ مسربلٌ بزبدِ البحرِ
للبلبلِ الشامخِ
على أغصانِ القلبِ
تغريدةُ فجرٍ وليد
للفراشاتِ الهائمات
حولَ نورِ العشقِ
نكهةُ الحنينِ
للغابةِ المكتنـزة
بأعشابِ الشوقِ
خصوبةُ الحياةِ
خرجَتِ العاشقة
من اخضرارِ غابتها
مزنّرة بأزهارِ الجنّة
هطلَتِ السماءُ
حبيبات الرمّان والتوت
توافدَتْ طيور الغابات
تأخذُ حصّتها
من هدايا السماءِ
تاهَ العاشقُ فرحاً
يا إلهي أصبحَتِ الجنّة جنّتان
تعالي يا جنةً متطايرة
من وجنةِ الغابات
وحدُهُ الشعرُ كهفٌ آمنٌ
صديقُ الهداهدِ
صديقُ الليلِ والنهارِ
يزرعُ عذوبةَ الروحِ
في قلوبِ العشّاقِ
نهضَ الليلُ مخبِّئاً تحتَ عباءَتِه
وردةً
من نكهةِ البحرِ
تقافزَتِ الضفادعُ الخضراء
فرحانة بقدومِ الربيعِ
انزلقَتْ فوقَ زهورٍ
معانقة ساقية مسترخية
فوقَ حبيباتِ الرملِ
أسماكٌ صغيرة
تناغي هواءَ الربيع
تسيرُ الحروبُ إلى موتِهَا
وتصبحُ مقبرةَ الكسالى
تسيرُ الجنرالات إلى حتفِهَا
وتصبحُ تلالاً من رماد
تسيرُ الجبالُ والغابات
نحوَ خصوبةِ السماء
مكحّلةً عيون الشعر
بلونِ الشفقِ
فتنهضُ العاشقة أمامَ العاشقِ
يرقصان على أمواجِ البحرِ
رقصةَ الإبحار!
فرحَتْ من أعماقِهَا
نبَتَتْ في جذورِهَا فسحةُ أملٍ
قبلَ أنْ تحلَّ ضيفةً
في بساتينٍ مضرّجةٍ بالرعبِ
تريدُ أن تهزمَ ضجرَ الصباحاتِ
بعبقِ النسيان
لديها رؤية مغموسة بالعسلِ
رؤى مترعرعة
بينَ خصوبةِ الغاباتِ
تبدِّدُ بأحلامِهَا النابتة
فوقَ أجنحةِ الحمامِ
عذاباتِ السنين
تنسابُ أنهار حبّها
إلى دنيا الفرحِ
فوقَ ضراوةِ المكان
تصهرُ الزوابع الهادرة
تهدِّئ تلاطماتِ خشونةِ الروح
بكلماتٍ منبعثة
من هداهدِ الشمسِ
لغةٌ تهطلُ حبقاً فوقَ
صحارى العمرِ
لغةٌ منعتقة من
أحزانِ السنين
تعانقُ اخضرارَ الداليات
سقطَتْ شظيّة عندَ منعطفِ الروحِ
لم تجفلْهَا ..
مشَتْ بشموخٍ
فاتحةً صدرها
لسفينةِ الحبِّ
تبحثُ عن فرحٍ
تاهَ بين لُجينِ الموجِ
تناجي عبّادَ الشمسِ
تبلَّلَتْ روحي
بنكهةِ الياسمين
بحرٌ عميقُ القاعِ
تتراقصُ فوقَهُ نوارسٌ بيضاء
من لونِ العذوبةِ
تنتظرُ سفينةَ الحبِّ الآفلة
غمامٌ حولَ حافّاتِ الذاكرة
أملٌ ينمو
في خيوطِ الصباحِ
ضبابٌ خفيف
يسربلُ
هدوءَ المكان
تنسابُ أنهارُ الحبِّ
من بؤبؤيها
استرخَتْ هنيهةً
على صدرِ طائرٍ ..
غفَتْ ورودُ الفرحِ
على أجنحةِ الحنانِ
إكليلُ الياسمينِ
يزينُ واحات الحلمِ
بهجةٌ متطايرة
من تدرُّجاتِ
الألوانِ الوارفة
تعكسُ انتعاشاتِ الفرح الآتي
تفتحُ أبوابَ أرخبيلِ القلبِ
على بحيراتِ مليئة بلآلئٍ
في غايةِ الانتشاءِ
تستقبلُ ناقوسَ انتصار الحبِّ
على خشونةٍ متطايرة
من رؤى مجوّفة
بأحجارِ الصوّانِ
شوقٌ متصالبٌ في أعماقِ الخافقِ
مُباركٌ دفء الشمسِ
عذوبة الماءِ الزلالِ
التأمَتْ جراحها
من طيبِ الأزاهيرِ
فرَدَتْ شعرَهَا
مسترخيّة حبق الروح
تنتظرُ أجنحتها عاشقاً من ضوء
حمامةٌ بيضاء تحطُّ على أناملٍ
أنعمَ مِنَ الحريرِ
حلمٌ أعذب من شذى العبيرِ
الشعرٌ بريقُ الحياةِ
تاجُ قرنفل ملفوف
بحبقِ الطفولة
جمرةُ عشقٍ
في دنيا الضجر
الشعرُ انتشاءُ الروحِ
رغم رماد الحرائق
صديقُ الحمائمِ
شوقُ العاشقِ
إلى رحابِ الحياةِ
إلى عروسِ البحرِ
الشعرُ جنحُ عاشقة تائهة
في
دكنةِ
الليل
خشبةُ خلاصٍ
من أوجاعِ المكان
واحةٌ مريحة
لقلوبٍ مشتعلة بالحنان
الشعرُ
يمنحُ صحارى الروح
خصوبةَ الحياةِ!
تنهَّدَتِ العاشقة ..
غَرِقَتْ في مناجاةِ هواءٍ بَلِيْل
رحلَتْ سفينةُ الأحلامِ
تألمَّتْ
ثمَّ غفَتْ العاشقة
تحتَ شجرةِ الرمّانِ
سقطَتْ رمّانة على نهدِهَا
جفلَتْ
تلمّسَتْ طراوةَ النهدِ
عجباً ..
هل أنبثقَ من رمّاني رمّاناً
أم أنَّ الطبيعةَ
تحنُّ إلى خصوبةِ الحياةِ؟
بحرٌ من لونِ الكبرياءِ
تبحرُ في شطآنه
تكتبُ شعراً فوقَ رمالِ الفرحِ
تمحوها الأمواجُ الصاخبة
اغفاءةٌ خفيفة
حطَّ على خدِّها جرادٌ صغير
ذُهِلَ الجرادُ من كحلِهَا
اقتربَ من رموشِها
لامسَ بقرونِهِ الرفيعة رموشها
التصقَ قرنُهُ الأيمن
بكحلِهَا المدبّقِ بأزهارِ الجنّة
نسمةُ منعشة هبّتْ من البحرِ
جفلَتْ مرّةً أخرى
فرَّ الجرادُ
ملتقطاً رمشةً من رموشِهَا
امتزجَتْ نداوةُ الشعرِ
مع أصدافِ البحرِ
تناثرَ رحيقه فوقَ الطحالبِ
معانقاً عروسَ البحرِ
تطايرَتْ رذاذات الشعرِ
فوقَ تاجِ العروسِ
انتعشَتْ
ثمّ انتفضَتْ مرحِّبةً بالرذاذاتِ
انـزلقتَ الأسماكُ الصغيرة الغافية
فوقَ ظهرِ عروسِ البحرِ
حامَتْ حولها ثمَّ صعدَتْ نحوَ الأعلى
وجهُ الشفقِ بانتظارِهَا ..
توارَتْ الأمواجُ
عندما رأَتْ عروسَ البحرِ
هدوءٌ منعشٌ
هيمنَ على جسدِ المكان
هدوءٌ من لونِ الشفقِ
يعانقُ أوتارَ الصباحِ
مرّ عاشقٌ منكسر الروحِ
قرأ على أمواجِ البحرِ
شعراً متطايراً
من حبيباتِ الرملِ
على تخومِ الشاطئِ
استرخَتْ عاشقة مسربلة بالأملِ
شهقَ العاشقُ شهيقاً عميقاً
ارتعشَتْ ومضات عينيه
نظرَتْ عروسُ البحرِ إلى العاشقة
تمنّتْ أيضاً أنْ تصادفَ عاشقاً
منبعثاً من خيوطِ الشمسِ
دندنَ نسيم البحرِ أنشودةً
مسربلة ببهجةِ المكان
حلّقَتِ العروسُ
فوقَ سطحِ المياهِ
ارتسمَ حولها هلالاً ملوَّناً
بألوانِ قوس وقزح
ثم غاصَتْ عميقاً إلى القاعِ
تلملمَ حولها أسماكاً مذهّبة
اقتربَتْ سمكةً منها
تريدُ أنْ تعبرَ غلاصمَهَا
تريدُ أنْ تمنحَهَا محاراً ثمينة
كانتْ العروسُ ماتزالُ
تحلمُ بعاشقٍ من لونِ الندى
منبعث من خيوطِ الهلالِ
أو هدوءِ الليلِ
ضجرَتْ من غزلِ الحيتانِ
من خشونةِ القاعِ
من الطحالبِ العالقة
بين رذاذاتِ الشعرِ!
عاشقة تنضحُ عبقاً
تشبهُ عروسَ البحرِ
نما لها أجنحة فراشات
تاجٌ من الزهورِ
يتوسّطُهُ سنبلةٌ شامخة
تترجرجُ موجات صغيرة
تحتَ قدميهَا
المتدلّية في الماءِ الزلالِ
تعانقُ فرحاً ناضِحَاً
من خصوبةِ المروجِ
تسمعُ همسات البلابل
انسدلَ شعرها القمحي على كتفيها
مسترخياً على نهديها العاجيين
ترنو إليها الزهور
نكهةُ النارنجِ
تفوحُ من أهدابِهَا
من ضفائرِهَا المجبولةٌ بالقمحِ
وجهٌ ساطعٌ بالطينِ
من لونِ الكبرياءِ
من لونِ الشموخِ
تخترقُ الموتَ
من خلالِ عشقِ الحياةِ
لا ترغبُ أن تكونَ
إلا من لونِ الأرضِ
سنابلٌ تنبتُ حولَ جيدِها
تنافسُ عروسَ البحرِ
تنامُ فوقَ عشبِ الغاباتِ
امتزجَتْ معَ رحيقِ المروجِ
ترتمي بين أحضانِ الغسقِ
قبل أن يودّعَ الكون
بلابلُ الروحِ تغنّي
رشّحتها الزهورُ
عروسَ البساتين
تعبرُ أحلامَ الصباحِ
تغفو على أريكةِ الشوقِ
تصحو على إيقاعِ أنغامِ الهداهدِ
تبدِّدُ ضجرَ المكان
يهربُ الحزنُ
من وجنتيها
عابراً شقوقَ الليلِ
البحرُ صديقُهَا
لن تغلقَ الأسفار
ولا بوّابات المودّة
تأملُ أثمن المحار
تريدُ أنْ تعبرَ صحارى العمرِ
بعدها أرض النجاة
رذاذاتُ ثلجٍ هذه
أم رذاذاتُ فرحٍ
هاطلة من حنينِ السماءِ
فوقَ أجنحةِ العذارى
تروي عطشَ العاشقة
وجهٌ يتأمّل الآتي
صرخةٌ تنادي
جبالٌ ملوَّنة بخصوبةِ العمرِ
هطلَ الفرحُ
على وجنةِ الليلِ
على وشاحِ الطفولةِ
تغفو على صدرِ الفراديسِ
دفءٌ يتغلغلُ اهتياجَ القلبِ
طارَتِ الفراشات
من وهجِ الانتشاءِ
عاشقة مسترخية
على لآلئِ المحبّةِ
تحلمُ أنْ تحلّقَ عالياً
ثمَّ تحطُّ
فوقَ
خمائلِ
العمرِ
ترتشفُ دفءَ الشمسِ
عذوبة البحرِ
تكحِّلُ ارتعاشات الزنابقِ
بومضاتٍ مخضَّبة
برحيقِ الشعرِ
ترسمُ على جناحِ الفراشاتِ
جمرةَ الشوقِ
تنادي ..
قلبٌ يرتعشُ في البراري
تاهَ العاشقُ
عن خفقةِ القلبِ
أينَ أنتِ
أيّتها المزنّرة
بأجنحةِ الريحِ؟
تسمعُ هسيسَ اشتعالِهِ
يرتعشُ قلبُهَا
تحنُّ إلى جموحِ الاحتضانِ
إلى دكنةِ الليلِ
بينَ أحضانِ الحبيبِ
تريدُ أنْ تبدِّدَ ضجرَ العمرِ
نعومة اللآلئ
لا تبدِّدُ رعونةَ الأحزانِ
هدوءٌ من نكهةِ الصفاءِ
يزنّرُ أعشابَ الروحِ
يداعبُ غابات الحنينِ
كإشراقةِ الشمسِ
في صباحاتِ نيسان!
ستوكهولم : نيسان (أبريل) 2003
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]
*أنشودة الحياة: نص مفتوح، قصيدة ملحميّة طويلة جدّاً، تتألّف من عدّة أجزاء، كلّ جزء هو بمثابة ديوان مستقل مرتبط مع الجزء الّذي يليه، وهذا النصّ مقاطع من الجزء الثاني، حمل عنواناً فرعياً:
(عروس البحر)