|
الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعبا بالكلمات6
سلام إبراهيم
روائي
(Salam Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 1838 - 2007 / 2 / 26 - 11:22
المحور:
الادب والفن
فمن أصغى ومن سَمِعَ من الكتاب والمبدعين العرب؟!. القلة أو لا أحدَ!. أستمر المربد وحشود الشعراء والنقاد والمثقفين تتوافد في الموعد المحدد بالضبط لتساهم بهذا الشكل أو ذاك في تجميل وجه النظام البشع، ولتغترف من مال العراقيين المساكين وتشكر الطاغية الكريم، فحتى منتصف الثمانينات وأواخرها كانت حشود الكتاب والمبدعين العرب تتجمهر في مهرجانات القتلة، والشاعر الفلسطيني "محمود درويش" الذي تغزل ببغداد زمن حاكمها الجائر فأثار وقتها جدلا في الصحافة الفلسطينية، إذ قام الصديق "محي الأشيقر" بكتابة مقالة حول قصيدة "درويش" وزيارته فقام بالرد وأثار جدلا واسعا في الوسط الثقافي العربي، صحبه في زيارته تلك "سليم بركات" لم يسمع وقتها أحد من أولئك الكتاب والشعراء العرب صراخ المثقف العراقي والمبدع العراقي المنفي الذي كان يرى بمجرد زيارة المبدع العربي للعراق زمن القتلة المتوحشين يعد إجحافاً بحق الثقافة والإنسانية وتبريراً لشرعية أولئك القتلة. بالعكس فقد صنعوا منه أسطورة قومية، وظاهرة تعوض غياب "جمال عبد الناصر" حبيبهم، فنزار قباني أسبغ عليه صفات كلية كما يقول الشاعر هاشم شفيق في مقالة بجريدة النهار في 20 نيسان 2003 مستشهداً بهذا البيت "هو من قطر اللون الأخضر في عيني" عدا حشد من الكتاب والمثقفين السوريين والمصريين والفلسطينيين والتونسيين والأردنيين والمغاربة من ذوي الهوى القومي كانوا يجدون به حامياً لبوابة الوطن العربي الشرقية وبهذا المعنى كانوا يباركون حربه نيابة عن أمريكا على إيران. الحرب التي أروي طرفاً من موقف الكاتب ذي الضمير منها، ففي الوقت الذي كانوا فيه ينامون في فنادق بغداد الراقية وينعمون بملذات الأكل والشرب وعطايا النظام، كنا نلوذ بأنفسنا ونهرب من جحيم القتل المجاني في جبهتهم الشرقية إلى الجبال النائية في كردستان العراق. ولتلك التجربة قصة أخرى، لكنني سأروي لكتبة الحرب العراقيين وللكتاب العرب ممن كان ينام قرير العين في فندق فلسطين ويأكل ويشرب ما لذ وطاب، هنا حكاية طريفة عن مبدع عراقي أخر له نفس حكايتي.. كنتُ وسط الثوار في الجبل، ندور بين القرى النائية الفقيرة. نبيت في الجوامع ونحصل رغيفنا من بيوت الفلاحين الأكراد، ونرتعب من صوت طائرة مروحية كانت تصطاد بين الحين والحين مجموعة منا محدثة مجزرة. كنا في قرية أسمها "مالومة" خلف سلسلة جبال "مكرون" المحيطة بالسليمانية. كنا نجلس في باحة الجامع نتسلى باصطياد القمل من آباطنا ومناحي أجسادنا. كان ذلك في أواخر كانون الأول 1982 في عز البرد والجبال مكسوة بالثلج عندما همس بأذني نفس الشخص الذي ساعدنا على الالتحاق بالجبل "محمد حسين": ـ وصل القاص جنان جاسم حلاوي!. فهرعت إلى مدرسة القرية المتحولة إلى مقر مؤقت، فوجده هنالك منهكاً يتفاوض مع أحد المسؤولين الذي كان يحاول أن يستبقيه معنا في السرية مقاتلاً. وفي غرفة المدرسة الرطبة المهجورة تلك تعارفنا. كان هو الآخر هرب من جبهة الحرب حاملاً على ظهره حزمة كتب، ساومته كي يتركها لي محذراً من بعد المسافة إلى المقر في "بشتاشان" ووعورة الطريق، فترك لي رواية "التكرلي" ـ الرجع البعيد، ورواية "ماركيز" ـ قصة موت معلن ـ لكنه أبى أن يمنحني كتاب "شرح أبن عقيل". ودعته في فجر اليوم التالي وذهب إلى المقر الرئيسي في "بشتاشان" ليعيش تجربة مهولة حينما تقاتل الثوار فيما بينهم. الشيوعيون والبرزانيون من جهة، والاتحاد الوطني الكردستاني من جهة أخرى. سيشهد مجزرة من نوع أخر. وسيصورها في روايته ـ ليل البلاد ـ التي صدرت عن دار الآداب 2002. الرواية التي تحكي قصة ذاك الجندي العراقي الذي كانه "جنان حلاوي نفسه" في جبهة الحرب، ثم في صفوف الثوار، مأساته وأحزانه من رؤية تعري كتبة القادسية الذين ما زالوا ودون خجل يدافعون عن ذلك السم الأدبي. أما أنا فظللتُ أدور بين القرى مشدودا إلى زوجتي وابني إلى أن حزمت أمري وأقنعتهم كي يسمحوا لي بالتسلل سراً إلى المدن. لأعيش قصة أخرى بين المخبأ وجبهة الحرب من جديد ومعارك "الحويزة" على حافة أهوار العمارة 1984. ثم التحق ثانية إلى الجبل لكن هذه المرة بصحبة زوجتي تاركاً ابني.. سأصاب بقصفٍ كمياوي في 5/6/1987 سأترجح على حافة الموت وأنجو بعجزٍ قي الرئتين يبلغ 60% سيجد القارئ طرفاً من هذه الحكاية في روايتي "برازخ وأخيلة" التي منعها رقيب اتحاد الكتاب العرب في سوريا عام 2002. سأتشرد في معسكرات اللاجئين في تركيا وإيران. ولما وصلت إلى الدانمارك عرفت أن العديد من المبدعين العراقيين قد مروا بهذا المسار لكنهم لم يمكثوا بالحركة المسلحة إلا لبرهة وجيزة وقت العبور. "شاكر الأنباري" سيصور في نصوصه الروائية وقصصه المزيد من تلك الأجواء والتجربة رواية ـ ألواح 1995ـ و ـ ليالي الكاكا 2002 ـ . نفس مسار ذاك الجندي العراقي المسكين المقاد إلى الذبح لكنه يقاوم ويهرب إلى كردستان. "حميد العقابي" سيصور في كتابه ـ أصغي إلى رمادي 2002 ـ تفاصيل تجربته كجندي في معارك المحمرة وتلك المجزرة الرهيبة، وهروبه إلى كردستان وتفاصيل العيش في معسكرات اللاجئين الإيرانية ممزوجاً بسيرته الذاتية في الطفولة والصبا. "حمزة الحسن" والذي له قصة أخرى يقال أنه هرب من جبهات القتال مباشرة إلى إيران ليعيش رحلة معسكرات اللجوء الإيرانية والباكستانية قبل أن يستقر في النرويج نجد ذلك في ـ سنوات الحريق ـ و ـ الأعزل 2000 ـ نفس حكاية ذلك الجندي العراقي الحائر بوجوده والهارب المختفي المذلول في الجبهة ومعسكرات اللجوء والمتشبث بالحياة. نستطيع هنا القول وبعد تراكم العديد من النصوص الروائية والقصصية القول بأن هنالك تيارا أدبياً تبلور له سماته الخاصة، يصور ما جرى حقا زمن الحرب الإيرانية العراقية ويكتب عن تجربة معايشة حيه ومن زاوية موضوعية تنحاز للإنسان كقيمة مطلقة. هذا التيار سيكون التاريخ الحقيقي لعذاب الجنود العراقيين والهاربين، قمع السلطة الهمجي، ويحضرني هنا مشهدان: الأول: فصل من رواية ـ ليل البلاد 2002ـ لجنان جاسم حلاوي وهو يصور كيف يُجبَرْ المساجين في سجون الوحدات العسكرية على الزحف حتى فتحة المرحاض، وكيف تقوم الشرطة العسكرية بتغطيس رأس الجندي في الخراء، ومشهد الضرب المبرح للمساجين بالعصي والهراوات، وهو ذات المشهد الذي عرضته قناة العربية الفضائية الذي أشرت له. والثاني: في روايتي "رؤيا الغائب" 1996 صورت تلك اللحظات العصيبة التي يدخل فيها الضابط إلى غرفة التوقيف ليختارني مع آخر فيكبلوننا بجامعة حديدية إلى الخلف، ويعصبوا أعيننا بقطعة قماش ويحملونا إلى معلب تكريت لكرة القدم، لنشد مع المحكومين بالإعدام، ثم نستثنى بعفو رئاسي في آخر لحظة، في تمثيلية مفبركة تُظهر للجموع المكتظة على مدرجات الملعب مدى حنان ورحمة الطاغية، لنشهد تلك المجزرة البشعة أنا وجندي متأخر ليوم واحد عن وحدته، جندي لا أعرفه وجدته في مركز التوقيف. كان ذلك في الشهر العاشر من عام 1983 بعد عودتي سراً من كردستان بمدينة ـ تكريت ـ. هذا التيار يشتغل على نفس الفترة الزمنية والأحداث ـ الحرب العراقية الإيرانية ـ التي أشتغل عليها كتاب السلطة، وأبرزهم من فاز بجوائز قصص وروايات الحرب ـ قادسية صدام ـ ، جاسم الرصيف، فيصل عبد الحسن، عبد الخالق الركابي، وفهمي صالح، وعلى لفتة، ورهط من الكتاب، محسن الخفاجي، محمد شاكر السبع، محمد مزيد، وارد بدر السالم، محمد حياوي، ثامر معيوف، عبد الستار ناصر، حامد الهيتي، وغازي العبادي، ـ ويستطيع القارئ الرجوع إلى كتاب "سلام عبود" ـ ثقافة العنف في العراق ـ الصادر 2002. ليطلع على المزيد من أسماء شعراء أو ناثرين ممن سوق قيم الموت وبرر القمع والحرب ليعين الطاغية بنصوص قامت بتزييف الواقع وتفصيله حسب مقاس أيديولوجية القتلة. ستظهر المزيد من النصوص للكتاب المذكورين في الأيام القادمة، وستعرض المزيد من التفاصيل والتجارب لا سيما وأن الطاغية زال الآن وسلم البلاد للمحتل بقضها وقضيضها. إذ سيستطيع الكتاب المذكورين العودة إلى العراق وتعميق نصوصهم الجديدة التي تستند إلى وضوح الرؤية التي أزهرت نصوصهم الممتلكة ذلك الحياد الموضوعي غير المنحاز لفكر بعينه والمتمسكة بالإنسان العراقي كقيمة أهدرها نظام الطاغية سحقاً. ومن هنا أهميتها واحتفاء الوسط الأدبي العربي بها. هذا الجهد سيتضافر مع جهد كتاب لم يكتبوا لحروب الطاغية مؤثرين الكتابة بقناع التاريخ وشعرية نصوصهم الغامضة كمحمد خضير ومحمود جنداري من جيل الستينات، ولؤي حمزة عباس ونعيم شريف من جيل التسعينات إضافة إلى العديد من النصوص التي لم تقع بين يدي أو غير المنشورة إلى الآن، ستتضافر هذه النصوص مع نصوص كتاب المنفي المبكرين لتظهر نصاعة النص العراقي الحقيقي الذي تطور بشكل كبير مقارنة بنصوص الكتاب العرب وذلك تأتى من طبيعة التجربة العراقية واحتكاك الكتاب المنفيين بثقافة البلدان التي يعيشون فيها، وكتاب الداخل ببحثهم عن وسائل فنية يتقي بها الكاتب عسف سلطة دموية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ النص كتب الشهر السابع 2003. نشر على حلقتين في جريدة الصباح العراقية في 14ـ15ـ شباط ـ 2004. وفي مجلة عيون العدد 17.
#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)
Salam_Ibrahim#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في أروقة الذاكرة رواية هيفاء زنكنة القسم الثاني
-
رواية في أروقة الذاكرة لهيفاء زنكنه رواية تؤرخ لتجربة الق
...
-
المنفى يضرب أعمق العلاقات الإنسانية-خريف المدن- مجموعة حسين
...
-
حافة القيامة- رواية -زهير الجزائري بحث فني في طبيعة الديكتات
...
-
وطن آخر مجموعة -بثينة الناصري القصصية تزييف عذاب المنفى وتم
...
-
في أروقة الذاكرة رواية هيفاء زنكنة القسم الأول
-
عن مقتل صديقي الزنجي عادل تركي
-
ليل البلاد رواية جنان جاسم حلاوي نص يرسم جحيم العراق بالكلم
...
-
عن العالم السفلى لنعيم شريف العراقي يحمل جرح الحروب في الوج
...
-
خسوف برهان الكتبي للطفية الدليمي كيف تنعكس ظروف القمع على ا
...
-
سرير الرمل
-
قسوة
-
التآكل
-
جورية الجيران
-
نخلة في غرفة
-
في ذكرى الرائي عزيز السماوي
-
موت شاعر 1 بمناسبة وفاة الشاعر الصعلوك كزار حنتوش
-
بمناسبة موت الشاعر كزار حنتوش3 موت شاعر
-
بمناسبة موت كزار حنتوش2 موت الشاعر
-
تشوه بنية الإنسان في البيئة العربية المغلقة والقامعة- الجزء
...
المزيد.....
-
ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة
...
-
-شرفة آدم-.. حسين جلعاد يصدر تأملاته في الوجود والأدب
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|