خالد علوكة
كاتب و معلم متقاعد وعضو اتحاد صحفي كوردستان و اتحاد صحفي نينوى
(Khalid Aloka)
الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 00:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
منذ الخلق عاش الانسان على فطرية الطبيعة ومافيها من تقلبات فصلية وماعليها من عشب وماء وقد فسر حياته بخوف من سحر الطبيعة فانتقل الى التفسيرات العديدة احدها التفسير الفلسفي والعلمي للحياة الذي اراد به الخروج الى فضاء العيش المريح ، والفلسفة تعني (حب الحكمة تعمل بوعي عقلاني – نقدي ) وظهر فلاسفة اليونان البارعين عالميا ومنهم افلاطون وتلامذته سقراط وارسطو. وقد سبق الحضارة اليونانية حضارة الفراعنة وبلاد النهرين دون الوقوف على فلسفة - 1- .
والفلسفة سابقة على الدين منطقيا إن لم نقل زمنياً والدين ابن الفلسفة وتحولها الى دين يعني موتها . وتبدأ الفلسفة عندما يبدأ الانسان بتعلم الشك في المعتقدات التي يحبها . والفلسفة لا دين لها ولكن يمكن للفلاسفة ان يكون لهم دين - حسب كتاب اللاهوت العربي -2- وفي الدين ان بدء العالم قابل للايمان وغير قابل للبرهنة !.
وعلاقة الفلسفة بالعلم علاقة تكاملية وتبادلية حيث نشات العلوم في اصلها كانت فلسفية مثل الفيزياء والرياضيات وعلم النفس ، وخلق الكون في الفلسفة مختلف الاراء فمنهم من يقول بالازلية واخرى تقول خلق من العدم ، ولو نظرنا الى العلم في نظرية التطور عند داروين فانه يقول بالتدرج في الخلق من خلية الى كائن والخلية كما نعلم مصدر كل حيّ ، وان خلق الكون حسب الاديان جاء على ايضا على تدرج في ستة ايام والتي ليست مثل ايامنا.
ونجد في العلم فكرة الانفجار العظيم في خلق الكون ، و في بعض الاديان القديمة نقرأ بفكرة الخلق من الدرة بعد انفجارها . فيما ديكارت يقول أن الله دفع العالم دفعة واحدة!. طبعا العلم يقف اليوم بوجه الدين في تقنياته وصناعته المتقدمة التي لانراها في كتب الاديان من اي صنعة او علم فيها رغم ان بعضها تتسم بالعلمية كما قد تتسم بالتاريخ ولكن ليست تاريخية ولا علمية -3-. و مهمة العلم هي بسط سيطرة الانسان على الطبيعة وجعل الحياة سرور ورفاهية 4- . لكن بعد قوانين الجذب العام لنيوتن حصل الفصل بين العلم والفلسفة.
طبعا لايمكن ان تحل الفلسفة مكان الدين ولايقدر ازالتها لثقل الدين العقائدي المقدس الملهم بروح من السماء وخاصة في منطقة الشرق الاوسط الذي جاءت بالانبياء والاديان دون الفلسفة ، والدين هو: الايمان المطلق بالله وبمجموعة عقائد ومبادئ وافكار محكمة ، ونرى التباعد واضحا بين والفلسفة والعلم والدين - والفلسفة تبحث بالموجودات الحية كما في العلم بينما الدين يبحث في الغيبيات . ومنه نجد ديكارت يقول الفكر يسبق الوجود في - انا افكر انا موجود - بينما يكون الايمان بمعتقد اساس وجود وعمل الدين الذي لايقبل غير افكاره اليقينية .
وعند الدين الثابت المطلق غير متحول بينما في الجانب الفلسفي متحول ومتغيرة في نظرتها للاشياء و اجتياح العمل في ميدان الفلسفة متاح للكل ومن له مساحة فكرية ، بينما الدين مقفل على عقيدة معينة تتبعها مجموعة كبيرة ومن الشرائع المحكمة. ونجد في الغرب غزارة وجود الفلاسفة بينما في الشرق قلة الفلاسفة لغلبة الدين وتحريمه من قبل فقهاء الاديان مثل تحريم الامام الغزالي والشافعي وابن رشد . مع ان القران يقول (من اوتى الحكمة قد اوتي خيراً كثيراً) -5-
(والفلسفة ليست ايدولوجية سياسية تعبوية في تغيير المجتمعات بقدر ماهي منطق لغوي يفسر الحياة بمغايرة عن الفهم العام . - 6-) وكما ان الفلسفة تدرك الحقيقة عبر التأمل والفكر الحر.وفلسفة فولتير تقول: تجعلنا نعيش بكرامة اكثر ونموت بسلام اكبر .
وتلتقي الفلسفة والتصوف في سعي الإنسان للحقيقة والمعرفة المطلقة، والتصوف يركز على التجربة الروحية والمعرفة القلبية بينما تعتمد الفلسفة على العقل . ونجد في الفلسفة الصوفية بعد ان ظهرت مدارس فلسفية ضمن الفكر الصوفي، حاولت التوفيق بين التجربة الروحية والمنهج العقلي، مثل أعمال محيي الدين ابن عربي وبعض شيوخ الطرق الصوفية . وهناك رأي يقول بان التصوف سبق الفلسفة بالتأمل وأن الفلسفة هي من انفصلت عن التصوف .
و( الصوفية فيضان لاتستوعبها اللغة لذا تلجأ الى الرمز والحرف *في التعبيروالتنظير – 7-) وكما تعتبر الصوفية لغة كونية للتجربة الروحية تتجاوز الطوائف والعقائد -8
(الانسان انما هو المكان الوحيد الذي يتكون فيه الآله - 9-) و هكذا تكون وجودية الفلسفة كمنهج عملي واقعية ، وليس بالنظر والطلب من السماء كما في الدين .
يرى- (الفيلسوف رسل - ان على الفلسفة ان تكون عملية في جوهرها فهي ينبغي ان تستخرج احكامها من علوم الطبيعة وليس من الدين او من الاخلاق ).
الدين يقول بالقيامة والبعث ونهاية العالم والبعض منه حدد العلامات في قيام الساعة! مع ان عمر الكون بلغ 13 مليار سنة دون نهاية ، ونرى في العلم والفلسفة من يؤمن بذلك متاثرا بالدين ومن الفلاسفة من يملكه الشكوك بذلك في لابداية ولانهاية للكون ربما إعتمد نظرية كل بداية لها نهاية والكون ليس له بداية على مايبدو حتى تكون له نهاية ! او كما قال ماركس ( اذا كان كل شئ له نهاية فكيف يكون أبدياً لايستمر الى النهاية ؟ ). فيما كانط قال: ليس للعالم بداية ولاحدود بل هو لامتناه – ولكن كانط لايحدد قصده (بالعالم) هل هو الكون الميتافيزيقي أم العالم الانساني على الارض - !.
والمادية الفلسفية : تقول لايوجد سوى عالم مادي واحد وانه لايوجد جنة ولاجهنم وان الكون الموجود منذ الازل ليس من صنع اي كائن خارق للطبيعة هو في طور سيلان مستمر والمادة الموجودة منذ الازل كانت موجودة قبل وقت طويل من ظهور اي وعي بها من جانب الكائنات الحية . و جورج بيرلي ت1735م الذي انكر وجود مادة او وجود عالم خارجي باستثناء اقراره بمادية العقل البيولوجية !-
ومن جانب يقول ابن رشد بان الفلسفة هي إخت الدين لان الدين حقيقة وكذلك الفلسفة - ومن طرف آخر يقول نفسه بان الله لايمكن ان يعطينا عقولا ثم يعطينا شرائع مخالفة لها !! وقد تواجهت كل من الفلسفة والعلم وحتى التصوف في منافسة ضد السلطة الدينية والسياسية وحاربوها ولاتزال المعركة مستمرة رغم تاخر الفكر الديني في استيعاب قدرة العلم والفلسفة في اختراق وتغيير الحياة لصالحهما .
يقول (سان سيمون ت 1825م لابد ان ياتي عصر نظام جديد ، ولما كنا في عصر العلم فسينشأ دين يقوم على العلم الطبيعي ويحل محل المسيحية ومذهب التأليه ). فيما يرد نيتشه ت 1844م بقوله (لالتحول الفلسفة الغربية الى دين جديد يقدس الفرضيات المجردة على حساب الحياة الواقعية ) .فيما د. فؤاد زكريا يقول: كل نظرية تبنى على ماقبلها لتجاوزه لا لتقديسه - .
ونرى مؤخرا زحف الفلسفة بالذكاء الاصطناعي مع ان الفيلسوف كانط ت 1804 م سبق الحدث و قد اشار الى ذلك في كيفية جعل الكائنات (من دون ذكاء) تحمل الغايات وتحل مشكلات الانسان ليقول – هل النقش المادي في دماغ النظام الحسابي المماثل لآلة تورينغ *يفسر قدرتنا على الادراك والاعتقاد والرغبة واستخدام اللغة !! .) و تعرض لانتقاد من الفلاسفة كل من سيرل ودريفوس الذين قالوا بعدم قدرة الذكاء الاصطناعي محاكاة الوعي او اعادة انتاج الفكر البشري .
وقبل الاخير اقول- لا أعتقد بوجود فلسفة دينية لأي دين فوق كتابه وشرائع معتقداته المقدسة ، وهذا لايعني عدم وجود عند الاديان – بلاغة تراثية - اوعلم اللغات - وعلم الفقه - وعلم اللاهوت - وعلم الكلام هو: الذي يدافع عن العقائد الدينية بالبراهين العقلية والايمانية وظهر علم الكلام بعد الاسلام وجمع بين العقل والنقل . ونجد عند جماعة اخوان الصفا وخلان الوفا –ظهروا في البصرة معايير حركة فكرية فلسفية لكن لم تنال مبتغاها وكما حاول الفيلسوف بن طفيل بالتوافق بين الفلسفة والدين من خلال النقل السليم ، ولكن نجد كثير فلاسفة أبعدوا ورفضوا من قبل الفقهاء : مثل بن سينا وابن رشد والرازي والفارابي وغيرهم –.
وختاما - تبقى كل الخليقة تعتمد على الله بالضرورة والابدية – وكذلك العقل الفلسفي النقدي لاينكر وجود عوالم في هذا الكون - و الفقر الفلسفي عندنا ادى الى توقف النمو التكنولوجي اعتمادا على الغير بينما نجد في الغرب مئات الفلاسفة والعلماء طوروا الحياة الانسانية والعلمية بحرية الحركة الاقتصادية والانمائية العامة خدمة لشعوبهم .
المصادر والتعريفات :-
1- من كتاب - ماقبل الفلسفة الانسان في مغامرته الفكرية الاولى .
2- من -كتاب اللاهوت العربي .
3- رأي للكاتب د.فراس السواح
4- قول- للفيلسوف الانكليزي بيكون ت1626م.
5- سورة البقرة- 269.
6- مقال للباحث العراقي علي محمد يوسف.
7- *معنى الرمز : اخفاء افكارهم المناهضة للعقيدة السائدة . ومعنى الحرف: اشياء غير مدركة غامضة.
8- قول - للبريطاني الفيلسوف ولتر ستيس .
9- قول- للفيلسوف الالماني ماكس شلر ت 1874م.
معنى الة تورنيغ : نموذج نظري للحوسبة يمثل جهازا حاسوبيا بسيطا ابتكره البريطاني الان تورينغ عام 1936م .
اكتوبر -2025م
#خالد_علوكة (هاشتاغ)
Khalid_Aloka#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟