أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نورالدين الشريف الحراق - الوصية















المزيد.....

الوصية


نورالدين الشريف الحراق

الحوار المتمدن-العدد: 1826 - 2007 / 2 / 14 - 02:14
المحور: كتابات ساخرة
    


وأنا عائد من العمل، في إحدى الليالي الممطرة، عليلا، منهك القوى، شاحب المحيا، كمن تطوع بالدم طوال النهار، دلفت إلى حانوت بائع السجائر الذي عند بابه تمتد صناديق الفاصوليا. ما كدت أرى علامته الضوئية الزرقاء من بعيد حتى أحسست بنوع من الارتعاش. كالعادة أقتني منه ما يسد رمقي خلال عملية استرجاع النفس. بشكل مباشر وعلى قدر ما توفره الظروف طلبت منه كمية من الفول السوداني، ثم انطلقت بانفعال والدوار ينغص أحشائي. أفرغت فاكهتي الجافة بسرعة في جيب السروال وصرت أتلاعب قليلا بالورقة الصفراء المتوسطة الحجم التي لُفَّت فيها. فجأة التقطت عيناي أسفل الورقة طابعا أسود اللون في قلبه راية خضراء تعلوها خطوط مزركشة بخط اليد. انتفضت قليلا ثم استدركت الوثيقة التي انفلتت من بين أصابعي. التقفتها ثانية من بين الركام وحملقت فيها لبرهة ولم أصدق ما رأيت.
« الحمد لله الذي لا إله إلا هو، جفت بذكره الأقلام وارتهنت بهمته الأنام، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، النبي الأمي المصطفى، خاتم الرسل والأنبياء، وعلى آله وصحبه أجمعين ! من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله !
« أيها المجاهدون الأشاوس ! أيها الأبطال النشامى ! يا زهور الفتوة والإباء ! يا فرسان الحق المبين ! طوبى لكم يا من استرخصتم الحياة في سبيل الله، فأنتم المبشرون بالجنة ! طوبى لكم يا من فارقتم الحمى، وهجرتم الديار، وأوكلتم الأيتام والأرامل والأمهات الثكلى للثلة الناجية من النار! طوبى لكم، يا من خسفتم الأرض بالطغاة في مشارق الأرض ومغاربها، وزلزلتم أبراجهم، ودهستم معاقلهم، ونكلتم بفلول من والاهم من أرجاس اليهود والنصارى والمجوس والصابئين ! بشرى لكم، يا من ضيعتم فلذات أكبادكم ولو في أنفسكم خصاصة، فأنتم مشاعل النور القهار الذي لا يُبقي ولايذر، إلا ما شاء الله !
« لقد أخنى الدهر بكلكله على الكفار فور إحقاق الفِدى، فاصطكت من هول الفاجعة أضراسهم، واشتعلت رؤوسهم شيبا، وافرنقع بعون الله شملهم، وتكأكأت على هاماتهم الآفات، واستشرى التبور في خيامهم، وتمرغت في المهانة أنوفهم، وانقطعت من دار البقاء دبورهم، فصاروا كالجرذان الخاسئين يتحسسون بين الركام أوكارهم روعا، ويحسبون كل صيحة عليهم، جزاء لهم بما كانوا يفعلون !
« لقد صلصل حسام الفصل بين أهل الجنة والنار، وصعصع الحق البتار في أرض الوغى، وأرغى نداء الردى وأزبد في قلوب من لم تثرهم حمى الجاهلية طمعا في دوخات اللذة على أرض الوهم والخنوع، وصار الجهاد فرض عين على كل مسلم آمن بالله وباليوم الآخر وحمل الرسالة وأدى الأمانة واستنفر المجاهدين من كل حدب وصوب !
« فصبرا جميلا يا آل الصراط المستقيم، يا معشر القابضين على الجمر من المستنفرين طوعا من جند الخفاء ضد المارقين والكفار والمشركين، فأنتم الأعلون ورب الكعبة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ! فما كان الإدبار ساعة اليقين من شيم الصناصيد، بل هو ديدن المتكالبين على حب الدنيا وملذاتها ! فهيهات ! هيهات ! ما كانت فتن دار الفناء وأهواءها وكنوز الأرض وما فيها لتصدنا ولو قيد أنملة عن طلب الشهادة ! وما ملأت كنوز الذهب والفضة نفوسنا و لا قرت أعيننا بحمل البعير من الزمرد والفسيفساء ! ألا إن صرخات المشركين ونحن نذبحهم في البرية لألذ على القلب ولألطف على المحيا ! فيا لها من حظوة عظمى و يا له من فضل عظيم !
« يا إخوة الورع والتقوى والإيمان، يا أيها الأحبة من الأشداء على الكفار والرحماء فيما بينهم، مصداقا للآيات البينات من الفرقان العظيم، يا من شبوا على حب الغارات والغزوات وسبي الغنائم من الأعداء، من تخوم بدر وكثبان حنين وسهوب يرموك وتلال حطين وجبال زلاقة وخنادق قادسية ! يا من نهلوا من معين المهاجرين والأنصار من فروع قريش وقحطان وتهامة وبني كلب ومن أفخاذ الأوس والخزرج ! يا من أخرسوا قطعان بني قينقاع وبني النضير من اليهود والصابئين في غزوة الخندق، وكانوا سندا للرسول يوم دخول مكة وشهداء يوم حجة الوداع !
« إن الطوائف النورانية الصرفة من ملائكة الرحمن التي تتملى في طلعة الحق المتعالي تُسبِّح لكم في السماء العلى، وتتباهى بكم في العالمين، وتشهد لكم بالصولة والسؤدد والفوز العظيم ! وعلى ضفاف الفردوس حور العين بشوقها تكلأكم، وأقداح الخمرة العصماء على الأرائك في علم الغيب تجرفكم، والحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أجمعين بسدرة المنتهى يشفع لكم !
« بأبي أنتم وأمي، يا معشر المبشرين بالجنة، لا فض فوكم ولا انقطع فضلكم، فلا توجلوا ولا تنكفئوا، فأنتم على الحق حجة ويوم المحشر شفاعة وبين الأنام نور وهداية ! فما بقي في الدنيا إلا الديدان من وسخ الأرض تتغذى من عذاب القبر ومن أهوال الجحيم، فيسقوا منها حمما فائرة !
« ألا بئس القوم الظالمون ! تدججي بالسلاح الأبتر، يا فلول الثلة الناجية من النار، واهجري الكفار، واسلكي الصراط المستقيم، وكوني خير خلف لخير سلف، فالجهاد في سبيل الله هو المبتغى ! قومي آناء الليل وأطراف النهار وأشفعي وأوتري وهللي وزغردي واقرعي الدفوف والطبول واذبحي القرابين وكلي واشربي هنيئا مريئا !
" لقد أكمل الله لنا ديننا وكنا خير أمة أنزلت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ولا تعصي لربها أمرا، وكان الله وليا ونصيرا ! ومن صال وجال بالمنكر والفحشاء ظلما وعدوانا على طول بلاد الدنيا وعرضها، وخالف الملة، واستنكف الجماعة، وارتكب الموبقات من خمر وميسر وزنى فمحاربته واجب شرعي ولا مناص من كسر شوكته ابتغاءا لمرضاة الله !
« فالتاريخ لعبة والعقل مضيعة والإنسان جيفة والدنيا هلاك ! ودماء بني البشر أجمعين في كل بقاع الدنيا حلال عليكم كما تحل الأضحية على القربان بين الشموع والبخور يوم الفرحة الكبرى، إلا من أقر ذنبه كرها، وتاب توبة نصوحا، وأسلم فسلم، لعلهم يعلمون ! أجهزوا عليهم بما تملكون من قوة وبأس شديد، وافقؤا عيونهم، وابقروا بطونهم، واقطفوا رؤوسهم، واقطعوا أوصالهم إربا إربا! فتالله، ما نلتم شرفا أعظما ! فمالهم مشاع، وعرضهم مباح، وذريتهم عبيد وإماء، ونساءهم جواري في سوق النخاسة ! "
انتابني خوف شديد عند الانتهاء من قراءة تلك الورقة الصفراء. بدون تفكير نظرت خلفي اتقاءا لأي مكروه. فمغاوير السلطة عيونهم مفتوحة جدا وقد يداهموني على عين غرة وتلك المصيبة بين يدي. أسرعت قليلا ثم تخلصت منها في إحدى البالوعات بعدما مزقتها إلى أشلاء.



#نورالدين_الشريف_الحراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإبداع الشعري بين مساءلة الذات والمدى الرمزي
- جدلية الديني والسياسي ... المغرب نموذجا
- التصادم الإسلاموي / الليبيرالي أو المأزق المزدوج
- زخات من زمن الرصاص
- بين الحقيقة والإنصاف ... حالة إفلاس
- رهانات الإصلاح الدستوري في المغرب
- العولمة والمسألة الديموقراطية


المزيد.....




- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نورالدين الشريف الحراق - الوصية