هايل نصر
الحوار المتمدن-العدد: 1825 - 2007 / 2 / 13 - 08:04
المحور:
حقوق الانسان
عدم الاعتراف للمواطن العربي بمواطنيته لم يعد يقتصر على إنكار أهم حقوقه الأساسية, واستجداء ما تبقى منها استجداء, وإنما رتب عليه إضافة للواجبات المفروضة قانونيا, واجبات مادية ومعنوية, محلية, مبتدعة, غير معلنة وغير سرية, وغير مسبوقة, تثقل كاهله وتذله, كواجب دفع الرشاوى, وواجب تقديم فروض الطاعة لحكّامه يوميا بمناسبة وبغير مناسبة. مواطن مكشوف دون حماية دستورية أو قانونية. مع وجود دساتير وقوانين غير مرعية التطبيق في غالبيتها, ولرجال الأمن والموثوق بهم الاختصاص في تفسير وتطبيق كلما يعتبرونه مساس بالنظام العام.
لم يعد مصير هذا المواطن كشخص هو فقط ما يقلقه, وإنما المصير المجهول لأسرته وأبنائه. أما الوطن فقد افهم بأن لا علاقة له بمصيره لأنه بأيد أمينة.
منذ تفرد الأنظمة الشمولية بالقرارات السياسية, والاقتصادية, والاجتماعية, بعيدا أن أصحاب الشأن, الشعب, الذي أصبح لا شأن له, وتحكمها بالقضايا المصيرية, لم تعد أجيال بأكملها سيدة مصيرها. فقد أخذت الحاكم العزة بالإثم فاعتبر نفسه مالك الدولة ومكوناتها, وله حق التصرف بملكيته طالما لم يصدر الحجر عليه, بعد, لسفه أو فقدان أهلية.
فلم يعد المواطن يردد القول: ما أصعب العيش لولا فسحة الأمل. هذه الفسحة التي كان يحلم بها أخذت تضيق وتضيق لتتلاشى, و لتنعدم نهائيا. ومثاله ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية على مستوى واسع, بالصوت والصورة, عن محاولة انتحار جماعي قام بها عشرات المغاربة من حاملي الشهادات العليا, خرجي الجامعات المغربية و الأوربية, ومن شتى الاختصاصات. الباحثون, دون جدوى, عن عمل منذ 7 أعوام. أي عمل شريف يبقي صاحبه على قيد الحياة.
لم يعرف تاريخ البشرية محاولة مثل هذه, لسبب مثل هذا, ومن فئة مثل تلك, في بلدان حباها الله والطبيعة بما لا يتوفر لكثير غيرها, من ثروات وموارد طبيعية.
موجات من العرب القادمين, مع آخرين من جنسيات أخرى من بلدان البطالة والاضطهاد, إلى الغرب ــ ليشكلوا ما يعرف بالهجرة غير الشرعية أو السرية والتي خصصنا لها أكثر من مقال ــ بعضهم يحدوه الآمل بعمل. والبعض ينشد الحرية والكرامة الإنسانية. قادمون في ما أصبح يعرف بقوارب الموت لغرق غالبيتها في عرض البحر بمن فيها ــ 10 آلاف غريق في البحر من الأفارقة والعرب كانت حصيلة العام 2005 ــ ومع ذلك يركبها من يعرف المصير الذي قد ينتظره. فالموت لم يعد يعني له شيئا أمام الجوع, والعوز, والذل, وفقدان الكرامة.
و رفقا بهؤلاء لم تجد إحدى هذه الدول إلا حلا وحيدا ناجعا للمشكلة, رأفة بمواطنيها وإبراء لمسؤوليتها أمام الله وعباده, فلجأت إلى استصدار فتوى من احد علمائها على شاشات التلفزيون يحرم فيه الهجرة بمثل هذه الطريقة, لأنها تؤدي إلى التهلكة, وترقى إلى درجة قتل النفس. وبالتالي تقود صاحبها إلى جهنم وبئس المصير.
وبحثا عن حلول ناجعة, زيادة على الفتاوى المذكورة, تعقد بين فترة وأخرى مؤتمرات تضم الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية, ودول المقصد. فتبذل هذه الأخيرة جهودا فعلية للوصول إلى حلول لمشكلة تقلقها وتؤثر في سياستها الداخلية ــ وخاصة في المواسم الانتخابية ــ وبرامج أحزابها, و استغلال اليمين المتطرف لها لزيادة وتعزيز مواقعه, بما يعطيه حجما كان لا يمكن أن يصله لولا استغلاله لمسألة الهجرة, وبشكل خاص الهجرة غير الشرعية. ومن الإجراءات, إغراء المهاجرين بالعودة مع التعهد لهم شخصيا بمساعدتهم المادية. كما تخصص مساعدات لحكومات الدول النابذة لأبنائها, علّها تسهم في إيجاد أعمال, للمرشحين للهجرة في عين المكان, في أوطانهم وبين ذويهم, وتوفر لهم ظروف الاستقرار. غير أن هذه المساعدات لا تذهب في الاتجاه الصحيح, وإنما تحوّل عن هدفها لتصبح موارد رزق لأعضاء هذه الحكومات, ومصادر ثراء جديد مضاف للمصادر الأخرى, السري منها والعلني. إجراءات لم تسطع الحد, ضمن الظروف السائدة, من مسألة الهجرة وما يترتب عليها من نتائج خطيرة. ولكن الدول النابذة لمواطنيها لا ترغب فعليا بالحد من هذه الهجرة التي ترى فيها تخفيفا من مشكلة البطالة لديها, و ما يمكن أن ينتج عنها من أزمات ومشاكل اقتصادية واجتماعية, تقود إلى خلخلة أمنها. كما تستفيد من تحويلات المهاجرين والمغتربين بالعملة الصعبة لدعم ميزانيتها واقتصادها.
ولا مجال هنا لبحث مسألة الهجرة غير الشرعية, أسبابها, ونتائجها, وطرق التصدي لها, وإنما سنكتفي فقط بإعطاء فكرة سريعة للمرشح لهذا النوع من الهجرة عن المعاناة الدائمة التي يعانيها المهاجر غير الشرعي, وذلك في ضوء المعاينة اليومية والخبرة التي تتوفر لنا في هذا المجال.
من هم المهاجرون غير الشرعيين (clandestines Les) حسب القوانين الأوربية :
ـ القادمون من الدول الأجنبية للعمل في إحدى الدول الأوربية دون وثائق سفر وتأشيرات دخول.
ـ قادمون بشكل قانوني انتهت فترة إقامتهم ولم يغادروا بلد الإقامة.
ـ طالبو اللجوء السياسي الذين دخلوا البلاد ولم يمنحوا هذا الحق, ولم يغادروا بعد استنفاذ طرق الطعن, والطلب منهم رسميا المغادرة.
ـ القادمون للدراسة, موفدون من قبل دولهم أو على نفقتهم الخاصة, ولم يغادروا بعد انتهاء دراستهم وإقامتهم.
نصت المادة L.211-1 من قانون دخول وإقامة الأجانب على أن الدخول لفرنسا لا يعتبر قانونيا إلا في حالة تقديم وثائق تجيز لصاحبها الحصول على تأشيرة دخول. ففي عام 2003 تلقت القنصليات الفرنسية في الخارج 2500000 طلب تأشيرة دخول وافقت على مليونين منها.
كما أقر اتفاق شنكن « Schengen »تأشيرة موحدة صالحة في كل الدول أعضاء الاتفاقية ومدتها القصوى 3 شهور. أما تأشيرة الإقامة الطويلة فتنظمها الأحكام القانونية الوطنية لكل دولة عضو.
إلى جانب حق اللجوء يعتبر التجمع العائلي regroupe familial حاليا الإجراء الوحيد القانوني للهجرة لفرنسا (دخل عن طريق التجمع العائلي عام 2003 أكثر من 25000 شخص).
أما الإقامة الممنوحة للطلاب فهي إقامة مؤقتة ومتعلقة بالدراسة ولا تحوّل إلى أي نوع آخر من أنواع الإقامة التي تعطي لحاملها حقوقا حددها القانون. ويتم تجديدها سنويا عند تجديد التسجيل للسنة الدراسية اللاحقة.
لا يستفيد المقيم في فرنسا بصفة غير شرعية من أي ضمان من الضمانات الاجتماعية والصحية التي يستفيد منها المقيم بصفة قانونية, مثله مثل مواطن البلد الأصلي, كما لا يحق له العمل لان هذا الحق مرتبط بالإقامة.
يتعرض المقيم دون أوراق قانونية للتوقيف الفوري فور اكتشاف أمره من قبل الشرطة المختصة. وبعد التحقيق معه, يتم استصدار قرار ترحيل ضده reconduite à la frontières من قبل المحافظ le préfet . ويقتاد إلى مركز الحجز مع طاب يوجه لقاضي الحريات والحجز بان يصار إلى إبقاء الموقوف 15 يوما للتحقق من جنسيته وهويته, وحجز مكان له على اقرب رحلة لإعادته إلى بلده الأصلي. وفي غالبية الحالات لا يعترف الموقوف باسمه الصحيح ولا بجنسيته. و يدعي الكثير منهم بأنهم عراقيون أو فلسطينيون. لان مواطني هذين البلدين غير مسموح بترحيلهم للظروف الحالية السائدة فيهما. و لا نريد هنا إعادة ذكر الإجراءات الإدارية والقضائية بهذا الخصوص فهي مذكورة بالتفصيل في مقالنا الاقتياد إلى الحدود المنشور في الحوار المتمدن.
معاناة الذين يعملون سرا أعمالا مؤقتة, دون ترخيص, كبيرة جدا. فهم لا يستفيدون من الحقوق والحمايات التي يوفرها قانون العمل. كما يجري استغلالهم بشكل بشع ممن يتجرأ من أصحاب العمل ويقبل بتشغيلهم متحملا مسؤولية مخالفة القانون الذي يعاقب عليها بشدة.
ليس كل المهاجرين من اليد العاملة غير المؤهلة, أو التي لم يسبق لها الخبرة في مجال العمل فبينهم أساتذة جامعات أصحاب خبرة طويلة ويعملون هنا, في فرنسا, في أسواق الخضار. وأطباء تركوا المهنة في بلادهم, ليعمل أصحاب الحظ منهم في مستشفيات في أقسام الطوارئ وبساعات محددة وظروف صعبة. وطبيبات أسنان ومدرسات يعملن في التنظيف nettoyage في المؤسسات الخاصة والعامة.
ومع ذلك تطالعنا صور وردية لهؤلاء تبثها التلفزيونات العربية مخصصة للمغتربين ونشاطاتهم ــ وخدمتهم للوطن ألام الذي كان له الفضل, ولقادته بشكل خاص, في إيصالهم إلى النعيم الذي يعيشونه ــ فتظهرهم, كلهم, رجال أعمال, وأصحاب مؤسسات وشركات, ورجال علم واختراع, يحترم الغرب مواهبهم ويقدرها, ويشكر الدول التي سمحت بإيفادهم إليها للمساعدة في بناء الحضارة الغربية وتطويرها. ولا تشير هذه البرامج مجرد إشارة لمعاناة من يعيشون دون سكن و يعرفون بفرنسا Les Sans Domicile Fixes. S.D.F. . ولا للذين يشكلون غالبية مجموعة المتشردين clochardes في أوروبا, ولا من ينجرون نتيجة للضياع لارتكاب أعمال تدخل في الجريمة. فلم تستضف أحدا منهم حفاظا على سمعة الوطن وقادته. هذه البرامج التضليلية غير المسؤولة تخلق عند المكتومة أنفاسه في وطنه مشروع مهاجر غير شرعي, وان نجح هذا المشروع بالوصول, فانه سيصطدم بالواقع الأليم وقد يتعرض للضياع.
لا شك أن الإنسان العربي ليس اقل من غيره في مجال عمله, ولكنه لا يفوق هذا الغير لمجرد كونه عربي من هذا القطر أو ذاك ( قليل من التواضع, فالكل خير وبركة). و لاشك أن هناك رجال أعمال, وأطباء, وأساتذة جامعات, ومثقفين ثقافة عالية من العرب في الغرب. ولكن هؤلاء لا يعادلون نسبة واحد على عشرة آلاف من مجموع المهاجرين البالغة أعدادهم الملايين. منهم مئات آلاف يعيشون على خط الفقر وعلى المساعدات الاجتماعية, والحد الأدنى الذي يكفله لهم القانون. و يشكلون نسبة كبيرة جدا في البطالة. ويعانون نتيجة أوضاعهم المادية وعزلتهم, وعزلهم لأنفسهم, مشاكل كثيرة تتفجر بين حين وأخر في ما يشبه العصيان وأعمال العنف, كحرق السيارات, وسرقة المحلات والاصطدام مع الشرطة ..
ليست عدم المسؤولية والتعمية والتضليل التي تبثها وسائل الإعلام هذه فيما يخص أوضاع لمهاجرين, والجاليات العربية في الغرب, هي ما تزعج هؤلاء, وتثير السخرية لديهم عند مشاهدتهم لبرامجها وقراءة كتاباتها, وإنما ما يزعجهم, ويقلقهم, هي محاولات حكومات الدول التي ينتمون إليها متابعتهم في الخارج وإخضاعهم لسياساتها الداخلية, علهم يكنون أدواة نشر وتبرير لتلك السياسات. فتفرض تنظيمهم في منظمات حزبية تابعة لها, أو نقابية, أو جمعيات أو رابطات.. وتنشر بينهم من ينقل أخبارهم, ونشاطاتهم السياسية والمهنية.., التي قد لا ترضي تلك الحكومات. فتزرع بذلك عدم الثقة والحذر والخوف في صفوف المهاجرين. كل ذلك تحت شعار تعزيز الانتماء للوطن وتمتين العلاقة بين المهاجر و وطنه. وكأن هؤلاء ينتظرون التعليمات الرسمية, والوصفات المقدمة في جرعات جاهزة أدت إلى شلل كامل لقطّاعات كبيرة في داخل بلدنها, أنهم ليسوا في موقع من يعطي الدروس في الوطنية, ولا هم القدوة الصالحة للمواطنين. مفهوم الوطنية والإخلاص للوطن يراه المهاجر يوميا في أمثلة حية و في تصرفات الحكام والمحكومين في الدول الديمقراطية.
كما أن المهاجرين أو المغتربين لم ينتظروا يوما تعليمات حكام بلدانهم لمساندة القضايا الوطنية. فكانوا دائما المعبرين عنها بكل الطرق الحضارية, من كتابة وندوات ونقاش مفتوح وتظاهرات, لا تشبه بطبيعة الحال تلك المسيرات المنظمة التي يتحول الآلف المشاركين فيها لحملة صور الحكام منشدين بعزهم هاتفين بخلودهم.
لم يشعر المغترب أو المهاجر يوما بمساندة دولته له في أية قضية تخصه, مها كانت عادلة, فنرى المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان, و الجمعيات المدنية, تقف إلى جانبه لمساندته دون أن تحرك سفارة بلده أو قنصليته ساكنا. وبالعكس فان المعني يتوجس منها خيفة ولا يريد أن يعلمها, أو يجري إعلامها به, وبمكانه, فهي الرعب الممتد لما تركه في وطنه.
ومع ذلك تفرض العديد من الدول على المغتربين أو المهاجرين الحاملين لجنسيتها ضرائب تسمى ضرائب اغتراب, أو هجرة, فلا تسوى معاملاتهم في السفارات, أو في الوطن, دون دفعها كاملة, منذ بدء التشرد أو الاغتراب أو الهجرة أو التهجير, إلى حين طالب المعاملة, أو العودة. ضريبة لا علاقة لها برسوم المعاملات وطلب الوثائق والطوابع المالية, ولا تسقط بالتقادم. ولا يعرف احد مبررات فرضها, ولا الأساس القانوني الذي قامت عليه, وإنما هي ضريبة قائمة بذاتها يدفعها المغترب لمجرد كونه مغترب. وربما تدخل في باب ضرائب الرفاهية !!.
ورغم مغريات تحصيل هذه الضرائب تمنع العديد من الدول, الجابية, عودة مواطنيها المغتربين, أو المهاجرين, أو المهجرين, بحرية إلى أوطانهم أو زيارتها. وتفرض على من تسمح لهم بالعودة قيودا مذلة. وفي الوقت نفسه تريدهم سفراء يدافعون عن سياساتها ويبررونها, باسم الدفاع عن الوطن, مسوقة نفسها على أنها الوطن!!!.
فلا يحسدن المقيم مهاجرا ولا المهاجر مقيما.
#هايل_نصر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟