نصر حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1825 - 2007 / 2 / 13 - 07:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مناسبة مرور الذكرى الخامسة والعشرون لمأساة حماة التي تصادف في شباط من كل عام تتكرر كالمعتاد الكثير من القراءات المتناقضة والمختلفة لتلك الكارثة الوطنية والإنسانية التي نفذت ضد الشعب السوري كله بنسب من الهمجية متفاوتة كانت أكثرها انتهاكا ً لحقوق المواطنين في مدينة حماة وأخذت المأساة أبعاد جرائم إبادة جماعية هي في شكلها القانوني والإنساني تمثل جرائم ضد الإنسانية بكل المعايير والمقاييس ومن الناحية الوطنية مازق أخلاقي للنظام ورموز الجريمة على حد سواء.
وفي إصرار النظام على تجاهل الجريمة ومخلفاتها عاملا ً مضافا ً إلى توليد المزيد من مشاعر ومواقف متناقضة أيضا ً بعضها موضوعية تريد علاجا ً لما حدث وبعضها بدون إطار واضح سواء ً لتقييم ماحدث أو لمعالجة مخلفاته وطنيا ً وانسانيا ً ومحاسبة المنفذين ,والخطير في الموضوع هو النظر إلى الجريمة من زاوية النظام والجلادين المنفذين لها الذين يحاولون خلط أحداث الماضي بأحداث الحاضر أو تحميل جرائمهم على خوف الحاضر في محاولة للتهرب من المسؤولية السياسية والقانونية وكأن الموضوع يخص هذا التيار السياسي أوذاك وغاب عن ذهنهم أن الموضوع يخص عشرات الأولوف من الشهداء والمفقودين ومئات الألوف من المشردين والأيتام والأرامل والمعوقين المهملين وطنيا ًوأنسانيا ً وقانونيا ً.
وفي استمرارغياب المعالجة القانونية الرسمية الشاملة واستمرار إهمال النظام لأبعاد الجريمة الإنسانية والإجتماعية والوطنية يزداد الإحتقان وتتعدد المواقف ويزيد فعل بعض المنفذين للجريمة في توتير الوضع الأهلي في سورية بإصرارهم على تصوير الأحداث طائفيا ًوإسقاطها على مايحدث الآن من صراعات مذهبية وطائفية ويدفع الأمور باتجاه إعطائها طابعا ً متطرفا ًمستمرا ً في سلوكه المنحرف وممتطيا ً موجة الإرهاب التي أصبحت جراب فضفاض يرمي به كل فاسد فضائحة وكل فاشل عجزه وكل مارق عن القيم الوطنية تآمره وتخاذله ,وكل حاقد على الوطن أمراضه وعقده , أي مصرا ً على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الشعب السوري وعرضها في بورصة الصراعات الإقليمية والدولية في محاولة لسحب الموضوع من إطاره الوطني إلى الإطار الإقليمي والدولي على أمل طي الموضوع أو نسيانه على أرضية الصراعات الدموية التي تحدث في المنطقة .
والغريب في الأمر أن الذين نفذوا وارتكبوا أفظع الفصول مأساوية في تاريخ سورية في مجزرة حماة يدعون اليوم لنسيان الماضي ببساطة وكأن الأمر يتعلق ببضع دجاجات وفتح صفحة بيضاء جديدة ليرتكبوا جرائم جديدة ويحولوها إلى صفحة سوداء جديدة لأن هذه هي طبيعتهم وهذا تاريخهم الأسود وطنيا ً وانسانيا ً وهذا دورهم وفعلهم الذي مزق النسيج الوطني وألغى دور سورية القومي وهذه هي أمانتهم في نهب المدينة والثروة الوطنية الذين يلعبون الآن بالمليارات التي تعجز عنها أكبر شركة كونية للإلكترونيات (كمايكرو سوفت مثلا ً التي هي جهد مئات الألوف من العباقرة والمهندسين المبدعين وليس اللصوص ) والشعب السوري يتضور جوعا ً وحرمانا ً وأزمات اقتصادية من نهبهم ثروة الشعب والوطن وفسادهم وهم يستثمرون ماسرقوا من أموال الشعب في أنفاق العالم وجزره ومراقصه ,وهذا ليس تجنيا ً بل ماتنطق به أفواههم ويعبر عنه سلوكهم وممتلكاتهم وبعض أحاديثهم الخاصة التي تدور بهمس وخوف حول الموضوع ولانريد وليس وقته ولامن اختصاص أحد سوى قضاء حر ونزيه أن يفتح ملفاته ويحسمه وطنيا ً وقانونيا ً في هذه الظروف الخطيرة التي تمر بها سورية والمنطقة ,ولكن بشكل عابر نقول أن هناك أحصائيات مرعبة لعدد الأيتام والمشردين والمعوقين والمفقودين والذين أصيبوا بكوارث نفسية واجتماعية وإنسانية وهم بمراتب عشرات ومئات الألوف ومايعادل اثنان مليار دولار غنائم حرام نهبها منفذي المأساة من مدينة حماة والقوائم موجودة بانتظار القضاء الحر العادل النزيه.
وغير المقبول وطنيا ً ولاسياسيا ً ولا أخلاقيا ً هو تسطيح الجريمة وتبسيطها والنظر إليها ببعدها الطائفي الذي مصدره هو المنفذون والنظام ورموزه وليس شيئا ً آخر, لأن الموضوع في أبعاده الأساسية هو وطني أولا ً وسياسي ثانيا ً وأخلاقي ثالثا ً وإنساني رابعا ً وقانوني خامسا ً وإجرائي يتعلق بحسم صحيح لهذه الصفحة السوداء وبناء أسس المستقبل على دعامات وطنية متينة سادسا ً, وباختصارالموضوع ليس فلسفي يتعلق بتفسير ظاهرة مستعصية ,ولاخطابي يراد منه تنمية مشاعر اليأس والثأر الممتدة سرطانا ً في التاريخ العربي الجديد القديم ,ولامسألة مجردة يحلها تفكير سطحي ولاحدث طارئ يتم تجاوزه برغبة فاعليه وقدرتهم على التلفيق وتغطيته بمقال هنا وتعليق هناك والدعوة لطاولة هناوهناك , لأن مفاتيح الحل والربط ليست بيد أحد بل هي بيد الضحية ,يد الشعب وهو الذي يملك الكلمة الأولى والأخيرة في هذا الموضوع .
والمعروف لدى عامة الشعب السوري وللمتضررين وضحايا الأحداث ,من المرتكبين لها وماهي الملابسات الوطنية والسياسية التي دفعتهم إلى ارتكاب تلك الجرائم وبذاك المستوى المشين من العنف والهمجية والمعيب أخلاقيا ً في حياة سورية ويجمع الكل على أن سبب الأحداث هو وطني قبل كل شيئ ومتعلق باستمرار نظام توفرت له بحكم طبيعته الغير وطنية حاضنة خارجية تلاقى معها في الأهداف والمصالح خلاصتها هو اجهاض الحركة الوطنية في سورية والمنطقة وأن التنفيذ العملي على الأرض في سورية وخارجها هو مجرد تفاصيل إجرائية تتعلق بتنفيذ مخططه الخبيث على الساحة العربية وهذا التقييم قديم ولاعلاقة له بمايجري الآن سوى أن ماوصلت إليه سورية والمنطقة يؤكد صحة مواقف المعارضة السورية عبر عشرات السنين , بتعبير آخر إن النظام السوري كان الحامل الأساسي لما تشهده سورية والمنطقة اليوم من حالة انهيار أوصلها إليه باستخدام العنف والفساد والمساومة على مصالح الشعب واللعب بالثوابت الوطنية بدون رادع .
وعليه إن ماحدث له أبعاد متعددة أحدها وأقلها تأثيرا ً بالأحداث هو البعد الطائفي وهو في حقيقته يمثل بعد النظام نفسه وليس تعبيرا ً عن واقع طائفي في سورية هو غير موجود سوى في سلوك النظام في محاولة لربط كل أطراف المعادلة الوطنية في يديه ومحاولة إيقاعها تصادما ً مع بعضها لإستمرار حاجته إلى البقاء لتنفيذ الدور الموكل إليه , ونحن من هذا الوطن نقول وبمنتهى الموضوعية أن العامل الطائفي فجره النظام نفسه وليس هناك في الوعي الشعبي العام في سورية ترسبات طائفية بتلك الدرجة الخارجة عن إطار المالوف ضمن طبيعة التكوين التاريخي للشعب في سورية , وبشكل أكثر وضوحا ً وتحديدا ً إن الطائفة العلوية هي جزء من هذا الشعب وعانت من قمع النظام ماعانى منه بقية ابناء الشعب وتتحمل من المسؤولية الوطنية مايتحمله الآخرون من أبناء الشعب السوري سواء ً بسواء وهذا مقروء من قبل الشعب السوري ومن ضحايا جرائمه ومتضرريه قبل الآخرين الذين يتعاملون مع الموضوع بشكل وصفي آني يغطي النار بمزيد من الرماد , وأيضا ً استمرار نفس النهج الطائفي والمذهبي للنظام وأصحاب الدعوات إلى فتح الصفحات البيضاء وهم في طائفيتهم وسواد جرائمهم وفسادهم غارقين إلى آذانهم .
والخلاصة لاأحد إلا الشواذ وطنيا ً وطائفيا ً وإنسانيا ً يريد قتل الناطور , وليس من مصلحة الشعب السوري تفجير حساسية الوعي الطائفي ولاأحد يعمل على ذلك سوى النظام وأصبح سلوكه واضحا ً على مستوى سورية والمنطقة , وعلاقته مع إيران مبنية أساسا ً على هذا البعد لضمان البقاء وليس لها من مرتكزات سياسية أو تبادل مصالح تخص الشعب لامن قريب ولامن بعيد ولامن حساب السياسة ولا التجارة أن يخسر العرب مقابل استمرار علاقته مع إيران وللأسف نقول المذهبية وليست الدولة التي تتصرف بمسؤولية للحفاظ على مصالحها وتأسيس علاقات احترام متبادل بينها وبين جيرانها, وعليه يجب عدم الخلط والتسطيح وخاصة في المسائل التي تتعلق بماضي الشعب ومستقبله أولا ً ويجب قراءتها بموضوعية في حدودها وليس تكبيرها وتضخيمها لتصبح حامل تفتيت وتفجير وضع محتقن في سورية ثانيا ً وعدم إسقاط السياقات الراهنة التي تمر بها سورية عليها ثالثا ً وأن المطالبة بمحاكمة الفاعلين هي مسألة قانونية ووطنية وليست إفرازات الوضع الإقليمي التي تطغى عليه المطالبات بمحاكمة النظام السوري على جرائمه هنا وهناك رابعا ً وأن تفهم وطنيا ً وليس طائفيا ً كما يصر النظام على حصرها لإشاعة الخوف والفوضى والغريزة من جديد في الحياة العامة في سورية خامسا ً وأن تقرأ المأساة بهدف معالجتها وطنيا ً قبل أن يفجرها النظام والظروف الإقليمية بشكل عشوائي مضر بالوحدة الوطنية وسورية ليست استثناء ً عندما يغيب القانون ويعم الظلم وتصبح الغريزة هي خط الدفاع الأخير سادسا ً وأن الديموقراطية التي أصبحت الآن ضالة الجميع على الساحة السورية يجب الحرص على فهمها بشكل سليم وعدم تشويهها ونقلها لتصبح ظاهرة صوتية معدومة المضمون والآليات سابعا ً وأن بناء عملية تفكير جديدة في سورية مبنية على التسامح ضمن إطار المطلب الديموقراطي تتطلب قبل كل شيء تثبيت قيم العدل والمحاسبة والثقة بين أبناء الشعب ثامنا ً وأن الدعوة لمحاسبة مرتكبي الجرائم يجب نقلها من حيز الخطاب والوصف إلى حيز القضاء واتخاذ الإجراءات القانونية برفع الظلم وفرض هيبة القانون والعدل تاسعا ً وأن الإنسجام مع من يدعي الديموقراطية هو الحرص على البدء السليم لتأسيسها على قواعدها وآلياتها المعروفة الغير قابلة لتفريغها من محتواها لتنحدر إلى ديموقراطية بوس اللحى والشوارب ليظهر لنا الظلم والنظام بشكل آخر وينتقل الشعب من ظالم إلى ظالم عاشرا ً.
وأخيرا ًتتعدد القراءات وتكثر وجهات النظر ,والبعض يتطوع بتقديم معالجات والبعض يحاول تغطيتها خوفا ً منها وهربا ً من استحقاقاتها التي طالت وأنتجت المزيد من المآسي في حاضنة النظام الغير وطنية الفاسدة , والبعض المعني مباشرة ً بما حدث يصر على المراهنة على الزمن والنسيان والتلاعب والإحتيال على مشروع المعارضة الوطنية في التأسيس لبديل وطني ديموقراطي لنظام فردي ليس له صفة محددة سوى الحفاظ على السلطة ولو على أشلاء الشعب السوري كله, وهذا البعض الذي شارك ونفذ وأهان الكرامة الوطنية ينبري الآن للمطلبة بفتح صفحة بيضاء في ماضي وحاضر ملفوح بالسواد , عليهم الرجوع إلى وعيهم الوطني والطريق واضح ومعروف وعليهم إدراك أن الماساة لم توكل أحدا ً بالكلام والتصرف والوكالة عن الضحايا وأن الطريق الوحيد لحسم الموضوع هوا لإعلان الصريح بالرضوخ إلى القانون والعدل والمحاسبة ورجوع الحقوق المعنوية والمادية إلى أصحابها عندها يكون للتسامح معنى ولقيمة المواطنة معنى وللإنسان وزن والتأسيس لبناء ديموقراطي إمكانية في سورية , وحده العدل والقانون والمحاسبة أي الديموقراطية هي الوحيدة القادرة على فتح الصفحات البيضاء في تاريخ سورية الحديث .
#نصر_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟