أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بسام العمري - الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي -














المزيد.....

الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي -


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 07:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الكون مليء بالعجائب والأسرار، وقد حاول الإنسان عبر العصور فهمه وكشف خباياه. واحدة من أعظم هذه المحاولات تجسدت في العلوم والتكنولوجيا التي فتحت لنا أبوابًا لا تُحصى من المعرفة والفهم. ومع ذلك، يبقى الإنسان محاطًا بالغموض في بعض جوانب وجوده، وربما يكون أشهرها الأكسجين والغباء، كما أشار الكاتب الساخر مارك توين في مقولته الشهيرة: "أكثر العناصر انتشارًا في هذا الكون: الأكسجين والغباء."
الأكسجين هو عنصر أساسي لحياة الكائنات الحية على كوكب الأرض. كيميائيًا، الأكسجين يشكل حوالي 21% من الغلاف الجوي للأرض ويدخل في تركيب الماء (H2O) الذي يغطي أكثر من 70% من سطح الأرض. وفقًا لعلم الأحياء، يُعتبر الأكسجين عاملًا محوريًا في عمليات الأيض والتنفس الخلوي. بدون الأكسجين، لا تستطيع الخلايا الحية إنتاج الطاقة الضرورية للحياة من خلال عملية التنفس الهوائي. الأكسجين ليس فقط مصدر حياة، بل أيضًا حامي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة بفضل طبقة الأوزون التي تتشكل من الأكسجين الثلاثي (O3).
يمكننا هنا مقارنة دور الأكسجين بأفكار الفيلسوف اليوناني هيراقليطس الذي قال: "الحياة هي تدفق مستمر." هيراقليطس رأى أن كل شيء في الكون يتغير ويجري، مثل الأكسجين الذي يدخل ويخرج من أجسامنا باستمرار ليحافظ على حياتنا. بدون هذا التدفق الحيوي، تتوقف الحياة، مما يعكس أهمية الأكسجين في الحفاظ على التوازن الطبيعي.
على الجانب الآخر، الغباء هو ظاهرة بشرية لا تقل انتشارًا، وقد استخدم مارك توين هذه المقولة ليعبر عن رؤية ناقدة للإنسانية. الغباء، بمعناه البسيط، هو عدم القدرة على التفكير العقلاني واتخاذ قرارات ذكية. يمكن أن يكون نتيجة لنقص المعرفة أو الوعي، أو قد يكون سلوكًا متعمدًا نتيجة للعناد أو التعصب.
فلسفيًا، الغباء قد يُفهم على أنه فشل في استخدام العقلانية والمنطق، وهو ما أشار إليه الفلاسفة منذ القدم. سقراط، على سبيل المثال، رأى أن الجهل، الذي قد يكون صورة من صور الغباء، هو أصل كل الشرور. في حين رأى إيمانويل كانت أن عدم استخدام العقل بصفة مستقلة هو ما يؤدي إلى عدم النضج والغباء الجماعي. الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو قال: "الإنسان يولد حرًا، ولكنه في كل مكان يرزح تحت الأغلال." يمكن تفسير الأغلال هنا ليس فقط كقيود اجتماعية، بل أيضًا كقيود عقلية يفرضها الجهل أو الغباء. روسو يرى أن تحرر الإنسان يكون من خلال التعليم والمعرفة، وهي نفس الفكرة التي يعبر عنها توين بطريقة ساخرة من خلال تصنيفه الغباء كعنصر منتشر.
الغباء يمكن أن يكون له تأثيرات مدمرة على المجتمعات. قد يؤدي إلى قرارات سياسية خاطئة، وانتشار المعلومات المضللة، وحتى إلى الكوارث البيئية. الغباء في صنع القرارات يمكن أن يكون عائقًا أمام التقدم والازدهار. ولذلك، تُعتبر محاربة الغباء من خلال التعليم والتوعية من أهم التحديات التي تواجه البشرية.
الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور تناول موضوع الغباء بقوله: "الغباء يملك قدرة لا نهائية على إلحاق الضرر." شوبنهاور يرى أن الغباء ليس مجرد حالة من النقص في المعرفة، بل هو قوة نشطة يمكن أن تسبب ضررًا كبيرًا إذا لم يتم تقييدها بالوعي والعقلانية.
قد يبدو من الغريب الربط بين الأكسجين، العنصر الكيميائي الحيوي، وبين الغباء، الظاهرة الإنسانية السلبية. لكن إذا تعمقنا في الفكرة، نجد أن كلا العنصرين يلعبان دورًا مهمًا في الوجود الإنساني. كما أن الأكسجين لا غنى عنه للحياة، يبدو أن الغباء أيضًا حاضر في كل جانب من جوانب الحياة، مما يشكل تحديًا دائمًا للإنسانية. ربما هذا التحدي هو ما يدفع البشر للسعي نحو المزيد من التعليم والتوعية، لتحقيق التقدم والتطور.
الشاعر الإنجليزي ويليام بليك، في قصيدته الشهيرة "أغاني البراءة والتجربة"، يُعبّر عن الصراع بين البراءة (التي قد تكون مرتبطة بالجهل أو الغباء) والخبرة (المرتبطة بالمعرفة والفهم). بليك يرى أن الغباء قد يكون نتيجة للتجارب السلبية التي تقود الإنسان إلى الابتعاد عن التفكير العقلاني. هذه الرؤية تتقاطع مع مقولة مارك توين التي تعبر عن الغباء كعنصر منتشر قد يكون له تأثير مدمر على المجتمع.
من ناحية أخرى، الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي يعكس وجهًا آخر لهذا التحدي عندما يقول: "كلنا كالأصفار حتى تضع إلى جانبنا واحد." هذه العبارة تعبر عن الحاجة إلى الإرشاد والحكمة (الواحد) لتوجيه الحياة، مما يشير إلى أن وجود الغباء قد يكون ناتجًا عن غياب هذا "الواحد" الذي يرمز إلى المعرفة والوعي.
إن مقولة مارك توين، رغم بساطتها وسخريتها، تدعونا للتفكير بعمق في طبيعة الإنسان والكون. بينما نعتبر الأكسجين شريان الحياة الذي لا يمكننا العيش بدونه، يجب أن ندرك أن الغباء هو تحدٍ يجب التغلب عليه من أجل تحقيق مستقبل أكثر إشراقًا وتقدمًا. التعليم، التوعية، والتفكير النقدي هي الأدوات التي يمكن من خلالها محاربة هذا الغباء وتحقيق تطلعات البشرية.
من خلال فهمنا العميق للأكسجين والغباء، يمكننا العمل على خلق مجتمعات أكثر وعيًا وقدرة على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية المستدامة. في النهاية، الكون مليء بالعجائب والأسرار، ويبقى على الإنسان السعي لفهمها وتطوير نفسه بما يخدم الخير والحق.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طهي الثوم والبصل: مخاطر الحرارة العالية وحلول صحية
- وكان صوتًا… لا يُشبه الأصوات
- مزامير الفصول
- من ثدي واحد: مسرح الأدوار وتواطؤ الغايات
- الألم كجمالية وجودية: دراسة فلسفية وفكرية واجتماعية
- تأملات في فلسفة الحديث مع النفس
- اهتمامات المرأة بين البناء الذاتي والتحديات المجتمعية: قراءة ...
- -ملهمة الفجر وإشراقة الروح-
- الكذب القهري: مقاربة نفسية لاضطراب الميثومانيا-
- الدكتور الذي يعرف كل شيء
- -السكر: المتهم الأول في قائمة أمراض العصر-
- ظلال الخرسانة: حين يُبنى الشك
- الأدب الأفريقي: ذاكرة تتكلّم بلسان الأسطورة وصوت الأرض
- الحاج مراد: أسير التوقعات بين أنين الروح وشهقات الزمن
- -فضول الإنسان: بين الحاجة المعرفية وانتهاك الحريات-
- من خدش بسيط إلى عدوى خطيرة: أمراض قد تنقلها القطط للبشر
- الخطوة الأخيرة: حين ابتلعني ظلّي
- الشعر الحر: ثورة إبداعية في مواجهة التفعيلة التقليدية-
- الإنسان بين غموض الذات وأسرار الكون
- الشعر والزمن في فكر العقاد: تعميق اللحظات وإغناء التجربة الإ ...


المزيد.....




- لماذا لا تقيم قطر علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل؟ الأنصار ...
- الشيخ موفق طريف في بلا قيود: للأسف لا توجد نوايا حسنة حتى ا ...
- اُتهمت بسرقة التبرعات.. مؤثرة فلسطينية تواجه انتقادات بعد مغ ...
- إسبانيا وإسرائيل..تحالفات تتصدع ومصالح تتشابك بسبب حرب غزة
- -ما وراء الخبر- يتناول رفض مجلس الأمن تمديد رفع العقوبات عن ...
- مالي تلجأ إلى محكمة العدل الدولية والجزائر ترد
- مباحثات -مثمرة- بين ترامب والرئيس الصيني
- كيف تحل الخلافات بين الأطفال على طريقة -ميمامورو- اليابانية؟ ...
- ماذا بعد رفض تمديد رفع العقوبات عن إيران؟ محللون يجيبون
- نازحو غزة على شاطئ الموت.. بين البحر وقسوة الحرب


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بسام العمري - الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي -