أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبدالله المدني - أبو الفقراء لم يكافح الفقر فقط !















المزيد.....

أبو الفقراء لم يكافح الفقر فقط !


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 1824 - 2007 / 2 / 12 - 12:04
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


الفقر ليس عيبا ، إنما العيب هو ألا نعترف بوجوده في مجتمعاتنا ، فان اعترفنا بوجوده فالمعيب هو ألا نفعل شيئا لمكافحته. ومن هنا فان الزيارة التي قام بها مؤخرا إلى البحرين أبو الفقراء البروفسور البنغلاديشي محمد يونس، حملت دلالات كثيرة و أعطت مؤشرات مهمة، رغم تشكيك البعض في صلاح تجربته لمجتمعاتنا المختلفة في أوضاعها الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية عن مجتمعات جنوب آسيا.

فالزيارة التي جاءت بدعوة رسمية للإطلاع على التجربة الفريدة لهذا الإنسان الذي استطاع أن يحرر ملايين البشر داخل بلاده و خارجها من الفقر و العوز و البؤس والارتهان للمرابين، و أن يصدر نموذجه المتجسد في بنك الفقراء (غرامين) إلى أكثر من مائة دولة، فاستحق معها جائزة نوبل للسلام لعام 2006 ، هي أولا اعتراف رسمي بوجود ظاهرة الفقر المدقع. و هي ثانيا اعتراف بفشلنا في مكافحته بالوسائل و السياسات التقليدية القائمة على الصدقات و الزكوات والتبرعات والصناديق الخيرية من تلك التي لم تعالج المشكلة من جذورها بقدر ما سكنتها، بل بقدر ما رسخت ظاهرة التسول و الاستجداء فسهلت بالتالي لقوى الإسلام السياسي أن تقتات جماهيريا عليها. وهي ثالثا مؤشر على وجود توجه رسمي جاد للاستفادة من تجارب المجتمعات الشرقية الفقيرة الأخرى دون حساسيات أو اعتداد كاذب بالذات.

صحيح أن لكل مجتمع سمات و ظروف تختلف عن السائد و المتوطن في المجتمعات الأخرى، وبالتالي فان تجربة ناجحة في مكان ما في حقل من الحقول لا يمكن تطبيقها في مكان آخر عن طريق النسخ الكربوني. غير أن الصحيح أيضا هو أن الأفكار و الوسائل التي تنطوي عليها تلك التجربة بالامكان استيرادها و تلقيحها و تهيئتها لتلائم أوضاع مجتمعات أخرى إذا ما وجدت الإرادة الصادقة و الرؤى الخلاقة. و هذا ما فعلته أقطار كثيرة أقوى اقتصادا واقل فقرا و أكثر تمدنا من بنغلاديش، بما فيها الولايات المتحدة، يوم راحت تستنجد بالبروفسور يونس و تجربته الرائدة في بلده.

أما الحقيقة المغيبة إعلاميا في تجربة الرجل فهي انه حينما بدأ من الصفر و بالاعتماد على قدراته الذاتية المتواضعة في تأسيس مصرف غرامين، لم يسع فقط إلى تحرير مواطنيه من الفقر، و إنما أيضا سعى بالتزامن إلى تحريرهم من جملة من الخرافات و العادات الاجتماعية السقيمة. و الشق الأخير ربما كان أهم من الشق الأول لسبب بسيط هو أن الفرد في المجتمعات الشرقية مكبل بالكثير من العادات و القيم والأساطير البالية التي تحد من انطلاقه و تقتل فيه روح الطموح و الجرأة والإقدام و ترسخ فيه نزعة التوكل و القناعة بظروفه البائسة. و لعل ما يدلل على هذا هو الكم الكبير من الأمثلة الشعبية الدارجة التي تقدم عندنا للناس على أنها من جواهر الحكم (بكسر الحاء و فتح الكاف) ابتداء من مقولة "القناعة كنز لا يفنى" وانتهاء بمقولة " تجري جري الوحوش، غير رزقك ما تحوش".

و يكفي هنا أن نشير بإيجاز إلى أن القروض التي يقدمها مصرف غرامين إلى الفقراء بدون ضمانات مالية لتأسيس مشاريعهم الخاصة المدرة للدخل تشترط التزام المقترض بحفظ و تطبيق جملة من المباديء و القيم، تحت طائلة إلغاء القرض في حالة المخالفة. من هذه المباديء: الانضباط ، و الدأب، و احترام الوقت، و رفض الظلم للنفس أو للآخرين، و مساندة الآخر في أوقات الشدائد، و المحافظة على البيئة، و الالتزام بقواعد الصحة العامة، والمشاركة في جهود إصلاح ما تدمره الكوارث الطبيعية، و استخدام الغذاء الصحي كالحبوب و الخضروات، و ممارسة الرياضة البدنية الخفيفة، و عدم التهاون في إلحاق الأبناء بالمدارس. هذا فضلا عن مقاومة تلك العادة الاجتماعية المرذولة السائدة في مجتمعات جنوب آسيا ممثلة في دفع المرأة لمبلغ مالي للرجل الذي سيتزوجها على سبيل المهر.

و حينما يأتي ذكر المرأة، فان تجربة البروفسور يونس كان لها دور محوري و طليعي على صعيد تحرير النساء، ليس من الفقر و البؤس فحسب، و إنما تحريرهن أيضا من الخوف و التردد والاستسلام للهيمنة الذكورية و الرضوخ للعادات المقيدة لدورهن الطبيعي في المجتمع إلى جانب الرجل. وهو بتركيزه الشديد على أن تكون الأولوية هي للنساء في الاقتراض من مصرف غرامين، لم ينطلق فقط من حقيقة أنهن يشكلن نصف المجتمع أو لأنهن قوة عمل مهملة أو لأنهن فقيرات ويتحملن العبء الأكبر في الأسرة، و إنما أيضا لأن تجربته العملية أعطته مؤشرا على أن النساء بصفة عامة أكثر التزاما و جدية، و على أن الفوائد المتحققة للأسر تكون اكبر حينما يكون التحسن في دخلها متأتيا من تحسن دخل المرأة. ذلك أن عاطفة الأمومة تجعل تأمين متطلبات الأطفال من الغذاء و الكساء و الدواء في قمة سلم اولويات المرأة بينما الرجل لديه في العادة سلم مختلف للاولويات. و من هنا تحرص المرأة أكثر من الرجل على المثابرة و التوفير و عدم الإسراف وتنمية الدخل و الوفاء بالتزاماتها. و هذا بطبيعة الحال أحد الأسباب التي جعلت نسبة النساء من إجمالي عملاء مصرف غرامين تتجاوز 90 بالمئة.

غير أن هذا ليس كل شيء في تجربة يونس الفريدة. فهناك أيضا ما تأسس و ترسخ من قواعد وأساليب في كيفية الإدارة الناجحة للمؤسسات المعنية بانتشال المهمشين و الفقراء من قاع المجتمع. فمصرف غرامين لم يكتف بمكافحة الفقر و الترويج لبعض القيم الجميلة على نحو ما أسلفنا، و إنما استحدث أيضا نظاما إداريا يعطي أهمية قصوى لعملية الإبداع و النقد الذاتي، وتطوير آليات حل المشاكل و تبادل الأفكار و اختراع الحلول، و التمرن على الحوار و التفاعل والمناظرة، و إعطاء الأولوية لتحقيق الأهداف النبيلة و ليس للتقيد بالإجراءات الإدارية، و التعامل مع المتغيرات بمرونة شديدة، و غير ذلك مما خلق له وضعا فريدا و أخرجه من قائمة المصارف التقليدية الصارمة في أنظمتها و الجشعة في أهدافها.

و يكفينا على سبيل المثال الإشارة إلى كيفية تعامل مصرف غرامين مع أية فكرة جديدة قد تخطر على بال احد موظفيه. حيث بامكان صاحب الفكرة أن يرفعها إلى مديره المباشر ليرفعها هذا الأخير إلى رئيسه وهكذا، لكن إيمان المصرف بضرورة الإبداع و المبادرة، و بأهمية ألا تترك الأفكار الجديدة لتموت في القنوات البيروقراطية المعتادة، دفعه إلى إصدار صحيفة أسبوعية داخلية تتداول فيها الأفكار الجديدة بحرية و يضمن وصولها إلى كل مستويات القرار. إلى ذلك يسمح المصرف لمديري القطاعات فيه بتطبيق الأفكار و البرامج الجديدة دون معوقات، لكنه يشترط عليهم قبل تعميمها أن تجرب في فرعين في وقت واحد لتقليل أهمية العوامل الشخصية و المحلية.

نتمنى أن يكون قرار الإطلاع على تجربة البروفسور يونس و الاستفادة محليا منها خطوة عملية أولى نحو استلهام تجارب أخرى – و لاسيما في حقل التعليم المتطور - من آسيا الزاخرة بالدروس التنموية المدهشة.



#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غاندي في ذكراه : يا لها من ذكرى عطرة!
- تركمانستان بعد رحيل ديكتاتورها
- حينما يفسد عضو مصداقية منظومة بأكملها
- الأمم المتحدة ما بين أمينين عامين آسيويين
- لعله الموت الأخير للقذافي جانجلاني!
- عن القرصنة في مياه المحيط الهندي
- مشرف و نساء باكستان
- حوار مع القيادي الليبرالي البحريني د. عبدالله المدني
- رفقا بالبحرين الجميلة
- نحو شراكة خليجية – يابانية شاملة
- في فيتنام .. لا وقت لاجترار الماضي
- الخليج .. فيما لو حدث - تشيرنوبل- إيراني
- أخيرا، وجدت الهند من يشغل حقيبة الخارجية!
- سنغافورة .. دور جديد في الألفية الثالثة
- محمد يونس .. يستحق أكثر من نوبل
- أفغانستان .. التحدي الكبير للناتو
- لماذا أختير -سورايود- زعيما لتايلاند؟
- وظائف شاغرة في الصين
- -عبدالله- يستولي على السلطة في تايلاند
- آسيا .. ما بين عقلانية وسطها و راديكالية أطرافها


المزيد.....




- بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن ...
- مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية ...
- انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
- أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ ...
- الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو ...
- -يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2 ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
- عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم ...
- فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ ...
- لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبدالله المدني - أبو الفقراء لم يكافح الفقر فقط !