|
لا منطقة آمنة في العراق للآشوريين
سليمان يوسف يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1824 - 2007 / 2 / 12 - 12:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا منطقة آمنة في العراق للآشوريين الآشوريون، بمختلف مذاهبهم وتسمياتهم(سريان، كلدان، صابئة، مندائيون- معمدانيون ) سكان (بلاد الرافدين) الأوائل، اعتنقوا المسيحية منذ بدايات ظهورها.لا زالوا يتكلمون ويصلون بلغتهم(السريانية)،اللغة التي نطق بها السيد المسيح. لعبوا دورا كبيرا في تاريخ العراق القديم و الحديث.قبل سنوات وضع المخرج الفرنسي( روبير آلو) فلماً وثائقياً عن الآشوريين، بعنوان(آخر الآشوريين),تم عرض الفلم ضمن أعمال (المؤتمر الدولي للدراسات السريانية)، الذي أقيم في بيروت ايلول 2004. في حديث لي مع المخرج قال: ((الفلم ثمرة سنوات من الجهد المتواصل أمضيتها في التنقل بين المناطق والتجمعات (الآشورية،السريانية، الكلدانية) في كل من (سوريا والعراق وايران وتركيا)، لحقت بهم حتى في أوطانهم الجديدة في بلاد الاغتراب، في أمريكا وأوربا.وأضاف: أردت من الفلم أن يكون مساهمة متواضعة من أجل لفت أنظار العالم، وخاصة المجتمع الأوربي، الى أوضاع ما تبقى من هذا الشعب القديم ومن أجل أن يبقى ولكي لا يلفه النسيان)).لا ندري ما إذا كان الفلم حرك الرأي العام الأوربي أو بعض المؤسسات الأوربية المعنية ولو بقدر قليل تجاه (قضية الآشوريين)،ببعدها السياسي والإنساني، بعد انفجار أوضاع العراق بالشكل الذي أدهش العالم؟.لكن ما هو مؤكد أن أحداث العراق أخرجت الآشوريين من (دائرة النسيان)،لا ليدخلوا التاريخ وإنما ليخرجوا منه،وربما الى الأبد، بعد أن ضاقت بهم أرض الرافدين، ما لم يتحرك المجتمع الدولي لحمايتهم ووضع حداً لسياسة التطهير العرقي والديني التي تمارس بحقهم.ففي مناخات الحرية والفلتان الأمني، أو ما يمكن تسميته بـ(ديمقراطية الفوضى) التي وفرها الاحتلال الأمريكي للعراقيين بتغيبه للدولة العراقية وتعطيل وظيفتها،انفجرت وبشكل دموي و مرعب جميع التناقضات والحساسيات، التاريخية والسياسية والعرقية والمذهبية والقومية والدينية،التي كانت نائمة قسراً في قاع المجتمع العراقي في ظل (الاستبداد) الذي حكم العراق طيلة العقود الماضية وأخفق في بناء مشروع (الدولة الوطنية) وتحقيق الاندماج الوطني بين العراقيين. في وسط هذا المشهد العراقي الملتهب بنيران العنف المذهبي والعرقي و التفجيرات الإرهابية التي تحصد يومياً عشرات القتلى والجرحى من المدنيين العراقيين الأبرياء دون تمييز، يكاد يكون الخطر الذي يواجه الآشوريين والمسيحيين العراقيين الغير محصنين ذاتياً، بسبب خصوصيتهم الدينية والاجتماعية وصغر حجمهم وعددهم ، يفوق الرعب الذي يلف العراق برمته.فقد بات (المسيحيون) هدفاً سهلاً لمجموعات وتنظيمات إسلامية متطرفة وإرهابية، عراقية وأخرى مستوردة، أو هي، بطبيعتها وتركيبتها وأهدافها، منظمات بلا حدود وعابرة للقارات،استباحت دماء المسيحيين وجميع الأقليات الغير اسلامية في العراق، حيث لم يعد نظام أو دولة تحميهم، وليس لهم ميليشيات مسلحة تدافع عنهم، مثلما يوجد للسنة والشيعة والأكراد، كما ليس لهم حليف أو سند إقليمي أو دولي يقف الى جانبهم ويتبنى الدفاع عن حقوقهم ويهدد بالتدخل عسكرياً لصالحهم،مثلما أعلنت تركيا لأجل التركمان.لهذا ليس من المبالغة القول: أن الآشوريين والمسيحيين عامة هم أكثر شعوب العراق تضرراً من حرب ليسوا طرفاً فيها ولا قدرة لهم على تحمل مضاعفاتها وخسائرها البشرية والمادية. فعلى هامش هذه الحرب والصراع(العراقي الإقليمي الدولي) المتشابك على من (يحكم العراق)، أو بموازاتهما، هناك حرب من نوع آخر- من غير مبرر،يتجاهلها الإعلام العربي والإسلامي وتسكت عنها النخب والحكومات العربية والإسلامية- هي أشبه بعملية تطهير ديني وعرقي تنفذها بعض التنظيمات والمجموعات الإسلامية السلفية التكفيرية بحق الآشوريين والمسيحيين العراقيين،التي أعلنت العراق (إمارة اسلامية).ولكي تغطي على عدائها وحقدها العقائدي لكل من هو غير مسلم ومحاربتها للحداثة تقوم، هذه التنظيمات الإسلامية المتطرفة، بتضليل الرأي العام العربي والإسلامي عبر إيهامه والترويج بأن الاحتلال الأمريكي الأوربي للعراق هو مؤامرة صهيونية وحملات صليبية جديدة على الإسلام والمسلمين وأن المسيحيين هم أذناب لهذا الاحتلال. فمنذ غزو العراق نفذت هذه التنظيمات والمجموعات الإسلامية مئات من العمليات الإرهابية، كالخطف والقتل وتفجير دور العبادة والمنازل والمحلات، بحق مسيحيين وأقليات دينية أخرى كالمندائيين والايزيديين لإجبارهم على ترك وطنهم العراق.في عام 2004 تمّ مهاجمة 12 كنيسة في العديد من مدن العراق،ومنذ تموز 2006 تمّ خطف وقتل العشرات من المسيحيين، منهم سبعة قساوسة ، اثنان منهم قتلا في الموصل، الأب بولص اسكندر بعد أن خُطِف قُطِع رأسه وألقيت جثته في الشارع لأنه رفض اعتناق الإسلام، هذا ما قاله الإرهابيون لزوجته في اتصال هاتفي معها.وتم قتل وتشويه العديد من النساء والطالبات المسيحيات والمندائيات لعدم ارتدائهن الحجاب الاسلامي.جدير بالذكر أن الأقليات الدينية الغير اسلامية في العراق يبلغ تعدادها نحو مليوني نسمة، تشكل نحو4% من السكان إلا انها حسب إحصاءات منظمة شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تشكل 40 % من مجموع اللاجئين العراقيين اللذين نزحوا من العراق منذ بدء الغزو آذار 2003.وفي أحدث تقرير عن حقوق الانسان صدر في 16 يناير كانون الثاني قالت الامم المتحدة ان نصف المسيحيين الآشوريين(سريان كلدان) الذين كانوا يعيشون في العراق قبل عام 2003 والبالغ عددهم 1.5 مليون شخص فروا من البلاد الى دول الجوار( سوريا الأردن تركيا وصولاً الى لبنان)،وأن العديد من المحافظات العراقية التي كانت تضم آلاف المسيحيين باتت خالية منهم.كما هناك آلاف العائلات انتقلت الى الشمال العراقي الآمن نسبياً، عائدين الى قراهم ومناطقهم التي تركوها في ستينات وسبعينات القرن الماضي هرباً من الاقتتال بين الأكراد وقوات الحكومة، ومنهم من هجر قسراً من قبل النظام السابق.وفي هذا السياق أفاد مشروع (تعزيز الديمقراطية) في العراق ومقره واشنطن، في تقرير له: أن المحاكم الكردية، تقف ضد الكلدآشوريين المنكوبين العائدين الى قراهم الذين يطالبون بأراضيهم واملاكهم التي استولت عليها المليشيات الكردية، مما شكل إحباطاً اضافياً لدى المسيحيين وزاد من حجم معاناتهم. مع تفاقم الأزمة العراقية وتصاعد أعمال العنف الطائفي والمذهبي والعرقي التي تهدد بانزلاق العراق الى حرب أهلية شاملة ومفتوحة،خاصة إذا ما انسحبت منه القوات الأمريكية وهو بوضعه الأمني المنفلت، تزداد مخاوف وتوجسات الآشوريين والمسيحيين العراقيين عامة مما هو آت.هذه المخاوف دفعتهم للمطالبة بمنطقة آمنة(ملاذ آمن) ، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الآشوريين والمسيحيين العراقيين،على غرار (الملاذ الكردي) في شمال العراق الذي أقيم عام 1991 في اعقاب حرب الكويت. وقد أجمعت معظم الأحزاب والحركات والمؤسسات الآشورية السريانية الكلدانية والمسيحية على أن يقام (الملاذ الآشوري أو المسيحي) في إقليم (سهل نينوى)، الذي يمتد شمالاً بين الموصل ودهوك حتى قضاء الحمدانية، ويعيش فيه نحو 200 الف نسمة يشكل الآشوريون غالبية السكان الى جانب أقليات أخرى،وقد نزح اليه مؤخراً آلاف العائلات المسيحية من المناطق الساخنة في الجنوب وبغداد والوسط.على أرضية الخلافات المذهبية والتعددية الحزبية والسياسية المفرطة داخل المجتمع الآشوري والمسيحي العراقي،برزت انقسامات حادة حول المستقبل السياسي لاقليم (سهل نينوى).ففي الوقت الذي تدعو بعض الأطراف الآشورية والمسيحية الى جعل(سهل نينوى) إقليماً فدرالياً في اطار الدولة العراقية الجديدة، تفضل جهات آشورية ومسيحية أخرى أن يمنح سهل نينوى(حكماً ذاتياً) في اطار اقليم كردستان الفدرالي.وقد تسلم السفير الاميركي في بغداد (خليل زاده) نسخة عن مقترحات بهذا الخصوص سبق ان قدمتها مجموعة مشتركة للأحزاب (الكلدانية،الآشورية ،السريانية) كمذكرة الى (المجلس الوطني لإقليم كردستان).بالطبع القيادات الكردية تدعم هذا الاتجاه لأنه ينسجم مع طموحاتها وتطلعاتها لتوسيع خريطة إقليم كردستان العراق، أو بالأحرى حدود (الدولة الكردية)المنشودة.وهناك اتجاه آشوري مسيحي ثالث، تعمل عليه (الحركة الديمقراطية الآشورية)، أبرز الأحزاب الآشورية في العراق، يتمثل بـ (الإدارة الذاتية) لسهل نينوى ليس على اسس عرقية أو دينية وإنما على اساس جغرافي.وفي هذا السياق قال السيد (يونادم يوسف كنا)،سكرتير الحركة وعضو مجلس النواب العراقي: ((إنه ليس مع إقامة منطقة حكم ذاتي للآشوريين والمسيحيين في سهل نينوى وإنما يؤيد حكم محلي(إدارة ذاتية) وفق أسس تاريخية وجغرافية،وأضاف: لا يجوز تفتيت وتشتيت المجتمع العراقي على أساس عرقي أو ديني أو غير ذلك من النعرات)). جدير بالذكر، أن عضو الكونكرس الامريكي ونائب رئيس مفوضية الولايات المتحدة لحرية الاديان الدولية، السيدة)نينا شيا) قدمت الى لجنة العلاقات الدولية والحملة العالمية لحقوق الانسان في الكونكرس يوم 21/12/2006، تقريراً تدعو فيه الادارة الامريكية لاتخاذ خطوات حازمة تمس حاضر ومستقبل الاقليات العرقية والدينية العراقية،وقد دعت الى تأمين (مقاطعة ادارية) يديرها أبناء هذه الاقليات في سهل نينوى طبقاً للمادة 125 من الدستور العراقي. كما تناقلت بعض الصحف ووكالات الأنباء الآشورية والمسيحية خبر موافقة مبدئية لوزارة الخارجية الأمريكية على منح المسيحيين حكما ذاتيا في العراق.لا جدال على أن المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية يتحملان مسؤولية اخلاقية عن ما أصاب العراقيين عامة والمسيحيين منهم خاصة،لكن لا أعتقد أن أمريكا هي في وارد الاستجابة لمطالب الآشوريين والمسيحيين فيما يخص (الملاذ الآمن).عام 1991 كان هدف الأمريكيون وحلفائهم الأوربيون عندما وفروا منطقة آمنة لأكراد الشمال العراقي هو تقويض سلطة (صدام حسين) وتضيق الخناق عليه.لكن اليوم بعد التحولات السياسية الكبيرة والتطورات الأمنية الخطيرة في العراق، لا أعتقد هناك مصلحة للإدارة الأمريكية المتأزمة بسبب المستنقع العراقي،أو لأطراف دولية أخرى، في فرض منطقة آمنة للآشوريين والمسيحيين.حتى أن لجنة (بيكر- هاملتون)،التي قدمت دراسة مفصلة وواسعة عن معضلات الحالة العراقية الى الكونغرس الأمريكي،تجاهلت كلياً في تقريرها قضية الآشوريين والمسيحيين العراقيين،لهذا تبدو فرصة تحقيق (الملاذ الآمن) لآشوريي ومسيحيي العراق ضعيفة جداً.
سليمان يوسف يوسف... آشوري سوري . shosin@scs-net
#سليمان_يوسف_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زواج المتعة بين المنظمة الآثورية والوطني الآشوري
-
سسوريا: البطريرك زكا يدق مسمارا في نعش السرياينية ويقوض قضية
...
-
آشوريو العراق وديمقراطية البرزاني
-
مسيحيو سوريا والخوف من الطريق الى الديمقراطية - الجزء الثاني
-
مسيحيو سوريا والخوف من الطريق الى الديمقراطية
-
سهل نينوى بين الأمل الآشوري والمشروع الكردي
-
كوليت خوري: لم أعين لإرضاء المسيحيين
-
المنظمة الآثورية والاضطراب السياسي
-
آشوريو العراق والملاذ الآمن
-
هل من يوم غضب مسيحي
-
مسيحيو سوريا والخوف على المصير
-
تركيا وشبح الاعتراف بالمذبحة الكبرى
-
آشوريو سوريا والمأزق السياسي
-
في الشرق: عنف اسلامي وقلق مسيحي
-
سوريا بين التغير الديمقراطي والعنف الطائفي
-
أحداث أيلول والحرب على الإرهاب
-
لبنان والفرصة التاريخية
-
تساؤلات حول نهج الحركة الاشورية السورية
-
لماذا لبنان..؟
-
الحركة الآشورية السورية في عامها الخمسين
المزيد.....
-
-لا خطوط حمراء-.. فرنسا تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها بعيدة
...
-
الإمارات ترسل 4 قوافل جديدة من المساعدات إلى غزة
-
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي روته يلتقي الرئيس المنتخب ترا
...
-
رداً على -تهديدات إسرائيلية-.. الخارجية العراقية توجه رسالة
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة في لبنان؟
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|