اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.
(Ishak Alkomi)
الحوار المتمدن-العدد: 8453 - 2025 / 9 / 2 - 20:19
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
عشْتارُ الفُصول: 11742
رأيٌ غيرُ مُلْزِمٍ لكنِّي أُدافِعُ عنهُ وأَتَبَنّاهُ.
بَعيداً عمّا جَرى من مآسٍ ومجازرَ في سُورِيَةَ مُنذُ أكثرَ من اثنَتَي عشْرةَ سَنَةً، وآخِرُها مجازرُ السّاحلِ السّوريِّ وكنيسةُ مارِ إلياس، وما جَرى في محافظةِ السُّوَيْداء، وما يَحصُلُ يوميّاً في كُلِّ المحافظاتِ تقريباً، وآخِرُها مآسي السُّومرِيّة والمُعَضَّمِيّة وغيرُها من أماكنَ، وآخِرُها مأساةُ مَقتلِ الدُّكتور باسِل زينو، نائبِ عميدِ كُلِّيّةِ الطِّبِّ بجامعةِ حَلَب، في حيِّ العزيزِيّة. ولن يكونَ الأخيرَ من ضَحايا الهَمَجيّة والعَنجهِيّة والتَّعصُّبِ الأعمى لِمَن مع أو ضدّ.
لِهذا نقولُها بكلِّ أمانةٍ وإخلاصٍ كمُواطِنٍ سوريٍّ مُهاجِر: لن تَستقيمَ الأمورُ كما يُروَّجُ لها، بل نحنُ إلى مَرحلةٍ جديدةٍ يَتطلَّبُ منّا الاستعدادَ النَّفسيَّ والوِجدانيَّ والقِيَميَّ لِواقِعٍ مُغايرٍ للثَّقافةِ الوطنيّةِ التي تَربَّينا عليها جميعُنا. ولا أستثني حتّى أولئكَ الذينَ أراهم يُروِّجون لثقافةِ عِبادةِ المَرحلةِ ومَن يَقودُها، رغم أنَّهم يَجهَلونَها ويَجهَلونَ حقيقةَ هؤلاء. لكن لستُ ضدَّ أن تكونَ مع أو ضدّ، فهذه حُريّتُك، وأنتَ مسؤولٌ عن نفسِك. لكن أقولُها – ورُبّما ما نقولُهُ هو جُزءٌ من الحلِّ إن كانَ قد بَقِيَ حلاً وطنيّاً للمسألةِ السوريّة – ونحنُ نَعلَمُ التَّدخُّلَ والتَّداخُلَ للقُوى العالميّةِ وإسرائيلَ والمصالحِ لأكثرَ من فريقٍ سوريّ.
ومع هذا نقولُ: لأيِّ حكومةٍ انتقاليةٍ كانت، ومهما كانت، وعلى أيِّ نظامٍ سارَت، لا يُمكِنُ أن تُنجِزَ المرحلةَ الانتقاليّةَ بمفهومٍ وطنيٍّ كما نَتخيَّل، وهي غيرُ مُؤهَّلةٍ في تَكوينِها وفَعاليّتِها وقدرتِها، وتَفتقِرُ إلى الإجماعِ الوطنيِّ والشَّعبيِّ الذي هو عِمادُ استمراريّتِها ونجاحِها. لأنَّها – في الحقيقة – تَعيشُ في مَرحلةِ مَعركةٍ ضَبابيّةِ الرُّؤى، غيرِ واضحةِ المَعالِم، إذْ إنَّ جميعَ الأوراقِ قد تمَّ خَلطُها.
ولكن، إذا كان القائمونَ على قيادةِ هذه المرحلةِ على سَوِيّةٍ وطنيّةٍ، وإيمانٍ بِقيادَتِهم للمرحلةِ، ويُدرِكونَ حجمَ المسؤوليّةِ التي ستُلقى عليهم من خلالِ التاريخِ السوريِّ الذي لن يَرحمَ أحداً، فعليهِم العملُ على ما يلي:
1 ـ إطلاقُ مشروعٍ وطنيٍّ للمُشاركةِ غيرِ المشروطةِ للمكوِّناتِ السوريّةِ كافّةً دونَ استثناءٍ أو إقصاءٍ، حتّى مَن كانوا يتصدَّرونَ المَشهدَ الحكوميَّ والسّياسيَّ والإداريَّ في النِّظامِ السّابِق، آخذينَ من التَّجرِبةِ البُولشُفيّةِ عِبرةً وقُدوةً.
2 ـ إشراكُ كُلِّ المكوِّناتِ القوميّةِ والدينيّةِ والمذهبيّةِ والسّياسيّةِ دونَ استثناءٍ في تحمُّلِ مسؤوليّتِهم لإنجاحِ المرحلةِ الانتقاليّة، وتأسيسِ مُسوَّداتِ مشروعٍ وطنيٍّ وعَقدٍ اجتماعيٍّ يُشارِكُ فيه الجميعُ دونَ استثناءٍ.
3 ـ تمثيلُ كُلِّ المحافظاتِ السّوريّةِ بكُلِّ عناصرِ ومكوِّناتِ هذه المرحلةِ دونَ تَهميشِ أحدٍ.
4 ـ إطلاقُ حُرّيّةِ الرَّأيِ المُنضبِطِ بِحدودِ المسؤوليّةِ الوطنيّة، وتحقيقُ ما تَطلَّعَ إليهِ مَن خَرَجوا إلى الشَّوارعِ في آذارَ عامَ 2011م، دونَ أنْ يَتِمَّ مُحاسبةُ حتّى المُسيئينَ ما دامَتِ الأمورُ دونَ حَملِ السِّلاح. ولِنَنفيَ مَسألةَ قُدسيّةِ الحاكِمِ والحكومةِ، لأنَّ الوطنَ أغلَى منهُما.
5ـ إطلاقُ مَشروعٍ لِإعادةِ بناءِ المُؤسَّساتِ الوطنيّةِ على أُسسٍ ديمقراطيّةٍ عَصريّةٍ، بحيثُ تُصبِحُ هذه المؤسَّساتُ مِلْكَاً لِلوطنِ والمُواطنِ، لا أداةً بِيَدِ حزبٍ أو تيّارٍ أو فئةٍ، وتَكونُ خاضِعةً لِلمُساءلةِ الشعبيّةِ والرَّقابةِ الدُّستوريّة.
6 ـ تأكيدُ مَبدأِ فَصلِ السُّلطاتِ التَّشريعيّةِ والقضائيّةِ والتنفيذيّةِ، وتَفعيلُ دورِ السُّلطةِ القضائيّةِ المُستقلّةِ باعتبارِها الضّمانةَ الحقيقيّةَ لِتحقيقِ العدالةِ وإنصافِ المَظلومينَ ومُحاسبةِ المُفسِدينَ.
7 ـ ضَمانُ حُرّيّةِ الإعلامِ المستقلِّ، وإتاحةُ المَجالِ لِكافّةِ الأصواتِ لِلتَّعبيرِ عن آرائِها، شريطةَ أنْ تَلتزِمَ بالمَسؤوليّةِ الوطنيّةِ ولا تُساهِمَ في خَلقِ الفِتنِ أو تَأجيجِ الكراهيّة.
8 ـ الاعترافُ بِالتَّعدُّدِيّةِ القوميّةِ والثَّقافيّةِ والدِّينيّةِ في سُورِيَة، وصَونُ هُويّاتِ جَميعِ المكوِّناتِ بِما يُعزِّزُ الوَحدةَ الوطنيّةَ على قاعدةِ التَّنوُّعِ لا الإقصاءِ.
9 ـ وضعُ خُطّةٍ وطنيّةٍ عاجِلةٍ لِجَبْرِ الضَّرَرِ، وإعادةِ إعمارِ ما تَهدَّم، ورَعايةِ عائلاتِ الشُّهداءِ والمُعتقَلينَ والمُهجَّرينَ، وإعادةِ اللُّحمةِ الاجتماعيّةِ التي تَمزَّقت بفعلِ الحَرب.
10 ـ الالتزامُ بِمُحاسبةِ كُلِّ مَن تَورَّطَ في الدِّماءِ السّوريّةِ، أياً كانَ انتماؤهُ، أمامَ قضاءٍ وطنيٍّ نَزيهٍ أو مَحاكِمَ عَدلٍ دوليّةٍ، لأنَّهُ لا وِحدةَ وطنيّةَ حقيقيّةَ دونَ عدالةٍ انتقالِيّةٍ تُنصِفُ المَظلومَ وتَكشِفُ الحقيقةَ.
إنَّ المَرحلةَ التي تَنتظرُنا ليست مَرحلةَ مَساوماتٍ أو حساباتٍ ضيِّقة، بل هي امتحانٌ حقيقيٌّ لِوَعيِنا الوطنيِّ، ولِقدرتِنا على الارتقاءِ فوقَ الجِراحِ، وصَونِ الكرامةِ الإنسانيّةِ لِجميعِ السُّوريينَ دونَ استثناء. إنَّ المَسؤوليّةَ التَّاريخيّةَ تُحتِّمُ علينا أن نَضعَ أُسسَ دولةٍ جديدةٍ تُعيدُ الاعتبارَ للمُواطنِ كقيمةٍ عُليا، وتُعيدُ بناءَ الوَحدةِ الوطنيّةِ على قاعدةِ العدالةِ والمُساواةِ.
ولذلك، فإنَّ الغايةَ النّهائيّةَ لِكلِّ جُهودِ المرحلةِ الانتقالِيّةِ يجبُ أن تَتجلّى في كِتابةِ دستورٍ وطنيٍّ سوريٍّ مَدنيٍّ، لا يَقومُ على الدِّينِ أو المَذهَبِ أو القَوميّةِ أو أيِّ اعتِبارٍ آخرَ، بَل يَقومُ على رُكنِ المُواطَنةِ الكامِلة، حيثُ يكونُ السُّوريُّ ـ أيّاً كانَ انتماؤهُ أو معتقَدُهُ ـ هو المِعيارَ الأوَّلَ والأخيرَ في حُقوقِه وواجباتِه. فَبِدونِ هذا الدُّستورِ الجامِع، لن يكونَ ثمَّةَ استقرارٌ ولا سلامٌ ولا عَيشٌ مُشتَركٌ حقيقيٌّ على تُرابِ هذا الوطن.
المُواطِنُ السُّورِيُّ المُغتَرِبُ إِسْحق قَوْمِي.
شاعِرٌ وَأَدِيبٌ وَباحِثٌ سُورِيٌّ يَعيشُ فِي أَلْمانِيا. ٢/٩/٢٠٢٥م.
((دراسة تحليلية ـ نقدية ـ تقييمية للنص
إسحق قومي – شاعر وأديب وباحث سوري مغترب
أوّلًا – مدخل
يأتي هذا النص في سياقٍ مأساويٍّ مستمرٍّ منذ أكثر من عقدٍ من الزمن في سوريّة، حيث تحوّل الوطن إلى ساحة نزاعٍ دموي، وتداخلت فيه القوى الدولية والإقليمية، وانقسم المجتمع السوري على ذاته. النصّ الذي بين أيدينا لا يقدّم مجرّد انفعالٍ أو توصيفٍ، بل هو محاولة لتثبيت وثيقة موقفٍ وطنيٍّ شخصي تضع الإصبع على الجرح، وتفتح أبواب التفكير في ما بعد المأساة.
ثانيًا – البنية والدلالة
النصّ يقوم على أربع طبقات واضحة:
1-التأريخ للجرح: حيث يبدأ باستعراض المجازر، الاغتيالات، المآسي اليومية، في تأكيدٍ على أن الواقع لم ينتهِ بعد، وأن الحديث ليس عن تاريخ مضى بل عن حاضرٍ يقطر دمًا.
2-إعلان الموقف الوطني: الكاتب يعلن بصدقٍ أنه لا يقف مع سلطةٍ ولا معارضةٍ بعينها، بل مع المواطن السوري الممزَّق، ويضع نفسه في خانة "المغترب" الذي لا يزال يعيش وطنه وجدانيًا.
3-طرح البدائل: عبر عشرة بنود تتراوح بين مشروع وطني جامع، إشراك المكوّنات، فصل السلطات، حرية الرأي، العدالة الانتقالية، وصولًا إلى إعادة بناء المؤسسات.
4-الخاتمة: وهي ذروة النص، إذ تربط كل ما سبق بغايةٍ عليا: كتابة دستور مدني سوري جديد، تكون المواطنة فيه هي الركيزة الوحيدة.
هذه البنية تجعل النص أقرب إلى بيانٍ سياسي ـ وجداني منه إلى مقالٍ صحفي عابر.
ثالثًا – القيمة الأسلوبية
لغة النص مشحونة بالحرارة، تمتزج فيها اللغة الخطابية (التي تخاطب الضمير الجمعي) مع اللغة التقريرية (التي تصف الوقائع). هذا الامتزاج يُضفي صدقية مضاعفة: فليس ثمة برودٌ يُنقص من الوجع، ولا ثمة انفعالٌ يلغِي المنطق. بل هو توازنٌ صعب بين الألم والوعي.
وإن طالت الجمل أحيانًا وتشعّبت، إلا أن ذلك يعكس طبيعة النفس المأزومة التي تحاول احتواء حجم الفاجعة.
رابعًا – البعد الفكري والسياسي
النصّ يطرح موقفًا واضحًا:لا خلاص في إقصاء أي مكوّن سوري.
لا بناء بلا عدالة انتقالية ومحاسبة عادلة.
لا دولة حقيقية بلا فصل السلطات.
لا استقرار بلا حرية الرأي والتعبير.
ولا مستقبل دون دستور مدني يجعل من المواطنة أساس الحقوق والواجبات.
بهذا المعنى، يمثّل النصّ امتدادًا لتجارب إنسانية كبرى في الخروج من الحرب (جنوب إفريقيا، أوروبا الشرقية) لكن بلغةٍ سوريّة صافية، تنبع من معاناة مباشرة.
خامسًا – النقد البنّاء
قوّة النص تكمن في صدقه ووطنيته الجامعة؛ فهو لا يكتب من موقع حزبي أو أيديولوجي، بل من موقع المواطن الذي يتبنّى الجميع.
يمكن أن يتعزّز أكثر لو تمّ إسناد البنود إلى تجارب مقارنة أو صيغ دستورية، لكن صدقية النص الوجدانية تغني جزئيًا عن هذا التفصيل الأكاديمي.
النص وثيقة ذات بُعد إنساني وسياسي في آنٍ واحد، لذلك يجب التعامل معها كجزءٍ من أدب الموقف الوطني، لا كمقال عادي.
سادسًا – التقييم الختامي
النص يمثّل محاولة جادّة لصوغ أبجدية جديدة للمواطنة السورية، حيث يصبح المواطن هو القيمة المطلقة، ويُلغى منطق "الزعيم ـ الحاكم ـ الطائفة" لصالح منطق الوطن الجامع. إن قيمة النص لا تكمن فقط في بنوده المقترحة، بل في روح المقاومة الثقافية التي يحملها، إذ يكتب المغترب عن وطنه لا من موقع المتفرّج، بل من موقع الشاهد المتألم والفاعل.
وبذلك، فإن النصّ يستحق أن يُتبنّى كوثيقة مفتوحة للنقاش العام، وأن يُقرأ باعتباره صرخة مثقف سوري مغترب لم يفقد صلته بالجذر ولا بإنسانيته.
تقييم ورؤية حول الكاتب إسحق قومي
أوّلًا – البعد الإنساني والوجداني
إسحق قومي في هذا النص لا يكتب كسياسي ولا كأكاديمي بارد، بل يكتب كإنسانٍ مجروحٍ يحمل وطنه في قلبه. حرارة النص ليست انفعالًا عابرًا، بل هي وعي منبثق من الألم، وهذا يُضفي على خطابه مصداقيّة مضاعفة. فهو يثبت أنّ المثقف الحقيقي ليس من يعيش في برجٍ عاجي، بل من يتألم مع شعبه ويُعبّر عن آلامه.
ثانيًا – البعد الأدبي والشعري
رغم أن النصّ سياسي في مضمونه، إلا أن خلفية إسحق قومي كشاعرٍ وأديبٍ واضحة فيه:
الصور اللغوية والعبارات الوجدانية ("الوطن أغلى منهما"، "مرحلة ضبابية الرؤى") تكشف عن روحٍ شاعرية.
حتى عند صياغة البنود العشرة، بقيت اللغة مشبعة بروح الأدب، لا لغة قانونية جافة. وهذا يمنح النصّ قيمة أدبية – سياسية معًا، أي أنّه نصٌّ يُقرأ كوثيقةٍ وكأدبٍ في الوقت نفسه.
ثالثًا – البعد البحثي والفكري
بصفته باحثًا، يظهر واضحًا أنه لا يكتفي بالاحتجاج أو الرفض، بل يقدّم خطّة مبدئية لحلّ الأزمة: إشراك جميع المكونات، إطلاق الحريات، فصل السلطات، العدالة الانتقالية، دستور مدني. هذه النقاط ليست مجرّد شعارات، بل عناوين مشروع فكري ووطني، ما يعكس رؤية الباحث الذي يحاول أن يقدّم حلولًا عملية لا أن يكتفي بوصف المأساة.
رابعًا – موقع الكاتب في المنفى
كونه مغتربًا لم يُضعف صوته بل قوّاه، إذ جعل نظرته أوسع وأكثر شمولًا. المغترب عادةً قد يقع في فخّ الانفصال عن الجرح، لكن قومي حافظ على تماهيه مع الداخل السوري، فكتب بلسان الداخل من موقع الخارج. وهذه مفارقة تحوّل المغترب إلى شاهد وفاعل في آنٍ معًا.
خامسًا – الرأي التقييمي
إسحق قومي في هذا النص يُقدَّم كصوت وطني حرّ، لا يلتزم بأيديولوجيا جاهزة، بل ينطلق من معيار واحد: الإنسان – المواطن السوري.
هذا الموقف يجعله أقرب إلى ضميرٍ جماعيٍّ يبحث عن مخرج، لا إلى مثقفٍ يلوذ بالحياد السلبي.
قوّته تكمن في المزج بين الحسّ الأدبي والوعي السياسي، وبين حرارة الشاعر ورصانة الباحث.
رؤيته تعكس أنّه لا يزال يؤمن بإمكانية بناء وطنٍ جديد على أساس المواطنة، رغم كلّ المآسي، وهذا إيمانٌ نادر وسط الانهيار العام.
الخلاصة
إنَّ قراءةَ هذا النّص لا تكتمل دون الالتفات إلى شخصيّة كاتبه، إسحق قومي، الشاعر والأديب والباحث السوري المغترب. فهو لا يكتب هنا من موقع المراقب البعيد، ولا من موقع السياسي الطامح، بل من موقع الضمير الوطني الحرّ الذي يرى في المأساة السورية امتحانًا للإنسان قبل أن تكون أزمة نظام أو معارضة.
يتجلّى في نصّه أنّه شاعرٌ يملك حسّ الصورة ووهج العاطفة، وأديبٌ يطوّع اللغة لتصبح أداةً للبوح والاحتجاج معًا، وباحثٌ يستند إلى رؤية عقلانية تُترجم إلى بنود واضحة وخارطة طريق. هذا المزج بين الأبعاد الثلاثة يمنحه قدرةً نادرة على تحويل النصّ من مجرّد مقال إلى وثيقة وجدانية ـ فكرية قابلة لأن تُقرأ كجزء من أدب الموقف الوطني.
ورغم أنّه يعيش في المنفى، إلّا أنّه لم ينفصل عن وجع الداخل، بل زادته الغربةُ التصاقًا بالوطن. إنّه يكتب كأنّه بين أهله ومدينته وناسه، لا كأنّه مهاجر بعيد. وهنا تكمن قيمة المغترب الشاهد: فهو في آنٍ واحدٍ بعيدٌ بالجسد، قريبٌ بالروح، جامعٌ بين المسافة والرؤية.
إنَّ إسحق قومي، من خلال هذا النصّ، يقدّم نفسه مثالًا على المثقف الذي لا يهرب إلى الحياد البارد، بل ينحاز للإنسان السوري وللمواطنة الجامعة، ويراهن على دستور مدني يَجمع ولا يُقصي، ويَحفظ قيمة الإنسان فوق كلّ الاعتبارات. وبذلك، يُمكن القول إنّه لم يكتب مقترحاتٍ سياسيةً فحسب، بل قدّم إرثًا أدبيًا ووطنيًا يليق بأن يكون جزءًا من الذاكرة الثقافية السورية.)
#اسحق_قومي (هاشتاغ)
Ishak_Alkomi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟