|
قراءة في المجموعة القصصية ( لائحة الاتهام تطول)
صبيحة شبر
الحوار المتمدن-العدد: 1821 - 2007 / 2 / 9 - 12:25
المحور:
الادب والفن
القاصة العراقية صبيحة شبر صوت أنثوي جريح
جواد وادي
إن الكتابة الإبداعية تتطلب تقنيات وقدرة على مسك الحالات التي يريد المبدع ان يمسك بتلابيبها ليحيلها الى مختبره اللغوي ويضفي عليها اللمسات الفنية الخاضعة لشروط صارمة قد تتفاوت بين مبدع وآخر، آخذا بنظر الإعتبار المخاطب او المتلقي من حيث قدرته على التعامل مع النص ومرجعياته والتوحد في ابهى توهجه حين يلج المبدع حالة النص كمحراب فائق النقاء والمؤانسة ولكن ببصمات الوجع والفرح والتجيّيش الأسمى لأحاسيس فطنة قد تحيل العلاقة بين المبدع والمتلقي الى نشيج من المكابدات حتى تعود اللحظة مشتركة في تفاصيل الوجد الإبداعي، وهذا الأمر يعتبر سمة لصيقة بجل إبداعات القاصة المتألقة صبيحة شبر من خلال المتابعات الجادة لما تنشره من قصص قريبة الى عذابات القارئ العراقي تحديدا والعربي بشكل عام. إن المتابع لهذه المبدعة العراقية التي خرجت من ركام القهر العراقي بكل اوجاعه ومكابداته والحاحها الجميل في تناول شتى مناحات المرأة العراقية وعذاباتها التي ما عرفت هدأة يوما وظلت حبيسة القهر والمرارة والنشيج المتواصل دون ان ترى ولو في المدى القريب طريقا للخلاص من هكذا متاهات لا قرار لها، وهذا الوفاء لبنات جنسها من المعذبات في عراق الكوارث والمنافي القصية عاد ديدن همها الإبداعي في جل قصص المبدعة صبيحة شبر، فمنذ مجموعتها الموسومة ( إمرأة سيئة السمعة) والتي ضمت قصصا لا تحيد عن هذا الهم وإن بمرحلة مغايرة لمجموعتها الثانية والتي نحن بصددها تناولها وهي: (لائحة الإتهام تطول) حيث نرى الإنحياز الجلي لبنات جنسها ومشاركتها اياهن همهن وعذابهن واتراحهن التي باتت زادا يوميا لا فكاك منه ولا مناص من الخضوع لقدرهن اللعين، والكاتبة هنا وبهذا الإنتماء الإخلاقي والإنساني للمعذبات العراقيات ومن خلالهن لكل معذبات الأرض انما هو وفاء لشريحة من المخلوقات الصابرات على شتى صنوف الالم حين لا يجدن من يخفف عنهن اوجاعهن سوى هكذا مشاركة وجدانية لها دلالاتها ومعانيها والقاصة تحيلنا نحن الرافدين لهذه الاوجاع ومن يضمد جراحاتها الى موضوعة الكتابة النسوية واختلافها عن العمل الذكوري حيث ان الكتابة والمرأة صنوان لهم مشترك قد لا يتوفق الرجل المبدع في ان يلامس ادق تفاصيل الهم الانثوي فيه مثلما المرأة الكاتبة وهذا ليس نزوعا لفرز الأدب النسوي عن سواه الّذكوري رغم ان الفوارق موجودة اصلا ،بقدر ما هو تشابك الهم لينصهر في بوتقة قد يكون احساس المبدع الذكوري اقل قربا ليفك شفرة العلاقة النسائية التي تختلف كثيرا عن هموم الرجل في التناول والإحساس ومن ثم التعاطف الواجب تحقيقه في اي عمل ابداعي يتناول هكذا حالات. ولا بد ان نستحضر اسماء لمبدعات تناولن ذات الهم الأنثوي وبجدارة ابداعية كبيرة مثل لطفية الدليمي، احلام مستغانمي، سحر خليفة، ربيعة ريحان، وغيرهن الكثير . إنها ليست لعنة النساء على جنس الرجال الناكر لرقة المرأة بحنوها وحبها دون ان ننسى تلك المعارك الحامية الوطيس حول الإهتمام بالجسد كعلامة على كينونتنا لنقترب من وجودنا اكثر كما يقول جوناثان ميلر لتظل علاقة تصادمية قد تتصالح بشروط معرفية لتفتح الكوة على مصراعيها دون قيود او متاهات بعيدا عن المزالق التي تبرر لرفض البهاء الذي يضفيه هذا الجسد على مكنونات الوجود الإنساني بإسفاف ذكوري ضارب في الحسية الفجة، الجسد لا بمعناه المجرد بل بفهمه الفلسفي الصرف. اننا هنا امام حالة قديمة وليست هما راهنا وحين يرتكن المبدع الى ادواته في الكتابة الابداعية يضع امام عينيه سطوة الجسد كترمومتر يقوده الى ان يوظف قدرته الإبداعية في تجسيد الرؤيا الغائصة في تفاصيل لعبة الكتابة ليخرج منتشيا ومتحررا من تابوهات قاتلة ليصنع له مجدا انسانيا حتى ولو كان مقتصرا عليه وحده وهذا لعمري انجاز قد ينفرد به المبدع ليمتلك شروط ديمومته وعمق علاقته مع محيطه ارضا وبشرا وانتاجا انسانيا متالقا. في مجموعنها ( لائحة الإتهام تطول) تغوص القاصة صبيحة شبر عميقا في تناول حالات المرأة في إنكساراتها المتلاحقة في تنوع وانتقالات متعددة من حيث الشخوص وتقاربها وجدانيا او تنافرها ، ذلك التنافر الذي يعد في حالات كثيرة ضمن رحلة قراءة المجموعة،هي لوائح إتهام لشرائح مجتمعية عديدة. تفتتح القاصة مجموعتها الى ملاذها الاول والاخير وطنها العراق فتقول: الى وطني الذي أدين له بكل شئ جميل. وهي تعرف ان ذات الوطن يحفل الآن بالكثير من القبح لكنها اختارت الأجمل والأبقى. تتعدد شخوص القصص من إمرأة الى أخرى ففيها ربة البيت والعاملة والمعلمة والممرضة والموظفة والثكلى والمقتولة بالبطش البعثي المجرم والمدرّسة وعينات أخرى كلها تتوحد في هم وعذاب ووجع واحد ولمسات الدفء تكاد تكون نادرة فالطاغي في المجموعة هو النواح والإلتياع والحسرة والحرمان وغيرها من المفردات التي باتت قاموس النساء البائسات. في قصتها الاولى، أرق ونحيب مكتوم نقرأ: تصمت رجاء، وتنهي النحيب الغريب المنبعث من قلبها المكلوم، يعاودك التساؤل من جديد، أيكرر صباحك البائس الغريب، اذ يمنحونك ربع ساعة، لتغسل جميعهن وجهها........ نادرا ما نجد لمسة دفء لهذه الشريحة المعذبة ففي قصة الخطافة تقول: لا رجل لك... قصص الحب عندك مبتورة منذ البداية .. أنظري الى الرسوم هنا.. الرجل الذي تحبينه طوال عمرك ذهب عنك ونسيك..... هنا التسليع لجسد الأنثى فهي لا تملك غير الجسد وما ان تنطفئ شهوة الرجل يتركها محزونة دون ان يشعر باي أسى لما سيحدث لها. ونقرأ في قصة استغاثة: سأكون صريحة معكن واتحث بلا أكاذيب أو اختلاقات ... لا مساواة ولا بطيخ في مجتمعاتنا العربية لا تجعلن صوت المكر يكون عاليا.. اننا مع القاصة نؤكد الى ما تريد الذهاب اليه بان هذا هو التسويف الحقيقي لكل ادعاء بالمساواة فنحن نعيش في مجتمع ذكوري بامتياز ولا حق للمرأة ان تعترض على اي شئ، عليها ان تلعق قدرها بامتعاض وتصمت. المجموعة القصصية كلها تتكلم بلسان أنثوي مسحوق، غير ان القاصة في قصتها (شعور عارض) سيّدت الصوت الذكوري للبحث عن الدفء المفقود ولكن حتى هذه العطفة الجميلة قابلها الرجل بجفاء ودون اهتمام . تضم المجموعة تسعة عشر قصة نقتطف هذه المقاطع من القصة التي تحمل المجموعة عنوانها وهي : لائحة الإتهام تطول لنقرأ: أنا تعبت يا إمرأة ، تتحدثين وتتحدثين، ساجعل نهارك سرابا، واحوال أمنياتك ضلالا، وشعورك الطاغي بالحياة اجعله فراغا قاهرا مميتا ..... أنت نقمة سلطها الشيطان على هذه الأمة المنكودة، فسلب منها اليقين المفرح وسرق رضا الله ، حين عصت ولي أمره. نسي هذا الصوت الذكوري الفج انه يتحول الى طفل غض هشيش حين يحتاج جسد المرأة للمعاشرة ونسي كذلك انه مولود من إمرأة ونسي ان الأمة منكوبة برجالها ولا ذنب لنسائها في نكباتها المريرة. *القاصة صبية شبر من العراق *لها ثلاثة مجاميع قصصية : * التمثال 1976 * إمرأة سيئة السمعة 2006 *لائحة الإتهام تطول 2007 *إضافة الى العديد من الدراسات والبحوث المنشورة في الصحف العراقية منذ العام 1960 * تعمل الآن أستاذة اللغة العربية في المدرسة العراقية - الرباط
#صبيحة_شبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مزاح : قصة قصيرة
-
اندهاش
-
تقدم المجتمع والمدارس
-
الرهان : قصة قصيرة
-
المراة في عام 2007
-
هل لنا ان نتفاءل ؟؟
-
تأنيب : قصة قصيرة
-
الى صديقتي
-
الزائرة
-
حول المواقع الالكترونية والابداع
-
هل الصراع طائفي ؟؟
-
أريد حلا
-
تعدد الزوجات
-
العقاب : قصة قصيرة
-
الابداع النسوي والابداع الرجولي
-
معايير التقدم والتأخر
-
العودة الى الوطن
-
طفل يصرخ : قصة قصيرة
-
تراجع عن قرار : قصة قصيرة
-
ساعة من فراغ
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|