أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - 6. الانفصال عن الجماهير: كيف تتحول الأحزاب الثورية إلى أجهزة برجوازية صغيرة















المزيد.....

6. الانفصال عن الجماهير: كيف تتحول الأحزاب الثورية إلى أجهزة برجوازية صغيرة


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 09:02
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الانفصال عن الجماهير هو نتيجة طبيعية لهيمنة البرجوازية الصغيرة على الحزب الثوري، حيث تتحول العلاقة بين القيادة والقاعدة من علاقة عضوية قائمة على النضال المشترك إلى علاقة بيروقراطية وسيطة تعيد إنتاج مصالحها الخاصة. هذا التحول يؤدي إلى انفصال تدريجي عن المصانع والقرى والأحياء الشعبية، ويحوّل الحزب من أداة نضال طبقي إلى جهاز وسيط يتماهى مع مصالح البرجوازية الصغيرة المترددة، فينزاح من دوره الثوري الأساسي إلى وظيفة إدارية أو انتخابية، ويصبح مجرد واجهة للنظام القائم وذلك ما لم تُواجه هذه الظاهرة.

العضوية التي تساهم في هذا الانحراف تنحدر غالبًا من شرائح اجتماعية غير متجذرة في الإنتاج الصناعي المباشر، بما في ذلك الطلاب والمثقفون والموظفون الصغار والمهنيون والنقابيون المستقلون، الذين يحملون نزعة فردية وإصلاحية. هذه العضوية تؤثر على الحزب على المستويين الأيديولوجي والتنظيمي، فتظهر ميول نحو الخطاب النظري المعقد والتحالفات الرسمية والمناصب القيادية بدل الالتزام بالنشاط الميداني والنضال المباشر مع العمال والفلاحين، مما يخلق فجوة بين الحزب وقاعدته الطبقية.

يظهر الأثر الأيديولوجي للهيمنة البرجوازية الصغيرة جليًا في تحول لغة الحزب من لغة الصراع الطبقي المباشر، حيث مفاهيم مثل الاستغلال والملكية والطبقية كانت محور التحليل، إلى خطاب أخلاقي وحقوقي عام يركز على الكفاءة والشفافية أو نقد الأفراد بدل النظام الرأسمالي حيث يُختزل الصراع الطبقي إلى نقد الفاسدين كأفراد، وتُقدَّم الحلول الوسطية والوحدة الوطنية على مواجهة رأس المال، ما يبعد الحزب عن تمثيل مصالح الطبقة العاملة ويحوّله إلى أداة لتصفية النزاعات الداخلية بين أعضاء البرجوازية الصغيرة.

تتجلى مظاهر الهيمنة التنظيمية في ظهور أنماط مرضية: الشللية التي تحصر القرار في دوائر مغلقة من الرفاق القدامى، الفردانية التي تغلب المصالح الشخصية على المصلحة الجماعية، الاستعراض الزائف على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يحل محل النشاط الميداني الحقيقي، والخطاب النخبوي الموجه إلى المثقفين والجمهور الحضري المتعلم بدل العمال والفلاحين. كما تظهر المركزية المفرطة وخوف القيادة من النشاط القاعدي، والتقزّم النظري الذي يقدس الشهادات الأكاديمية على حساب الخبرة الميدانية، مما يبعد الحزب عن جذوره الطبقية ويضعف دوره الثوري.

يكمن الجذر الطبقي لهذه الظواهر في طبيعة البرجوازية الصغيرة نفسها، التي تميل إلى التمويل السريع والتحالفات مع الدولة أو الجهات المانحة بدل بناء قاعدة جماهيرية مستقلة، ويفضلون العمل المكتبي على النشاط الميداني، فيولد ذلك فجوة بين الحزب وقاعدته. يقدم لنا التاريخ شواهد حاسمة على هذا الانحراف، فقد حذر لينين: "إن صغار البرجوازيين، بحكم وضعهم الاقتصادي، يندفعون تارة إلى اليسار وتارة إلى اليمين، وهذه النزعة تترجم داخل الحزب إلى تذبذب وخطر دائم". كما أظهر الحزب الشيوعي الفرنسي والإيطالي بعد الحرب العالمية الثانية كيف تحول إلى حزب انتخابي برجوازي صغير وفقد قاعدته العمالية، بينما في العالم العربي تحولت بعض الحركات الثورية إلى أجهزة بيروقراطية متصلة بالدولة وليس بالجماهير.

في العصر الرقمي، تتجلى أشكال جديدة للبرجوازية الصغيرة، حيث يحوّل المثقفون وناشطو وسائل التواصل الاجتماعي النضال السياسي إلى منشورات وصور افتراضية، بينما تتضاءل خلايا الحزب في المصانع والقرى. هذا التحول يولد تباعدًا واضحًا بين الخطاب والممارسة، ويزيد الانفصال عن القاعدة الطبقية، ويجعل الحزب أداة لتعبئة صورة بدلاً من أداة نضال طبقي حقيقي.

لمواجهة هذا الخطر، يجب تطبيق برنامج عملي صارم لإعادة الحزب إلى جذوره الطبقية. أول آليات المواجهة هي العضوية الهيكلية: اشتراط أن تشكل العضوية العمالية والفلاحية 60% على الأقل في المؤتمرات واللجان المركزية، مع تخصيص مقاعد دائمة لهم، وتطبيق فعلي بحيث يكون المرشحون منخرطين في المصانع أو الحقول، مع لجان انتخابية ومراقبة مالية لضمان التنفيذ ومنع التحايلات، كما حدث في تجربة الحزب الاشتراكي الموحد في المغرب بين 2012 و2018، والتي انعكس أثرها على الخطاب وسلوك الحزب الانتخابي.

ثانيًا، تمويل القاعدة: منع أي دعم خارجي أو حكومي، والاعتماد على اشتراكات العضوية اليومية أو الشهرية التي لا تتجاوز 5% من الحد الأدنى للأجور، كما هو معمول به في أحزاب اليسار الراديكالي في الهند. هذا يضمن استقلالية الحزب ويحول دون انحرافه نحو مصالح البرجوازية الصغيرة أو النخب الوسطى.

ثالثًا، المدارس الحزبية: منهجية تعليم شعبي مستندة إلى باولو فريري، حيث 30% لدراسة النظرية، مثل قراءة رأس المال بصيغة مبسطة، و70% للتدريب الميداني في المصانع والأحياء الشعبية، لدمج النظرية بالممارسة وتكوين كادر متجذر في الواقع الطبقي، وقادر على مواجهة اختراقات البرجوازية الصغيرة الرقمية.

في مواجهة البرجوازية الرقمية، يجب فرض معادلة الافتراضي/المادي، بحيث يقابل كل نشاط إلكتروني عمل ميداني مباشر، مثل مشاركة ثلاثة أعضاء في خط الإضراب مقابل كل حملة تضامن افتراضية، ومنع الاحتراف السياسي بحيث يقضي أي عضو يتقاضى راتبًا من الحزب 60% من وقته في التنظيم المباشر بين العمال والفلاحين. التمايز داخل البرجوازية الصغيرة يستدعي إجراءات مختلفة: تقييد مدة المناصب الحزبية لموظفي الدولة، وربط نشاط النخب الرقمية الإعلامي بتقارير ميدانية موثقة من القواعد تعكس الخطاب الطبقي الحقيقي.

يتضمن الصراع الثقافي داخل الحزب مقاومة الهيمنة الفكرية والثقافية للبرجوازية الصغيرة، التي تروج للفردانية والخطابية والانخراط مع النخبة، بثقافة عمالية قائمة على التضامن والمباشرة والمادية. كما يجب أن يُدار الإعلام الحزبي بواسطة العمال والفلاحين أنفسهم لضمان انعكاس صوت القاعدة في القرار السياسي، مع دراسة دقيقة للمهن الجديدة في الاقتصاد الرقمي لتحديد وضعها الطبقي والتنظيمي.

الشواهد المعاصرة تدعم هذا البرنامج: حزب بوديموس الإسباني تحول من حركة احتجاجية إلى حزب نخبوي بعد سيطرة خبراء التسويق السياسي، وحزب العمال البرازيلي فقد قاعدة العمال بعد تبنيه سياسات الطبقة الوسطى المتعلمة، بينما حزب الاشتراكيين الثوريين في جنوب إفريقيا حافظ على تمثيل العمال عبر مجالس عمالية تختار المرشحين وتمنع التمويل من النقابات البيروقراطية، والحزب الشيوعي الفلبيني والحزب العمال الكردستاني PKK حافظا على التجذر الريفي والعمالي.

إن مقاومة البرجوازية الصغيرة داخل الحزب ليست مجرد معركة أيديولوجية، بل إعادة تشكيل مادي شامل للحزب، يشمل الهيكلة الاقتصادية عبر تمويل القاعدة، الهندسة الاجتماعية لضمان هيمنة العضوية المنتجة، والثقافة التنظيمية التي تقيس الأداء بالممارسة الميدانية لا بعدد المنشورات أو المتابعين. وكما قال غرامشي: "حين يصبح الحزب مدرسةً لصغار البرجوازيين بدل أن يكون أداةً لتنظيم الطليعة العمالية، يتحول إلى فرعٍ من أجهزة الهيمنة الثقافية للطبقة الحاكمة"، وحسبما أكدت روزا لوكسمبورغ: "البروليتاريا لا تحرر نفسها إلا ببناء أدواتها التنظيمية من طين واقعها اليومي لا من أوهام نخبويتها".

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 5. الانفصال عن الجماهير: حين تتحول الأحزاب إلى نخب سياسية
- 4. الهيمنة على الوعي الطبقي: أدواتها، آثارها، وسبل المواجهة ...
- 3. تسلل البرجوازية الصغيرة إلى الأحزاب الشيوعية: آليات وأدوا ...
- 2. التناقض البنيوي: لماذا تتأرجح البرجوازية الصغيرة بين الثو ...
- 1. البرجوازية الصغيرة: الموقع الطبقي ووظيفتها في الصراع الاج ...
- دم الشهداء لا يجف: من تفكيك منظومة القتل والنهب إلى بناء سلط ...
- من تفريغ الغضب إلى تصفية الوعي
- الثورة بين الشعارات والممارسة: تفنيد مزاعم التطبيع
- 30. نحو وعي نقابي طبقي جذري
- 29.الحياد النقابي: شعار فارغ لتصفية المعركة الطبقية
- 28. ترويض العمل النقابي عبر القوانين الدولية: وهم الحماية
- ماركسية بلا ماركس: تفكيك المنهج الزائف في خطاب تاج السر عثما ...
- 27. الماركسية ليست إصلاحًا: مراجعة نقدية لخطاب تاج السر عثما ...
- 26. من هندسة الانقسام إلى بناء التنظيم القاعدي
- 25. تحالف القامعين: كيف تواطأت قوى الهبوط الناعم مع قانون قم ...
- من صراع الطبقات إلى واقعية الترويض: سقوط النظرية في فخ التكي ...
- من -الطنين- إلى -الإنكار-: تفنيد ماركسي لمقال تاج السر عثمان
- 24. إتحاد فوقي: كيف يخدم النظام الأساسي قمع الطبقة العاملة
- 23. قانون تنظيم الاتحادات المهنية 2004: أداة السلطة لعزل الط ...
- 22. وثيقة بلا عمق ولا بوصلة: تفريغ للتاريخ الماركسي إلى سرد ...


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية عقب اجتماع القاهرة: نتجاوب مع مقترحات الح ...
- محتجون في مكسيكو سيتي يطالبون بقطع العلاقات مع إسرائيل بسبب ...
- رايتس ووتش تدعو لمحاسبة كبار مسؤولي الأمن بلوس أنجلوس لـ-الب ...
- واشنطن تعلق منح تأشيرات السفر للجرحى من أهل غزة بعد منشورات ...
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- دعوة للمشاركة في بناء الجبهة الوطنية الشعبية…. أطلقها الرفيق ...
- بمشاركة الفصائل الفلسطينية.. حماس تتسلم مقترحاً مصرياً قطريا ...
- اليسار خارج المنافسة في الجولة الثانية من رئاسيات بوليفيا
- بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني
- ثالوث الهيمنة: الرأسمالية المتوحشة والأبوية والشعبوية ضدّ تح ...


المزيد.....

- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - 6. الانفصال عن الجماهير: كيف تتحول الأحزاب الثورية إلى أجهزة برجوازية صغيرة