امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 1820 - 2007 / 2 / 8 - 11:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في تصفحي لمواد الصحيفة الأليكترونية الحوار المتمدن إستوقفني موضوع : "الأمازيغية" / "الأصولية"، أو العملة ذات الوجهين " للأستاذ محمد الحنفي ، فقرأته بإمعان تام باعتباري أهتم بما يكتب عن الأمازيغية خاصة من طرف الأساتذة كالأستاذ محمد الحنفي ، و طرح سؤالين هامين هما :
ـ فهل تتم الإستجابة للنقاش الهادئ، والمتأني، لموضوع الأصولية، والأمازيغية؟
ـ وهل يتقبل الأمازيغيون الاختلاف في وجهات النظر، واعتبارهم مجرد مؤدلجين للهجات الأمازيغية، التي تختلف تسمياتها؟
كان لهذين السؤالين وقع عظيم في تحفيزي للكتابة لأنني من الأمازيغ الذين يعشقون الحوار الجاد و الملتزم و لو أنني لن أتفق مع مواقف الأستاذ ، و لكنني أريد أن أطمئنه أنه سيجد محاورا جادا و لكن في نفس الوقت مشاكسا تارة و مخالفا أطوارا و معارضا كذلك ، كيف لا و قد سوى بين الأمازيغية و الأصولية المتناقضان اللذان لا يمكن السوية بينهما لكون منطلقاتهما تتعارض و تتناقض ، كيف لا و اللغة الأمازيعة ليس كما يسميها الأستاذ "اللهجات" لأن منطلقه الأول هو مفهوم الأمازيغية لذا لا بد من إعطاء هذا المصطلح حقه ، فالأمازيغية منظومة فكرية و لغوية و ثقافية و حضارية و هوياتية ، إذن لا يمكن اختزالها من كونها مجموعة من اللهجات و كفى ، و الأصولية هي نابعة من الدين / المعتقد و نعرف جميعا أن المعتقد متعدد و متنوع يمكن أن يتجسد في عدة أشكال و أنماط من الممارسات و الطقوس و الأعراف و الثقاليد و العادات ، فالأصولية إذن تتخذ عدة تعبيرات حسب الحضارات و الثقافات و لها ارتباط وثيق بالمعتقدات ، التي لا يمكن أن تقتصر على لغة من اللغات أو ثقافة من الثقافات أو حضارة من الحضارات دون غيرها ، و إلا فكيف نفسر نشاط الأصولية في الدول الغربية و في الشرق الأدنى التي بلغت فيها الأصولية حدا لا يطاق ، و الأصولية مذهب يستمد قوته من المعتقد فهناك أصولية إسلامية و مسيحية و يهودية و غيرها و لها علاقة بالتطرف كما لها علاقة بالقهر و الظلم و الفقر و الجهل و الأمية ، من هنا لا يمكن أن أتفق معه بالجمع بين الأصولية و الأمازيغية و الجمع بينهما تعسفا بالخلط بين المفاهيم و وضعهما في عملة واحدة .
و الأمازيغية كما قلت سابقا منظومة فكرية و لغوية و ثقافية و حضارية و هوياتية و هي وعاء يجمع خلاصة دينامية المجتمع عبر مراحل تاريخه و ما خلفه الإنسان خلال هذه المراحل التاريخية ، فالأمازيغية هي نتاج حركة الأمازيغ في المغرب في تفاعل دائم و مستمر مع اللغات و الثقافات و الحضارات التي إحتكوا بها ، إذن لا يمكن اختزال الأمازيغية في كونها "لهجات" التي قد تكون تعبيرات لمجموعات بشرية داخل المنظومة اللغوية الأمازيغية الأم ، التي هي كل لا يمكن تجزيئها و تقسيمها و تفكيكها لأن تواجد هذه "اللهجات" في تواجد اللغة الأم ، و هي مترابطة و متشابكة كالخلايا يستعصي فكها و هي التي تكون الجسم الواحد الذي يشكل الأمازيغية ، و هنا يمكن إدخال عدة عوامل أسياسية و خاصة عامل البيئة باعتباره من العوامل المحدد لتفكير الإنسان و حركته في مكان و زمان محددين و في مراحل تاريخية محددة ، إذن تواجد "اللهجات" أمر طبيعي في تاريخ الأمم ، و الأمازيغية هي أقل اللغات العالمية عددا من حيث "اللهجات" مقارنة بالمساحة الجعرافية التي يتواجد فيها الأمازيغ و التي أفرز ثلاث "لهجات" فقط مقارنة بالشعوب الأخرى التي نجد فيها شرات و مئات "اللهجات" ، و هذا عامل آخرى يثبت إعتبار الأمازيغية منظومة فكرية و لغوية و ثقافية و حضارية و هوياتية متقدمة رغم تعذر استعمال الحرف الأمازيغي ، أما كتابتها فهو شأن آخر يمكن أن نخوض فيه و الدلائل القاطع باستعمال الحرف الأمازيغي في الكتابة متوفرة و متعددة و كذا الحرف العربي .
لنرجع إلى الأصولية و أصولها لنرى أنها نابعة من الثقافة و الحضارة العربية فلماذا لا يمكن ربط الأصولية بالعربية ؟ ألا يرجع ذلك إلى ممارسة الأصولية العربية التي تخاف من فقدان مكانتها ؟ أم أن ذلك ناتج عن قصور فكري و معرفي و نظري ؟ و هنا أريد أن يكون العرب هادئين حتى لا يتهموني بالأصولية التي يتم التلويح بها في هذه الأيام كما كان الشأن بالنسبة للماركسية اللينينية في فترة السبعينات ، و أنا ماركسي لينيني لا يمكنني قبول الخلط بين المفاهيم أو استعمالها تعسفا في غير مكانها ، إذن الأصولية فكر و ممارسة يمكن احتواؤهما في أي وعاء لغوي و هو قابل للإستغلال الأيديولوجي ، و هو مفهوم رجعي أنتجته الرجعية و استعملته ضد الفكر التقدمي و الماركسي اللينيني و ما زالت تستعمله كذلك ، و منبعه الشرق العربي و ليس بمغرب الشعوب و التاريخ يثبت ذلك لا داعية للخوض في هذا المجال ، فقط حدثان مهمان يمكن الإشارة لهما لوضع معالم النقاش حول الأصولية و منابعها و هما : الصراع على السلطة بين الأمويين و العباسين و التعصب الديني و الأثني بينهما حول السلطة ، و ظهور المذاهب الدينية التي يشكل ا فيها لمذهب السني و الشيعي امتدادهما التاريخي إلى يومنا هذا ، و أقصى ما وصلت إليه الأصولية في العالم العربي اليوم هو مستوى الإقتتال الذي نشاهده بين الشيعة و السنة في العراق و الذي تغذيه الرأسمالية الأمبريالية بزعامة أمريكا و بريطانيا .
الأمازيغية هي نتاج حركة الأمازيغ بالمغرب و هي لا يمكن أن تتساوى مع الأصولية لأن تاريخها العظيم أثبت ذلك ، فالأمازيغ هم الذين بنوا دولا عظمى بزعامة النساء و احتكوا مع جميع شعوب العالم و دولها العظمى و عاشوا في المدينة الدولة "قرطاج " التي كانت تضاهي "أثينا" و "روما" ، و بنوا دولا عظمى كالمرابطين و الموحدين و السعديين التي شكلت فيها مدينة تاروانت/ حاضرة سوس أول عواصمها العظام ، و التي كانت مركزا تجاريا كبيرا في عصور كانت فيها زيت الزيتون طاقة كما هو الشأن اليوم بالنسبة للبترول و من هناك نبع اسمها ، إذن الأمازيغية لا يمكن مقارنتها بالأصولية لأنها استوعبت الأصولية و ذوبتها في أحضانها ، و استطاعت فك الحصار عن السنة بفتح المجال أمام الأمويين لبناء دولتهم في الأندلس و أنجبت علماء عظام أمثال ابن خلدون ، و الأمازيغية هي التي استوعبت الديانة اليهودية قبل الإسلام و تعايش معها الأمازيع لعدة قرون دون أن يسجل لها التاريخ مجازر عرقية ، و لم تشاهد الأمازيغية تصفية عرقية إلا في القرن 17 في أزيد من نصف قرن من القضاء على ثورات الأمازيغ من طرف "إسماعيل" ، الذي قضى على مكانة حاضرة سوس باعتبارها نتاج الحركة الإجتماعية للأمازيغ بسوس و بالمغرب .
أما قول ألأستاذ : " كون الدين الإسلامي ، واللهجات الأمازيغية ، من مكونات ثقافة الشعب المغربي ،" فذلك يحتاج إلى كلام طويل لا داعي للحديث فيه كثيرا حتى نكون جد مركزين ، أليس هذا الكلام نابع من جذور الأصولية العربية ؟ و أليس ما يقوم به الأستاذ عن غير وعي يجسد الأصولية بعينها ؟ كيف ذلك ؟ يتحدث الأستاذ عن المكونات الثقافية و الأجدر به أن يتحدث عن مكونات الهوية المغربية التي يمكن تحديدها في الأمازيغية و العربية و ما دون ذلك فهو افتراء ، قد يقال أن هناك الأفارقة و المتوسطيين و نقول لهم أما فرنسا اليوم التي بها آلاف الأجناس و هم فرنسيون و كفى ، و إدخال المعتقد كمكون مجازفة و مخاطرة للوقوع في الأصولية بعينها و تجاهل الأمازيغية كمكون أساسي للهوة المغربية خروج عن التحليل الماركسي اللينيني ، فكما أشرنا فاللغة هي الوعاء الحامل لنتاج دينامية حركة الإنسان في موقع جغرافي محدد و عبر تاريخ تواجده هناك ، إذن الأمازيغية مكون أساسي في الهوية المغربية و المكون العربي نتاج التفاعل الحضاري بين الأمازيغ و العرب ، و الدين الإسلامي جزء من الثقافة العربية التي حملته معها إلى بلاد الأمازيغ و استطاعت الأمازيغية استيعاب الدين الأسلامي كما فعلت فيما قبل مع الديانة اليهودية ، و الدين الإسلامي تم إدماجه كمكون بشكل رسمي من طرف النظام القائم للإستعمالات الأيديولوجية التي جعلته قانونيا دينا رسميا للبلاد ، إذن من هنا جميع المغاربة مسلمين بقوة القانون و ليس كاختيار ، لكن الأمازيغية بقوة التاريخ مكون أساسي للهوية المغربية و التي مازال يتجاهلها النظام القائم ، أليس إبعاد الأمازيغية و استبعادها ممارسة الأصولية في حقها و الإستئصال في حق الأمازيغ ؟
إنني لا أعترف إلا بالدولة العلمانية التي يتم فيها استبعاد المكون الأساسي في الأصولية ألا و هو استعمال الدين أيديولوجيا كما يفعل النظام القائم به ، أما الأمازيغية فهي ليست في موقع السلطة السياسية و الإقتصادية و العسكرية حتى تتحول إلى أصولية لأن الأصولية من صنع السلطة السياسية و الإقتصادية و العسكرية و ليست من صنع الشعوب ، و تناول الأمازيغية باعتبارها الوجه الآخر للأصولية ما هو إلا مطية أخرى من أجل حرمان ملايين الأطفال من التمتع بلغة و ثقافة أمهاتهم الأميات الجاهلات المستغلات في البيوت و الحقول في الجبال و السهول كقيمة مضافة يستفيد منها الرأسمال المركزي.
تارودانت في : 06 فبراير 2007
امال الحسين
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟