أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احسان طالب - الدولة ما بين هيوم وهيغل. مبحث فينومينولوجي















المزيد.....



الدولة ما بين هيوم وهيغل. مبحث فينومينولوجي


احسان طالب

الحوار المتمدن-العدد: 8420 - 2025 / 7 / 31 - 14:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"الدولة هي الصورة والفرد هو الهيولى"

الدولة مفهوم اجتماعي سياسي قائم في شق أساسي منه على القهر والسلطة والقوة، فمصطلح دولة يساوي سلطة قهر وإجبار على تنفيذ القوانين وحتى سلطة لسن القوانين، فالدولة كما هو متعارف عليه سلطات تشريعية وقضائية وتنفيذية، ما يستدعي وجود شرطة لمكافحة الجريمة وحماية المجتمع، وبناء جيش للحماية والدفاع، مستعد لخوض حروب دفاع عن كيان وسلطة الدولة التي يمثلها، وهذا ما يصح عليه وصف الفيلسوف كانط بالعنف المشروع.
الدولة كظاهرة هي مؤسسة جامعة، وباتت في العصور الحديثة أحد الحقائق الوجودية للمجتمعات البشرية، فهي ضرورة واجبة الوجود مقترنة بالمجتمعات البشرية، ووجوبها قائم على اعتبارها الشكل الأمثل لبناء التجمعات البشرية، وبموجبها يتم تحقيق الاستقرار، حتى لو كان نسبياً، وبدونها تعم الفوضى، كما أنها تنهي شتى أشكال السلطة البدائية على الأفراد والمجموعات البشرية الصغيرة، وهي تستمد وجوبها من وجوب القانون ونظم المؤسسات الضابطة لعلاقات الأفراد والمجتمعات، وبدونها تسود الفوضى وتضيع الحقوق، وتهيمن شريعة الغاب. أما ضرورتها فقائم على ضرورة حماية الحقوق الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأفراد، وعلى رأسها حق الحياة والتملك، والتعليم، وحق حرية الاعتقاد والتعبير.
كظاهرة وجودية تأتي ضرورتها من اقتران وجودها بوجود العمران وتأمين سبل العيش، من ضرورات واحتياجات، وصحة وضمان اجتماعي، تتدهور حياة المجتمعات بل وتزول بزواله، فهي في الحوائج والكوارث والحرب تحمي البنيان وتقيم حياة الإنسان، وتحفظ كيان ترابط المجتمع، وتحمي مواطنيها من غوائل الدهر وتمنع عنهم الاعتداءات الخارجية.
" تعود جذور كلمة الدولة في اللغة اللاتينية لكلمة Position التي تعني الوقوف، كما ظهر مصطلح الدولة في اللغات الأوروبية في مطلع القرن الخامس عشر، وفي القرن الثامن عشر تطور مصطلح الدولة واستخدم تعبير Publicae اللاتيني والذي يعني الشؤون العامة.
وللدولة عدة تعريفات وُضِعت من قبل العديد من المؤسسات ولاسيما الأوروبية منها، إلا أن التعريف الأكثر شيوعاً لمفهوم الدولة هو تعريف المفكر الألماني ماكس فيبر - Max Weber إذ عرَّفها بأنها منظمة سياسية إلزامية مع حكومة مركزية تحافظ على الاستخدام الشرعي للقوة في إطار معين الأرض.
كما عرَّفت موسوعة لاروس - Larousse الفرنسية الدولة بأنها: "مجموعة من الأفراد الذين يعيشون على أرض محددة ويخضعون لسلطة معينة".ـ 1ـ
الدولة عند هيغل:
هي وحدة سياسية وأخلاقية متجانسة، إي أن هذه الوحدة متجاوزة للفرد والمجموعة الخاصة أو الفئات التي تتكون منها، إذن في الفلسفة السياسية، الدولة ككيان هي لب الاجتماعي البشري السياسي.
"يتفق معظم المُعلّقين اليوم على أن بوبر وآخرين كانوا مُخطئين في ادعائهم بأن هيغل أيّد وجهة نظر مُعيّنة حول الاستبداد. في الوقت نفسه، تُعتبر فلسفة هيغل الاجتماعية والسياسية أكثر اعتدالًا أيديولوجياً مما اعترف به الجدل الدائر حول المحافظة مقابل التقدمية في كثير من الأحيان. وبينما دعا هيغل إلى عناصر أكثر ديمقراطية وتقدمية مما كان واقعاً في عصره، فقد دافع أيضاً عن الأسرة التقليدية والملكية الدستورية." ـ2ـ

الدولة كجوهر طبيعي واجتماعي ناتج عن تطور تاريخي للوعي الفردي:
يُعرّف هيغل "الحق" بأنه وجود الإرادة الحرة في العالم. لذا، فإن فلسفة الحق هي بالضرورة فلسفة حرية تسعى إلى فهم الحرية المُتحققة في كيفية تعاملنا مع بعضنا البعض وبناء المؤسسات الاجتماعية والسياسية.
ولما كانت الدولة كتجسيد للروح الموضوعي (الوعي الجمعي) فهي مرحلة متقدمة من تطور هذا الوعي، ونتيجة لتطور الوعي الفردي محايثاً مع الوعي الجمعي، ضمن تلك الوحدة الأخلاقية العليا الدولة، يتجاوز الأفراد مصالحهم الفردية من أجل مصلحة عليا هي المصلحة العامة. ولما كان الحق تجسيداً للإرادة الحرة، اعتبر هذا التنازل في سياق موضوعي "الدولة" تجسيداً لحرية أصيلة، قرر الفرد بموجبها تقديم تنازلات التزاماً بالواجب الاجتماعي.
باتباع منهجه الجدلي، يتناول هيغل تطور فهمنا للحق عبر ثلاثة مراحل متصاعدة:
1 ـ الحق المجرد، 2 ـ الأخلاق المجردة، 3 ـ الحياة الأخلاقية. عبر تطور الوعي ضمن الديالكتيك، الجدل، نصعد أو نتعالى من مرحلة إلى أخرى بطريقة مميزة، تتلاشى التناقضات الظاهرة في كل مرحلة من خلال بلوغ مرحلة أعلى، حيث تتكرر هذه الدورة ويبقى التقدم المُحرز منذ البداية حاضراً، فيصبح ما كان مُجرداً وغامضاً في البداية أكثر واقعية مع تقدمنا بسردية التطور الجدلي، وصولاً إلى الدولة كنتيجة للتطور التاريخي والصراع الديالكتيكي بين مختلف القوى والمصالح. الدولة الحديثة إذن هي النتيجة النهائية لهذا التطور حيث تتحقق فيها الحرية والعدالة بشكل كامل.
الحق المجرد: وهذا يتطلب من هيغل إيجاد أساس يساعده في تحديد متى تُريد الإرادة الحرة بحرية، ومتى لا تُريد. النقطة الأساسية، بالنسبة لهيغل، هي أن الإرادة الحرة للفرد وحدها هي التي تُؤسس الإرادة الحرة للآخر، يكون الشيء ملكي عندما يعترف به الآخر على أنه ملكي. هذا هو أول ظهور للحق حيث يكون نشاط إرادتي الحرة في التملك حراً، وليس مجرد تعسف. إذن اعتراف الآخر هو العلة التي بواسطتها اكتسبت حقي. ذلك الاعتراف يحصل بواسطة هي "العقد" الذي يمنح الطرفين اعتراف متبادل، يُصبح وسيلةً لتطوير فهم أكثر واقعية للحرية كحق في العالم. تعزيز وتمكين هذا الاعتراف الأولي يحتاج لحماية وصيانة وتحديد، ولا يصح أن يكون مهدد وإلا كان مزعزعاً للإرادة الحرة.
يسمي هيغل العقاب "استعادة الحق"، فتجاوز الحق يستوجب استعادته، فالجريمة هي سلب لحق، في ظل الحق المجرد لا يوجد سوى القانون الطبيعي، ولا يوجد قاض ولا محاكم ولا هيئات ادعاء ودفاع ...إلخ في ظل هذه الظروف يصبح أي إجراء يتخذه فرد ضد شخص آخر لمعاقبته يأخذ شكل "انتقام" والذي "يصبح انتهاكًاً جديداً يخلق مشاكل جديدة.
الأخلاق المجردة: بالنسبة لهيغل، "النظرة الأخلاقية" هي ممارسة تجريدية وافتراضية بحتة، سابقة منطقياً ومنفصلة عن كيفية ارتباط الأخلاق بالعالم. يركز هيغل على قدرة الفرد على الاختيار. ولهذا الغرض، يُعد هيغل مناصراً للحرية الفردية، لا عدواً لها، إذ يؤكد بوضوح على ضرورة وجود مساحة للحرية الذاتية.
"تكمن مشكلة قدرتنا الفردية على الاختيار في أننا قد نخطئ في اختياراتنا وقد نختلف أو ننفصل عن الآخرين في الأخلاق، فقد ننوي الخير، لكن دليلنا الوحيد في هذه النية هو تصورنا الفردي للخير. وينتظرنا دليلٌ أكثر جوهرية من خلال التأمل في تصرفاتنا تجاه الآخرين بشكل ملموس في الحياة الأخلاقية. وإلا، فإن الخطر الناشئ عن هذا التجريد الداخلي المحض هو أن الأخلاق "كونية مجردة... بلا مضمون". وهكذا، يرى هيغل أن الفلسفة الأخلاقية، أياً كان نوعها، فارغة بطبيعتها." ـ3 ـ
في ظل تطور وعي الفرد ضمن الجماعة التي تتطور بحد ذاتها يجب أن تتحول الأخلاق إلى قانون مجتمعي بل وإلى قانون عالمي. هذا التعريف يساعدنا كأفراد وكمجموعات وكفئات على خلق وعي يفسر الأفهومات المتضاربة أو المتناقضة للحق والمصلحة والأخلاق والحرية والإرادة الحرة.
"لا يمكن للأخلاق أن تُحرز تقدماً كبيراً في التجريد الفردي. وعليه فالمطلوب هو انتقال يجمع بين عالمية الحق المجرد التي تُحيط بنا جميعاً، وتُوفر أساساً للاعتراف المتبادل، وخصوصية الأخلاق التي نُدرك من خلالها تطور الحق، ظاهرياً وباطنياً. هذا الجسر هو إلى الفردية الملموسة التي نجدها في فهم الحق -ليس في التجريد -بل الآن في العالم ومؤسساته."
الفرد يجد حريته الحقيقية وتحقيق ذاته في الدولة. الفردية المطلقة بدون إطار الدولة تؤدي الى الفوضى وغياب النظام. الدولة توفر الإطار الأخلاقي والسياسي الذي يمكن للأفراد من خلاله تحقيق إمكاناتهم.
الأخلاق المعاشة أو الحياة الأخلاقية:
الفرد، الأسرة، المجتمع المدني يحدث التطور لدى كل جزء يتطور بدوره بعد الآخر. هذا الترتيب ليس زمنياً، بل جدلي. فنحن لا ننتمي إلى المجتمع المدني أو الدولة بعد انضمامنا إلى عائلة، ولكن مفاهيم الأول هي تطورات إضافية عن الثاني، كما يتضح من الأقسام التالية الفرد العائلة المجتمع.
"يُمثل المجتمع المدني عند هيغل في المقام الأول مكان العمل، وهو المكان الذي يُحدد فيه القانون والنظام القانوني. وبينما تُمثل الأسرة، في صورتها المثالية، علاقة وحدة قائمة على قانون طبيعي بين الأفراد، فإن هذا يُفسح المجال أمام سعي الفرد المُحدد لتحقيق احتياجاته ضمن نظام الاحتياجات. الأسرة هي فضاء يكون فيه الجميع للفرد والواحد للجميع. في المجتمع المدني، تُلبى احتياجات الجميع عندما أُقدم مساهمتي الخاصة في رؤية اقتصادية داعمة للسوق تقبل التقسيم الطبيعي للعمل".
"ومن المثير للاهتمام أن هيغل يرى علاقات السوق في المجتمع الحديث أساساً لاكتساب الأفراد الأحرار لهويات اجتماعية، بما في ذلك التضامن الاجتماعي. فنحن نطور إحساسنا بذواتنا من خلال أنشطتنا الاقتصادية والروابط العديدة التي نبنيها مع الآخرين بطريقة خارج إطار الأسرة ولكن غير سياسية." ـ4ـ
دولة القانون:
الدولة في الأصل كيان قانوني مستقل ذو شخصية اعتبارية، أي لها حقوق وواجبات قانونية، ومُنشئ القانون في الأصل هو الطبيعة التي انتظمت فيها الحياة وبدأ ضمنها تشكل المجتمع، كمكون واقعي مولد للقوانين، في التجمعات البشرية الحديثة تُنشا القوانين وتظهر وتأخذ صفتها الاعتبارية والسلطوية بواسطة مؤسسات ولدت من رحم الدولة، وبواسطتها تحدد الحقوق والواجبات وتنظم العلاقات لكافة الأطراف في المجتمع الجديد بما فيهم الدولة ذاتها.
لا تكتمل نظرية الدول دون تحديد لعلاقتها بالقانون؛ وهي علاقة وثيقة ومتداخلة، فهو الأداة الأساسية لممارسة السلطة، وتحقيق العدالة والمساواة، وإذا كانت تستكمل شرعيتها منه؛ فهو أيضا لا يقوم إلا بها، فهي التي تقوم بفرضه وتطبيقه، يوفر الإطار الشرعي لممارسة السلطة، ما يمنح المؤسسات الناشئة والمنضبطة سلطات لا تنازع عليها لفرض السيطرة والاستقرار والحفاظ على تماسك المجتمع. تلك المؤسسات ذاتها هي الحامية والراعية لمنشئها.
"يُقر هيغل بوضوح بوجود صلة قوية بين الأخلاق والقانون، ما يُشير إلى تأييده لبعض أشكال القانون الطبيعي. ومثل غيره من القانونيين الطبيعيين، يدّعي هيغل أن "ما هو قانون قد يختلف في مضمونه عما هو حق في ذاته. قد يكون وضع ما أو حق ما قانونياً ولكنه غير عادل -وهذا يتطلب وجود معيار عدالة أعلى يمكن من خلاله تقييم القانون المفترض من خلال سمات مشتركة في فقه القانون الطبيعي.
ولكن ما يختلف هو أن القانونيين الطبيعيين، تقليدياً، قد طوروا فهمهم لمعيار العدالة الأخلاقية الذي يُطبق على تقييم القانون قبل ذلك التقييم. على سبيل المثال، يُحدد المعيار الأخلاقي أولًا ثم يُطبق لاحقًا. هذا يدفع بعض منتقدي القانون الطبيعي إلى الادعاء بأن هذا النهج يستخدم معايير واستدلالات خارج نطاق القانون لتقييم القانون، وبالتالي ينخرط فعلياً في الفلسفة الأخلاقية بدلاً من الفكر القانوني.
يتميز منظور هيغل بطابعه الفريد. فهو يقبل الرأي الوضعي القائل بأن فهمنا للقانون يجب أن يركز على القانون نفسه بدلاً من الاعتبارات خارج نطاق القانون. يقول: ما هو قانوني هو ... مصدر إدراك ما هو صحيح. ـ5ـ
"إن الدولة هي التحقق الفعلي للفكرة الأخلاقية الموضوعية، فهي التحقق الفعلي للروح الأخلاقي باعتباره إرادة جوهرية متجلية، وبيِّنة لذاتها، تعرف ذاتها وتفكر فيها، وتنجز ما تعرف لأنها تعرفه، إن الدولة بوصفها تحققاً فعلياً للإرادة الجوهرية، وهو تحقق تعيه في وعيها الخاص بذاتها الكونية، هي العقلي في ذاته ولأجل ذاته. فهذه الوحدة الجوهرية هي الغاية المطلقة للدولة، الثابتة التي تحقق فيها الحرية قيمتها العليا، ويشكل لهذه الغاية النهائية حق أسمى تجاه الأفراد الذين يصبح من أسمى واجباتهم أن يكونوا أعضاء في الدولة.
وإذا خلطنا بين الدولة والمجتمع المدني البورجوازي، وإذا حصرنا مهمة الدولة في ضمان الأمن وحماية الملكية والحرية الشخصية، كانت مصلحة الأفراد، بما هم كذلك، الغاية القصوى التي تجمعوا من أجلها. وينتج عن ذلك أن الانتساب إلى الدولة أمر اختياري، بيد أن علاقة الدولة بالفرد هي شيء آخر، ما دامت الدولة هي الروح الموضوعي. ولا يكون للفرد عندئذ من وجود موضوعي وحقيقي وأخلاقي، إلا إذا كان عضواً في الدولة.
إن الاشتراك مع الجماعة أو الانتماء إليها، من حيث هو كذلك، هو المضمون الحق والغاية الحق، لأن مصير الأفراد هو أن يحيوا حياة عامة وكونية. إن إرضاء حاجاتهم وأنشطتهم وأنماط سلوكهم الخاصة، تجد لها، جميعها، في هذا الفعل الجوهري والكلي ما يشبه نقطة الانطلاق والنتيجة" ـ 6ـ
الدولة حقيقة سياسية واقعية، بما أنها تنظيم قائم وموجود وتنال شرعيتها وفق أسس وقواعد تعارفت عليها المجتمعات الحديثة، حيث تكتسب الدول شرعيتها من خلال أنظمة ودساتير تعارف وتوافق عليها مجموعة من البشر تربطهم علائق ومقومات طبيعية وتاريخية وجغرافية وسياسية وأيديولوجية. ويعد مفهوم السيادة شرطاً أساسياً كحق وشرط لقيام الدول وهي سيادة على الأرض والمجتمع، وتكون تلك السيادة مقيدة بالدستور والشرائع والقوانين الدولية المتوافق عليها بين كافة دول العالم وخاصة بعد النصف الثاني من القرن الماضي.
ويتعارض مفهوم الدول الحديثة مع حق الحكم المقدس للأفراد أو العائلات، فالشرعية مستمدة أساساً من الحقوق الوضعية التي تقرها الدساتير والقوانين، وليس بسلطة علوية غيبية، فالحاكم خليفة عن الشعب وسلطته تفويض منه مقيد بتلك النظم المشار إليها.

الانتقال من الحالة الفطرية الطبيعة المنتظمة بالقوانين الطبيعية إلى حالة اجتماعية سياسية وفق عقد اجتماعي منصوص كتابة ومعرف عرفاً، هي التي تخول الأفراد والمجتمعات من التحول إلى مؤسسة وكيان الدولة.
" الفيلسوف البريطاني هوبز Thomas Hobbes، كان أول من بَلور هذه النظرية بشكل واضح ومتكامل وصاغ فرضَيْها الرئيسيين على نحو متكامل ومتماسك. ثم تعاقب عليها كبار المفكرين بالنقد والشرح والتحليل والإضافة ابتداء من جون لوك John Locke، مروراً بجان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau، وحتى إيمانويل كانط Immanuel Kant كانت ومن بعده الكثيرون." ـ 7ـ
يقول أفلاطون: (إن الدول نشأت لعدم استقلال الفرد بسد حاجاته بنفسه وافتقاره إلى معونة الآخرين، ولما كان كل إنسان محتاجاً إلى معونة الغير في سد حاجاته، وكان لكل منا احتياجات كثيرة، لزم أن يتألف عدد عديد منا من صحب ومساعدين، في مستقر واحد، فنطلق على ذلك المجتمع اسم مدينة أو دولة) ـ 8 ـ
إن الدولة هي هذه النفس في صورة مكبرة" أفلاطون.
" إن وظيفة الشيء هي ما يؤديه هذا الشيء على أفضل نحو ممكن" أفلاطون.
ففضيلة العين هي الرؤية الواضحة وفضيلة الأذن هي السمع والنفس وظيفتها الحياة، وفضيلتها وامتيازها الحياة الطيبة أو الصالحة.
يرى أفلاطون أن "جميع الظواهر الاجتماعية هي من آثار النفس"
ويقول: إن الدولة لا تنشأ من أشجار البلوط بل من شخصيات الرجال الذي يعيشون فيها"
ويقول سقراط: إعطاء كلٍّ حقه، ليس من العدالة في حال من الأحوال أن نضر أحداً. ـ 9ـ
الفيلسوف الألماني كانط صاحب أهم نظرية مثالية أخلاقية: لا يبرر العنف بالعنف المضاد، ويجيب على سؤال: هل يمكن مواجهة عنف الدولة بعنف مضاد؟ بـأن "منع كل أشكال المعارضة منع مشروع".
ويرى لوك أن الدولة تستمد مشروعيتها بواسطة قدرتها على توفير الحقوق المدنية للأفراد. أي أنه ينبغي على الدولة تحقيق الوسائل وتشريع السبل لتعيين أفراد المجتمع مع ممارسة حقوقهم وحرياتهم. ووجوب احترام شرعية الدولة أمر لا مفر منه بل هو يتخذ صفة الواجب، ولكن هذه الشرعية التي نالتها الدولة ليست مقدسة ونزيهة بالمطلق بل هي زمنية وأخلاقية. بناءَ على أن دور الدول صيانة الحياة والملكيات والحريات. وتحقيق الأمن والسلام والعيش المشترك.
وجعل لوك في القوانين الفطرية التي أوجدها الله للناس والظروف الناجمة عن الذائقة الإنسانية الطبيعية الموجودة في البشر كفطرة، هي بحد ذاتها قوانين مقيدة الإرادة البشرية والإنسان أي أنها تشكل قيوداً فردية واجتماعية. ويستطيع الإنسان الوصول إلى تلك القوانين والتعرف عليها والتعامل معها بقدر من التفكر. فمثلاً حرية الإنسان قد لا تعطيه الحق بالانتحار. ـ25ـ
نظرية العقد الاجتماعي: أرجع جون لوك إمكانية وجود الدولة إلى وجود الإدارة المشتركة للأفراد واتفاقهم على إنشاء مجتمع سياسي "دولة".
ونستطيع الوقوف عند الترابط الوثيق الصلة بين الأخلاق كقواعد طبيعية وكعلم قائم بذاته، وبين مضامين مفاهيم السياسة والدولة والمجتمعات البشرية. ونخلص إلى أن تفكيك تلك الروابط خارج منظومة الأديان ليس من قبيل إقصائها بل هو سعي للمواءمة بين الماهيات المتباينة والقابلة للترابط والتشابك بواسطة محددات تمنح مكانة لائقة لأي منها كمنطلقات قيميَّة إنسانية وضعية ودينية تشكل السردية التاريخية للجنس البشري. فمبدأ التكامل وهنا مقدم على مبدأ التفاضل، وبعبارة أخرى يكون من الأنسب بل الأوجب تحقيق المصالحة والمشاركة والتداولية عند النظر والتفحص لمعاني ومفاهيم الأخلاق والدين والسياسة والدولة.
باختصار باستطاعتنا تقديم المفهوم اصطلاحياً وفقاً للشروح الآتية:
1ـ الدولة هي مجتمع منظم يعيش على إقليم معين، يخضع لسيطرة هيئة حاكمة ذات سيادة ويتمتع بشخصية معنوية متميزة عن المجتمعات الأخرى.
2- الدولة هي مؤسسة سياسية وقانونية، تقوم حين يقطن مجموعة من أناس بصفة دائمة في إقليم معين يخضعون لسلطة عليا تمارس سيادتها عليهم.
3- الدولة هي وحدة قانونية تتضمن وجود هيئة اجتماعية، لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة في مواجهة أمة مستقرة على إقليم محدد، تباشر حقوق السيادة بإرادتها المنفردة عن طريق استخدام القوة المادية التي تحتكرها وحدها.
4- هي جماعة مستقلة من الأفراد بصفة مستقرة ومعينة، بينهم طبقة حاكمة وأخرى محكومة.
5 -مجموعة من الأفراد مستقرة على إقليم معين، ولها من التنظيم ما يجعل للجماعة في مواجهة الأفراد سلطة عليا وظاهرة.
وتعرف بأنها كذلك: "مجموعة من الأفراد. مستقرة على إقليم معين، ولها من التنظيم ما يجعل
للجماعة في مواجهة الأفراد سلطة عليا آمرة وقاهرة".
كما ورد كذلك تعريف آخر أكثر شمولية حيث قيل بأنها: "وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود
هيئة اجتماعية لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة في مواجهة أمة مستقرة على إقليم محدد، وتباشر الدولة حقوق السيادة بإرادتها المنفردة وعن طريق استخدام القوة المادية التي تحتكرها" ـ 9 ـ
"وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة اجتماعية لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة في مواجهة أمة مستقرة على إقليم محدد، وتباشر الدولة حقوق السيادة بإرادتها المنفردة وعن طريق استخدام القوة المادية التي تحتكرها" ـ 10 ـ
الدولة عند أرسطو هي: "لا يجتمع الناس من أجل وجودهم المادي فحسب، وإنما يجتمعون من أجل الحياة السعيدة، وإلا كان تجمع العبيد أو الحيوانات عبارة عن دولة، وهذا أمر محال لأن هذه الكائنات لا تشارك قط لا في تحقيق السعادة ولا في تأسيس حياة تقوم على الإرادة الحرة" وهذا يعني أن الدولة حسبه هي ذلك الاجتماع الذي يحقق الحياة السعيدة للجميع" ـ 11 ـ
- بالتأكيد نحن نعترض على تصنيف أرسطو وفكرته بأن الرق حالة طبيعية وأن الطبقة التي يلقي عليها لقب العبيد، وهو طبعاً تصنيف مرفوض بالتأكيد، ليست مؤهلة اجتماعياً وهذا منقوض بالفكر الإنساني ومرفوض في مفهوم دولة المواطنة التي تتصف بها كل الدول الحديثة دون استثناء -
يرى أرسطو أن حياة الجماعة تعتبر طبيعية وضرورية للفرد، حيث أن هناك غريزة اجتماعية
لدى الأفراد بحب التجمع، وفي ذلك يقول أرسطو:
"فالطبيعة إذا تدفع الناس بصفة غريزية إلى الاجتماع السياسي، وهذا الاجتماع لابد وأن يقوم على القانون وتحقيق العدالة، فليس أقبح من أن يعيش الأفراد دون قوانين ودون عدالة، لأن القانون هو قاعدة الاجتماع السياسي، والعدالة ضرورة اجتماعية" ـ 12 ـ
وبتعبير أرسطو "الدولة هي الصورة والفرد هو الهيولى، والصورة في نظره هي كمال
أول أو فعل أول للهيولى، هي التي تعطيها الوجود بالفعل وتجعل منها حقيقة شيئية" ـ 13 ـ
الخير والسعادة هي بحد ذاتها هدف أولي وغاية في علم السياسة، الذي يعتبره أرسطو علماً أولياً أو أساسياً، 14ـ يقول أرسطو: "نقطة أولى يظهر أنها بديهية، وهي أن الخير يتبع العلم الأعلى بل العلم الأساسي أكثر من جميع العلوم، وهذا هو على التحقيق علم السياسة" ـ 15ـ
أن الدولة على الرغم من كل شيء «هي تحقيق لفكرة الفضيلة الأخلاقية».
وإذا تمكن روسو من التوصل إلى شروط الدولة التي يمكن للأفراد، بالخضوع لقوانينها، أن ينعموا بقدر من الحرية أكبر من القدر الذي كانوا ينعمون به في المجتمع السابق على المجتمع المدني. وقد كتب هيغل في هذا الصدد عبارة مشهورة قال فيها: «إن الدولة هي الفكرة المقدسة التي تعيش فوق الأرض.» وقال: «إن الفرد يستمد كل ما له من قيمة من اندماجه في أوجه النشاط التي تقوم بها الدولة.» ـ 16ـ
في وجهات النظر من عرض هيغل للنظرية المثالية؛ نجد أن حق الفرد في أن يتمتع بحقوقه (وذلك بالنسبة لجرين روسو) يعتبر تفاعلًا لوضعه باعتباره كائناً فاضلاً. وهذه الحقوق متساوية بين كل فرد وغيره، وليس من حق الدولة أن تختار بعض هذه الحقوق وتغدقها على بعض الأفراد بينما تحرمها على آخرين؛ ولذلك فإن ما يجب عليها أن تعمله هو إتاحة المساواة لأفراد المجتمع، فهم باعتبارهم كائناتٍ فاضلة لهم مصلحة مشتركة فيما تقوم به من حماية لذلك الرخاء؛ ولذلك فلهم الحق في أن يصدروا أي حكم على ما تقوم به من أعمال. وأما عن سيادتها فتعتبر في نظر كل فرد منهم محاولة في وجود المزاج المشترط، وتصبح ممارسة صحيحة للسلطة عند تحقيق إمكانيات حياة رغدة حيث يمكن «إشباع احتياجات الفرد في مهنته».
قد تكون الواجبات والشروط الموضوعية للشخصية الاعتبارية للدولة هي تحقيق العدالة والمساواة وإشباع الاحتياجات الحياتية والمهنية والوصول للرفاه والسعادة والأمن الاجتماعي والاقتصادي مبرراً لما يطلق عليه بعض الباحثين تعسف أو طغيان الدولة، وهي مسألة نسبية؛ أي ما قد يكون تعسفاً لدى البعض أو طغيان لا يكون عند آخرين، وهنا نعود لمسألة شرعية أو أصل القانون التي أشرنا إليها أعلاه.
في الدول الحديثة أوجدت المجتمعات السياسية حلولاً إجرائية وتنفيذية يتم بواسطة تطبيقها الوصول إلى الحد الأدنى من التعسف والطغيان وتحقيق المصالح العليا والمشتركة للكل، ولو على حساب البعض، والفكرة المركزية هنا هي تطابق مصالح الدولة مع مصالح المجتمع السياسي والمدني الذي ولد من رحمها، ولا يدعي أحد وجوداً كاملا لذلك التطابق ولكن يمكن تحقيق ذلك في الحدود المعقولة، خاصة في المراحل الانتقالية والظروف الطارئة كالحروب والكوارث والجوائح الطبيعية، حيث تكون الدول مضطرة لمصادرة بعض حقوق الأفراد وتضيق بعض الحريات.
"نجد وجهة نظر هيغل، في الواقع جميع أركان النظرية المثالية، تعتمد على افتراض يدور حول التنظيم الاجتماعي، ومضمون هذا الافتراض من الأهمية بمكان. ومحوره هو أن الكل أهم من الجزء، وعلى ذلك فإن مصلحة الدولة القومية يجب أن يُنظر إليها على أنها أعظم أهمية من مصلحة أي فرد أو أية هيئة؛ ولذلك فإن هؤلاء الذين يسيطرون على سيادة الدولة — وذلك بسبب المصلحة العليا التي يُعتبرون مسئولين عن رعايتها — تكون دعواهم في المطالبة بالطاعة أجدر من دعوى أي كائن ممن يتولون رعاية أية مصلحة أخرى أقل شأنًا من مصلحة الدولة." ـ 17 ـ
تلخص المقولة أعلاه، على الرغم مما يمكن أن تتعرض له من نقد، قدمنا له تفنيداً سابقاً، فكرة الدولة كقيمة سامية، أي كمرجعية عليا فوق ما دونها من مرجعيات تقليدية واجتماعية وتاريخية، بحث تصبح الهوية السياسية مقدمة على ما سواها من هويات.
وإذا كنا أفردنا مساحة واسعة لنظرية هيغل السياسية فلا يعني ذلك بأي حال من الأحوال التطابق مع تلك الأطروحات أو التغاضي مثلا عن تقديس الملكية البروسية باعتبارها أسمى ما أنجزته حصافة البشر.
نظرية ديفيد هيوم للدولة:
ولد هيغل 1770 قبل وفاة هيوم بست سنوات 1776 ، ما يعني اطلاعه الواسع على فلسفة وفكر سلفه.
هناك تناقضات تعكس اختلافات جوهرية في الفلسفة السياسية والاجتماعية لكل منهما، فالنظرية الهيغلية اتسمت بالمثالية الواقعية، أي بالبحث عن الصورة الأمثل والأفضل والأقرب للفضيلة والأخلاق والمصلحة العليا للمجتمع السياسي والمدني بمجموعه ولو على حساب الفرد، وأن الدولة تجسيد لحرية الإرادة الفردية.
تأثرت نظرية هيوم السياسية والاجتماعية بالمدرسة النفسانية حيث تلعب النفس الدور الأكبر في صياغة سلوكيات الأفراد والمجتمعات ولها تأثيرات بالغة عند اتخاذ القرارات، فيعتقد أن العقل هو خادم للعواطف ما يعني أن القرارات السياسية تتأثر بشكل كبير بالعواطف والمشاعر.
في حين أن الدولة والمجتمع السياسي عند هيغل مثلاً تحييث للعقل والحرية، فالتطور التاريخي عقلي وليس نفسي يؤدي إلى تحقيق الوعي المطلق والحرية. وعند هيوم الدولة ضرورة عملية أوجدتها الحاجة الى إقامة نظام متماسك ومتسق يحفظ ويحمي الأفراد من الفوضى ومن أجل ذلك اتفقوا على البحث عن اللقاء الأمثل فوجدت الدولة من أجل ذلك. لتضمن مصالحهم المشتركة وتؤمن الاستقرار.
في حين كان هيغل يعتقد الدولة كما مر معنا تجسيد للروح العالمي أي للقوة أو الطاقة الكامنة التي تحرك التاريخ البشري وتطوره، ويمثل الوعي الجمعي أو الذات الجمعية المتطورة وفقاً للجدل والصراع في سياق بنية وتكامل الحرية والإرادة الحرة. وصولاً لوحدة الأخلاقية العليا فالدولة ليست مجرد أداة ضرورية لانبثاق وديمومة النظام بل هي الكيان نفسه الذي يؤمن تحقيق الحرية والوعي الذاتي للشعب.
يميل هيوم: لتقييد السلطات بالقوانين والاتفاقات والعقود الاجتماعية من أجل حماية الأفراد ككيان قائم ضمن الدولة، بعبارة أخرى كيان الدولة مشكل من جملة كيانات هي بحد ذاتها متمتعة بحقوق واستقلالية.
يميل هيغل إلى السيادة المطلقة للدولة كضرورة لا بد منها لتحقيق الوحدة والاستقرار، ذات سيادة تامة لاتخاذ القرارات التي لا مفر منها مع الالتفات لتراتبية الأهمية وتشارك المصالح والانسجام بين الكل والفرد لصالح الكل في حال التناقض.
يعتبر هيوم الحرية الفردية وحقوق الأفراد جزء من ضرورات قيام الدولة، وهي تقوم بحمايتهم من تدخل الدولة نفسها حسب الاتفاقيات والحقوق والقوانين التي أشير إليها عند نشوء أو قيام الدولة، لكن ذلك التقويم الأمثل عند هيوم لا يسلم من نقد، فالمصالح بين الأفراد أنفسهم والمجتمع قد تتعارض وقد تتناقض ما يدعو للتراتبية والأفضلية، لذلك قرر هيغل أن "الحرية الحقيقية تتحقق في إطار الدولة أي يمكن للأفراد تحقيق مصالحهم في سياق المجتمع المنظم "الدولة" "فالحرية الفردية ليست مجرد غياب القيود بل هي القدرة على تحقيق الذات في إطار المجتمع والدولة"

"طبّق ديفيد هيوم (1711-1776)، وهو فيلسوف أسكتلندي بارز من عصر التنوير، فلسفته التجريبية على نطاق واسع على النظرية السياسية. وخلافًا لمعاصريه الذين غالباً ما أسّسوا نظرياتهم عن الدولة على مفاهيم مثل الحقوق الإلهية أو العقود الاجتماعية، طوّر هيوم نظرية وظيفية، مؤكداً أن الدولة أو الحكومة (كمنظمة مُكلّفة بالأفعال والصلاحيات اللازمة للحكم) تنشأ من ضرورات عملية لا تعاقدية أو بأمر إلهي.
تفترض نظرية هيوم أن الدولة تتطور استجابةً للاحتياجات العملية للمجتمع، وخاصةً إدارة التعقيدات وتسهيل التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية. ويرتكز هذا المنظور على ملاحظات السلوك البشري والتطور العضوي للمعايير المجتمعية، لا على المبادئ المعيارية المجردة." ـ 18 ـ
يركز هيوم على فهم الطبيعة البشرية كأساس للنظرية السياسية، ففهم الدوافع والعواطف البشرية أمر ضروري لفهم كيفية عمل المجتمعات والسياسات، فالتعاقد الاجتماعي هو نتيجة للضرورة العملية والفائدة المشتركة، أي ليس نتيجة لصيرورة العقل أو بدافع من الأخلاق المجردة، وهنا نلحظ افتراقا جوهريا مع بنية النظرية السياسية الهيغلية. حيث كانت المنفعة والمصلحة هي معايير أساسية للتقويم وليس بناء على فكرة الأخلاق المجردة. فالسعادة والرفاهية هي التي تمنح القيمة العليا للسياسات، وفي هذه النقطة نرى عودة للتلاقي بين هيوم وهيغل ولكن من سبيل مفترق. فهيوم يريد فهم النفس من أجل تحقيق السعادة والرفاهية، في حين يرى هيغل العقل والوعي هو من يمنح الفرد ومن ثم المجتمع تلك الغايات.
"يصنف مفهوم هيوم للدولة أو الحكومة على أنه نظرية وظيفية، حيث تعني الوظيفية أن الدولة موجودة لتتولى وظائف لا يستطيع أفراد المجتمع القيام بها. الدولة موجودة بسبب وظيفتها، الناشئة عن احتياجات مجتمع متنامٍ ومتزايد التعقيد. تستفيد الدولة من عائد التعقيد -أي أن تنظيمها المعقد يفيد المجتمع، وتكتسب شرعيتها من هذه الفائدة. يجادل هيوم بأن شرعية الدولة ووظائفها تتوقف على فعاليتها في تلبية احتياجات المجتمع الخاصة، مما يعني الاستفادة من تعقيدها الخاص." ـ 19 ـ
فالدولة لا تستمد عند هيوم وجودها من ذاتها بل من وظيفتها، ونلاحظ كيف يجمع هيوم بين التحليل النفسي الفردي والاجتماعي والمنهج التجريبي، حيث من أجل معرفة ما إذا كانت الحكومة أو الدولة تمتلك شرعية وجودها لا بد من تجريبها، ويمكننا ملاحظة وجود هوة زمنية فهيوم يريد تجريب في حين يمنح هيغل الدولة ضرورة ذاتية، وليس تجريبية، وعلى الرغم من وصم نظرية هيغل بالمثالية لكنها كما أشرنا هي مثالية واقعية وليس ترنسندنتالية.
"كان هيوم يخشى أن تكون النظريتان السائدتان للدولة (الأمر الإلهي والعقد الاجتماعي) مجرد خيالات تُستخدم لتبرير السلطة. في مقاله "حول العقد الأصلي"، وصفهما بأنهما تبريرات رجعية للسلطة وليستا سرداً للأصول الحقيقية. يقول هيوم: "إن جميع الحكومات تقريباً، القائمة حالياً، أو التي لا يزال لها أي أثر تاريخي، قد تأسست في الأصل، إما على الاغتصاب أو الغزو، أو كليهما، دون أي ادعاء بموافقة عادلة أو خضوع طوعي للشعب" (هيوم ١٩٨٧، ٤٧١)." ـ 20 ـ
لقد أحل هيغل الروح الموضوعية محل مفهوم ألوهية الحاكم أو السلطة، ومع إقرار هيوم بإمكانية أن تكون الدولة حاجة كونية فإنه وجد ذلك سبباً لمنع إعطاء الدولة سلطة غيبية، فهي ناشئة عن تدبر المجتمع والتاريخ وليس عن فرض إلهي. فالبشر والأفراد متطورون متغيرون وكذلك الحال عند مجتمعاتهم ومؤسساتهم، وهذه الفكرة الهيغلية التي تفترض التاريخ ممهد لتطور ووعي الحرية وإقرار وجودي للأخلاق الحياتية المنبثقة من الأخلاق المجردة.
"انتقد هيوم مفهوم العقد الاجتماعي كما روّج له مفكرون مثل توماس هوبز وجون لوك. ورأى أن هذه النظريات تخمينية لأنها افترضت عقداً أو اتفاقاً أصلياً يُفترض أنه وقع في ماضٍ أسطوري ما قبل اجتماعي -وهو حدث لم ير هيوم له أي دليل تاريخي أو أساس عملي.
ووفقاً لهيوم، فإن فكرة نشوء المجتمع من اتفاق جماعي لتأسيس حكومة لا تتوافق مع الملاحظات التجريبية لكيفية تطور المجتمعات والحفاظ على النظام. وكان متشككًا بشكل خاص في فكرة أن استمرار الطاعة للحكومة يعني ضمنياَ الموافقة." ـ 21 ـ
وهنا نطرح السؤال رداً على هيوم، ما الذي دفع الناس لقبول فكرة الأساس قبل تبين أشكال الدول والحكومات والأنظمة.
افترض هوبز ولوك وجود عقد عرفي أو تعارفي غير منصوص، توافق عليه أفراد المجتمع بصورة طبيعية، وكنتيجة تطورية للجماعات البشرية الصغيرة والفئوية، حيث وجد الجميع حاجة للحكومة، ومن منطلق طبيعي، أي بناء على الموقف الوجودي الطبيعي؛ وجدت فكرة الدولة نتيجة لتعقيدات العلاقات والمصالح ووجود الميل الفطري لدى الأفراد للتملك، فكان لا بد من إقرار متبادل للملكية، كما رأينا من أجل الاعتراف، هذه السلسلة من التطور الاجتماعي ارتبطت بالتطور التاريخي للوعي عند البشر كما شرح هيغل.
تطور مفهوم الحرية في مسار متسق مع الوعي منح الأفراد قوة الإرادة الحرة لقبول ما يقتضي قيام النظام والحوكمة والدولة ذاتها.
يمكننا الاستنتاج بأن الخوف أو الخشية من طغيان وتعسف الدولة كان أحد الأسباب البارزة لصياغة نظرية هيوم السياسية، وربما يعود ذلك لأسباب نفسية، فالفرد الطبيعي يريد التمتع بحرية غير مقيدة، وهذا وصف نفسي، والفرد الاجتماعي يرضى ويقر بالولاء والالتزام بما يمليه الواجب العقلي، ففي ظل مجتمع مشاع مطلق الحرية ستتحول التجمعات البشرية للالتزام بقانون الغاب، ومع ملاحظة أن بعض التجمعات البشرية في مناطق نائية كانت تلتزم وتوالي سلطة غير محددة الصلاحيات تسمح بتنظيم العلاقات والمصالح، مع أنها لم تكن قادرة على التطور الكافي لنشوء المجتمع المدني وصولاً لدولة المدنية، كما أن تلك المجتمعات لم تكن محمية من التحول أو الانقراض بسبب الجهل أو العوامل الطبيعية الجائرة أو الغزو. هذا الشكل من التجمع البشري الطبيعي كان واحداً من مبررات تطور المجتمعات السياسية البشرية وصولاً إلى الدولة.
يقول هيوم: "يجب التأكيد هنا على أن التجارة والتواصل بين البشر، وهما أمران بالغا الأهمية، لا يمكن أن يكونا آمنين ما لم يُراعِ الناس التزاماتهم. وبالمثل، يُمكن القول إنه لا يمكن للناس العيش في مجتمع، على الأقل في مجتمع متحضر، بدون قوانين وقضاة، لمنع تعديات الأقوياء على الضعفاء، والعنيفين على العادلين والمنصفين. ولأن الالتزام بالولاء يُضاهي الالتزام بالإخلاص في القوة والسلطة، فلا فائدة تُرجى من دمج أحدهما في الآخر. فالمصالح العامة أو ضرورات المجتمع كافية لإثبات كليهما." ـ 22 ـ
ربما تكون تلك القصاصة مهمة أكثر من سواها لمعرفة الموقف الأقرب للحالة التي نحن بصددها، وأردت تقديم نظرية هيوم في الدولة بعد هيغل كي نكون أوسع اطلاعاً على الرؤى والأطروحات المتقابلة في موضوع الدولة والمجتمع.
أراد هيوم الاشتغال على "محاولة لإدخال المنهج التجريبي في المواضيع الأخلاقية". في حين انحاز هيغل للتطور التاريخي الديالكتيكي، تاريخية عقلانية تتطور تدريجاً، أطروحة ونقيضه وتوليفة، والوحدة والتناقض، حيث يصح الادعاء بأنه لم يكن تجريبياً بحتاً ولا عقلانياً بحتاً، بل فلسفة موضوعية ميتافيزيقية تحلل التاريخ والواقع، حاول الدمج بين العقلانية والتجريبية حيث اعتبر أن العقل هو المحرك الأساسي للتاريخ والتطور البشري، وأخذ في الاعتبار الواقع التاريخي والتجريبي وهذا ما لمسناه في نظريته عن الدولة، فالحقيقة الموضوعية أو الروح العالمية الميتافيزيقية موجودة يمكن فهمها من خلال العقل والفهم الجدلي للتاريخ والواقع.
في كل الأحوال لن نستطيع استيعاب كامل النظرية المعرفية لكل من هيغل وهيوم في الوقت الذي نفتش فيه عن موضوع بعينه ضمن طيات تلك الفلسفة الضخمة، وكان القصد والغاية إدراك أو استيعاب مفهوم ومبدأ وأساس مصطلح ومفردة وكيان "الدولة"

الهوامش والمراجع والمصادر:
1 ـ الموسوعة السياسية العربية
2 ـ مترجم بتصرف عن: https://plato.stanford.edu/entries/hegel-social-political/
3 ـ المصدر السابق.
4 ـ المصدر السابق
5 ـ المصدر السابق
6 -فريدريك هيغل ، مبادئ فلسفة الحق.
ترجمة تيسير شيخ الأرض، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1974،"
7 ـ الموسوعة السياسية العربية.
8 -أفلاطون: الجمهورية، ترجمة: حنا خباز، المطبعة المصرية، القاهرة، د ط، 7666، ص 31.
9 ـ "الجمهورية ص26" ترجمة حنا خباز ـ 24 ـ
10 ـ الدولة والمواطن عند أرسطو: عباسي فاطمة الزهراء وهالي ابراهيم أ. د باش حبيبة.
2017 جامعة قالمة الجزائر. رسالة لنيل درجة الماستر. ص 16 نسخة pdf
11 ـ عبد المجيد عبد الحفيظ سليمان: النظم السياسية، جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، القاهرة، دط، 7661 ، ص 2. المصدر السابق ص17
12 ـ جلال الدين السعيد: معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية، دار الجنوب للنشر، تونس، ص 763. المصدر السابق ص 20
13 ـ المصدر السابق ص 21، عن جلال الدين السعيد، ص 95
14 ـ مصطفى الخشاب: تاريخ الفلسفة والنظريات السياسية، لجنة البيان العربي، ص 747ص 741، المصدر السابق ص 22
15 ـ أرسطو: علم الأخلاق إلى نيقوماخوس، 171 . 7666 ، ص 732 ، - ترسيسيان ف.س: الفكر السياسي في اليونان القديمة، ترجمة: حنا عبود، الأهالي للطباعة والنشر، دمشق، ط1 ، المصدر السابق ص 31
16 ـ المفهوم الفلسفي للدولة الدولة نظريا وعمليا هارولد ج. لاسكي. المصدر: https://www.hindawi.org/books/17048294/1/
17 ـ المصدر السابق.
18 ـ https://jls.mises.org/article/138835-david-hume-s-theory-of-the-state ٤ يونيو ٢٠٢٥، نظرية ديفيد هيوم للدولة هنريك شنايدر
19 ـ مصدر سابق.
20 ـ مصدر سابق.
21 ـ مصدر سابق.
22 ـ مصدر سابق.
ـ جورج فيلهلم فريدريش هيغل (بالألمانية: Georg Wilhelm Friedrich Hegel) (ولد 27 أغسطس 1770 — 14 نوفمبر 1831) فيلسوف ألماني ولد في شتوتغارت في المنطقة الجنوبية الغربية من ألمانيا. يعتبر هيغل أحد أهم الفلاسفة الألمان، حيث يعتبر أهم مؤسسي المثالية الألمانية في الفلسفة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. طور. المنهج الجدلي الذي أثبت من خلاله أن سير التاريخ والأفكار يتم بوجود الأطروحة ثم نقيضها ثم التوليف بينهما. كان هيغل آخر بناة "المشاريع الفلسفية الكبرى" في العصر الحديث. كان لفلسفته أثر عميق على معظم الفلسفات المعاصرة.
ـ يُعتبر ديفيد هيوم (1711-1776) من أهم الفلاسفة الذين كتبوا باللغة الإنجليزية، وقد اشتهر في عصره كمؤرخ وكاتب مقالات. وبأسلوبه المتميِّز في جميع الأنواع الأدبية، لا تزال أعماله الفلسفية الرئيسية - "رسالة في الطبيعة البشرية" (1739-1740)، و"استفسارات في الفهم البشري" (1748)، و"مبادئ الأخلاق" (1751)، بالإضافة إلى "حوارات في الدين الطبيعي" (1779) التي نُشرت بعد وفاته - ذات تأثير واسع وعميق.



#احسان_طالب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد نظرية ميشال فوكو حول السياسة الروحية. نظرية الخميني ونظر ...
- الوعي بالشعور سُبل التفكير الايجابي
- في مفهوم الديموقراطية الالتباس والواقعية السياسية
- ثقافة التسامح بين الفكر الوصفي والفكر الغائي وفي ضوء علم الن ...
- الفرق بين النويما والنويزس في فلسفة أدموند هوسرل*
- ثنائية العقل والنقل تفكيك التعارض دراسة فلسفية*
- الاقتصاد الإسلامي التحديات والآفاق دراسة مقارنة
- الكَلِماتُ والْمَعاني ما يُعَوَّلُ عَلَيْه بَيْنَ الفَلْسَفَ ...
- القاموس التاريخي لفلسفة هوسرل جون جيه. دروموند
- التجديد الديني، في المعنى والتاريخ. مقاربات الأصوليين والإصل ...
- أصل المعرفة هل حقا المعرفة النهائية لا أدرية كما يدعي هربرت ...
- محاورة إحيانون، الاستدلال والقياس
- جدوى الفلسفة نظرية المعرفة
- الإشكالات الأساسية في الفلسفة
- ما هي الفلسفة
- مقالات التنوير 10 عقدة أو مركب التفوق الحضاري
- مقالات التنوير 9 الأصولية ليست حلا عقلانيا الراديكاليون الجد ...
- مقالات التنوير 8 مأزق العقل الأصولي بحث أركيولوجي
- مقالات التنوير7 مقايسة الأصولية ومستوياتها بالعلمانية وحدوده ...
- مقالات التنوير 6 الإسلام السياسي كمفهوم يرتكز على أسس وتحليل ...


المزيد.....




- مقطورات مغمورة ومركبات عالقة.. شاهد نتائج الفيضانات الخطيرة ...
- بايدن يُحذر: أمريكا تواجه -أياما مظلمة- في عهد ترامب
- مصر.. تداول فيديو لشخص يدعي أنه ضابط شرطة -مختف قسريا- والدا ...
- -هذا موت وليس مساعدة أو طعامًا-.. شاهد ردود فعل سكان غزة على ...
- -مصالح مشتركة-.. أيّ دور لعبته حرب غزة في تقارب السيسي وأردو ...
- البرلمان السلفادوري يمنح الرئيس بوكيلي قابلية الترشح إلى ما ...
- قوافل المساعدات تدخل السويداء وسط هدوء حذر
- خطة سحب سلاح المخيمات.. حسابات ما بعد -دبور-
- دمشق تشكل لجنة تحقيق في أحداث السويداء
- بعد وفاة شاب وإصابة 6 بحفلة محمد رمضان يزعم: كانت محاولة اغت ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احسان طالب - الدولة ما بين هيوم وهيغل. مبحث فينومينولوجي