عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع
(Ahed Jumah Khatib)
الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 16:14
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
توسيع نطاق المعرفة: تقليص مجال الشيطنة
ربما نحن في أمسّ الحاجة اليوم إلى إعادة تعريف لمفهوم "الشيطان"، ليس كمجرد كيان ميتافيزيقي، بل كرمز متجذر في عمق النفس البشرية، يتسلل إلى ثنايا الرغبات والدوافع والغرائز. فالشيطان، بمعناه الوجودي، لا يختبئ فقط في الأساطير أو خلف الماورائيات، بل يظهر حين تستحكم النزعات وتختل البوصلة الأخلاقية والمعرفية.
مجالات اشتغال الشيطنة:
الرغبات المطلقة: من النساء إلى المال إلى الأولاد إلى حب الخلود والنجاح، حين تتحول من وسائل للحياة إلى غايات تتحكم فينا، فإنها تتحول إلى أرض خصبة لنفوذ الشيطان. إنها ليست رغبات مذمومة بحد ذاتها، بل حين تتحول إلى مطلقٍ يلتهم الروح ويشوه الوعي.
نزعة السيطرة على الآخر: حين تصبح العلاقات الإنسانية قائمة على الهيمنة والاستغلال بدل المشاركة والاحترام، يصبح الشيطان حاضراً في صميم التفاعل الاجتماعي.
إشباع الرغبات لا الحاجات: إن اختلال التوازن بين ما نحتاجه فعلاً وما نرغبه بإلحاح قد يؤدي إلى الانفصال عن جوهرنا الإنساني، حيث يصبح الإنسان عبداً لما لا يُشبع، مقيّداً بسلاسل "اللاضرورة".
إفساد ما هو فاضل: حين تُقلب القيم، ويُحارب الصدق باسم "الواقعية"، ويُحتقر العدل باسم "القوة"، فإننا نكون قد فسحنا المجال لانتشار آليات الإفساد الشيطاني في مؤسساتنا وأخلاقنا.
النفس والشيطان: لعبة الانعكاس
ما يدعو للتأمل أن الإنسان غالباً ما:
يعظم تأثير الشيطان عليه، فيجعل منه شماعة لفشله وتخاذله، متناسياً أنه في الأصل قد يكون صدى داخلياً لصوت لم يواجهه بصدق.
ويقلد هذا الشيطان في تعامله مع الآخرين، فيمارس القسوة، الخداع، الأنانية والهيمنة، كما لو أنه أصبح "شيطاناً صغيراً" في حياة من حوله.
المعرفة كتحرر من قبضة الشيطنة
الشيطان، كما وصفه الوحي، "كَيْدُ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا"، أي أن قدرته على التحكم لا تتجاوز ضعفنا أمامه. وإن التسلح بالمعرفة، لا سيما المعرفة العلمية والفلسفية، يمنحنا قدرة مضادة على فك رموز التلاعب الذي يمارسه هذا "الرمز". المعرفة هنا ليست تراكماً معلوماتياً، بل هي منهج لفهم الذات، وتفكيك نزعاتها، وتنظيم إيقاعها الأخلاقي.
كلما توسّعت معارفنا العلمية والروحية والنفسية، كلما تقلّص فضاء الشيطنة في دواخلنا، لأن الوعي النشط هو العدو الأول لكل قوى الإظلام. نحن لا نهزم الشيطان بجلد الذات، بل بالصدق مع أنفسنا، وبإعمال الفكر، وبترسيخ الوعي النقدي، فتصبح المقاومة فعلًا معرفياً لا صراعاً غيبياً.
في الختام:
إن استعادة الإنسان لسيادته على ذاته تتطلب مشروعاً معرفياً يعيد ترتيب الأولويات، ويزرع الشك في المسلّمات، وينقي الروح من شوائب الطغيان والرغبة الجامحة. فكل خطوة نحو العلم، هي خطوة تضيّق الخناق على حضور الشيطان، وتعيد الإنسان إلى جوهره الفطري النقي: الكائن العارف، القادر على الاختيار، الرافض للعبودية… أيًا كانت أقنعتها.
#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)
Ahed_Jumah_Khatib#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟