أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - هل كانت 23 يوليو ثورة؟














المزيد.....

هل كانت 23 يوليو ثورة؟


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 20:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الثورة فضيحة بجلاجل لا دسيسة تُطبخ في الخفاء. لا ثورة بلا مقدمات تفضح أسبابها وأغراضها. وهذه المقدمات تستغرق زمناً حتى تنضج وتكسب أرضية وسط الموجوعين منها، حتى يتلقفها آخرون يشكلون من الأوجاع والمظالم الذائعة أفكاراً وقناعات راسخة، التي تنضج إلى حد الإيمان الأعمى بنجاعة الحلول المقترحة- مهما كانت هذه الأخيرة ساذجة وتافهة ومخطئة- وقدرتها شبه السحرية على تخليصهم بين ليلة وضحاها من بؤس وشقاء وظلم دام دهراً. وهنا يأتي دور رموز الفعل والحركة والتنظيم لحشد جماهير الحالمين بالنجاة من الجحيم دفعهم نحو أبواب الجنة الموعودة. عندئذٍ تنفجر شرارة الثورة في وجه الكافة، والنظام القائم قبل أي أحد آخر.

نعم، ألم يكن لثورة 23 يوليو 1952 مقدمات وأسباب وأهداف معلومة، مثل التحرر من التبعية الاستعمارية، الإطاحة بالنظام الملكي، تصفية الاقطاع، محاربة الفساد، وتمكين المصرين الذين هم أبناء البلد الأصليين من حكم أنفسهم والاستمتاع بمقدراتهم الوطنية ...الخ؟

صحيح. كل ما ذكرته صحيح. لكن تلك الشعارات لم تنشأ ولم يسمع بها أحد ولم تتبلور إلى سياسات وتدخل حيز النفاذ قط إلا بعد عام 1952، تحديداً خلال الفترة من 1954إلى 1956، أي بعد مرور أكثر من عامين على نجاح الثورة. أكثر من ذلك، 23 يوليو لم تُطح بالملكية في 1952، لكن استبدلت الملك بآخر مكانه؛ وخلال سنواتها الأولي كانت غربية الميول والتوجه إلى ذات الدول الاستعمارية نفسها التي رفعت فيما بعد شعار التحرر من تبعيتها، ولم تتبنى النظام الاشتراكي المتبع لدى المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي والصين إلا بعد أزمة تمويل السد العالي. باختصار، كل الشعارات الثورية التي رفعتها 23 يوليو 1952 لم تُكتب إلا بعد هذا التاريخ.

كلامك غريب ومُحير. أليست الثورة هي إحداث تغييرات هيكلية جوهرية وعميقة في بنية الدولة وطريقة عملها، بما يخلف آثاراً سياسية واجتماعية واقتصادية ملموسة لا تخطئها العين أبداً على حياة أبنائها بحيث يستحيل على أحد أن يُخطئ في تمييز ما قبل عن ما بعد؟ ألم تنجح 23 يوليو في ذلك بحيث نقلت مصر من عهد إلى آخر مختلف تماماً؟!

معك حق. نعم، هذه هي حقيقة الثورة. صحيح، لا ثورة من دون تغييرات هيكلية جوهرية وعميقة في بنيان الدولة من كافة الأوجه. ومعك حق أيضاً في قولك أن 23 يوليو نجحت بالفعل في ذلك، بحيث نقلت مصر من عهد إلى آخر مغاير تماماً، الذي لا يعنينا الآن إذا كان أفضل أو أسوأ من سابقه. نحن هنا معنيون فقط بالحدث الثوري المحض. من هذا المنظور، أؤيدك تماماً في استنتاجك حول التغيير الجذري الثوري الذي أوقعته 1952 في الدولة والمجتمع المصري. لا أحد يشكك أبداً في ذلك.

لكن تبقى هناك نقطة في غاية الأهمية ربما قد غابت عنك. كما ذكرت لك أعلاه، الثورة فضيحة بجلاجل لا دسيسة تُطبخ في الخفاء؛ كذلك الثورة ليست وجبة دسمة يسويها النظام على مزاجه ثم يروج لها ويوزعها على الملأ. لقد بدأت يوليو 1952 كحركة عسكرية في الخفاء ضد النظام القائم؛ ثم، بعد أن أصبحت هي النظام القائم، شرعت تُحدث ثورة في ذات الدولة التي تُمسك بحكمها الآن. وهذا، بالتأكيد، وضع معكوس وغير طبيعي بالمرة وفقاً لمنطق الثورات. في الواقع، الثورة هي التي تخلق من رحمها النظام الذي أرادته وقامت بالثورة من أجله؛ وإلا، لماذا وضد ماذا ثارت أصلاً. والحال كذلك، هل يُعقل أن يدبر نظام قائم ثورة ضد نفسه؟!

إن أي وكل كائن حي في الوجود يسعى من وراء أفعاله كافة إلى حفظ بقائه في المقام الأول. لا عيب في ذلك، بل فيه سر استمرار الحياة حتى يومنا هذا. ونظام الحكم في كل الدنيا هو في نهاية المطاف مجموعة من البشر تحكمهم ذات المبادئ التي تحكم الكائنات الحية كافة: حفظ البقاء. هكذا، طالما كانت كينونة نظام يوليو سابقة على ثورة يوليو، حينئذٍ تصبح الثورة اللاحقة لوجود النظام مجرد حيلة لا يُلام عليها من أجل المحافظة على بقائه في المقام الأول وقبل كل شيء آخر.

خلاصة القول، 23 يوليو نظام خلق ثورة، بينما الطبيعي هو أن الثورة هي التي تخلق نظامها الثوري. معنى ذلك أن 23 يوليو 1952 لم تكن ثورة حقيقية، لكن معكوسة ومصطنعة، صُنعت على يد النظام القائم في تلك اللحظة، على مقاسه، ولخدمة أغراضه للبقاء في المقام الأول. من هذا المنظور الوجودي، حاجة النظام إلى الدعم الشعبي اضطرته إلى توزيع المساكن والوظائف والأراضي الزراعية مجاناً على المواطنين، من جيوب الأثرياء وليس من عوائد التنمية. ولما كان الجهل والفقر والعوز متفشياً، التفت الأغلبية الساحقة من المصريين حول النظام الجديد وهتفت من ورائه بشعارات ثورية ليس لديها أدنى فكرة عن عواقبها المستقبلية، من منطلق المأثور الشعبي- "عيشني النهاردة وموتني بكرة". لكن بمرور الزمن وتعري العورات، تبخرت الشعارات الثورية الواحد تلو الآخر، من مجانية السكن والتعليم والوظيفة والغذاء، إلى محاربة الاستعمار والثراء الفاحش ورؤوس الأموال الفاسدة. رغم ذلك، بقي هناك شيء واحد صُلب لم يطرأ عليه التغيير، لأنه كان فعلاً اللب والجوهر الحقيقي لـ23 يوليو منذ البداية: صخرة النظام القائم. لقد تغير وتبدل مرات عديدة كل ما تغنت به 23 يوليو 1952، عدا النظام ذاته الذي كان قائماً في ذلك اليوم بقي على حاله ولا يزال يبحث عن حيل أخرى مواكبة للموضة العالمية تحفظ له بقائه.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل مصر دولة ديمقراطية؟
- الساداتيىة وتهافت الأنظمة الثورية
- الله حائر بين اليهود والفرس
- عن طبيعة الجسم السياسي
- هل الثورة اختيار حقاً؟
- هل ينتج الاستبداد تنمية مستدامة؟ (1)
- الضمير بين الوعي والدين (3)
- الضمير بين الوعي والدين (2)
- الضمير بين الوعي والدين (1)
- هل ضاعت غزة حقاً؟
- بين العقيدة والسلطة، أزمة الدين
- بين الوحي والعقل، المأزق الديني
- ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار
- كيف أزاح الشيطان الإله من مُلْكه - أحمد الشرع
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (6)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (5)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (4)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (3)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (2)
- في مآلات المشروع العربي الناصري


المزيد.....




- انتهاء الجلسة الأولى من المفاوضات بين حماس وإسرائيل دون اتفا ...
- بدء مفاوضات الدوحة لوقف إطلاق النار في غزة وترامب يتحدث عن - ...
- عاجل| الجيش الإسرائيلي: رصد صاروخ أطلق من اليمن باتجاه إسرائ ...
- ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تكساس إلى 78 قتيلا ومواصلة البحث ...
- لبنان: حزب الله يتمسك بسلاحه ويؤكد أن التهديدات الإسرائيلية ...
- قبل لقائه نتنياهو.. ترامب يعلق على اتفاق غزة المحتمل و-نووي ...
- إسرائيل تعلن استهداف موانئ يمنية ومحطة كهرباء ومواقع للحوثيي ...
- ترامب يصف تأسيس ماسك لحزب سياسي جديد بأنه -سخيف-
- عاجل| شهيدان ومصابون بقصف على منزل وسط مخيم البريج وسط غزة
- في كهف بالعراق.. غاز الميثان يقتل 5 جنود أتراك


المزيد.....

- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي
- صندوق الأبنوس / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - هل كانت 23 يوليو ثورة؟