أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أسمهان عبد القدوس القره غولي - العهد غير المعلن: صراع الذات والرغبات والضمير














المزيد.....

العهد غير المعلن: صراع الذات والرغبات والضمير


أسمهان عبد القدوس القره غولي

الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 08:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


«أسوأ أنواع الظلم هو ظلم النفس» في هذه العبارة القصيرة التي أتفق عليها أغلب الفلاسفة يتجسد عمق التجربة الإنسانية وصراعها الأزلي بين النزعات والرغبات والضمير، ففقدان الالتزام الذاتي ليس مجرد تخلي الفرد عن قوانين خارجية أو أعراف اجتماعية، بل هو في حقيقته خيانة المرء لنفسه قبل أن يخون غيره. فحين يختار الإنسان أن يتجاوز ما يعرف في قرارة روحه أنه صواب، ويرضى بأن يغض الطرف عن معايير الحق التي يقرّ بها قلبه، فإنه يرتكب جريمة صامتة ضد ذاته، تتجاوز آثارها ما يظنه مجرد خطأ عابر.
فالعهد غير المعلن الذي يقيمه المرء مع ضميره هو ما يمكن تسميته بالالتزام الذاتي، والذي لا يحتاج معه المرء إلى شاهد أو رقيب، لأنه سيبقى وفياً للمبادئ حتى في أحلك اللحظات التي يغيب فيها التقدير أو الجزاء، بل وحتى حين يغريه الطريق السهل بأن يساوم على ما يؤمن به في سبيل مكاسب ورغبات آنية.
لكن الخطورة تكمن في تعود الإنسان على خيانة ذاته، فنجده دائماً يحاول أن يبرر تنازله عن التزامه تجاهها، حتى يصير الكذب على النفس عادة، وتصبح مهادنة الخطأ خَصلة مألوفة، ولا يعود يشعر بأي وخز أو ألم حين ينكث ذلك العهد، ليعيش بذلك توتراً دائماً وصراعاً مستمراً وحالة من القلق بين ما يعتقده صحيحاً وما يفعله فعلياً، ليتحول بذلك لسخط مكتوم قد يتجسد في هيئة اضطراب نفسي أو شعور بعدم الراحة تفقده سلامه الداخلي، فيحاول بقوة وبغير حق أن يجد ألف ذريعة لتبرير أفعاله، فيقول: «الظروف هي التي أجبرتني» أو «الجميع يفعل ذلك» أو « ما أفعله طبيعي ومن حقي» لكنه في لحظة صفاء، حين يختلي بنفسه، يعرف أن مبرراته هشة، وأنه لو كان أكثر صدقاً مع روحه لما اختار أن يظلمها بهذا التهاون.
فالإنسان حين يخون قناعاته، أو يقسو على ضميره، أو يبرر التلون والازدواجية في سلوكه يتجسد لديه ظلم النفس في صور عديدة، قد تفقده بذلك أهم ما يملك، ألا وهو الاتساق الداخلي. وما قيمة الحياة بلا انسجام بين الظاهر والباطن؟ فالذي يخون التزامه مع نفسه يعيش حياة مزدوجة: وجه يقدمه للناس ليرضوا عنه، وقلب يعرف الحقيقة ويكتوي بها في صمت.
لذا فإن منبع الالتزام الحقيقي ليس الخوف من العقوبة أو الخشية من كلام الناس، بل هو الإيمان العميق بأن كرامة الإنسان تبدأ من أمانته مع نفسه. وأن العدل يبدأ في القلب قبل أن يمتد إلى تعاملاته مع الآخرين. ولعل أعظم الناس مكانة ليس أكثرهم شهرة أو مالاً أو سلطة، بل من ظل وفياً لقيمه، لا يخدع نفسه ولا ينافقها، ليجد بذلك سعادته الأبدية حتى لو خسر ما عداه.
إن أغلب المقولات التي قيلت بهذا الشأن كشفت لنا أن الظلم الذي نمارسه تجاه أنفسنا هو أخطر بكثير من كل ما نخشاه من ظلم الآخرين. فالإنسان قد يبرأ من جراح أصابه بها أقرب الناس، لكنه يظل مثقلًا بجرح سببه لنفسه حين خانها، ولا دواء لذلك إلا أن يستعيد عهده مع ذاته، فيراقب أفعاله بقلب يقظ، ولا يسمح لرغبات عابرة أن تشتري صمته أمام ضميره. هكذا فقط يجد الإنسان طمأنينته وسكينته، ويصبح قادراً على مواجهة الحياة بوجه صادق لا يخشى أن يختلي بنفسه، لأنه يعرف أنه لم يظلمها، ولم يبعها بثمن بخس.



#أسمهان_عبد_القدوس_القره_غولي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حين تشرق الروح- رواية الوجدان والاغتراب للكاتبة سمر السامرا ...


المزيد.....




- القسام عقب عملية بيت حانون: سندكّ هيبة جيشكم
- -الصمت ليس خيارا-.. فرق غنائية أوروبية تواجه الحظر بسبب دعمه ...
- محللون: الصفقة ليست نهاية الحرب وخطاب نتنياهو يؤشر لتراجع عس ...
- -بدنا هدنة-..مباحثات الدوحة على وقع لقاء نتنياهو وترامب في و ...
- هآرتس: أميركا تبني لإسرائيل منشآت عسكرية بمليارات الدولارات ...
- وزير الطوارئ السوري للجزيرة نت: 80 فريقا تعمل لإطفاء حرائق ا ...
- هكذا خانت أوروبا نفسها لأجل إسرائيل
- عاشوراء في طهران.. من الشعائر إلى سرديات الهوية الوطنية
- مفاوضات النووي معلقة بين رفض طهران شروط ترامب وجهلها بما سيف ...
- احتفاء بالظهور الأحدث للـ -زعيم- وألبوم عمرو دياب الجديد.. ا ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أسمهان عبد القدوس القره غولي - العهد غير المعلن: صراع الذات والرغبات والضمير