أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين محمد ابوبكر - التفكير القمري والتفكير الشمسي: قراءة في جدلية الإدراك والتكامل الوجودي















المزيد.....

التفكير القمري والتفكير الشمسي: قراءة في جدلية الإدراك والتكامل الوجودي


عزالدين محمد ابوبكر

الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 23:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من المعروف عن ، العقل الإنساني ؛ أنه لم يتخذ مسارًا واحدًا نحو إدراك العالم عبر التاريخ ، بل تنوّع في طرقه وأساليبه ، وقد عبّرت الرموز الكونية الكبرى ، مثل الشمس والقمر ، عن أنماط مختلفة بل وأحياناً متناقضة من الإدراك ، غير أن هذه التناقضات لا تعني القطيعة ، بل هي محاولة تكشف وجود تكاملٍ عميق في قلب التجربة الإنسانية ، وهذه التدوينة ؛ هي محاولة لتفكيك نموذجي التفكير القمري والشمسي بوصفهما بنيتين رمزيّتين للعقل ، ثم أحاول أن أعرض مدى التقاطع والتكامل بينهما ، وصولاً إلى تصور مركب عن "الوعي الكوني" المتوازن ، ليس ذلك النوع من الوعي الذي يتحدث عنه الجاهلون بـ التراثيات الروحية ، بل هو ذلك الوعي الذي يجعل الإنسان منتميًا إلى الوجود ، وفاهمًا له بما هو موجود.

ومنذ بدايات تاريخ الوجود الإنساني على هذه الأرض ، نجد أن الإنسان لجأ دائماً إلى الرموز ، لكي يفهم ما لا يُدركه مباشرةً ، وكان القمر ومعه الشمس ، من أول هذه الرموز في سجل الرموز الإنسانية حول العالم ؛ حيث لم يُنظر إليهما على أنهما مجرد أجرام سماوية ، بل كـ قوى تمثل أنماطًا نفسية و وجودية ؛ حيث نجد أن الشمس تعني النهار ، الوضوح ، الفعل ، العقل الظاهر ، الهيمنة ، بينما القمر يعني ؛ الليل ، وبالتالي الغموض ، لكنه يعني التلقي والإلهام ، اللاوعي ، الحدس ، التحول ، والفكر لا يتحرك في خط واحد ، بل هو حقل من التوترات بين:

- العلاقة بالعالم ، التي تفهم شمسيًا على أنها مجرد محاولة للسيطرة ، تسعى إلى الفهم وإعادة الضبط ، بينما يمكننا فهمها قمريًا على أنها محاولة تهدف إلى التأمل و الإنصهار ، من أجل التفاعل مع الوجود.
- اللغة ، التي تكون من وجهة نظر شمسية ؛ واضحة وسلسة ، تكون مباشرة وجدية في أغلب الأحيان ، ويكون للمنطق الأرسطي السيادة فيها ؛ بينما تكون حسب الرؤية القمرية ؛ رمزية تحاكي الطبيعة وتأخذ من عناصرها رموزاً ، على سبيل المثال اللغة المصرية القديمة ، وتكون شاعرية حيث أنها ترتبط بـ الإنسان وحياته وشخصانيته ، ويكون منطقها منطقًا وجوديًا إنساني ، يستخدم الإمكانات ويعبر عنها بـ التلميحات ، وهذه الطريقة شبيهه بـ إستخدام أهل التصوف للغة في مؤلفاتهم.
- الزمن ، يعبر عنه بطريقة شمسية ؛ على أنه خطي ، يتنقل بين ثلاث محطات ماضٍ ← حاضر ← مستقبل ، ولا يهتم بـ الأحداث إلا في لحظتها ، ويكون صادمًا للإنسان لأنه يصرخ في وجهه قائلاً: عش كل لحظة على أنها الأخيرة! ، أما من الزاوية القمرية ؛ فنجد أن الزمن دائري يبدأ من نقطة وينتهي عندها ، يبدأ من اللاشيء وينتهي في اللاشيء ، إنه زمن تولدي وتكراري يهتم بـ الأحداث ، ويقوم بـ إعادة إحياءها في ميقاتها ، ويكون مركز الإدراك من الناحية الشمسية ، تحليليًا منطقيًا ، لكنه قمريًا يكون أكثر اهتماماً بـ الحدس التأملي ، ورؤية ما لا يرى.

وفي الحضارات القديمة ، كانت الشمس غالباً مقرّ المعبودات العليا (رع في كمت ، أپوللو في اليونان ، شمش في بابل) ، وهي منبع الحياة والنور ، وأول شيء ظهر على سطح نون ، لكنها أيضاً تمثل السلطة ، النظام ، و الوعي اليقظ ، وفي عصر الأنوار (التنوير) ، مثّل العقل هذه "الشمس الجديدة" ؛ حيث نجد أن رينيه ديكارت قد قال جملته الشهيرة: أنا افكر إذن أنا موجود ، ومن سمات العقل في هذه الفترة هو أنه ، عقل تحليلي يستخدم المنهج الرياضي ، ويتحرك بكل آلية وهو التجلي الحديث للفكر الشمسي.

مزايا هذا النوع من الفكر ، هو أنه يهتم بـ الوضوح والتمييز ، ويقوم بـ بناء الأنظمة القانونية والعلمية ، ولديه المقدرة على التفسير والتحليل والسيطرة على المادة ، لكنه أيضاً يقوم بـ فصل الذات عن العالم ، و سرعان ما يتحول هذا الفصل إلى عزل ، ويميل إلى تقليص المعنى إلى ما هو قابل للقياس.

والقمر هو رمز للتحول والحكمة التي تتسم بـ الغموض ؛ حيث القمر لا يملك ضوءًا ذاتيًا ، بل يعكس ، وفي أثناء انعكاسه يتغير ، وهذه الصفات قد جعلت منه رمزاً لـ اللاوعي ، والحكمة الباطنية ، والزمن الدوري والطقوسي ، وفي الفكر الصوفي نجد أن القمر يعد رمزاً للعقل الحدسي ، السكون ، والعمق ، وفي بعض الأساطير نجده دليلاً لهذه النفوس التائهة ، في رحلتها نحو العبور ، ومزايا هذا التفكير هي ؛ التعمق في الذات ، القدرة على قراءة الرموز والمعاني الباطنة ، والقبول بالتحول ، الموت ، والتجدد ، لكنه قد ينزلق نحو الغموض الزائد ، والسلبية ، و الإنغلاق في اللايقين.

• جدلية العلاقة بين التفكير القمري والشمسي:
في الظاهر ، يمثل التفكير الشمسي و القمري تناقضاً ، مما يجعلنا نحكم عليهما بـ الخصام.
لكن ، في الحقيقة ؛ إن أحدهما يسعى إلى السيطرة والفهم ، والآخر إلى الاحتضان والتأمل ، لكن في العمق ، هما قطبا المعادلة الإنسانية ، مثل اليد اليمنى واليسرى ، لا تستقيم تجربة الإنسان إلا بتفاعلهما ، ونجد أن مارتن هايدجر لم يفصل بين الظهور والخفاء ؛ بل اعتبر الوجود منبثقا من العلاقة بينهما ، بينما نجد في مؤلفات ابن عربي ، عندما نتعمق فيها ، أنه يشير إلى أن العقل شمسي في إدراكه ، قمري في تواضعه ، أي يجمع بين النور والوهم ، وبين الوضوح والرمز.

والكون ذاته يُظهر هذا التكامل ؛ حيث لا يمكن أن يوجد النهار دون ليل يعقبه ، ولا يمكن أن يُدرك القمر إلا من خلال ضوء الشمس ، والزمن الكوني يتنفس بالشمس والقمر معًا ، والعلم الحديث شمسي في جوهره ؛ يعتمد على الملاحظة ، التجريب ، و البرهنة ، بينما الدين بطابعه الطقسي ، خاصة التيار الصوفي أو الغنوصي-القمري ؛ يعتمد على الرمز ، الكشف ، والتأمل.
لكنهما في جوهرهما يتكاملان ؛ يحتاج الدين إلى عقل يُنقيه ، ويحتاج العلم إلى روح تُضفي عليه المعنى.

وهذا الأمر نجده متواجداً ، و بـ كثافة في دنيا الإنسان والأدب ؛ حيث الإنسان يحتاج العقل الشمسي لتنظيم حياته ، و تحديد أهدافها ، ويحتاج العقل القمري ليجد معنى عميقًا للوجود ، و ليعيش اللحظة الروحية التي لا تُختزل في وظيفة ، وفي رواية الحياة نجد الإنسان ، عائشًا على انوار أشعة الشمس ، معتمداً البناء ، التحليل ، الشخصية ، بينما في شعرية الوجود ، نجد الشعر قمريًا يلجأ إلى الغموض ، متحصنًا بـ الكثافة الرمزية ، متكلمًا بـ لغة الليل والحلم ، وفي الأدب الكامل المتوازن ، نجد الاثنين ؛ الشكل والتناغم ، الهيكل والمعنى.

الإنسان ، ليس شمسيًا فقط ، ولا قمريًا فقط.
بل هو كائن يحيا على حافة القطبين ، ويكمن النضج في القدرة على التبديل الواعي بين نمطي التفكير ؛ حيث يضيء الأشياء حين يحتاج إلى الفهم ، ويحتضن الغموض حين يحتاج التغيير أو التأمل ، ويدعو فلاسفة ما بعد الحداثة (مثل إدغار موران) إلى عقل مركب ، يجمع التناقضات ، ويحتمل التوتر بين الوضوح والغموض ، بين النظام و الفوضى ، و هذا هو العقل الذي يحمل الشمس في يده اليمنى ، والقمر في اليسرى.

و إن التفكير القمري والشمسي ، ليسا خصمين ، بل هما وجهان لعملة الإدراك الوجودي ، الشمس تعلمنا أن نرى ، والقمر يعلمنا أن نشعر ، الشمس تمنحنا الخريطة ، والقمر يرينا الحلم ، وبين النهار والليل ، يولد الإنسان... عقلًا يتأرجح بين السيطرة والتسليم ، بين السؤال والصمت ، بين التفكير والمعنى...
ولعل أعمق أنواع الوعي ، هو ذاك الذي يعرف متى يفكر كـ الشمس ، ومتى يصمت كـ القمر...



#عزالدين_محمد_ابوبكر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة ديالكتيكيّة للأحلام ، ونظرات أخرى
- الوعي والتفكير القمري: نحو فهم الوجود من خلال أنماط الإدراك ...
- القمر ، والتفكير القمري على الطريقة المصرية القديمة: بين الد ...
- ديالكتيكيّة تفسير الأحلام عند ابن سيرين
- هل يمكن قراءة الأعمال الكرتونيّة وجوديًا؟
- المنطق الوجوديّ ... -المنطق الذي لا يسعى للتوصل إلى قوانين ث ...
- المنطق الوجودي ... منطق الإنسان الملقى به في الوجود
- مقالة غير ختاميّة عن فلسفة الشوارع المصريّة
- مقالات أدبيّة: الشذرّة الرهاويّة ... من الأدب الرؤيويّ الأپو ...
- مقالات وجودية: نظريّة المراحل الكيركجوريّة
- مقالات وجودية: فلسفة الشوارع المصرية ، الجزء الثاني
- مقالات وجودية: نظريّة المراحل عند كيركجور
- فلسفة الشوارع المصريّة : فلسفة مواقف ، وتفكر إنسانيّ.
- مقالات وجوديّة: أبو الدرداء ، حياته ، ومذهبه ، ومواقفه الوجو ...
- مقالات وجودية: هل يمكن دراسة ”السحر العربي“ وجودياً؟
- مقالات وجودية: كيركجور ومواقفه الفلسفية
- مقالات وجودية: «المتصوف الغريب» ... مقاربات وجودية الجزء الث ...
- مقالات وجودية: «المتصوف الغريب» ، النِفَّريّ مقاربات بين الو ...
- «المتصوف الغريب» ... بدأ من العراق وانتهى في مصر: النِفَّريّ
- وقائع من العصر الذهبي المصري القديم : الجزء الثاني


المزيد.....




- عاجل: إسرائيل تشن هجوماً على مدينة الحديدة في اليمن
- وسط محبيه.. الدالاي لاما يحتفل بعيد ميلاده التسعين في المنفى ...
- تيك توك يعمل على تطوير إصدار جديد قبل بيعه لمستثمرين
- الحكومة مهددة بعد الإعلان عن استدعاء آلاف الحريديم للخدمة ال ...
- حرائق اللاذقية تلتهم 10 آلاف هكتار وتصيب 8 من الدفاع المدني ...
- إسرائيل تعلن شن هجمات على الحديدة باليمن
- تفاصيل انطلاق أوسع حملة إيرانية لترحيل الأفغان غير النظاميين ...
- مفكر فلسطيني: المشروع الصهيوني نجح في الدعم الإمبريالي وفشلن ...
- -الموت لجيش إسرائيل-.. كيف أشعل المغني -فيلان- بريطانيا والع ...
- محللون: إسرائيل أمام خيارين بشأن غزة وحماس لن تتنازل عن 3 نق ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين محمد ابوبكر - التفكير القمري والتفكير الشمسي: قراءة في جدلية الإدراك والتكامل الوجودي