حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 17:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ تَضْيِيقِ مَفْهُومِ التَّقَدُّمِ فِي النَّيُولِيبْرَالِيَّة
تُضَيِّق النَّيُولِيبْرَالِيَّة بِشَكْلٍ كَبِيرٍ مَعْنَى التَّقَدُّمِ، وَتَخْتَزِلَه بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ فِي مَقَايِيسِ إقْتِصَادِيَّة بَحْتَة. هَذَا التَّرْكِيز يُهْمَلُ أَوْ يُقَلِّلُ مِنْ أَهَمِّيَّةِ الْأبْعَاد الْأُخْرَى لِلتَّقَدُّم الْبَشَرِيّ وَالْمُجْتَمِعِي. النَّيُولِيبْرَالِيَّة تُرْكَزُ عَلَى النُّمُوِّ الِإقْتِصَادِيِّ (Economic Growth) الَّذِي يُعْتَبَرُ الْمُحَرِّكُ الْأَسَاسِيُّ لِلتَّقَدُّم. كُلَّمَا زَادَ النَّاتِج الْمَحَلِّيّ الْإِجْمَالِيّ (GDP)، كُلَّمَا اُعْتُبِر الْمُجْتَمَع أَكْثَر تَقَدَّمَا. والِإبْتِكَار التِّكْنُولُوجْيّ (Technological Innovation) الَّذِي يُنْظَّرُ إلَيْهِ كَقُوَّة دَافِعَة لِلْكَفَاءَة وَ الِإنْتِاجِيَّة، وَبِالتَّالِي لِلنَّمو الِإقْتِصَادِيّ. بِالْإِضَافَةِ إلَى زِيَادَةِ النَّاتِج الْمَحَلِّيّ الْإِجْمَالِيُّ (GDP Increase) هُوَ الْمُؤَشِّر الرَّئِيسِيّ للنَّجَاح وَالتَّقَدُّم، وَغَالِبًا مَا يُعْتَبَرُ مُرَادِفًا لِرَفَاهِيَة الْمُجْتَمِعِ. ثُمَّ هُنَاك عَامِل خَلَقَ الثَّرْوَة (Wealth Creation) خَاصَّة لِلْمُسْتَثْمِرِين وَالشَّرِكَاتِ، يَنْظُرُ إلَيْهِ كَعَلَامَة عَلَى الْحَيَوِيَّة الِإقْتِصَادِيَّة وَالتَّقَدُّم. هَذِهِ الْمَقَايِيسُ تُرَكِّزُ عَلَى الْكُمِّ وَالْمَال، وَتَفْتَرِض أَنَّ الْفَوَائِدَ سَتَّتَسَرَبْ بِشَكْلٍ طَبِيعِيٍّ إِلَى جَمِيعِ طَبَقَاتِ الْمُجْتَمَع نَظَرِيَّة "Trickle-Down Effect". بِسَبَبِ هَذَا التَّرْكِيز الضِّيق، غَالِبًا مَا تُهْمَل أَوْ تُهْمَش الْأبْعَادُ الْحَيَوِيَّة الْأُخْرَى لِلتَّقَدُّم، وَاَلَّتِي لَا تُتَرْجَم بِسُهُولَة إلَى قَيِّمٍ سُوقِيَّة. التَّقَدُّم الِإجْتِمَاعِيّ (Social Progress). الْمُسَاوَاة (Equality). وَالْعَدَالَة الِاجْتِمَاعِيَّةَ (Social Justice) لَا تُعْتَبَرُ أَهْدَافًا رَئِيسِيَّةٍ فِي حَدِّ ذَاتِهَا، بَلْ قَدْ يُنْظَّرُ إلَيْهَا أَحْيَانًا كَـعَوَائِق أمَام الْكَفَاءَة السُّوقِيَّة. كَمَا تُقلل النَّيُولِيبْرَالِيَّة مِنْ مَفْهُومِ الْمَسْؤُولِيَّةِ الْجَمَاعِيَّة، وَتُرَكِّز عَلَى الْمَسْؤُولِيَّةِ الْفَرْدِيَّةِ، مِمَّا قَدْ يُضْعِفُ شَبَكَات الْأَمَان الِإجْتِمَاعِيّ وَالْمُبَادِرًات الَّتِي تُعْنَّى بِالْفِئَاتِ الضَّعِيفَةِ. أَمَّا فِيمَا يَخُصُّ التَّقَدُّم البِيئِيّ(Environmental Progress) وَالِإسْتِدَامَة (Sustainability) غَالِبًا مَا يُنْظَّرُ إلَى حِمَايَةِ الْبِيئَة عَلَى أَنَّهَا تَكْلُّفَة أَوْ قَيْدٍ عَلَى النُّمُوِّ الِإقْتِصَادِيِّ. تُفَضِلُ النَّيُولِيبْرَالِيَّة آلِيَات السُّوق مِثْل تَسْعِير الْكَرْبُون عَلَى التَّنْظِيمَات الحُكُومِيَّة الصَّارِمَة، لَكِنَّ هَذِهِ الْآلِيَات قَدْ تَكُونُ غَيْرَ كَافِيَةٍ لِمُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ البِيئِيَّة الْكُبْرَى. إسْتِنْزَاف الْمَوَارِد الطَّبِيعِيَّة وَالتَّلَوُّث قَدْ يُنْظَرُ إلَيْهِمَا كَتَكْلُفَة ضَرُورِيَّةٌ لِتَحْقِيق النُّمُوّ. التَّقَدُّم الْأَخْلَاقِيّ وَنَوْعِيَّة الْحَيَاة (Ethical Progress & Quality of Life) السَّعَادَة (Happiness) وَالرَّوَابِط الْمُجْتَمَعِيَّة (Community Bonds) هَذِهِ الْقِيَمِ غَيْر الْمَادِّيَّةَ لَا تُقَاسُ بِسُهُولَة بِالنَّاتِج الْمَحَلِّي الْإِجْمَالِيّ، وَقَدْ تُهْمَل فِي السَّعْيِ وَرَاءَ الثَّرْوَة الْمَادِّيَّة. جَوْدَة الْحَيَاة (Quality of Life) قَدْ تَتَحَسَّن بَعْضِ جَوَانِبِهَا كَالْوُصُولِ إلَى سِلَعٍ إسْتِهْلَاكِيَّة أَكْثَرُ، لَكِنْ جَوَانِب أُخْرَى مِثْلَ ضُغُوط الْعَمَل، تَأْكُل الْعَلَاقَاتِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ، الْإِجْهَاد النَّفْسِيّ قَدْ تَتَدَهور. الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ قَدِ تُصْبِح مُهَدَّدَة عِنْدَمَا يُنْظَرُ إلَى الْبَشَرِ كـَرَأْسِ مَالِ بَشَرِي يُقَاس بِقِيمَتِه الْإِنْتَاجِيَّة فِي السُّوق.
. مِنْ الْمُسْتَفِيد مِنْ هَذَا التَّقَدُّمِ؟
إذَا كَانَ التَّقَدُّمُ يُقَاس بِمَعْايِير نِيُولِّيبْرَالِيَّة مِثْلُ خَلَق الثَّرْوَة، فَإِنَّ هَذَا التَّقَدُّمِ غَالِبًا مَا يُصْبِحُ غَيْرَ عَادِلٍ وَ يُعَمَّق الإنْقِسَامَات الِإجْتِمَاعِيَّة. الْمُسْتَفَيدُون الْأَسَاسِيون هُمْ:
1. الْقِلَّة اَلثَّرِيَّة (The Wealthy Elite): الْأَفْرَادِ الَّذِينَ يَمْتَلِكَوْن رُؤُوسِ الْأَمْوَالِ الْكَبِيرَة، وَالشَّرِكَات الْكُبْرَى، وَ الْمُسْتَثْمَرَون. فَهُمْ يَسْتَفِيدُونَ مِنْ سِيَاسَاتِ خَفَض الضَّرَائِب، deregulation، وَخَصّْخَصَة الْخِدْمَات.
2. الشَّرِكَات الْكُبْرَى وَالْمُتَعَدِّدَة الْجِنْسَيْات: تُعْطَى لَهُمْ حُرِّيَّةَ أَكْبَرُ فِي الْعَمَلِ وَتُقَلِّل الْقُيُود عَلَيْهِمْ، مِمَّا يُمَكِّنُهُمْ مِنْ تَحْقِيقِ أرْبَاح هَائِلَة.
3. الْفِئَات الْمُنْتِجَة وَالكُفْؤَّة فِي السُّوقِ: الَّذِين يَسْتَطِيعُون التَّكَيُّف مَعَ مُتَطَلِّبَاتِ السُّوق التَّنَافُسِيَّة.
بِالْمُقَابِل، قَدْ تَدْفَعُ الْأَغْلَبِيَّةِ مِنْ الطَّبَقَاتِ الْوُسْطَى وَالْفَقِيرَة، الْعُمَّال، الْفِئَات الضَّعِيفَة ثَمَنًا لِهَذَا التَّقَدُّم.
تَأْكُل الْأُجُور الْحَقِيقِيَّة: ضَعْف النِّقَابِات الْعُمَّالِيَّة وَالضَّغْط التَّنَافسِي يُمْكِنُ أَنْ يُقَلِّلَ مِنْ قُوَّةِ مُسَاوَمَة الْعُمَّال.
تَدَهْوُر الْخِدْمَات الْعَامَّة: خَصّْخَصَة الْخَدَمَات الْأَسَاسِيَّة مِثْلِ التَّعْلِيمِ وَالصِّحَّة تُحَمِلُ الْأَفْرَاد أَعْبَاء مَالِيَّة أَكْبَر.
زِيَادَةُ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ: الْفَجْوَةِ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ تَتَّسِع بِشَكْلٍ مَلْحُوظٍ، مِمَّا يُؤَدِّي إلَى تُؤْتَرات إجْتِمَاعِيَّة. إنْعِدَام الْأَمْن الْوَظِيفِيّ. الْمُرُونَة فِي سُوقِ الْعَمَل تَعْنِي أَنَّ الْوَظَائِفَ قَدْ تَكُونُ أَقَلَّ إسْتِقْرَارًا وَأَمَانًا.
تُضَيَّق النَّيُولِيبْرَالِيَّة بِالْفِعْلِ مَعْنًى التَّقَدُّم بِتَحْوِيلِهِ إلَى مَفْهُومِ إقْتِصَادِيّ كَمِّي بَحْت، مِمَّا يُهْمَل الْأبْعَاد الْحَيَوِيَّة لِلتَّقَدُّم الِإجْتِمَاعِيّ، البِيئِيّ، وَالْأَخْلَاقِيّ. هَذَا التَّضْيِيقَ يُؤَدِّي إلَى نِظَامٍ يُفِيد بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ الْقِلَّةِ عَلَى حِسَابِ الْأَغْلَبِيَّة، وَيُعَمَّق الإنْقِسَامَات الِإجْتِمَاعِيَّة بَدَلًا مِنْ تَقْلِيصُهَا. إنَّهُ يَطْرَحُ تَحَدَّياً كَبِيرًا لِمَفْهُومِنا الشَّامِلِ لِلرَّفَاهِيَة الْبَشَرِيَّة وَالْمُجْتَمَعِيَّة. يُمْكِنُ أَنْ نَعْتَبِرَ هَذَا التَّضْيِيقَ لِمَفْهُوم التَّقَدُّم بِمَثَابَة الْأَمْر الْحَتْمِيّ فِي الْأَنْظِمَةِ الِإقْتِصَادِيَّة الْحَدِيثَة، لَكِنْ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ يُمْكِنُ أَنْ نَتَصَوَّرَ نَمَاذِج إقْتِصَادِيَّة تُرَكِّزُ عَلَى التَّقَدُّمِ الشَّامِل؟
_ كَيْفَ تَوَجَّه النَّيُولِيبْرَالِيَّة الْعِلْمُ نَحْو الْمَصَالِح الضَّيِّقَة؟
هَذِهِ إحْدَى النُّقَط الْمِحْوَرُيَّة فِي نَقْد النَّيُولِيبْرَالِيَّة وَتَأْثِيرِهَا عَلَى مَسَار الْعِلْمِ وَالْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ. هُنَاكَ أَدِلَّةٌ قَوِيَّةٌ تُشِيرُ إلَى أَنْ الْعِلْمِ فِي ظِلِّ النَّيُولِيبْرَالِيَّة قَدْ يَخْدُمُ الْمَصَالِح الضَّيِّقَة، وَإِنْ الِإكْتِشَافَات الْعِلْمِيَّةِ قَدْ تُوَجِّهُ لِخِدْمَة أَهْدَاف مُعَيَّنَة تَتَمَاشَى مَعَ مَنْطِقِ السُّوق.
1. خَصْخَصَة وَتَمْوِيل الْبَحْثُ الْعِلْمِيِّ: فِي النَّمُوذَجِ النَّيوليبْرَالِيّ، تُقَلِّل الْحُكُومَاتِ مِنْ تَمْوِيل الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ الأَسَاسِيّ الَّذِي قَدْ لَا يُقَدَّمُ فَائِدَة تِجَارِيَّة فَوْرِيَّة، بَيْنَمَا تُشَجِّعَ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى التَّمْوِيل الْخَاصِّ مِنْ الشَّرِكَات. عِنْدَمَا تُصْبِح الشَّرِكَات هِي الْمُمَوَّل الرَّئِيسِيّ، فَإِنَّهَا تَوَجُّهُ الْبَحْثِ نَحْو الْمَجَالَاتِ الَّتِي تَحَقَّقَ لَهَا أَقْصَى عَائِدٌ عَلَى الِإسْتِثْمَار (ROI)، مِثْل تَطْوِير مُنْتَجَات جَدِيدَة ( أَدْوِيَة، تِقْنِيَات، برمَجِيَّات) قَابِلَةٍ لِلتَّسْوِيق وَ الرِّبْح السَّرِيع، حَتَّى لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمُنْتَجَات تُفِيد شَرِيحَة صَغِيرَةً أَوْ تَزِيدُ مِنْ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ. هَذَا يُؤَدِّي إلَى تَرَاجُعِ الْبَحْثِ فِي مَجَالَاتِ حَيَّوِيَّة لَا تُدِرُّ أَرْبَاحًا مُبَاشَرَة، مِثْلَ الْأَمْرَاضِ النَّادِرَة، مَشَاكِل الْمِيَاهِ فِي الدُّوَلِ الْفَقِيرَةِ، أَوْ حُلُولِ الطَّاقَة الْمُسْتَدَامَة الَّتِي لَا تُفِيدُ قِطَاعَات صِنَاعِيَّة مُعَيَّنَة.
2. التَّرْكِيزِ عَلَى التَّطْبِيقِ التِّجَارِيّ بَدَلًا مِنْ الْمَعْرِفَةِ الْأَسَاسِيَّة: تُشَجِّع النَّيُولِيبْرَالِيَّة عَلَى الْبَحْثِ التَّطْبِيقِيّ الَّذِي يُمْكِنُ تَحْوِيلُهُ بِسُرْعَةٍ إِلَى بَرَاءَات إخْتِرَاع وَمُنْتَجًات. بَيْنَمَا الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ الأَسَاسِيّ، الَّذِي يَهْدِفُ إِلَى فَهْمِ الظَّوَاهِرِ الطَّبِيعِيَّةِ دُونَ هَدَفٍ تِجَارِي مُبَاشِر، قَدْ يُعَانِي مِنْ نَقْصِ التَّمْوِيل وَالتَّقْدِيرُ. هَذَا يُضَيِّقُ قَاعِدَة الْمَعْرِفَة وَيُقَلِّلَ مِنْ الِإكْتِشَافَات الثَّوْرِيُّة الَّتِي قَدْ لَا تَظْهَرُ قِيمَتِهَا التِّجَارِيَّة إلَّا بَعْدَ عُقُود. الْجَامِعَات نَفْسِهَا تُصْبِح مُطَالَبَة بِأَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ كَفَاءَة وَإِنْتَاجُيَّة مِنْ مَنْظُورٍ سُوقِيّ، مِمَّا يُشَجِّعُ الْأَسَاتِذَة وَالْبَاحِثِين عَلَى السَّعْيِ وَرَاءَ الْمِنَح الْمُرْتَبِطَة بِالْقِطَّاع الْخَاصّ.
3. تَأْثِيرِ الْأَبْحَاث الْمُوَجَّهَة (---dir---ected Research): تُصْبِح أَوْلَوِيَّات الْبَحْثُ مُحَدَّدَة لَيْسَ بِنَاءً عَلَى الإِحْتِيَاجَات الْمُجْتَمَعِيَّة الْأَكْثَرَ إِلْحَاحًا، بَلْ بِنَاءً عَلَى الْفُرَص السُّوقِيَّة وَ الْمَصَالِحَ الِإقْتِصَادِيَّة. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، قَدْ تُرْكَز شَرِكَات الْأَدْوِيَةَ عَلَى تَطْوِير أَدْوِيَة لِأَمْرَاض تُصِيب أَعْدَادًا كَبِيرَةً مِنْ السُّكَّانِ فِي الدُّوَلِ الْغُنْيَة، حَتَّى لَوْ كَانَتْ هُنَاكَ أَمْرَاض فَتَّاكَة تُصِيب الْمَلَايِينُ فِي الدُّوَلِ الْفَقِيرَة وَلَكِنْ سُوقِهَا ضَعِيف.
4. تَأْثِيرِ الْقُوَّة التِّكْنُولُوجِيَّة وَالسَّيْطَرَةَ عَلَى الْبَيَانَاتِ: شَرِكَات التِّكْنُولُوجْيَا الْكُبْرَى الَّتِي تَعْمَلُ ضِمْنَ الْمَنْطِقِ النَّيوليبْرَالِيّ تَسْتَثمر بِشَكْلٍ هَائِل فِي الْبَحْثِ وَالتَّطْوِير الَّذِي يُعَزِّز هَيْمَنَتُهَا عَلَى الْبَيَانَاتِ، وَيُمْكِنُهَا مِنْ تَطْوِيرٍ أَدَوَات مُرَاقَبَةٍ، أَوْ زِيَادَةٍ إسْتِهْلَاك الْمُسْتَخْدِمِين لِخِدْمَاتِهَا، مِمَّا يُتَرْجَمُ إِلَى إرْبَاح ضَخْمَة وَقُوَّة سُوقِيَّة. هَذَا قَدْ لَا يُفِيدُ الْمُجْتَمَعَ كَكُلّ بِالضَّرُورَةِ، بَلْ قَدْ يُثِيرُ مَخَاوِفَ حَوْل الْخُصُوصِيَّة، الدِّيمُقْرَاطِيَّة، وَ التَّلَاعُب.
. إهْمَالُ الْمُشْكِلَات الْعَالَمِيَّة الْكُبْرَى:
بِسَبَب التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْمَصَالِح الضَّيِّقَة، غَالِبًا مَا تُهْمَل الْمُشْكِلَات الْعَالَمِيَّة الْكُبْرَى الَّتِي لَا تُقَدَّمُ حَوَافِز رِبْحِيَّة فَوْرِيَّةً، أَوْ تَتَطَلَّب حُلُولًا جَمَاعِيَّة تَتَجَاوَز مَنْطِق السُّوق الْفَرْدِيّ.
الْفَقْرَ: لَا يَنْظُرُ إلَى الْبَحْثِ عَنْ حُلُولِ جِذْرِيَّة لِلْفَقْر عَلَى أَنَّهُ مَجَال مُرْبِح لِلشَّرِكَات.
الأَوْبِئَة "خَاصَّةً فِي الدُّوَلِ الْفَقِيرَة": الْبَحْثِ عَنْ لِقَاحَات وَ عِلَاجًات لِأَمْرَاضِ تُصِيب مَنَاطِقَ غَيْرَ مُرْبِحَة إقْتِصَادِيًّا قَدْ لَا يَحْظَى بِالِإهْتِمَام الْكَافِي.
التَّغَيُّرُ الْمُنَاخِيّ: عَلَى الرَّغْمِ مِنْ الِإهْتِمَامِ الْمُتَزَايِد، إلَّا أَنْ الحُلُولِ الجِذْرِيَّةِ تَتَطَلَّب إسْتِثْمَارَات ضَخْمَة وَتَغْيِيرِات هَيْكَلِيَّة قَدْ لَا تَكُونُ مُرْبِحَة عَلَى الْمَدَى الْقَصِيرِ، مِمَّا يُعِيقُ الْبَحْثِ فِي هَذَا الِإتِّجَاهَ مُقَارَنَة بِبَحْث يُؤَدِّي لِأرْباح سَرِيعَة.
الْمُسَاوَاة وَالْعَدَالَة الِإجْتِمَاعِيَّةَ: لَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْقَضَايَا مُحَفِّزًا مُبَاشِرًا لِلْبَحْث الْعِلْمِيِّ فِي ظِلِّ النَّيُولِيبْرَالِيَّة، إلَّا إذَا كَانَتْ تُقَدِّمُ فُرْصَة لِخَلْق سُوق جَدِيدَة مِثْل تِقْنِيَات التَّعْلِيمِ الَّتِي تُعَزِّزُ الْفَجْوَة بَدَلًا مِنْ سَدِّهَا.
يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْعِلْمَ فِي ظِلِّ النَّيُولِيبْرَالِيَّة يُصْبِحُ عُرْضَّة بِشَكْل مُتَزَايِد لِخِدْمَة الْمَصَالِح الضَّيِّقَة خَاصَّة الِإقْتِصَادِيَّةِ وَ السِّيَاسِيَّةِ عَلَى حِسَابِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ الْعَالَمِيَّة الْكُبْرَى. هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ جَمِيعَ الِإكْتِشَافَات الْعِلْمِيَّةِ فِي هَذَا الْإِطَارِ لَا تُفِيدُ الْبَشَرِيَّة، وَلَكِنْ يُصْبِح هُنَاك تَوْجِيه وَاضِح لِلْمَوَارِد وَالْجُهُود الْبَحْثَيْة نَحْوُ الْأَهْدَافِ الَّتِي تَتَوَافَقُ مَعَ مَنْطِقِ السُّوق وَالرِّبْحُيَّة، مِمَّا يُحْدِّثُ خَلَلًا فِي التَّوَازُنِ بَيْنَ الْعِلْمِ كَأَدَاة لِلْمَعْرِفَة الْخَالِصَة وَالْعِلْم كَقُوَّة دَافِعَة لِلتَّنْمِيَة الشَّامِلَة وَالعَادِلَة. هَذَا يَطْرَحُ سُؤَالًا مُهِّماً، كَيْف يُمْكِنُنَا إعَادَة تَوْجِيه الْعِلْم لِخِدْمَة الْبَشَرِيَّة جَمْعَاء، وَلَيْس فَقَطْ الْقِلَّةِ الَّتِي تُسَيْطِرُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ؟
هَذِهِ التَّسَاؤُلَاتِ الْفَلْسَفِيَّة تُؤَكِّدُ عَلَى الْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ لـمُرَاجَعَة نَقْدِيَّة عَمِيقَة لِلنَّمُوذَج النَّيوليبْرَالِيّ. لَقَدْ سَلَّطْت الضَّوْء بِوُضُوحٍ عَلَى التَّوَتُّرِات الْجَوْهَرِيَّةِ بَيْن الْمَبَادِئ الْأَسَاسِيَّة لِلنَّيُولِيبْرَالِيَّة وَالْإِهْدَاف الْأَوْسَعُ لِلتَّقَدُّم الْبَشَرِيّ. خُلَاصَةٌ الْبَحْث والتَّحْلِيل تُعَبِّرُ عَنْ رُؤْيَةِ شَامِلَة وَ حَيَوِيَّة لِلْمُسْتَقْبَلِ مَعَ ضَرُورَةِ إيجَاد تَوَازُن حَاسِم بَيْنَ حُرِّيَّةِ السُّوقِ الَّتِي تُشَجِّع الِإبْتِكَار وَالْكَفَاءَة. وَتَقَدُّم الْعِلْم كَقُوَّة دَافِعَة لِلْمَعْرِفَة وَالتَّطَوُّر. ثُمَّ الِإلْتِزَامُ بِقِيَم أَخْلَاقِيَّة شَامِلَة تَضَع الصَّالِح الْعَامّ، الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، الْعَدَالَة، والِإسْتِدَامَةُ فِي صَمِيمِ أَيْ تَعْرِيفُ لِلتَّقَدُّم. إنْ بِنَاء مُجْتَمَعَات أَكْثَر إِنْسَانِيَّة، عَدَالَة، وَإسْتِدَامَة يَتَطَلَّب مِنَّا تَجَاوَز النَّظْرَةِ الضَّيِّقَةِ لِلتَّقَدُّم الْقَائِمَةِ عَلَى النُّمُوِّ الِإقْتِصَادِيِّ فَقَطْ. يَجِبُ أَنْ نُعِيدَ تَعْرِيف النَّجَاح لِيَشْمَل الرَّفَاه الِإجْتِمَاعِيِّ، الْحِفَّاظُ عَلَى الْبِيئَةِ، وَتَعْزِيز الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تُغَنِّي الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ. هَذَا التَّحَدِّي لَيْس إقْتِصَادِيًّا أَوْ سِيَاسِيًّا فَقَطْ، بَلْ هُوَ تَحَدٍّ فَلْسَفِيّ وَأَخْلَاقِيّ يُحَدِّد نَوْعُ الْعَالَمِ الَّذِي نُرِيدُ أَنْ نَعِيشُ فِيهِ وَنُوَرِّثَهُ لِلْإِجْيَال الْقَادِمَة.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟